الأربعاء، 28 يوليو 2010

الإعلام القاتل

2010-07-28
جريدة الشرق

الإنترنت السبب الأساسي لنجاح تنظيم الجماعات الإرهابية
المواقع الإلكترونية والمنتديات تشكل لاعباً رئيساً في معركة التطرف
الواقع الذي نشاهده يشير إلى أنّ معظم الإرهابيين مسلمون
رفض استخدام العنف والتطرف والتعصب الديني باسم الإسلام

اصدر مركز الفجر وهو أحد الأجهزة الإعلامية لتنظيم القاعدة على شبكة الانترنت مجلة "انسباير" (Inspire) وتعني الإلهام، التي تعتبر المجلة الالكترونية الأولى باللغة الانجليزية للتنظيم. وتتناول المجلة في صفحاتها الرئيسية كيفية تعلم المجاهدين المبتدئين ما يجب أن يصطحبوا معهم في حقيبتهم خلال الجهاد، فضلا عن تحضير القنابل في المطابخ. وتحتوي صفحة كيفية صناعة القنبلة في مطبخ الوالدة (Make A Bomb In The Kitchen Of Your Mum)، شرح الطريقة التي يتم فيها تحضير قنبلة في يوم أو يومين لتقتل أكثر من عشرة أشخاص، بينما وصفة القنبلة التي تستغرق شهرا كاملا فيمكن أن تودي بحياة العشرات. أما "مكونات" الوصفة فهي: السكر وأعواد الكبريت وأشرطة الأضواء الكهربائية والبطاريات والساعات وهي أدوات يمكن الحصول عليها من اقرب بقالة أو محل "سوبرماركت؟! وتعرض المجلة أيضا النصائح "العملية" للمجاهدين في صفحة ماذا ينتظرك في الجهاد، ومنها التمكن من التحدث بطلاقة باللغة المحلية، ومعرفة التقاليد المحلية. وتذهب النصائح إلى تفاصيل دقيقة منها انه خلال الجهاد عليك تسافر مع اقل قدر ممكن من الأمتعة، ومع حقيبة ظهر، وعدة أزواج أحذية مناسبة ولينة، دون نسيان جل الاستحمام. وطبعا يبقى أساسيا اصطحاب كتابات دينية، ولكن لا ضرر من جلب جهاز "ام بي 3" او كمبيوتر محمول. إلا أن المجلة تحذر من استخدام هاتف جوال مع شريحة كانت حيز الخدمة مسبقا، ومن مخاطر التواصل عبر البريد الالكتروني. وهي توصي باستخدام برنامج معلومات خاص تحت اسم "أسرار المجاهدين"؟!
إن المجلة وغيرها من الإعلام القاتل الموجه من أشخاص محسوبين علينا عرب ومسلمين افتراء، تستخدم أدوات العلم والسلوكيات والمعرفة الحديثة كسلاح لتفجر المواقع والأماكن والمناطق والبلدان التي قامت بإنتاجها؟! وهي لا تخفي هدفها الواضح في استهدافها الجيل الجديد من "أبناء المسلمين" الذي يعيش ويدرس في الغرب ويتلقى العلوم والمعارف في معاهده وجامعاته، وغالبا ما تكون خلفياته الدينية ليست متعمقة ومن السهل الوصول إليه عن طريق وسائل الاتصال الحديثة والانترنت ليتم تجنيده وتحويله إلى انتحاري باسم الإسلام؟ صحيفة "التليجراف" أشارت في تعليقها على لسان بروس ريدل، الباحث بمعهد بروكينجز، إن الصحيفة تهدف بشكل واضح إلى الدعوة للجهاد في الولايات المتحدة وبريطانيا التي يمكن أن تحتضن قاتل فورت هود القادم أو انتحاري تايمز سكوير. ويرى الخبراء أن المنتديات تشكل لاعبا رئيسا في المعركة، وكانت 11 سبتمبر 2001، نقطة تحول فظهر مصطلح "المنتديات الجهادية" للإشارة لهذا النوع من المواقع الذي تشبه الكهوف في انغلاقها والقدرة على السيطرة عليها. وانطلقت المنتديات الجهادية كنافذة لنشر أفكار القاعدة وللهروب من الرقابة والحظر الأمني، ومن أخطر سماتها أنها زهيدة الثمن فببضعة دولارات قليلة يمكن لأي ناشط في أي مكان بالعالم أن ينشئ منتداه الخاص به ويبث من خلاله أية مادة، وفنيا لا يحتاج الأمر سوى شراء برنامج المنتدى ثم إطلاقه عبر إحدى شركات الاستضافة المتوافرة وبالتالي يفتح المجال أمام المتعاطفين. ويضيفون انه من المنتديات التي لعبت دورا كبيرا في نشر أفكار القاعدة منتدى "الحسبة" وتعرض القائمون عليه لحملات اعتقال مكثفة مما دفعهم إلى إغلاقه، وهناك ضمن غابة المنتديات التي تقدر بأكثر من 6 آلاف: "شموخ الإسلام" و"البراق" و"الفردوس"، و"شبكة الليوث الإسلامية"، و"الفلوجة" التي تقوم بنشر إصدارات مؤسسة الفرقان الإعلامية التابعة لما يعرف بدولة العراق الإسلامية. وذكر جابريل ويمان الباحث بمعهد السلام الأمريكي في كتابه "الإرهاب على الإنترنت: ساحة جيدة، تحدٍّ جديد" أن عدد المواقع الأصولية زاد من نحو 12 موقعا عام 1998 إلى أكثر من 4800 موقع الى اليوم؟!
ومن النتائج التي حصدتها المواقع الالكترونية تجنيد مجموعة جديدة من الإرهابيين مثل (فيصل شاه زاد) الذي يحمل شهادة دراسات عليا ووالداه باكستانيان من الأعيان وهو يتقن الإنجليزية إتقانا تاما ويبلغ من العمر (30) عاما، وأمضى عشر سنوات في الولايات المتحدة، حيث عمل خصوصا لمدة ست سنوات كمسؤول محاسبة، ثم مسؤولا ماليا في المجموعة الأمريكية لمستحضرات التجميل "إليزابيث آردن، وهو متزوج من شابة أمريكية من أصول باكستانية ورُزق منها بـ"ولدين". وقد حاول شاه زاد تفجير سيارة مفخخة في ميدان "تايم سكوير"بنيويورك منذ عدة أسابيع مضت، لكن القنبلة لم تنفجر وتمكنت عناصر الشرطة من تفكيكها". ولاذ شاه زاد بالفرار لكنه سقط في قبضة عملاء مكتب التحقيقات الاتحادية (إف. بي. آي).
وقد أشارت صحيفة الواشنطن في تقرير لها اثأر الكثير من الجدل (Washington Times) إلى أحد أكبر مستشاري الرئيس في شؤون مكافحة الإرهاب والأمن الوطني بقوله إنّ عشرات الأمريكيين انضمّوا إلى الجماعات الإرهابية وأصبحوا يشكّلون خطراً فعلياً على الولايات المتحدة ومصالحها في الخارج. وتناولت احدث دراسة أجرتها مؤسسة راند عن التطرف الأمريكي 'المحلي' والذي شهد ارتفاعاً ملحوظاً في الاتهامات الموجّهة إلى أمريكيين دُرّبوا على تنفيذ أعمال عنف جهادية خلال السنتين الأخيرتين. ويقول التقرير إنّ 81 شخصاً اتُّهموا بجرائم إرهابية بين عامي 2002 و2008. كذلك، اتُّهم 42 شخصاً بجرائم مماثلة عام 2009، وشخصان إضافيان عام 2010. واستنتجت الدراسة أنّ شخصاً من أصل 30 ألف مسلم أمريكي يميل نحو التطرّف، وهو واقع يشير إلى الشعب الأمريكي المسلم الذي يعارض الإيديولوجيا الجهادية ودعوتها إلى العنف، وإشارت الدراسة أيضا إلى أنّ وكالات تنفيذ القوانين الأمريكية تملك الوسائل اللازمة لمراقبة المنتديات الإلكترونية التابعة للقاعدة، التي أثبتت في الماضي أنها بوابة لتجنيد العناصر في المنظمة الإرهابية. يذكر جيل كيبل في كتابه "حرب العقول المسلمة: الإسلام والغرب"، أن الانترنت هو السبب الأساسي لنجاح تنظيم القاعدة في القيام بأحداث سبتمبر 2001، بل ويجزم بأن أحداث "11 - 9 تمثل نتاجا للانترنت"! يقترب من هذه الفكرة خبير الإرهاب الدولي غابريل ويمان، في تقريره حول استخدام الإرهاب لشبكة الانترنت، حيث يؤكد أن أعضاء منظمة القاعدة البارزين "اعتمدوا بشكل مكثف على الانترنت في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر.
في ظل الهجمة الشرسة التي تحول اختطاف الدين ولبس عباءته والتحدث باسمه، يحب أن تكون المواجهة رافضة وبقوة استخدام العنف والتطرف والتعصب الديني وتبرير القتل والذبح والدم والتحلل من الضوابط الأخلاقية والإنسانية والشرعية باسم الإسلام. يجب أن نغير المقولة التي تزعم انه ليس كلّ المسلمين إرهابيين، لكنّ الواقع الذي نشاهده يشير إلى أنّ معظم الإرهابيين مسلمون؟! المعركة وساحتها هي الانترنت وفرسانها كل من يستطيع الدخول إليها والمشاركة في تغيرها إلى الأفضل ورسم صورة ايجابية عن الإسلام الحضاري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق