الأربعاء، 18 أغسطس 2010

الخليج.. بين خيار الاستثمار في العمارات والمجمعات أو القمامة؟!

2010-08-18

استبدال المناطق البيئية والترويحية بالمساكن الحديدية والخرسانية
إقامة مشاريع منتجة تهتم بالمحافظة على الثروات البيئية
إعادة التدوير قد تكون مصدرا للوقود والتدفئة والكهرباء
مشروع ألماني رائد لفت اهتمام وسائل الإعلام العالمية

من أجمل المناطق التي اعتدنا الذهاب اليها خصوصا في فصل الصيف القاتل منطقة (المحرقة) وتقع مقابل "مبنى سلاح الجو"، وهي تتمتع بأنها منطقة ساحلية خلابة يحدها البحر، لذا كانت مقصد المواطنين والاجانب والسياح، الذين يحبون السباحة والصيد وخصوصا سـرطـان الـبـحـر (القبقب) والقواقع الصغيرة (الحويت. وهناك كانت اجمل الذكريات التي قضيناها في الدراسة والتحضير للاختبارات الثانوية ونهاية السنة، بالاضافة الى القراءة والمطالعة بعمق وشغف للقصص والرويات الخيالية والرومانسية التي بنت خيالنا المسافر الجامح في المرحلة الجامعية. واليوم اختفت المنطقة وتحولت الى مبان للمطار الجديد، وتلاشت معها الكثير من المناطق البيئية والترويحية وحلت محلها المساكن والمباني الحديدية والخرسانية؟!
موضوعي اليوم ليس عن البيئة وهو حديث طويل ذو شجون، بل عن افعالنا وسلوكنا وطريقتنا الهمجية في تدمير البيئة والقضاء على الحياة الفطرية فيها. ونحن بحاجة لسن تشريعات وقوانين وانطمة اكثر تشددا في التعامل مع الاستهتار والعبث بالبيئة وغرس الثقافة البيئية في الاطفال وطلاب المدارس والمنازل وفي وسائل الاعلام. واقامة مشاريع منتجة تهتم حتى بأدق التفاصيل في المحافظة على الثروات البيئية والتأكد من توفير شروط السلامة لحاضرها ومستقبلها في المجتمع. لقد تطرقت لمنطقة (المحرقة) لانها كانت ايضا منطقة (حرق القمامة والنفايات) ويقال ان الاسم اطلق عليها بسبب ذلك، وهي كانت مفارقة ان اجمل المناطق في الدوحة، ينبعث منها اقذر الروائح في المدينة؟! لقد اثار انتباهي في الايام الماضية بروز عدة مشاريع رائدة للتخلص من النفايات والقمامة بطريقة حضارية واعادة انتاجها وتدويرها واستثمارها (Recycling)، من خلال صنع مواد عضوية مفيدة منها.
والتدوير كما يشير الاستاذ (صادق كاظم) هو عملية إعادة تصنيع واستخدام المخلفات، سواء المنزلية أم الصناعية أم الزراعية، وذلك لتقليل تأثير هذه المخلفات وتراكمها على البيئة، وتتم هذه العملية عن طريق تصنيف وفصل المخلفات على أساس المواد الخام الموجودة بها ثم إعادة تصنيع كل مادة على حدة بدأت فكرة إعادة التدوير أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث كانت الدول تعانى من النقص الشديد في بعض المواد الأساسية مثل المطاط، ما دفعها إلى تجميع تلك المواد من المخلفات لإعادة استخدامها. وبعد سنوات أصبحت عملية إعادة التدوير من أهم أساليب إدارة التخلص من المخلفات؛ ذلك للفوائد البيئية العديدة لهذه العملية. لسنوات عديدة كانت إعادة التدوير المباشر عن طريق منتجي مواد المخلفات (الخردة) هي الشكل الأساسي لإعادة التدوير، ولكن مع بداية التسعينيات بدأ التركيز على إعادة التدوير غير المباشر أي تصنيع مواد المخلفات لإنتاج منتجات أخرى تعتمد على نفس المادة الخام مثل: إعادة تدوير الزجاج والورق والبلاستيك والألومنيوم وغيرها من المواد التي يتم الآن إعادة تدويرها. وقد اكدت التجارب العملية في هذا المجال أنه إذا تم أخذ برامج إعادة التدوير بمأخذ الجد من الممكن أن تساعد في تخفيض تكلفة المواد الخام وتكلفة التشغيل، فضلا عن فائدتها البيئية من خلال تقليل التلوث البيئي.
في المانيا مشروع مميز لفت اهتمام وسائل الاعلام العالمية، مدينة (غيلزنكريشن) وخلال السنوات الماضية من الجهد والمثابرة والعمل الدؤوب تعد اليوم من ابرز المدن في اوروبا التي تعالج فيها النفايات الحيوية، الأمر الذي يمكن من توليد غازات حيوية يمكن الاستفادة منها في تشغيل محطات طاقة، وتتم حاليا تغذية اكثر من 4000 منزل في مدينة (غيلزنكيرشن) بالطاقة الكهربائية المستمدة من مجمع معالجة النفايات، وهو يمثل اهم كتلة حيوية لمصدر الطاقة المتجددة الذي يعتمد على القمامة والنفايات وأكثر أشكال هذه الطاقة فعالية. وسواء كان مصدر هذه الكتلة الفضلات او مخلفات المواشي او نشارة الخشب او بقايا النباتات، والمواد الاولية المتجددة كالخشب والشمندر واللفت والقصب فكلها عبارة عن مصدر للوقود والتدفئة والكهرباء.
انشئ مصنع كليزنكيرشن لانتاج الطاقة من القمامة عام 2005، و بدأ مثل غيره يعتمد على مواد كان يتم التخلص منها من اجل حماية البيئة والطبيعة، ومع تعاظم الحاجة الى مصادر الطاقة المتجددة تزايد عدد المصانع الى ان وصل اليوم الى الف مصنع في كل أنحاء ألمانيا انتجت العام الماضي عشرة مليارات كيلو من الكهرباء، بزيادة وصلت الى اربعة مليارات مقارنة مع عام 2008.
ولقد ادت قلة تكاليف هذه الطاقة من الكتل الحيوية الى زيادة نسبة مساهمتها في انتاج الكهرباء باستمرار، فحسب تقديرات وزارة البيئة الاتحادية تصل النسبة الى حوالي 20 في المائة من طاقة التدفئة في كل المانيا، خاصة بعد ارتفاع سعر الغاز الطبيعي ومحاولة من المانيا التقليل من اعتمادها على الغاز الذي تشتريه في الخارج، وبالاخص الغاز الآتي من روسيا عبر اوكرانيا.
المشروع الآخر سويسري وهو جاء بعد النجاح الالماني، وهو يأتي كرؤية استراتيجية استثمارية بعيدة المدى ودخلت فيها المؤسسات والشركات الخاصة بمباركة حكومية، والبدابة تأتي من الشركة السويدية (اليكترولوكس) لصنع الاجهزة الكهربائية المنزلية والتي تقوم بجمع القطع البلاستيك الطافية في المحيطات والانهار لصنع مكانس كهربائية، والشركة وتعد ثاني اكبر شركة لصنع الادوات الكهربائية المنزلية، وعملها يكمن في جمع قطع البلاستيك من جزر النفايات الطافية في المحيطات الهادي والاطلسي والهندي ومن ثلاثة بحور اوروبية واستخدام هذه المادة لصنع مكانس كهربائية.
ومن الفوائد البيئية والاقتصادية في تدوير النفايات، يشير د. طارق حسين — خبير البيئة الدولي، الى انها تكمن في التقليل من تلوث البيئة، نتيجة التخلص من النفايات عن طريق الدفن أو الحرق، تقليل الاعتماد على استيراد المواد الأولية، توفير فرص صناعية جديدة لأصحاب رؤوس الأموال وتوفير فرص عمالة جديدة، وتوفير الطاقة، ومن أهم الصناعات التي تعتمد على النفايات المنزلية، السماد العضوي والورق والزجاج والحديد والألومنيوم واللدائن والخشب، حتى أن الورق كمخلفات عندما يتم تجميعه ليصل إلى عدة أطنان يكون ذا قيمة حقيقية.
اذا كان لنا في دول الخليج كمواطنين الخيار في الاستثمار في المباني والعمارات والمساكن التجارية، الاستحواذ على المجمعات التجارية مثل (هارودز) وشراء النوادي البريطانية والاوروبية، فاننا نفضل ان يتم الاستثمار في مشاريع انتاجية حقيقية تخدم الوطن ولا تضيع مقدراته في السوق المتقلبة، وخصوصا ان الازمة الاقتصادية اعطتنا درس العمر في التعلم من الاخطاء والمغامرة غير محسوبة العواقب والتي ما زالت دبي تدفع ثمنها؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق