الخميس، 15 أكتوبر 2009

محطات وملاحظات على التعليم وروافده

كتبها د.محمد المسفر ، في 11 أكتوبر 2009 الساعة: 22:35 م



قرأت مقالة قيمة جدا للأستاذ خالد الجابر في هذه الصحيفة بتاريخ 30 سبتمبر هذا العام تحت عنوان " موزاييك : قراءة واقعية في منظومتنا التعليمية " كانت البداية عنده الإعلان عن أجرأ مبادرة اعتذار في تاريخنا العربي المعاصر ، جاءت من المملكة المغربية ، ومؤدى ذلك الاعتذار اعتراف " لجنة التعليم والتكوين " المكلفة بمعالجة اختلال التعليم في المملكة المغربية بأن الرتق اتسع على الدولة وفشلت في إصلاح المنظومة التعليمية ، وأورد وزير التعليم المغربي إحصاءات مخيفة تعكس الاختلال الذي ينخر في جسد التعليم العام، وقدم الوزير أرقاما مخيفة تبين أن 80 % من الطلاب لا يفهمون ما يدرس لهم ، وأن 16 % فقط من تلاميذ الصف الرابع الابتدائي يستوعبون المعارف الأولية لجميع المواد المقدمة لهم ، وقد احتلت هذه الفئة من التلاميذ مراتب متأخرة في الاختبار الدولي للرياضيات ومادة العلوم ناهيك عن طلبة المرحلة الثانوية الذين لم يحصلوا على الحد الأدنى من النقاط في الامتحان الدولي
إنها مقالة جديرة بالقراءة وإمعان النظر في محتواها ومضمونها .
يقول كاتبنا خالد الجابر إن "الصدمة والترويع " التي أثارها وزير التعليم المغربي هزت المجتمع المغربي على كل الصعد الأمر الذي استدعى كل مؤسسات المجتمع المدني والبرلمان والمؤسسات الرسمية والخاصة إلى حوار بصوت مرتفع حول التعليم ومستقبله ، ولا جدال عندي بأن هناك علاقة ارتباط شديدة بين الأمن القومي أو الوطني والتعليم مادة ومنهجا .
( 2 )
لقد استدعى الأستاذ خالد ما نشرته الصحافة القطرية عن نتائج المدارس العاملة في قطر في اختبارات ( تيمز ) التي بينت أنها ضعيفة ودون المستوى ، ويشير إلى أن طلبة قطر حلوا في المرتبة ما قبل الأخيرة بالنسبة لاختبار الرياضيات للصف الثامن ، وكذلك اختبار الرياضيات والعلوم للصف الرابع الابتدائي .
لا ينكر عاقل في قطر اهتمام القيادة السياسية العليا بتطوير التعليم والقفز به إلى المكانة اللائقة بهذه الدولة في إطار نهضتها التنموية الجامحة ،لكن جهود القيمين علي عملية النهضة بالتعليم مضنية وشاقة لأسباب أهمها عندي تعدد المستشارين الغرباء عن ثقافة وتاريخ مجتمعنا وامتنا العربية الإسلامية ، الثاني غياب المشروع الوطني عند منفذي ما يهدف النظام السياسي لتحقيقه إلى جانب أن هيئة الخبراء والمستشارين في تقدير الكاتب لديهم أهداف تتعدى أهدافنا يحاولون تحقيقها تحت ذرائع تطوير منا هج التعليم عندنا . عندما طرحت فكرة مشروع " التعليم لمرحلة جديد ة " تم إسقاط مادتي العلوم الاجتماعية والشرعية من المقررات الدراسية ووضعت تحت بند المواد الاختيارية ، وترك لكل مدرسة حرية اختيار المواد الاختيارية وبالكيفية التي تريدها المدرسة الأمر الذي أدى إلى اختلال جوهري وتعالت الأصوات المطالبة بضرورة عودة هاتين المادتين إلى صلب المقررات الدراسية لأهميتها الوطنية والتربوية ، هذا العام أعيدت مادة العلوم الاجتماعية إلى مقررات الثانوية العامة كمتطلب إجباري ، لكن المشكلة الكبرى انه حتى هذه الساعة ونحن نقرأ هذه المقالة لم يصل إلى المدارس توصيف هذه المادة المهمة ، ولم تصل المعايير التي سيقاس عليها الأداء ونحن في الأسبوع الثالث من بدء الدراسة ، والمدرس الذي يكلف بتدريس هذه المادة يحتاج إلى زمن ليس بالقصير ليتفهم المعايير الواجبة التطبيق ، وهو في حاجة إلى تدريب وإعداد للمادة موضع البحث لأنها ليست في السياق المتعارف عليه سابقا .
الأمر الآخر مجلس التعليم الموقر فرض على كل من يريد أن يمارس العمل التدريسي أن يحصل على " رخصة مزاولة مهنة التدريس " إلى جانب مؤهله التعليمي ، ولا خلاف على ذلك إطلاقا، لكن حدث خلل رهيب إذ إن المؤسسة التي ستقوم بتأهيل عضو هيئة التدريس في التعليم العام هي شركة تهدف لتحقيق الربح ، الأمر الذي أدي إلى خلاف بين أعضاء هذه الشركة مما أدى إلى انتهاء عملها وبالتالي الانتظار حتى تأسيس شركة جديدة وهذا أمر مخل .
الرأي عندي في هذه الحالة أن تتقدم جامعة قطر بتأسيس ( برنامج ) أسوة بالبرامج الأخرى التي جد تأسيسها في الجامعة ، مهمة هذا البرنامج إعداد من يريد مزاولة مهنة التدريس بعد حصوله على المؤهل الأكاديمي في ما يريد تدريسه بدلا من الشركات الباحثة عن الربح على أن يحصل المنتسب لهذا البرنامج على" رخصة مزاولة مهنة التدريس " من مؤسسة أكاديمية حكومية أسوة بمن يرغب قي قيادة سيارة عليه أن يحصل على رخصة رسمية تجيز له قيادة السيارة صادرة من إدارة المرور التابعة لوزارة الداخلية وليس من شركة تبحث عن الربح بأي كيفية كانت ، في هذه الحالة نكون ضمنا الاستمرارية والجدية .
( 2 )
في مطلع العام الدراسي لهذا العام أقدمت مؤسسة تعليمية رسمية كبرى على إلغاء اشتراكها السنوي أو شراء الصحف اليومية الصادرة في الدولة بحجة أنها ستوفر مبلغا يقدر بخمسين ألف ريال سنويا علما بأن ميزانية هذه المؤسسة التعليمية تقدر بما يقارب المليار ريال سنويا ، وأنها تحقق دخلا سنويا عاليا نتيجة إصدار تصاريح سنوية لمواقف سيارات منتسبي هذه المؤسسة التعليمية الكبرى إلى جانب تأجير محلات مقاه لشركات خاصة لتقديم وجبات ومرطبات للطلاب وغيرهم من منتسبي هذه المؤسسة وبأسعار خيالية ،والسؤال ماذا سيضير هذه المؤسسة ويخل بميزانيتها لو أنفقت الخمسين ألف ريال على الصحافة المحلية ، علما بأن الصحافة تشكل مصدرا من مصادر المعرفة العامة ، وتعود بالنفع الكبير على الطالب وأستاذه . ثم ماذا لو أحجمت المؤسسات الصحفية الصادرة في الدولة عن تغطية أنشطة هذه المؤسسة وانبرت لها بالنقد اللاذع والإقلال من شأن دورها في التنمية، ألا يشكل ذلك خسارة كبيرة تقدر بمئات الآلاف من الريالات.
آخر القول : أتمنى أن تتدخل الإدارة العليا في هذه المؤسسة لإلغاء قرارها القاضي بإلغاء اشتراكها في الصحف المحلية بل وتزيد من حصة الاشتراك لتزويد المكتبة العامة لهذه المؤسسة ومكتبات دوائرها التي لا تزيد على سبع إدارات ، والصحف المعنية لا تزيد على سبع صحف أربعة منها باللغة العربية والأخرى باللغة الإنجليزية وذلك للصالح العام .
كما أتمنى على المجلس الأعلى للتعليم أن يدعو إلى حوار وطني شامل لمناقشة النهوض بمستوى التعليم من منظور وطني ومهني على حد سواء والله ولي التوفيق .

جريدة الشرق 2009-10-09

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق