الأربعاء، 1 سبتمبر 2010

مشروع المركز الإسلامي في أمريكا مقر يجمع كل الديانات؟!

2010-09-01
جريدة الشرق

استطلاعات الرأي مازالت تشير إلى تزايد التحيز ضد المسلمين
هل يمكن إنهاء التوتر بين الغرب والمسلمين في 10 أعوام؟

في العام الماضي دعوت مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان إلى الخروج من عقلية قاعة الفنادق الخمس نجوم، والتوجه إلى الناس في الشوارع والأماكن العامة والمحافل والتجمعات ودور العبادة، والمساهمة قي نشر ثقافة التسامح والقبول والتعايش والتراحم عمليا وليس نظريا بين مختلف الأديان والقوميات والأعراق. ولكن الحوار كان أشبه بشرح عملية التحليق في الفضاء، لأشخاص مهتمون بإعادة صناعة العجلة؟!
حوارات الأديان لم تأتي بالنتائج والثمار المرجوة منها لا في الدوحة ولا دول الخليج ولا حتى الدول الغربية والولايات المتحدة، هي ظلت محصورة في وسط نخب تتحدث مع نفسها في غرف محكمة ومغلقة ذات جدران عالية، وهاهي الاستطلاعات الأخيرة التي نشرت تدل على الخوف والرهبة والنظرة السلبية اتجاه العقائد الأخرى وغالبا ما يكون الضحية الكبرى في الحديث عن الأديان هو "الإسلام" الذي يحتل المكانة الأبرز في وسائل الإعلام العالمية ويضع بين قوسين؟! أن رئيس أكبر دولة في العالم يفقد جزءا كبيرا من شعبيته إذا تم ربط اسمه بالإسلام، وبحسب الاستطلاع الذي أجراه "منتدى بيو للأديان والحياة العامة" (Pew Research Centre)، فإن واحدا من كل خمسة أمريكيين يعتقدون أن الرئيس باراك أوباما يعتنق الدين الإسلامي، مقارنة بنتائج استطلاع آخر جرى العام الماضي، أظهر أن شخصاً من كل عشرة أمريكيين يعتقدون أن أوباما مسلماً. ومع أن الأمر ينفيه أوباما في كل مرة ويؤكد انه مسيحى ويواظب على أداء الصلوات اليومية، مع ذلك أشارت الأرقام إلى أن "36 %" من الأمريكيين الأفارقة لا يعرفون الديانة التي يعتنقها أول رئيس أمريكي من أصل أفريقي؟!
انقسام حاد أحدثته الضجة حول مشروع بناء مسجد ومركز ثقافي إسلامي على مقربة من الموقع الذي ارتكبت فيه اعتداءات 11سبتمبر 2001 في نيويورك مما يخشى من وقوع أعمال إرهابية جديدة أو أعمال عنف مستجدة؟ وهي تزامنت مع محاولة أميركي مسلم من أصل باكستاني تفجير سيارة مفخخة في تايمز سكوير، وشروع أعضاء في الكونغرس على اقتراح قانون جديد لإسقاط الجنسية الأميركية عن كل شخص يشتبه في انه على علاقة بمنظمات إرهابية وهي سابقة سببها "مسلم". الاستطلاع الذي أجرته مجلة تايم أشار إلى أن ما يقارب سبعة من كل عشرة أمريكيين يتابعون عن كثب هذه الضجة، وأن "61 %" من المستطلعة آراؤهم يعارضون بناء المسجد، كما أن "43 %" من الأميركيين لديهم آراء سلبية عن المسلمين. وزاد عليه استطلاع محطة "سي ان ان" في أن "68 %" من الأميركيين يعارضون هذا المشروع بينما يؤيده "29 %". مركز جالوب "Gallup" في دراسة استطلاعية منهجية عن الإسلام ذكر أن "63 %" من الأمريكيين يقولون إن معرفتهم بالإسلام قليلة جدا أو منعدمة، وان "43 %" من الشعب الأمريكي يعترفون بالتحيز ضد المسلمين، في حين جاء تحيزهم ضد الديانة المسيحية بنسبة "18 %" واليهودية بنسبة "%15" والبوذية بنسبة "%14". في تعليق على الاستطلاعات الصادمة وردود الأفعال السلبية أشار أحد الباحثين المسلمين إلى أن الحال الآن أسوأ بكثير جدا عنه بعد "11" سبتمبر أيلول 2001.
التحركات بعد الاستطلاعات جاءت في دعوة كنيسة متطرفة وهي دوف ورلد اوتريتش سنتر،"Dove World Outreach Center"، في ولاية فلوريدا "التي درسنا فيها مرحلة الماجستير وتتميز بالتنوع العرقي"، إلى إحراق المصاحف في الذكرى التاسعة لهجمات سبتمبر المقبل، أثناء الاحتفال بالذكرى السنوية التاسعة. وقالت إنها تسعى إلى أن تجعل من تلك الذكرى حملة كبيرة ومستمرة لوقف أسلمة أميركا. ولبى الدعوة كما يبدوا منظمة تطلق على نفسها «أوقفوا أسلمة أميركا» وهي دعت من جانبها إلى مؤتمر حاشد بنيويورك يوم 11 سبتمبر للتنديد "بالإسلام المتطرف" بالتعاون مع أنصار وناشطي حملات «حزب حفلات الشاي» "Tea Parties". الرئيس السابق لمجلس الشيوخ الأميركي نيوت غنغرتش وهو جمهوري في تعليق له على الأحداث رفض السماح ببناء المركز الإسلامي المذكور وطالب السعودية بالسماح ببناء معبد يهودي وكنيسة بجوار الحرم في مكة في المقابل. أما أبرز الحوادث جاءت في اتهام شاب "21 عاماً" بالشروع في قتل وارتكاب جرائم بدافع الكراهية ضد سائق سيارة أجرة مسلم. وهو أجرى نقاشاً هادئاً مع السائق عن الإسلام قبل أن يضربه بسكين من الخلف؟ الغريب في الأمر أن الشاب المتهم سافر أخيراً إلى أفغانستان بينما كان يعد فيلماً وثائقياً عن الجنود الأميركيين، وعمل أيضاً متطوعاً مع مجموعة في نيويورك تروج للتفاهم بين الثقافات؟! صحيفة الغارديان علقت "أن هذا الحادث نتاج طبيعي للجدل الدائر في نيويورك حول الإسلام حالياً" ، وتساءلت الصحيفة «هل اندهش أي منكم لدى سماعه بتعرض مسلم للطعن في نيويورك؟» وتضيف «من يندهش لمثل هذا الأمر كأنما كان يمشي أثناء نومه خلال الأسبوعين الماضيين».
ردود الأفعال المضادة جاءت قوية وحاسمة وهي ما يميز أمريكا عن غيرها في أوروبا وبقية والعالم فعمدة رئيس بلدية نيويورك مايكل بلومبرغ رفض الهجوم وأدانه بشدة وقال هذا الهجوم يتعارض مع كل ما يؤمن به أهل نيويورك أيا كان الإله الذي نصلي له. كما دعم كل من عمدة نيويورك مايكل بلومبيرغ وديفيد باترسون حاكم ولاية نيويورك الديمقراطي، مشروع بناء المركز الثقافي الإسلامي بالإضافة إلى تصريح الرئيس الأمريكي الذي أكد حرية المعتقد التي يضمنها الدستور الأميركي عن الحق في بناء مسجد قرب موقع اعتداءات 11 سبتمبر 2001 في نيويورك.
مسألة أثارت الاستغراب أشارت إلى أن ديفيد باترسون قدم قطعة أرض يملكها في حي مانهاتن في نيويورك الى مشرف مشروع تشييد المركز الإسلامي الإمام فيصل عبدالرؤوف ولكن الأخير رفض العرض و"أصر" أو "الح" كما يقول الإمام العادل أقصد "عادل إمام"، على بناء المركز الإسلامي والمسجد على بعد عدة أمتار من موقع غراوند زيرو؟! وهو لو وافق لا انتهت الضجة وما تعرض أحد لطعن وجرائم عنصرية بسبب هذه الأزمة المصطنعة التي قد تسيل في سبيلها الكثير من الدماء؟! الإمام عبدالرؤوف يقوم بجولة على حساب الخارجية الأمريكية في بعض الدول العربية والخليجية منها البحرين وقطر والإمارات تهدف إلى تعزيز التفاهم بين أتباع كل الأديان في العالم لمواجهة التطرف. وهو يسعى أيضا لترويج لمشروعه والسؤال "المشروع" لو نجح مشروع بناء المركز الذي سيكلف المتبرعين ما تبلغ كلفتها الإجمالية نحو مائة مليون دولار، هل يضمن عدم إقدام أحد المتطرفين على رمي عبوة ناسفه تفجر المركز وكل ما بداخله بواسطة قنينة "كوكا كولا" ملغمة من سوبر ماركت؟! أو أن يتم اطلاق النار بشكل عشوائية من قبل متطرف يحصل على السلاح المتوفر في المتجر المجاور للمركز الإسلامي المزمع إقامته "انها نيويورك يا سيدي"؟! لماذا لم يأخذ الإمام عبدالرؤوف بقول الرسول "جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً" ويقوم ببناء المركز في أماكن أخرى ويجنب المسلمين خصوصا الامريكيين منهم شر المعركة التي ليس لهم فيها ناقة ولا جمل؟!
لديَّ اقتراح أعرضه على الإمام عبدالرؤوف وربما هو في زيارته إلى الدوحة حاليا يسمعني عن قرب، الأمر لو تم فعلا ستكون معركة رابحة تعزز من صورة الإسلام وترسي ثقافة التسامح ويتحول فيها هو شخصيا إلى زعيم روحي عالمي يشار إليه بالبنان أشبه الدالاي لاما والأم تريزا، وهو أن يحول مشروع المركز إلى مقر ومسمى ومحفل عالمي، يجمع كل الديانات والعقائد والملل والأعراق اليهودية، والمسيحية، والإسلام، البوذية والكونفوشية والهندوسية والشنتو والطاوية وأصحاب الفلسفات والمناهج الفكرية المعتبرة وغيرها. مشروع لا تتحكم فيه رؤية واحدة وأيديولوجيات ضيقة وقضايا سياسية وحزبية. مشروع يحمل نوايا صادقة تؤمن بالحوار الحضاري والتسامح والقبول بالآخر والتعايش السلمي المشترك وثقافة التنوع. إذا كان الإمام عبدالرؤوف فعلا مؤمن أن التوتر بين الغرب والمسلمين يمكن إنهاؤه في 10 أعوام كما تشير تصريحاته فهذا أفضل مشروع يبدأ فيه و"من هنا نبدأ" تيمنا بعنوان كتاب خالد محمد خالد.
من الأخبار التي أثلجت الصدر وأتمنى أن تحقق هذه السنة جاء بيان للمشروع الإسلامي لرصد الأهلة حول عيد الفطر، الذي حدد يوم الجمعة الموافق 10 أيلول "سبتمبر" وليس التاسع، فلا نحبذ ان يتصادف عيد الفطر هذا العام مع الذكرى السنوية التاسعة للهجوم الذي نفذه 19 شخصاً من أصول إسلامية، في 11 أيلول (سبتمبر) 2001 على برجي التجارة العالميين في نيويورك. وهو الأمر الذي أثار القلق لدى المسلمين في أمريكا بشأن إقامة الاحتفالات بهذه المناسبة الدينية، تزامناً مع حزن ذوي الضحايا الذين قضوا نحبهم في تلك الحادثة المفجعة. وأتمنى من كل قلبي أن تمر هذه الذكرى بسلام دون وقوع حوادث أو ضحايا اللهم آمين.
احد الزملاء سألني لماذا كل هذا الاهتمام المستمر الذي أوليه لحوار الأديان وهو مضيعة للوقت والجهد؟! تذكرت حينها المقولة التي أشرت إليها سابقا وسأحيكها هذه المرة على شكل قصة لأختم بها. يحكى أن أحد الضفادع قذفته العاصفة بعيدا عن البحر الذي يعيش فيه. وهو يسير رأى بئر، فذهب ليشرب منها، وهناك شاهد ضفدعا آخر. سأله الضفدع في البئر من أين أتيت. فقال من البحر. فسأله وما هو البحر. فقال البحر عبارة عن مكان كبير وماء كثير. ويحلق الضفدع المولود في قاع البئر بإصبعه حلقة صغيرة في قلب البئر ويقول هكذا كبير، ويرد عليه لا أكبر بكثير. فيقوم بالتمدد قليلاً ويقول هكذا، فيرد عليه لا أكبر أكبر. فيقوم بمد جسمه كله مستخدما إصبعه على حواف عالمه وحدوده، ويسأل أهو هكذا إذاً. فيقول ضفدع البحر قلت لك إنه أكبر من ذلك وأكثر. فيجيب ضفدع البئر باستغراب ما هذا وهل أكبر وأكثر من هذا يكون؟! فيترك الضفدع البئر بدون أن يروي ظمأه وهو يصرخ قائلا "لا تتكلم عن البحر مع ضفدع يعيش في بئر ".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق