الأربعاء، 15 فبراير 2012

اليمن بعد الانتخابات ومشروع مارشال خليجي

الشرق- الخليج
2012-02-15

دول الخليج يجب أن تستمر في سعيها لمساعدة اليمن في الخروج من الأزمة الخانقة
الأزمة الحقيقية في اليمن تكمن في الصراع بين مشروع الدولة ومشروع السلطة
المشهد اليمني ينبض بالحيوية والنشاط ويقدم درساً رائعاً في حتمية التغيير وانتصار الثورة السلمية

رحل رأس النظام عن السلطة ولكن النظام وحرسه القديم الذين تغلغلوا في مفاصل الدولة وسيطروا على مقدراتها وقراراتها لا يزالون قادرين على تأزيم الأوضاع وزرع الفتن وبذل جميع المحاولات لكي تنحرف مطالب الثورة عن أهدافها التي طالبت بها وأهمها محاكمة الرئيس السابق شبه الهارب في رحلة استجمام علاجية إلى الولايات المتحدة، وتغيير رؤساء الأجهزة الأمنية، والقضاء على الفساد والفقر والبطالة وتطبيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية وبناء المؤسسات الحديثة.
(1)
المشهد اليمني ينبض بالحيوية والنشاط ويقدم درسا رائعا في حتمية التغيير وانتصار الثورة السلمية دون الدخول في الحروب والصراعات والقتل وهو الأمر الذي مثل هاجسا لأعداء ثورة الشباب اليمنية، فهم راهنوا على انفجار الأوضاع والتخويف من سيطرة منظمة القاعدة على الدولة والولوج في حرب داخلية وخارجية تحرق الأخضر واليابس وتدخل البلد في دوامة ودماء لن ينجو منها احد. وها هي الأيام تبرهن العكس وتؤكد الحكمة اليمنية الحاضرة واليقظة وان أصابتها العلل والأمراض وغدت طريحة الفراش بسبب الديكتاتورية والفساد الذي تسبب به الرئيس السابق وحاشيته وزمرته خلال ثلاثة عقود إلا أنها تتعافى سريعا وتعود كسابق عهدها لتقضي عليهم جميعا. الحشود المليونية من الشباب اليمني ما زالت تجدد عزمها على استكمال أهداف الثورة والمضي باليمن نحو عهد جديد لا مكان فيه للاستبداد ورموزه وعائلته. والمطالب اليوم تتمحور حول المشاركة الواسعة في الانتخابات الرئاسية كونها ستكون الفاصل بين حكم الفرد وحكم الشعب وبداية لتاريخ صنعه اليمنيون وقدموا من أجلة التضحيات والشهداء. ولا شك ان يوم الانتخابات الرئاسية اليمنية 21 فبراير سيكون الحدث الأبرز، ليس لأنه جزء من المبادرة الخليجية التي نجحت في دق المسمار الأخير في نعش الرئيس المراوغ المحتال والذي أهدر الكثير من الدماء الطاهرة البريئة قبل رحيله، بل هي مرحلة جديدة من الضرورة أن يطوى فيها عهد الاستبداد الفردي والعائلي والقبلي والفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتخلص من الفقر والبطالة والجهل والتخلف والتخريب لمؤسسات الدولة والمجتمع المدني التي استمرت طيلة الثلاثة عقود الماضية.
(2)
الأزمة الحقيقية في اليمن كانت وما زالت تكمن في الصراع بين مشروع الدولة ومشروع السلطة والذي تمثل في سيطرة أفراد أو مجموعة على صناعة القرار واختزال الوطن في الأسرة والقبلية والطائفة والمذهب وهو يشبه الكثير من الدول العربية مع اختلاف الزمان والمكان. الكاتب اليمني نجيب غلاب يشير في كتابه «لاهوت النخب القبلية.. تقديس الشيخ ولعن الدولة» الى أن المجتمع اليمني، تهيمن عليه الثقافة التقليدية القبلية، وهي بنية راسخة لم يستطع التعليم مواجهتها، ولا الحد من انتشارها. بل إن القوى المتعلمة أعادت أدلجة وعي القبيلة من خلال القيم الجديدة، لتظهر الصراعات السياسية بقيم حديثة. ولقد فرضت القوى القبلية وعيها، ومصالحها، على الجميع. وكل من يطمح الى الحكم، مجبراً على أن يتحالف معها فهي القوى الفاعلة في الساحة والأكثر تنظيماً، وقد تصبح دولة داخل الدولة أو فوقها أو خارجها. غلاب يذكر انه «يمكن القول إن النخب القبلية منذ بداية خوضها العمل السياسي في بداية الثورة كانت على قناعة أن الدولة مهمة لا لتطوير المجتمع وإعادة بنائه وتجاوز الماضي بل مهمة من أجل ترسيخ شرعيتهم في الوسط القبلي ولتدعيم قوة القبيلة.. لذا فإن النخب عملت بشكل جاد من أجل السيطرة على الدولة أو المشاركة فيها وتحويل أدواتها إلى قوة داعمة لمصالحهم وكلما زاد نفوذهم في الدولة زادت قوتهم القبلية التي يتم تحويلها إلى قوة دفع لترسيخ هيمنتهم على الدولة والتحكم بالقيم المادية والمعنوية الناتجة عن الدولة، بل إن الدولة قد تتحول إلى آلة قاهرة لتدمير المنافسين للنخب القبلية خصوصا الفئات الحديثة».
(3)
دول الخليج يجب أن تستمر في سعيها لمساعدة اليمن في الخروج من الأزمة الخانقة التي يعيشها. وهي ان نجحت على الصعيد السياسي في حقن الدماء إلى الآن، فهي مطالبة بان تكمل مشروعها من خلال القيام بدعم التنمية البشرية وتقديم المساعدات الاقتصادية العاجلة من خلال تكوين مشروع مارشال خليجي يكون أشبه بمشروع مارشال الأوروبي وهو المشروع الاقتصادي إلذي نجح في إعادة تعمير أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وقد ساهمت المساعدات في تشغيل عجلة الاقتصاد والمصانع الأوروبية وانتعاش خطط التنمية وانطلاقة عجلة الإبداع البشري والتكنولوجي. بلغت قيمة المساعدات التي تلقتها أوروبا من خلال مشروع مارشال حوالي 13.1 مليار دولار وهى بأسعار اليوم تعادل 100 مليار دولار. لقد أطلقت الحكومة اليمنية نداء لدول الخليج لتقديم المساعدات ليتمكن هذا البلد من النهوض من كبوته ويغدو شريكا فاعلا في المنظومة الخليجية فان هذا البلد واستقراره ينعكس على دول الخليج سلبا أو إيجابا، ومشروع مارشال خليجي سيشكل أحد صمامات الأمن القومي الإقليمي، وسيوفر على المنطقة قلاقل ومشكلات قد تتعرض لها اليمن في ظل الضغوطات الاقتصادية الكبيرة. قد تتحول إلى قنابل موقوتة تنفجر في أي لحظة بسبب مشكلات الفقر والأمية والتطرف. المشروع قد يركز على إصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية للمواطنين، ويستهدف إيجاد فرص عمل لكثير من قطاع الشباب من الجنسين العاطلين عن العمل، وهو سيساعد على تحسين مستوى الخدمات التي تقدمها الحكومة اليمنية. الخوف على اليمن وهو مصنف كدولة فاشلة من أن ينجرف مع تيار العنف إذا لم يتم انتشاله من الدمار والخراب الذي نخر في مفاصله لسنوات طويلة، والأدهى والأمر أن تتفرج الشعوب الخليجية على ذلك ولا تفعل شيئاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق