الخميس، 10 نوفمبر 2011

المعضلات العربية.. الديمقراطية والتنمية والتفكير في اليوم التالي!

جريدة الشرق
2011-11-10

المعطيات السياسية والاقتصادية في المنطقة من أسوأ ما يوجد في العالم
مطالب الشعوب تتحول إلى برنامج عمل.. مشحون لسنوات عديدة ومتعلق بنفقة عظيمة!
كيف الحفاظ على إنجازات الثورات العربية والإصلاحات؟

تحديات هائلة فرضتها الثورات العربية التي أحدثت انقلابا جذريا على بنية الحكم الاستبدادي الشمولي الذي طوق المنطقة لعقود واختلف من مكان إلى آخر في الكم والدرجة من بلد إلى آخر من المحيط إلى الخليج واستند على دعم خارجي مقابل الثروات الطبيعية وتأمين منابع الطاقة والإمدادات النفطية. التحديات الداخلية والخارجية تدعونا إلى ضرورة تكثيف البحوث والدراسات الإستراتيجية السياسية والاقتصادية والاجتماعية عن المنطقة ومتغيراتها حتى نستطيع أن نتعامل مع القادم بلا قلق وخوف ومفاجآت.

(1)
موقع الشرق الأوسط استعرض أوضاع المنطقة في ظل الثورات العربية المتلاحقة والتغيرات التي تشهدها المنطقة في تقرير موسع وشامل نقلا عن بعض الندوات الأكاديمية وتقارير مراكز الدراسات والبحوث والصحف العالمية والإقليمية. وسنحاول أن نستعرض أهم ما جاء فيه من أطروحات وآراء مختلفة، يشير التقرير إلى أن الأحداث في العالم العربي في سنة 2011 سيكون لها قدرة على إحداث تغيير سيكون مشابها بكبره لما حدث في شرق أوروبا إثر انهيار الاتحاد السوفييتي ونظم الحكم التابعة له. يمكن القول وبنظرة متفائلة ان الأحداث في منطقة قد تكون بدء مسيرة تجعل 'تصادم الحضارات' كما يرى هنتنغتون ممتنعا. وإن الجموع التي خرجت هذا العام للتظاهر في عواصم الدول العربية، وفي طهران في سنة 2009، بيّنت جيدا مشكلاتها في مجال حقوق الإنسان، والحريات السياسية وشفافية نظام الحكم والمشكلات الاجتماعية الاقتصادية. تتراكم مطالبهم لتصبح برنامج عمل مشحونا، لسنوات عديدة ومتعلقا بنفقة عظيمة. فبغير أن تجند المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية والدول الصناعية والدول المنتجة للنفط والغاز (ولا سيما تلك التي في الشرق الاوسط)، بغير أن تجند نفسها يُشك في أن يُستطاع استغلال 'الربيع العربي' في مسيرة طويلة إلى نتيجة تشبه ما يبدو اليوم في شرق أوروبا بعد أكثر من عشرين سنة من سقوط سور برلين.

(2)
كل الدلائل والأرقام والإحصائيات كانت تنذر بان الانفجار قادم وساعته قريبة، التقارير الدولية أشارت الى انه قبل نشوب الانتفاضات في العالم العربي كانت المعطيات الأساسية الاقتصادية في المنطقة من أسوأ ما يوجد في العالم. وقد بلغ النمو الاقتصادي الحقيقي في المنطقة في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي 3 في المائة قياسا بـ 4.5 في المائة في الاقتصادات النامية. وفي السنين من 1980 الى 2010 كانت زيادة الناتج الوطني الخام للفرد في الشرق الاوسط 0.5 في المائة فقط قياسا بـ 3 في المائة في الاقتصادات النامية. وقد تغير توقع النمو في سنة 2011 بعقب الأحداث إذا استثنينا الدول المنتجة للنفط والغاز في الخليج. والتوقع الآن هو نمو بنسبة 3.6 في المائة فقط في المتوسط للمنطقة كلها في سنة 2011، أي بانخفاض عن التقدير السابق بنسبة الثلث. التأثيرات الاقتصادية للربيع العربي في الأمدين القصير والمتوسط خطيرة. واستمرار الانتفاضة سيعقد الوضع فقط والقدرة على مواجهة التأثيرات السياسية. وقد تتضرر فروع كثيرة كالبناء والسياحة والقطاع المالي في الأمد البعيد. وفي الأمد القصير تأخذ حكومات مؤقتة وحكومات جديدة بوسائل شعبوية كدعم المنتوجات الغذائية ورفع أجور العمل في القطاع العام، وعدم رفع الضرائب من اجل مضاءلة عجز الميزانية، وعلى ذلك فان الصورة العامة التي نحصل عليها هي صورة أزمة اقتصادية مستمرة. قدر صندوق النقد الدولي الاحتياجات المالية لمواجهة جملة مشكلات دول المنطقة التي تستورد النفط بـ 160 مليار دولار للسنين 2011 - 2013، والهدف الرئيس هو إحداث استقرار اقتصادي في الحد الأقصى حتى النضج ولو الجزئي للاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ينبغي ان نفترض أن يؤثر الخوف من المظاهرات في الأمد المباشر على الأقل في تحسين شفافية عمل نظم الحكم، وخفض مستوى الرشوة وخفض التبذير. وبغير رقابة أوثق وأكثر الزاما مما كان في الماضي من المؤسسات الدولية، يُشك كثيرا في أن تُطيل المساعدة الطارئة أيام الفضل.

(3)
إن القاسم المشترك في الثورات هو الاحتجاج على استبداد السلطة المركزية وقمع حقوق الفرد والفساد الاقتصادي الاجتماعي كما يشير التقرير. في عدد من الحالات نجح الثوار في إبعاد الحكام لكن الواضح أن نجاحهم الأكبر هو في إرساء قاعدة جديدة لتعددية الخطاب السياسي في الشرق الأوسط يشارك فيه المواطن نفسه والسلطة المركزية المؤقتة وتلك التي ستحل محلها بعد الانتخابات في الدول المختلفة، والمجتمع المدني على اختلاف قطاعاته، ومنه وسائل الإعلام التي استمدت تشجيعا وتعزيزا من استعداد المواطن لمجابهة السلطة.
كل ذلك يثير علامات سؤال كثيرة: كيف الحفاظ على انجازات الربيع العربي بحيث يأتي بالتغييرات والإصلاحات ويُقرها في الأمد البعيد؟ وما صلة إجراءات مشابهة (من جهة خارجية على الأقل) حدثت في شرق أوروبا أو في أمريكا اللاتينية مثلا؟ وما أهمية الدول الغربية في هذه المسارات زيادة على دعمها المالي؟ وهل تستطيع الدول العربية ولا سيما التي تستورد مصادر الطاقة أن تثبت لعبء الديون؟ وما الصلة بين الإجراءات السياسية وبين التغييرات والإصلاحات السياسية الخارجية؟ وهل توجد صلة مباشرة بين الحاجة إلى إنشاء ما يقرب من 100 مليون مكان عمل في العقد القريب وبين نجاح الإصلاحات السياسية؟. وبسبب من تعلق اقتصادات الشرق الأقصى النامي بمصادر طاقة الشرق الأوسط، هل يمكن إنشاء شراكة اقتصادية ثلاثية بين الاقتصادات التي تستورد الطاقة في الشرق الأوسط والشرق الأقصى وبين الاقتصادات التي تنتج الطاقة في الشرق الأوسط وأهمها دول الخليج؟

(4)
إن المهمة الأكبر التي يجب أن تقوم بها الدول العربية التي وصلت فيها الثورة إلى عتبتها الأولى يكمن في التفكير في (اليوم التالي) حتى لا تعطي لقوى رجعية قدرة جذب الثورة إلى الخلف كما يشير الدكتور عبد المنعم سعيد، أما في الدول التي لا تزال تجاهد في إطار من المناوشات والاحتكاكات فإن الفرصة قائمة أن تسبق السلطة القائمة قوى الثورة ليس فقط بتحرير العملية السياسية كلها، وإنما بطرح برنامج اقتصادي واجتماعي جاد للتنمية ومقاومة الفساد. أما الدول العربية التي لم تحدث فيها هذه العملية الثورية بعد، فعليها أولا أن تعلم أن هذه العملية سوف تأتي اللهم إلا إذا انتهزت الفرصة وسبقت جميع القوى السياسية والاجتماعية لإجراء إصلاحات جذرية وليست تجميلية. إبان الثورة الفرنسية في أوروبا كانت الظروف شبه متماثلة من حيث النضج السياسي والاجتماعي، ولكن الفرنسيين خلقوا مجزرة كبرى، وأخلوا باستقلال القارة الأوروبية كلها على مدى عقدين من الزمان؛ أما بقية الدول، خاصة بريطانيا فقامت بثورتها على طريقتها الخاصة التي امتزج فيها الإصلاح السياسي بالثورة التكنولوجية، بتعزيز المجتمع المدني، والتقدم الاقتصادي في آن واحد. لقد سبقت بريطانيا اليوم التالي حتى دون أن تقوم الثورة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق