الخميس، 15 أكتوبر 2009

الدعوة إلى إصلاح الخلل في منظومة التعليم تعم دول العالم

2009-10-14

الأجندة الإصلاحية تبدأ بتحديد معايير الالتحاق بمهنة التدريس ورفع الرواتب
أؤيد الدعوة إلى حوار وطني للنهوض بمستوى التعليم

أثار مقال "التعليم لمرحلة ضبابية" الذي نشر في الأسبوع قبل الماضي الكثير من الجدل، وهي بلا شك حالة صحية تعكس الهاجس الكبير الذي يسكننا من مستقبل النظام التعليمي في قطر ومخرجاته خلال السنوات العشر القادمة، والحق ان ردود الافعال لم تتوقف ولا تزال مستمرة وهي تحمل في طيات الكثير منها تساؤلات واستفسارات وتعليقات جارحة وقاسية في الاحكام والتعميمات على تجربة المدارس المستقلة، لكن ردودا اخرى جاءت تحمل في طياتها ايضا رسالة موضوعية ورؤية عقلانية وتصورات منطقية حول التعامل مع هذه التجربة الوليدة من خلال تعزيز الامكانيات والقدرات الايجابية فيها ومواجهة الافرازات والتاثيرات السلبية بكل إيمان وعزيمة واقتدار.
بداية لابد أن أشيد بالمقال الذي كتبه زميلي رئيس تحرير "الشرق" جابر الحرمي تحت عنوان (عام دراسي عاصف) وطرح فيه عدة قضايا تمثل التحديات الحقيقية التي تواجه وزير التعليم والتعليم العالي، منها اهمية وجود الكادر الاداري المؤهل للتعامل مع الازمات، وضع معايير اصدار تراخيص المدارس المستقلة، مسألة المناهج التعليمية، واقع المعلم القطري، والرسوم الدراسية، والمراقبة على المؤسسات التعليمية، بالاضافة الى التدريس والدورات التدريبية وخصوصا تدريب المدرسات المنتقلات من المدارس الحكومية الى المستقلة. كما كان المقال الذي نشرته الزميلة الراية للكاتب محمد الخليفي تحت عنوان (إلى أين يسير نظامنا التعليمي؟) الذي يتناول فيه تجربة المدارس المستقلة مند بداية التكوين مثيراً للتأمل والمراجعة.
لسنا وحدنا الداعين الى ضرورة مراجعة تجربة المنظومة التعليمية القطرية ومخرجاتها والتي تعود الى اكثر من خمسة عقود ويشترك فيها الجميع بلا استثناء، بل كل دول العالم بدأت تحشد طاقاتها وتضع المسألة التعليمية والاصلاحات المرتبطة بها في صدارة قائمة اجندتها الوطنية، ومن المفارقات ان المسرحي الأيرلندي جورج برنارد شو قد خصص جزءاً من ثروته بعد وفاته عام 1950 لإصلاح تعليم اللغة الإنجليزية!، ولقد لفت نظري منذ عدة ايام مضت استنفار الصحف ووسائل الاعلام في دولة الكويت الشقيقة في التناول والعرض والتعليق على تقرير نظام التعليم في الكويت الذي أعدته مؤسسة رئيس وزراء بريطانيا السابق طوني بلير (Tony Blair)، وقد دعا التقرير الذي يستشف مستقبل الكويت الى عام (2030) في الجزء المخصص للتعليم والتعليم الجامعي الى ضرورة اتخاذ اجراءات قوية وفاعلة، وإلا فإن الاستمرار في التقاعس عن العمل سيعرض حتما المستقبل للخطر، وبما ان التقرير عميق ومدعم بالارقام والاحصائيات والدراسات العلمية والاستطلاعات المنهجية، فسوف أقوم بالتركيز على أجندة الاصلاحات التي طرحها وهو ما يرتبط بموضوع هذا المقال في اصلاح الخلل في المنظومة التعليمية، فقد شملت الاجندة الاصلاحية عدة توصيات رئيسية اهمها:
1) تعزيز مهنة التدريس من خلال: — زيادة رواتب المدرسين بنسبة كبيرة حتى لا تكون شروط العمل الصارمة مبررة بتعويضات مالية تفوق بكثير ما يتقاضاه موظفو الحكومة الآخرون فحسب، بل وحتى يصبح التدريس ضمن فئة النخبة بين الوظائف الحكومية. — تحديد المعايير الخاصة بالالتحاق بمهنة التدريس، ويفضل وضع معايير صارمة (فعلى سبيل المثال، أفضل 5 % فقط من خريجي الثانوية العامة في كوريا قد يختارون التدريس مهنة لهم). — تأسيس كلية حصرية للتربية، سواء كانت في الجامعة أو كجهة مستقلة، بحيث يشترط على جميع المدرسين الجدد التخرج منها وتكون شروط القبول فيها صارمة ومقيدة بصورة كبيرة. كما هي الحال في سنغافورة. — دفع راتب إلى طلبة اثناء تلقيهم للتدريب الموكل اليهم من الجامعة، وعدم فعل ذلك مع المهن الاخرى حتى يتم الرفع من شأن مهنة التدريس وهيبتها والرغبة فيها. — طرح نظم امتحانات مقارنة على المستوى الوطني لتوفير الشفافية في عملية تقييم المدرس وأداء المدرسة عبر النظام بأكمله ومكافأة المدرس الجيد عبر تقديم المكافآت المالية وغيرها من الحوافز غير المالية لاولئك المدرسين الذين تبوأت صفوفهم الدراسية ضمن فئة الافضل 20 % في امتحانات المقارنة.
2) رفع مستوى مواءمة الأداء وتكييفه عند الطلبة من خلال: — توحيد الامتحانات على المستوى الوطني في جميع المواد من الصف الرابع الابتدائي وما فوق، لاسيما بين الصفين الرابع والتاسع للتركيز على الأداء خلال مرحلة التكوين للطالب، وإظهار فوائد التفوق الدراسي للطالب من خلال تشديد القيود على المنح الدراسية لبرامج التبادل الثقافي والدراسة في الخارج وحصرها ضمن أفضل 20 % من جميع خريجي الثانوية العامة، وإنشاء نظام مماثل للنظام الألماني (Numerus Clausus)، حيث تخصص جميع الجامعات مساحات لدورات دراسية مختلفة وفقاً لاحتياجات الاقتصاد، على أن يتم القبول للتخصص في المهن المختلفة وفقاً للمعدل في الدراسة الثانوية (GPA)، (المتوسط يتجاوز السنوات الأربع).
3) رفع مستوى مواءمة الأداء للمدارس من خلال: — توحيد نظام ادارة الامتحانات وعمليات التفتيش على المدارس. — تأسيس وحدة رقابة مستقلة يكون من مهامها العمل عن كثب مع وزارة التربية في وضع المناهج الدراسية وتحديد اهداف التعليم لجميع المراحل الدراسية، تحديد محتوى الامتحانات الموحدة وبما يتماشى مع المناهج الوطنية وافضل الممارسات العالمية، ضمان وتنسيق المشاركات في جميع الامتحانات الدولية (TIMMS،PIRLS،PISA)، تحديد معايير عمليات التفتيش على المدارس وتطبيقها.
4) تطوير ومواءمة التعليم الجامعي والمهني: انشاء مدارس متخصصة ومعاهد تدريب من اجل قطاعات اساسية اقتصادية للمستقبل (الطاقة والتجارة والعمليات اللوجستية والخدمات المالية وخدمات الاعمال... الخ) وذلك بالتعاون مع الشركاء الفنيين. وينبغي ان تشمل المهارات الاساسية والمهمة: المهارات اللوجستية والتجارية (التخطيط اللوجستي والعمليات اللوجستية وتشغيل ادارة الموانئ). خدمات الاعمال (ادارة الاعمال الكتابية، والمحاسبة وادارة المخاطر وادارة قاعدة البيانات وبرمجة البيانات)، والخدمات المالية (ادارة الأصول وتصميم النماذج المالية)، وأي مهارات فنية اخرى ذات صلة بدعم النمو في صناعات الطاقة وخدمات الاعمال.
5) توسيع نطاق العروض التعليمية وتدويل النظام: وتشمل الاستمرار في فتح النظام التعليمي أمام القطاع الخاص وعلى جميع المستويات، بالاضافة الى تأسيس معاهد تدريب للقطاعات الاساسية في المجتمع وبالتعاون مع اللاعبين العالميين الكبار.
التقرير مميز وشامل وأوجه دعوة الى المسؤولين والتربويين في مجتمعنا للاطلاع عليه وفي مقدمتهم أخونا العزيز وزير التعليم والتعليم العالي. وأختم بتعزيز وتأييد الاقتراح الذي طرحه د.محمد المسفر في مقاله الذي نشر في "الشرق" تحت عنوان (محطات وملاحظات على التعليم وروافده) الذي دعا فيه المجلس الأعلى للتعليم لضرورة الدعوة إلى حوار وطني شامل لمناقشة النهوض بمستوى التعليم من منظور وطني ومهني. بل وادعو ان يكون هناك مؤتمر سنوي تحشد فيه كل الطاقات القيادية في المجتمع، يكون هدفه تقييم ومراجعة التجربة التعليمية عاما بعد الآخر، يشارك فيه الخبراء والمعنيون والاخصائيون الذين عاشروا تجربة التعليم في قطر وأغلبهم إما مهمش تحت مسمى خبير أو تمت إحالته الى البند المركزي؟!، كما تتم استضافة منظمة "اليونسكو" التي تزخر بالمتخصصين في مجال التعليم من ذوي الكفاءة العالية.
منذ ايام مضت تمت استضافة المثقف السعودي البارز إبراهيم البليهي في حوار صحفي حيث اشار الى ان العملية التعليمية تسير بالعرب في الاتجاه المعاكس للتنمية إذ إنها تبرمج العقل العربي على الرفض العنيد الساذج لأفكار العصر وتدفعه إلى محاربة مقومات التنمية، وفي سؤال لماذا تخلف العرب والمسلمون؟ اجاب إنه اكتشف ان العرب هم اقل الناس انضباطا واقلهم إنتاجا وأبعدهم عن الإتقان وتترسخ فيهم ثقافة الهجاء والابتهاج بسقوط القمم، كما هم يفرحون بألا يبقى أحد في منأى عن تلويث السمعة؟؟!!
Aljaberzoon@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق