الأربعاء، 23 نوفمبر 2011

الكويت خلاف الحكومة والبرلمان إلى نهاية الزمان!

جريدة الشرق
2011-11-23

إلى أين تتجه سفينة المسار الديمقراطي الكويتي؟
ما حقيقة مقولة "كويت الماضى دبي الحاضر قطر المستقبل"؟
الغضب على سوء الإدارة واتخاذ القرار في الكويت ينفجر على مراحل!

الجار الخليجى محتار فى الحراك والتغيير الذى يراه على ساحة جاره الكويتي. والمواقف التى يعبر عنها محيرة وفى العديد من الأحيان متضاربة. من ناحية هناك مطالبات بمؤسسات دستورية وبرلمان منتخب وصحافة حرة ومؤسسات مجتمع مدنى كما هو موجود فى الكويت ومن ناحية أخرى يريدونها عملية ناعمة طرية لينة مطيعة تسير مع الركب لا تغضب لا تصارع لا تحاسب ولا تستجوب.

(1)
الشرارة الأخيرة التى انطلقت من محرقة الأزمة المتفاقمة تمثلت فى اقتحام آلاف المتظاهرين مبنى مجلس الأمة الكويتى وذلك احتجاجا على ما وصفوه بأنه اعتداء من قوات الأمن على عدد منهم بالضرب بالهريّ لمنعهم من الوصول إلى منزل رئيس الوزراء للمطالبة بعزله من منصبه وتنظيم انتخابات برلمانية مبكرة. جاء ذلك بعد دعوة عدد من نواب المعارضة الكويتية الذين حثوا جماهيرهم للخروج إلى الشارع والاعتصام فى ساحة الإرادة المقابلة لمبنى البرلمان، والمطالبة بسقوط الحكومة وحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة على خلفية ما وصفوه بانتهاك الحكومة لبعض مواد الدستور بسبب مشاركتها فى التصويت لإلغاء الاستجوابات المقدمة ضد رئيس مجلس الوزراء. وتصاعدت حدة التوتر بعد نحو ثلاثة شهور على تفجر قضية الفساد المالى على خلفية قضية الايداعات المليونية وشبهة غسل الاموال وتداعياتها الخطيرة مما يثير شبهة الرشوة، والتحويلات الخارجية من المال العام لصالح الحساب الخاص لسمو رئيس مجلس الوزراء المتهم فيها عدد من أعضاء البرلمان بتلقى رشًى من رئيس الحكومة، وهى القضية التى استقال على اثرها نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية. وهى الفضيحة التى ارتبطت بحكاية النائب والدولاب الخاص بوالدته و(الكبت)، وهو واحد من مجموعة برلمانيين حاولوا إدخال ملايين الدنانير الكويتية فى حساباتهم البنكية. والحكاية تقول ان نائبا أراد ادخال ما يقارب أربعة ملايين دينار كويتى (حوالى أربعة عشر مليون دولار ونصف المليون). فاتصل به كبير مديرى البنك ليسأله: عن كيفية حصوله على هذا المبلغ الكبير؟ فأجابه: وجدته بخزانة أمى رحمها الله!! فقد أوصتنى قبل وفاتها أن ابنى لها مسجدًا بالكويت، وآخر خارج الكويت، وبعد وفاتها فتشت فى بقاياها وفتحت "كبتها" فوجدت المبلغ!! الطرفة التى انتشرت على نطاق خليجى واسع تقول ان نائبا ذهب ليسحب بعض النقود من آلة السحب الآلي.. فرد عليه الجهاز قائلا..رصيدك لا يكفى لاتمام العملية يرجى مراجعة "كبت أمك"!

(2)
الغضب على سوء الإدارة واتخاذ القرار فى الكويت ينفجر على مراحل. لا استطيع أن أعد المرات التى سمعت فيها المقولة التى خرجت من رحم المجتمع الكويتى حزنا والما على تردى الأوضاع التى وصلت لها البلاد " كويت الماضى دبى الحاضر قطر المستقبل"، بعد الريادة السابقة للكويت فى جميع المجالات السياسية الاقتصادية والإعلامية والفكرية والفنية والأكاديمية والصناعية والتجارية. يشير نواف الفزيع الى أن آخر مستشفى بنى فى الكويت فى عام 1978 مستشفى جابر وضع حجر أساسه منذ عشر سنوات، وما بين صفقات الفساد لا نزال ننتظر أول مستشفى فى الكويت بعد 30 سنة؟ من التسعينيات والفوائض المالية لم يمر على تاريخ الكويت بحجمها لم تعلق ميزانية بل ان الحكومة أخذت شيكاً على بياض من المجلس فى كل الميزانيات؟ يذكر الفزيع أن 10 سنوات مرت من أيام الارتفاع الصاروخى لأسعار النفط و8 سنوات مرت من زوال الخطر الصدامى عن الكويت، لكن فى 10 سنوات أصبحت دبى مدينة عالمية بعدما كانت قرية صغيرة، وقطر ستستضيف كأس العالم لكرة القدم أهم بطولة عالمية تحتضنها لأول مرة دولة عربية هى اصغر دولة عربية بالمساحة، 10 سنوات وتمت توسعة الحرم المكى مرتين، وبنيت مدينتان حجيتان فى السعودية حتى البحرين لولا الأحداث المؤسفة الأخيرة فيها أصبحت حاضنا دوليا لأهم ميناء مالى فى المنطقة، 10 سنوات لم نر فيها مطاراً جديداً أو طيارات جديدة لناقلة الوطنية أو جامعة جديدة أو مستشفى جديداً.

(3)
لكن من يتحمل الذنب فى كل ذلك الاحتقان السياسى والاجتماعى المتفاقم فى الكويت الذى بات واضح المعالم بعد العودة والتحرير من الغزو الخارجى وكان المفروض أن يحصل العكس. الصراع يدور بين تيارين رئيسيين فى الداخل والشعب الكويتى منقسم بين هذا الفريق وذاك، التيار الأول يحمل أعضاء المجلس يطلقون عليهم " نواب الصراخ" يستخدمون أدوات الرقابة البرلمانية بطريقة تعسفية من خلال المبالغة فى تقديم الاستجوابات لأعضاء الحكومة لأسباب بعيدة عن المصلحة العامة، وأنهم يتعمدون التضييق على الحكومة وتجاوز حدود صلاحياتهم المقررة فى الدستور، فضلاً عن تدنى لغة الحوار داخل المجلس بشكل غير مسبوق، وتعمد توجيه الاستجوابات إلى أعضاء الأسرة الحاكمة بشكل يوحى بتحديها والدخول معها فى صراع إرادات. بالإضافة إلى تعطيل كثير من المشروعات الضرورية للحفاظ على مسيرة التنمية والتطور فى الكويت، ومن ذلك تعطيل خطة أقرتها الحكومة بقيمة خمسة مليارات دولار تهدف إلى مواجهة آثار الأزمة المالية العالمية الراهنة على الاقتصاد الكويتي، بدعوى أنها "تخلو من الشفافية والموضوعية". وعرقلة مسيرة الإصلاح الديمقراطى ومثال على ذلك رفض اعطاء المرأة الكويتية حقوقها السياسية والسماح لها بالمشاركة فى الانتخابات البرلمانية تصويتاً وترشيحاً، وهو أمر بذلت الحكومة جهوداً مضنية حتى تمكنت من انتزاعه. التيار الآخر يحمّل الحكومة مسؤولية تكرار هذه الأزمات السياسية، ويشدد على أن أعضاء البرلمان لا يتجاوزون سلطتهم عندما يستخدمون أدوات الرقابة المقررة لهم دستوريا فى مساءلة الحكومة، لكن المشكلة تكمن فى حقيقة أن الحكومة لا تقبل بقواعد اللعبة الديمقراطية، ولا تريد أن يتم استجوابها ومساءلتها، وفى كل مرة يتعرض فيها أحد أعضاء الحكومة إلى استجواب يمكن أن ينجح فى طرح الثقة فيه تلجأ القيادة إلى تغيير الوزير أو تغيير الحكومة أو حل البرلمان، ولا تتعامل مع هذه الاستجوابات باعتبارها حقاً يكفله الدستور لأعضاء البرلمان، وأن عليها واجب الرد على استجواباتهم أو استفساراتهم كما يرى هؤلاء أن استجواب رئيس الحكومة، لا يمثل تحدياً للأسرة الحاكمة، طالما أن الدستور الكويتى أعطى الحق صراحة لأعضاء مجلس الأمة فى استجواب كل أركان الحكومة بمن فيهم رئيس الوزراء، الذى يجوز استجوابه لكن لا يسمح بطرح الثقة فيه. الحكومة ضعيفة من وجهة نظر هذا التيار، وتفتقد إلى برنامج عمل، وغير جادة فى معالجة المفاسد وإنجاز العديد من المشاريع الإستراتيجية التنموية وتتخوف من الاستجوابات، وسعيها إلى تأزيم الوضع السياسى بمجرد صعود قضية الاستجوابات إلى السطح، يجعلها المسؤول الأول عن استمرار الأزمة السياسية الحانقة فى البلاد. إلا أن المراقبين السياسيين يحملون أعضاء البرلمان والحكومة مسؤولية هذه الأزمات المتكررة التى قدمت صورة سلبية للتجربة الديمقراطية الرائدة فى الكويت فى منطقة الخليج العربي، وشوّهت وجه الحرية والديمقراطية الكويتية، وأشاعت أجواء التوتر والتناحر والفوضى بما أدى إلى تعثّر مسيرة العمل الوطنى فى البلاد؛ فأعضاء البرلمان كثيراً ما يفتعلون أزمات حول بعض القضايا الثانوية، فعلى سبيل المثال تسبب إصرار بعض الأعضاء الإسلاميين على استجواب وزير الأوقاف بسبب قرار منع بيع بعض الكتب الدينية فى معرض للكتب فى وقوع أزمة بين الحكومة والبرلمان فى مايو 2007، كما اضطرت الحكومة إلى الاستقالة فى نوفمبر 2008 بسبب إصرار أعضاء فى مجلس الأمة على استجواب رئيس الوزراء على خلفية سماح السلطات بدخول رجل دين شيعى ايرانى إلى الكويت، على الرغم من وجود حظر قانونى على دخوله.

(4)
دوامة الأزمات التى لا تزال تدخل فيها الكويت أدت إلى تجميد عملية التنمية فى البلد وأصابت العديد بالإحباط العودة فى إطلاق مسيرة الحراك والتغيير فى الداخل الكويتى وفى المحيط الخليجى والعربى والدولى أيضا. لقد مرت الكويت كما تشير التقارير الدولية منذ وضع الدستور عام 1962 بأربع أزمات حقيقية على الصعيد الديمقراطى أدت إلى تعطيل العمل بالدستور، الأولى عام 1967 حيث حل البرلمان، وعطل العمل بالدستور خلال الفترة 1976 — 1980، و1986 — 1992، وتخللت هذه الفترة مواجهات أمنية، وخرجت التجمعات السياسية تطالب بإعادة العمل بالدستور، كما تعرضت الحريات العامة خلال فترات الحل غير الدستورى لمجلس الأمة للتقييد وفرضت رقابة مسبقة على الصحف. ومنذ عودة الحياة البرلمانية عام 1992، تم انتخاب خمسة مجالس، انتهت أربعة منها بالحل الدستوري، أعوام 1999 و2006 و2008 و2009. الأزمات السياسية متكررة وغير قابلة للتوقف أو الفرملة خصوصا فى وجود الصدامات بين أعضاء فى البرلمان ورئيس الحكومة الحالى الذى شكل سبع حكومات منذ عام 2006م دون تحقيق انجازات حقيقية على الأرض. الجيل الجديد من الشباب الكويتى أطلق بدوره صرخة تطالب بإمارة دستورية وحكومة منتخبة وتشكيل الأحزاب السياسية. فى الخليج المحب للكويت كلنا فى انتظار الأمل أن تخرج الكويت من محنتها وتعود رائدة وقائدة فى المجتمع الخليجي. وان يحسم الخلاف فى الكويت العزيزة فى الانحياز إلى المطالب الشعبية التى لا تقل عن حجم التغييرات الكبيرة التى أقدمت عليها الدول العربية التى تحررت فيها منظومة العملية السياسية منذ بداية يناير 2001 بعد أن كانت محاصرة ومغلقة على نفسها لعقود من الدهر. من الضرورة أن ينتهى الصراع بمبادرة حقيقية من رأس الهرم ولا يستمر الخلاف بين الحكومة فى الكويت والبرلمان إلى نهاية الزمان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق