الخميس، 3 نوفمبر 2011

حمى الثورات العربية تنتقل إلى أمريكا

الشرق -ايلاف

هل العالم مقدم على تغيرات جذرية على النظام الاقتصادي العالمي؟
تداول الثروة هو البديل عن انفجار الثورة
هل يكمن علاج الأزمات الاقتصادية بتطبيق نظام المصرفية الإسلامية؟

حمى الاحتجاجات الجماعية والخروج إلى الشارع والبقاء فيه حتى يتغير الوضع بدأت تنتقل إلى بقية دول العالم وتحولت إلى شبه رغيف يومي يتم تعاطيه والخيار الأول تحاول فيه الفئة الأكثر تضررا والمحرومون اليائسون والمحبطون والذين يقبعون في الطبقة الأدنى إسماع أصواتهم إلى صناع القرار في دولهم وتوصيل رسائل الغضب والحنق من الأوضاع الاقتصادية المزرية التي يعانون منها إلى بقية المراكز العالمية المؤثرة في ظل الامتعاض من الرأسمالية المتوحشة وسيطرة رجال الأعمال غير الأكفاء على مقاليد الدولة.
(1)
من رحم التفاحة العالمية نيويورك من المدينة التي لا تنام من الشبع وربما لا ينام البعض منها من الجوع ظهرت حركة الاحتجاج "احتلوا وول ستريت" (Occupy Wall Street)، (OWS)، وانتشرت حول العالم لتصل إلى شوارع العالم وتحتل المنتديات والمواقع الاجتماعية ونشرات الأخبار. بدأت المظاهرات من قبل هذه الحركة التي تدعو إلى احتلال مبنى وويل ستريت الشهير في نيويورك على شكل مدونة في الانترنت إلا أن اكتسبت الحشد والتأييد مع مرور الوقت على غرار المظاهرات الشبابية العربية وانفجار الثورة في الشارع. مما أدى إلى خروج المظاهرات في أكثر من 1،000 مدينة في 25 دولة تضم بعضاً من أكبر اقتصادات العالم بينها 100 مدينة في الولايات المتحدة وحدها. ترفع الحركة شعار أنها تمثل 99 % من الشعب، وهي لن تتسامح مع جشع وفساد الواحد في المائة، من الذين يملكون المال ويتحكمون في رقاب الناس من خلال نفوذهم في الميادين الحكومية وفي المؤسسات المالية، والذين يتحملون مسؤولية الأزمة التي يعانيها الاقتصاد. يقول أستاذ علوم الاتصال بجامعة فوردهام بول ليفينسون إن جماعة "احتلوا وول ستريت" والحركات ذات الصلة بها تمثل بعثا جديدا للديمقراطية المباشرة التي لم تكن معروفة منذ العصور الغابرة. ويضيف ليفنستون قائلا "إن الخطر يكمن دوما في أن مثل هذه الجماعات قد تتحول إلى حركات غوغائية. لكن من مزاياها أن قراراتها تعبر حقا عن إرادة الشعب وتُرضي غرور المشاركين فيها أكثر من القرارات التي يتخذها زعماء منتخبون". استطلاعات الرأي في مدينة نيويورك أظهرت تأييد 87 في المائة من سكانها للمعتصمين وقضاياهم، وتأييد 73 في المائة منهم لمطلب صدور قوانين أكثر تشددا لتنظيم عمل المؤسسات المالية الأمريكية، وتأييد 72 في المائة منهم لاستمرار اعتصام المتظاهرين في الحديقة العامة إن احترموا القانون، وشجب 45 في المائة منهم طريقة تعامل الشرطة مع المتظاهرين.
(2)
هل العالم مقدم على تغيرات جذرية على النظام الاقتصادي العالمي حيث يطيح بالنظام الرأسمالي القديم ويتم بناء نظام جديد قائم على أسس أكثر كفاءة ومرونة وعدالة؟ هل سنشهد ثورات شعبية ضد الحكومات في الولايات المتحدة والدول الغربية والآسيوية مشابهة بتلك التي حدثت في العالم العربي تطيح بنظام الدولة بكامله وليس حكوماته فقط؟! العالم الامريكي جيرالد سيلانتي وهو الباحث المتخصص بعلم المستقبل أسَّس في عام ١٩٨٠ معهد بحوث متخصصاً في رصد التوجهات المستقبلية العامة ومنذ ذلك الحين يصدر المعهد توقعات سياسية واقتصادية واجتماعية تحققت بعد ذلك، ومن أبرزها توقعه بانهيار الاتحاد السوفييتي قبل نحو سنتين من سقوطه، كما توقع انهيار سوق الأسهم في أمريكا منذ عام ١٩٨٧. والتوقعات التي أطلقها جيرالد سيلانتي في الآونة الأخيرة بثت موجة من الذعر في أمريكا وخارجها. خصوصا انه تحدث عن المستقبل القريب بين عامي ٢٠١٢ و٢٠١٤. يرى سيلانتي انه ستقع ثورة في الولايات المتحدة الأمريكية. لم يحن وقتها بعد ولكنها على الطريق. وهذه الثورة ستقترن بأعمال شغب واسعة النطاق واعتصامات وانتفاضات ضد الضرائب والبطالة والجوع! ويوضح أن الغذاء سيكون الهمّ الأول لدى الناس، ويعبّر عن ذلك بجملة موحية يقول فيها: سيكون وضع الطعام على المائدة أكثر أهمية من وضع الهدايا تحت شجرة الميلاد! والدولار الأمريكي سينهار وسيفقد حتى حدود ٩٠% من قيمته في المستقبل القريب المنظور، وستتدهور مبيعات محلات التجزئة، وان الولايات المتحدة الأمريكية على الطريق لأن تتحول إلى دولة متخلفة! وان الوضع سيكون أسوأ من حالة الكساد الكبرى في ثلاثينيات القرن الماضي! ويذكر سيلانتي ان ما سيفاقم الأزمة هو حالة الإنكار لحالة الركود الراهنة، وعدم الاعتراف بالجذور الضاربة عميقاً في المجتمع الأمريكي لهذه الأزمة! ولذلك فإن أمريكا ستمرّ في حالة انتقالية ما من أحد مستعد لها!.
(3)
هل يكون حل الأزمة العالمية الاقتصادية وتداعياتها منذ عام 2008م يكمن في الاتجاه إلى تطبيق نظام المصرفية الإسلامية كما يروج لها البعض المحسوب على هذا القطاع. المحلل السعودي صلاح الدين خاشقجي يشير إلى التجربة في المصرفية الإسلامية ليست مثالا جيدا يحتذى به، فهي أخذت بقشور هذه الصناعة وتركت اللب. فهي بتركيزها على التورق والمرابحة دفعت الاستهلاك الشخصي إلى أقصى حدوده. ولها تجربة مريرة في كيفية مشاركة المصارف الإسلامية في خسارة قطاع عريض من المواطنين في انهيار سوق الأسهم السعودي عام 2006. فالقروض التي صرفت للمواطنين حملت طابع المصرفية الإسلامية، وذهبت لتمول فقاعة، ما لبثت أن انفجرت، لتأكل مدخرات المواطنين. ولم يكن ليحد من آثار هذه الأزمة إلا تحرك مؤسسة النقد بتخفيض نسبة الاستقطاع من العميل لتحد من المبلغ الأعلى للتمويل بشكل كبير. أما على مستوى الاستثمار، فقد كانت صكوك دبي العالمية مثالا سيئا آخر على استخدامنا للمصرفية الإسلامية. فعلى الرغم من أن الصكوك الإسلامية في واقعها تحمل المستثمر فيها جزءا من المخاطر، وبذلك تختلف عن السندات والديون، فان طريقة معالجة أزمة صكوك دبي سلكت منحى المصرفية التقليدية على أساس القانون البريطاني. فلم تتعرض رؤوس أموال المستثمرين لأية خسائر، إنما تم التعامل معها وكأنها سندات تتم إعادة هيكلتها فقط. العالم يعيش في أزمة والحلول الجاهزة والمعلبة والمغلفة بالأيديولوجيات تزيد الوضع تأزما والعلاج يكمن في نظام جديد أكثر عدالة في تداول الثروة وإلا لن يكون هناك بديل عن الثورة؟!
فاصلة أخيرة
أتقدم بالتحية على تفاعل السيد سفير روسيا الاتحادية مع مقالي (الثورات العربية و"ماتريوشكا" المواقف المناهضة الروسية والصينية)، إلا أني لا اعرف المبررات وراء ذاك الهجوم الشخصي والتشنج بدلا من الرد بهدوء وعقلانية واحترام الرأي والرأي الآخر والحوار الديمقراطي وهو الأمر الذي تريده أن تصدره الحكومة الروسية الحالية إلى العالم العربي في عصر الثورات كما أشار السفير، رغم العديد من مواقفها المساندة للأنظمة العربية الديكتاتورية التي تختلف في إحجامها حسب حجم الدولة وطبيعة المصالح معها والتي شبهتها بالدمية (ماتريوشكا)، ويبدو أن الدبلوماسي الذي استخدم كلمات ومهاترات غير دبلوماسية، مثل القافلة تسير والكلاب تنبح ولا اعرف لماذا لم يستعر أيضا تشبيهات القذافي المشهورة الجرذان والصراصير، لم يستوعب التشبيه، وسعة خياله لم تكن واسعة بما فيه الكفاية، ناهيك عن سعة الصدر؟! يا سيدي السفير لا يبدو من ردك انك استوعبت ما نشر في مقالي ولا اعرف ان كنت اطلعت على المقال باللغة العربية أو وصلك عن طريق الترجمة الانجليزية. مقالي لم يدع إلى مهاجمة المصالح الروسية وإثارة التهديدات الإرهابية وإشعال النيران كما ادعيت علي جورا وهو أسلوب رخيص في النقاش واتهام باطل، بل نقلت إليك ما نشر في المنتديات الاجتماعية وبعض الصحف العربية من ردود أفعال على الموقف الروسي الرافض فرض عقوبات على النظام السوري الذي ينحر شعبه، ويمكنك الاطلاع عليها وما أكثرها عن طريق البحث في جوجل. وقلت بالحرف الواحد لا نريد أن يصل الوضع إلى تلك القطيعة من خلال تبني تلك الأطروحات الرديكيالية وهو ما دعاني إلى كتابة المقال كناصح ومحلل ومطلع على الغليان الذي يجتاح المنطقة. ورغم انك قدمت شكوى على مقالي إلى وزارة الخارجية كما زعمت، فانا من جهتي سأكون أكثر إيمانا بحرية الرأي والتعبير منك، ولن أقدم على رفع قضية بحقك بتهمة التعرض والتشهير والادعاءات المزيفة وتشويه السمعة التي سقتها بحقي. على العموم رغم كل الجدل الذي يدور حاليا عن بعض المواقف الدولية المساندة للأنظمة الديكتاتورية العربية، أو من أن الموقف الروسي والصيني سيجبر على التغيير لان الشعوب العربية وأوضاع المنطقة ستفرض عليها ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق