الأربعاء، 7 أكتوبر 2009

حوار الأديان فشل في محاصرة حدة التوتر وفهم الآخر

2009-10-10

يقال في أمثالنا الشعبية "حط بينك وبين النار عالم واطلع منها سالم"، وفي مقالي هذا سأقوم بشيء مماثل حتى نسلم من الاتهامات المسبقة والأحكام الجاهزة، وأضع بيني وبين الفكرة التي أريد طرحها، المبادرة التي تبنتها رابطة العالم الإسلامي برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز التي تمثلت في عقد "المؤتمر العالمي للحوار" في اسبانيا في العام الماضي والذي ضم عدداً من أتباع الديانات والحضارات والثقافات. والجديد في ما طرحته المبادرة العربية الإسلامية أنها ضمت أتباع الديانات والمعتقدات الأخرى وخصوصا المعتقدات الشرقية منها مثل الهندوسية والبوذية والشنتوية والكنفوشيسية، وقد دعت المبادرة في ختام توصياتها إلى ضرورة فتح قنوات الاتصال والحوار مع أتباع الرسالات الإلهية والفلسفات والمناهج الفكرية المعتبرة، وهو الأمر الذي يساعد على تحقيق المصالح الإنسانية المشتركة.
إذا رجعنا قليلا إلى الوراء سنجد أن من المبادرات الخاصة بالحوار مع الأديان والتي أحدثت ضجة في حينها تلك التي جاءت من طوكيو باليابان في عام 1906 والتي عقدت مؤتمرا دوليا دعت فيه ممثلين للأديان الرئيسية في العالم وقد وصلت أخبار لبعض الدول العربية والإسلامية تفيد بأن اليابانيين يعقدون مؤتمراً للمقارنة بين الأديان من أجل اختيار الدين الذي يرونه صالحاً لمجتمعهم وقد يتركون ديانتهم الحالية ويتحولون إليه، وهو الأمر الذي دعا الكثير منهم إلى المشاركة في المؤتمر الذي اتضح في نهايته أن حكاية تبديل اليابانيين لدينهم مجرد شائعة!!
ومن المنتديات المختصة في الحوار بين الأديان في العالم يبرز منتدى حوار الأديان في زيورخ الذي تأسس عام 1997 ولا يزال متألقا إلى اليوم، ويشمل في عضويته المنظمات المسيحية واليهودية والإسلامية والهندوسية والبوذية وهو يهدف إلى إيجاد جهة مستقلة تمثل فيها الأديان والجهات الحكومية بالتوازي وتسعى إلى نشر قيم التسامح والاحترام بين جميع الأديان والثقافات، وتشكل إطارا للحوار ولصياغة تفاهمات حول القضايا ذات الطابع الديني، التي تثار من حين لآخر. وقد لعب المنتدى منذ البداية دورا مميزا في الوقوف إلى جانب الأقليات ومساعدتها في تحقيق مطالبها المشروعة، وفي تذليل المصاعب التي تُـعوق اندماجها وتمنعها من نسج علاقات مع هيئات المجتمع والنُـخبة على الأصعدة المختلفة.
أما على المستوى العربي فقد بدأ مؤتمر الدوحة لحوار الأديان الذي يصل إلى عامه السابع مميزا خاصة انه يعقد في داخل المنطقة العربية وليس خارجها، وهو ما يمثل تحديا حقيقيا، لكن الإشكالية تمثلت في حصر المؤتمر في الأجواء المغلقة بدل الهواء الطلق، وفي قاعات وغرف الفنادق، عوضا عن مشاركة رجل الشارع والجهات ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة في موضوع الساعة الذي يطرح تحديا حضاريا لديننا وقيمنا ومعتقداتنا على مستوى محلي وإقليمي ودولي، كما تجسدت تأثيرات المؤتمر في الجانب البروتوكولي والاحتفالي واللقاء السنوي الدوري دون تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع اليومي المعاش، ولم يتمكن المؤتمر وغيره من المؤتمرات في المنطقة العربية والإسلامية من محاصرة حدة التوتر والتخفيف من وضع الاحتقان وإفساح المجال لفهم الآخر، لذا ظلت المؤتمرات تعقد في إطار النخبة‏،‏ ولم تستطع حتى الآن أن تتحول إلى ثقافة للحوار يؤمن بها المواطنون من أتباع الديانات المختلفة في البلاد التي تتبنى الحوار، كما أنها لم تشهد تطويرا للحوار ليشمل ويحتوي الأديان والعقائد والأفكار والفلسفات الأخرى في العالم، وخصوصا تلك التي نشترك معها في القارة التي نعيش فيها وهي قارة آسيا التي تعد بدون مبالغة الأهم من بين القارات الأخرى في العالم، فهي تعتبر اكبر القارات من حيث عدد السكان، ففيها — حسب تقديرات 2002م: 3،799،971،000 نسمة. أي أكثر من نصف سكان العالم. وهي تضم أكبر بلدين في العالم من حيث عدد السكان وهما الصين(1.3) مليار والهند (1.1) مليار نسمة، وهي بلا شك مهد الأديان الأساسية في العالم، ففيها ظهرت الديانات السماوية كلها، وهي اليهودية، والنصرانية، والإسلام، كما نشأت فيها العقائد غير السماوية مثل البوذية والكونفوشية والهندوسية والشنتو والطاوية. (انظر جدول ترتيب أهم عشرة أديان في العالم حسب عدد المعتنقين)
وليس هناك داع لأن نسترسل بذكر الجوانب المضيئة من تاريخنا عندما امتزجت الثقافة العربية الإسلامية مع الثقافة الإغريقية والهندية والفارسية والصينية، وعلى الرغم مما بين شعوبها من اختلاف في العقائد والأعراف واللغات‏،‏ فقد جعل الإسلام من هذه الاختلافات منطلقا للتعارف والتآلف والتعاون بين البشر، حيث يقول جل من قائل: ”يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا". ورغم أن هذا الثقافات كانت وثنية وأديانا أرضية كما يطلق عليها وليست رسائل سماوية فانها لم تؤثر على ثقافة التوحيد بل رسخت أسس ومبادئ الإنسانية (كلكم لآدم) وأعلت من قيمة التفاعل الحضاري العالمي الذي كانت تقوده الحضارة العربية الإسلامية إلى أن ابتلت بالانغلاق على الذات وحجرت على الفكر وجمدت اجتهادات العقل.
لقد بات من الضروري أن تقوم مؤتمرات حوار الأديان بالعمل على تقليص الهوة التي تفصل بين الشعوب المختلفة، حتى لا تقع فريسة ردود الأفعال والغضب والعنف والكراهية، وتصبح نتائج المؤتمرات ومبادراتها أداة تقوم على كبح جماح التطرف ومحاربة دعاة التزمت والتعصب الديني وتعزيز التقارب والتمسك بالقواسم المشتركة لبناء عالم تسيطر عليه ثقافة المحبة والمودة والتعاون والصداقة والسلم العالمي لما فيه خير البشرية جمعاء، ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال العمل مع المؤسسات الدينية في العالم والتي تستطيع أن تساهم بدور فعال في حل المشكلات ووضع حلول للقضاء على النزعات الأنانية والتعصبات المذهبية والطائفية ومحاربة الاستعلاء الديني، ونفي الآخر وتهميشه وعزله وأحيانا قتله، أو في الحد الأدنى خلق مشاعر سلبية تجاه الآخر المختلف دينيا أو مذهبيا أو طائفيا.
لفت انتباهي مشروع مبادرة طرحتها الباحثة البريطانية كارين أرمسترونغ (Karen Armstrong) وهي فعلا تستحق الإعجاب والتقدير وقد حصلت بسببها على جائزة منحت لها من قبل مؤسسة تيد الدولية (TED Prize)، وتعد أرمسترونغ احد أفضل الباحثين العالميين المعاصرين في دراسة مقارنة الأديان ومن أبرز مؤلفاتها "محمد نبي هذا العصر" و"محمد: سيرة نبي" و"القدس مدينة واحدة.. عقائد ثلاث" و"معارك في سبيل الآلة"، "الأصولية في اليهودية والمسيحية والإسلام"، ويقوم المشروع بإطلاق ونشر ميثاق للتراحم يشكله الناس من مختلف أنحاء العالم على الإنترنت، ويكتبه مجلس من القيادات الدينية لكل الأديان الرئيسية في العالم، وسيكون هذا الميثاق صرخة من القاعدة للعودة إلى مبادئ الفضيلة الرئيسية، مذكرا المؤمنين بأنه في الماضي كانت كل النصوص تنص على أن القاعدة الذهبية هي أساس الدين، وأن أي شيء آخر هو مجرد تعليقات، وأن أي تفسير للكتب السماوية يؤدي إلى الكراهية أو الازدراء هو أمر غير شرعي، وهذا الميثاق قد يقدم معيارا يستطيع عن طريقه العامة والقادة الدينيون والعلمانيون أن يقيسوا عليه سلوكهم، وأن يكون نداء للتحرك العملي الذي يمد به الجماعات بالقوة لمطالبة القساوسة والوعاظ بإلقاء تعاليم أكثر تراحما، واعتبار الكراهية أو الازدراء من أي نوع عملا غير ديني، والميثاق سيطالب بتغيير لغة الحوار فيكون التراحم هو المفتاح في الأحاديث العامة والخاصة، جاعلة من الواضح أن أي مذهب فكري يولد الكراهية والحقد، سواء كان دينيا أو علمانيا، قد فشل في اختبار زماننا. وقد تم وضع مسودة للميثاق، ويتكون المجلس من قيادات مفكرة وناشطين في اليهودية والمسيحية والإسلام والبوذية والكونفشيوسية والهندوسية، وسيكون الميثاق عبارة عن تصريح قصير وبليغ ونداء للتحرك الفعلي الذي سيترجم باحترافية ويطلق في احتفال كبير في أواخر هذا العام 2009م (جريدة الجريدة الكويتية).
وأنا بدوري أدعو المسؤولين في مؤتمر الدوحة لحوار الأديان إلى أن يكونوا على قدر التحدي الحضاري العالمي الذي نواجهه جميعا، ويقوموا بدورهم بطرح مبادرات ومشاريع مماثلة بالإضافة إلى أن تشمل مبادراتهم توسيع نطاق المشاركين ولا تقتصر فقط على أتباع الأديان السماوية وكأنه نادي امتياز خاص يستبعد منه الأعضاء الذين يمثلون البقية الباقية من البشر في العالم، كما يجب أن تساهم مبادراتهم في إرساء مبادئ التسامح والقبول والتعايش والتراحم عمليا وليس نظريا بين مختلف الأديان والقوميات والأعراق ليعيشوا معا جنبا الى جنب في عالم يسوده الانسجام والاحترام المتبادل، حتى لا نفشل جميعا في اختبار القرن الواحد والعشرين كما يشير أستاذ الدراسات الإسلامية، بجامعة مونتريال، ولفريد كانتويل سميث (Wilfred Cantwell Smith).
وختاما تقول الحكمة في بعض المعتقدات القديمة: "لا تتكلم عن البحر مع الضفدع في بئر، لان نظرتها ضيقة، ولا تتكلم عن الثلج مع البق التي لا تعيش إلا في الصيف، لأن عمرها قصير، ولا تتكلم عن الحكمة مع قوم الأرياف، لان معرفتهم محدودة”.

خالد الجابر
Aljaberzoon@gmail.com
Aljaberzoon.blogspot.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق