الأربعاء، 25 مايو 2011

العرب و"الفيس بوك" صراع الثورة.. والثورة المضادة"

جريدة الشرق- ايلاف
2011-05-25

انقلاب حقيقي في مفهوم الإعلام الاجتماعي وإعلام الشارع وإعلام المواطن
تعذيب النشطاء من أجل انتزاع كلمة السر في مواقع التواصل الاجتماعي
الإعلام العربي بقي غائباً عن هموم الشعوب والمواطنين

كان شاباً مرهقاً ساذجاً غريب الأطوار يدرس في جامعة لها اسم رنان "هارفارد"؟! ولكي يثبت أنه يملك القدرة على الاستعراض وإظهار النفس والحضور الزائف، قام باختراق موقع الجامعة وسحب صور مجموعة من الطالبات ووضعها في موقع قام بإنشائه على الانترنت وطلب من زملاء له في الجامعة وخارجها التصويت لمقارنة فتيات الجامعة بالحيوانات التي تقاربها في الشبه، وكانت المفاجأة أنه حصل على 22 ألف تصويت في أقل من ساعتين، وكاد أن يفصل من الجامعة بسبب فعلته تلك. وعندما انتشرت حكاية الفتى مع الموقع والصور، اتصل به أخوان يملكان فكرة إنشاء موقع للتواصل الاجتماعي بين الأصدقاء ويبحثان عن مبرمج ليساعدهما في إطلاقه، لكنه احتفظ بالفكرة لنفسه وقام بالعمل مع زميل له بتطويرها وتبسيطها وإطلاقها من خلال موقع يضع المستخدم بياناته الخاصة به ويحذفها متى يشاء، وتحول مع مضي الأيام إلى موقع التواصل الاجتماعي الأول والأهم والأكثر استخدما في العالم وهو "الفيس بوك" (Facebook.com). الموقع الذي بدأ بـ85 دولاراً اجار إشغال موقع على الإنترنت في 2004، وأطلقه شاب من غرفة نوم صغيرة قديمة في جامعة هارفارد وهو مارك زوكربرج، (Mark Zuckerberg)، صارت قيمته تزيد على 15 مليار دولار أو أكثر مائة مرة من عائده السنوي الذي يقدر بمائة وخمسين مليون دولار.
بحسب تقرير «رويترز» تنامى استخدام الموقع في الوطن العربي بدرجة مذهلة، من 11.9 مليون مستخدم في يناير 2010 إلى 21.3 مليون في يونيو من العام نفسه، بنسبة نمو بلغت 78 في المائة في عام واحد فقط. تقرير صحيفة الشرق الأوسط عن الثورة المصرية ذكر أن «فيس بوك» كان الواجهة الإعلامية البديلة، يتابع من خلالها الشباب كل ما يحدث من تطورات على ساحة الأحداث، بعد أن فقد هؤلاء الشباب ثقتهم في مصداقية الإعلام الرسمي المصري، الذي قالوا إنه ينقل صورة «حكومية» مخففة للأحداث.. أو للإعلام الفضائي الخاص، الذي تشككوا في صدقه أيضا عقب اتهامات طالته بمحاولة تضخيم الأحداث وبلبلة المجتمع المصري، لصالح جهات خارجية. وقد شارك الملايين من كل أرجاء مصر في إمداد المواقع الإلكترونية، وعلى رأسها (فيس بوك)، بمواد فيلمية وصور وتقارير صحافية عن الأحداث. وأصبح الموقع ساحة مفتوحة لكل الآراء الهادفة إلى توحيد المطالب السياسية والاجتماعية. كما أن فضاء الإنترنت اللانهائي وفر بديلا افتراضيا لاستيعاب جميع الآراء والاقتراع حولها. تمثل في متابعة ملايين الشباب لآراء الخبراء والشخصيات العامة والكثيرين ممن يحوزون ثقتهم. وعلى الجانب الاقتصادي أشار التقرير، انه لم يفت اي من "الناشطين الانترنتيين" القيام بدور داعم من خلال «فيس بوك»، وذلك بإطلاقهم دعوة لإنقاذ البورصة المصرية من الانهيار الوشيك الذي يهددها، بعد فقدانها نحو 70 مليار جنيه في الفترة الماضية، عبر شراء بعض الأسهم بقيمة 100 جنيه في محاولة لإعادة التوازن المفقود. كما لم يترك ملايين المصريين المعروفين بخفة ظلهم الفرصة تفوتهم، إذ تحول الموقع إلى مدونة ساخرة عظمى، تنتقد بكل الوسائل من نكات أو كاريكاتيرات أو مقاطع فيديو وصور ممنتجة، ببرامج مثل «فوتوشوب»، الأوضاع القائمة على المستويات كافة. حتى أن بعض المحللين السياسيين أطلق على ثورة الشباب «ثورة فيس بوك» ومازال شباب الثورة يمارسون دورهم دون توقف في وصول الثورة إلى بر الآمان ومحاربة الثورة المضادة.
واليوم في أحداث سوريا والدول العربية الثورية ودول الممانعة والصمود والتصدي لثورة الشعب وقتله في الشوارع بواسطة الجيش والدبابات و"الشبيحة"، يقود موقع الفيس بوك المشهد الصمود والتصدي الحقيقي للقمع والعنف والمجازر ويعرض لكل العالم حقيقة ما يجري هناك لدرجة أن المحطات التلفزيونية العالمية مثل سي ان ان والعربية كالجزيرة تنقل عنه وليس العكس وهو انقلاب حقيقي في مفهوم الإعلام الاجتماعي وإعلام الشارع وإعلام المواطن، الأمر الذي جعل الصحف الرسمية السورية تقوم باتهام إدارة موقع فيس بوك بـ"التآمر على الشعب السوري، "لتضمه إلى قائمة طويلة من الدول والقوى ووسائل الإعلام العالمية التي اتهمتها بـ"التآمر" ضد النظام. صحيفة "الثورة" السورية الرسمية ذكرت ان إدارة فيس بوك "متواطئة" مع من وصفتهم بـ"أصحاب الثورة المزعومة فى سوريا"، وتحدثت عن ما قالت إنها ازدواجية فى المعايير، فهناك صفحات لا يمكن إغلاقها، وصفحات تغلق بدون إنذار، وممارسات انتقامية لا مبرر لها سوى الانحياز والتآمر. وتعرضت صفحة البرلمان الأوروبي على موقع فيس بوك إلى هجوم قراصنة سوريين من أنصار الرئيس السوري بعد أن اقر الاتحاد الأوروبي عقوبات ضد 13 شخصا من المقربين إليه بالإضافة إلى الرئيس ذاته. صحيفة "الديلي تليجراف" والوشنطن بوست كشفتا أن أجهزة الأمن في النظام السوري بدأت تلجأ إلى أسلوب جديد لقمع الثورة المستمرة، حيث شرعت في تعذيب النشطاء بوحشية من أجل انتزاع كلمة السر الخاصة بصفحاتهم على موقع التواصل الاجتماعي الـ"فيس بوك" لقطع التواصل مع بعضهم البعض ووقف نشر مقاطع الفيديو أخبار الثورة السورية، والتعتيم التام على ما يحدث. وتوضح الصحيفة إنه مع منع الصحفيين الأجانب من دخول سوريا اعتمدت وسائل الإعلام على المعلومات التي يضعها المواطنون على شبكات التواصل الاجتماعي كـ"فيس بوك"، واعتمد منظمو الاحتجاجات على التكنولوجيا، وحاول النظام بدوره محاصرتهم عن طريق قطع التيار الكهربائي تارة، وسائل الاتصالات تارة أخرى، ولكن النشطاء استطاعوا الالتفاف على هذه الإجراءات من خلال استخدام المولدات الكهربائية وهواتف تستخدم الأقمار الصناعية.
لماذا أصبح «فيس بوك» و«تويتر» و«يوتيوب» ساحة الشعوب العربية ليتحدثوا بحرية وبدون قيود؟ مع أنه موقع اجتماعي وليس صحيفة حكومية أو إذاعة أو تلفزيون؟! يشير جمال بنون أن كل المشكلة تعود إلى أن الإعلام العربي بقي غائباً عن هموم الشعوب والمواطنين، وحتى الدول التي تقول إنها ألغت وزارة الإعلام، لديها جهات أخرى رقابية إما وزارة الداخلية أو جهات حكومية أخرى كانت تسيطر على جهاز الإعلام وتمارس أنواعاً مختلفة من القيود، وتحول الحقائق إلى معلومات خاطئة، وتسمح ببروز أشخاص لهم انتماءات حكومية وليست وطنية، فكان الإعلام العربي لخدمة القيادات والمسؤولين والمتنفذين، وغاب عنها الأهم وهو المواطن وصوته واحتياجاته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق