الأربعاء، 18 مايو 2011

المجلس الخليجي.. تصدير الكبسة واستيراد المنسف

جريدة الشرق
2011-05-18

الخطوة مباغتة ومفاجئة ولم يتوقعها الكثير من المحللين
هل يشكل الاتحاد رافداً يعزز أمن دول الخليج واستقراره؟
التعاون يركز على تقديم مساعدات اقتصادية وليس تحقيق خطوات تكامل اقتصادي!

بلمح البصر انتقلنا من طرح موضوع تطبيق الكونفدرالية بين دول الخليج، التي من المفروض انها تحققت أصلا وفعلت خلال العقود الثلاثة الماضية عن طريق الاتفاقيات السياسية والاقتصادية والمدنية، الى تناول موضوع الدعوة التي تم توجيهها إلى الأردن والمغرب للانضمام إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وهي الخطوة التي جاءت بطريقة مباغتة ومفاجئة ولم يتوقعها الكثير من المحللين لا في الخليج ولا في الدول المعنية ولا حتى في اليمن، الذي ظلت الابواب امامه مغلقة من قبل اعضاء نادي الامتياز الخليجي باستثناء رياضة كرة القدم! واليوم بعد خراب مالطة لا يزال هناك أمل في انقاذ المبادرة الخليجية لحل الازمة المتفاقمة في تنحي الرئيس ومشكلة جنوب اليمن ومشكلة صعدة مع الحوثيين والتي يبدو انها تلفظ أنفاسها بعد رفضها من قبل شباب الثورة اليمنية من جهة وامتناع الرئيس عن توقيعها من جهة أخرى، ولا حتى في العراق الذي لا نعرف إلى الآن في اي درج من الملفات تم وضع طلب انضمامه إلى النادي الخليجي!
حول انضمام الأردن والمغرب لمجلس التعاون، ترى بعض الأوساط السياسية الاقتصادية أن هذه الخطوة تشكل توجها قويا لإيجاد تكتل اقتصادي متكامل، بإضافة الإمكانات الكبيرة التي يتمتع بها الجانبان واتساع سوق الاستثمار والاستهلاك في كل من الأردن والمغرب فضلا عن معالجته لمشكلتي الفقر والبطالة التي تعاني منها هاتان الدولتان العربيتان. إلا أن البعض يشير أن خطوات التكامل الاقتصادي معقدة وتستغرق وقتا أطول بكثير من خطوات التكامل في المجالات الأخرى كما يذكر عبد الرحمن السلطان، فالدول التي ترغب في الانضمام إلى تجمع اقتصادي قائم لا يمكنها أن تنضم بصورة تلقائية ويلزم تأهلها من خلال تحقيقها معايير معينة يستغرق استيفاؤها في العادة وقتاً طويلاً وتتطلب مفاوضات مضنية. من الواضح أن التعاون الاقتصادي سيقتصر على تقديم مساعدات اقتصادية للدول الجديدة في المجلس وليس على تحقيق خطوات تكامل اقتصادي معها.
ورغم الحماس في الأردن هناك تردد في المغرب رغم الترحيب. الأردن أشار لأن الدخول لمجلس دول التعاون الخليجي 'سيستغرق وقتا طويلا' نظرا لتعدد الاجراءات اللازمة المتعلقة بالانضمام. كما ان الحكومة ستوجه خطابا للمواطنين تبين فيه كيفية الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي والاجراءات الواجب اتخاذها في هذا المجال وهو ما لم يحدث في الحالة الخليجية؟! الاردن منذ سنوات وخصوصا بعد انكسار دعم الحليف العراقي بعد الخروج من الكويت وهزيمة حزب البعث في 2003 كان يلح في طلب شـراكات اقـتـصاديـــة وتـعاملات مميــزة فــي معظم المجالات، وهو يعتبر نفسه امتدادا طبيعيا لدول الخليج، بتركيبته المجتمعية والعشائرية وليس بعيدا عن النظام السياسي الحاكم صانع القرار الاخير كما هو حاصل في معظم دول الخليج.
المغرب تحدث حول الدخول في مشاورات من أجل تحديد إطار تعاون أمثل مع دول مجلس التعاون الخليجي مع تكرّر تمسكه بالمثال المغاربي وبناء اتحاد المغرب العربي. الباحثة في الشؤون الدولية رويدا مروة اشارت الى ان انضمام المغرب بشكل عضو كامل سيرّتب عليه تنازلات سياسية أبرزها الدعم المطلق للأنظمة الملكية في الخليج، وهو ما قد يتعارض مع الدخول في اصلاح حقيقي نموذجي بعد الخطاب الاخير للملك الذي اعلن فيها عن اصلاحات دستورية جذرية. اما اعلان المغرب عن تمسكه ببناء اتحاد مغرب عربي فهو اراد من ذلك تهدئة بعض الاصوات المحتجة من داخل المغرب وخارجه حول نيةّ الانضمام التي ربطت الامر ببدء المغرب العزوف عن رغبته الشهيرة بضرورة بناء مغرب عربي واستبداله باتحاد عربي آخر، بالاضافة الى معرفته جيدا ان قيام هكذا اتحاد مغاربي لم ولن يتحقق مادام هناك نزاع على الصحراء قائم ومستمر منذ 36 عاما. ان التحليلات والتصريحات لا سيّما تلك التي صدرت عن المحللين والمراقبين من الخليج والصحف الاوروبية والاميركية ركزت على الاسباب التي دفعت الخليج للنجدة بالمغرب والاردن "لتدعيم امنه" وتشكيل "ناد ملكي سني عربي" والوقوف في وجه "الزحف الايراني" و"المدّ الشيعي" و"اخماد الثورات العربية" في حال وصل تأثيرها للملكيات الخليجية.
ردة الفعل في الشارع الخليجي كانت متهكمة ومستغربة ومصدومة من اضافة المنسف والكسس على المائدة الخليجية التي مازالت تعاني من الكولسترول وكثرة الدهون والأملاح وزيادة السعرات الحرارية والبهارات في (الكبسة) أو (المجبوس) الطبق الرئيسي الذي يختلف في التسمية ويتشابه في الطعم. وبرزت حالة من العتب والغضب تسود الساحة الشعبية الخليجية التي تشعر أن القرارات المصيرية يتم فرضها من فوق ويجب معها السمع والطاعة، وتنفيذ الأوامر تحت مبررات عديدة أهمها يرتبط بالمثال الشعبي المتداول "الشيوخ ابخص". هناك اربعة اشكاليات خليجية متحفظة تطرقت لها صحيفة القبس الكويتية واثارت نقاشا واسعا في الاوساط الاعلامية والرأي العام الخليجي في المجالس والمنتديات العامة، الإشكال الأول، ناتج عن عدم القدرة على إقامة نقاش حقيقي داخل جدران المجلس، وعلى مستوى القمة، وهو الأخطر، لحسم الأمور وتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود، حيث لجأت كل دولة الى جمهورها لتعزيز وجهة نظرها، مع أنه ليس خافيا على أحد إجماع الجمهور الخليجي على الحفاظ على شخصيته، وبالتالي التمسك بخصوصية مجلسه التي أكدها ميثاقه التأسيسي، رغم إنجازاته الاقتصادية المتواضعة، خصوصا لجهة قيام سوق مشتركة خليجية تشبه، ولو في الشكل، نظيرتها الأوروبية. الإشكال الثاني، هو تولد شبهة الاستعانة بدعم خارجي، ومن دول ملكية، للدفاع عن أوضاع داخلية بمواجهة موجة إصلاحية تجتاح العالم العربي، كأن المطلوب إقامة جبهة من دول الحكم الوراثي بمواجهة التغيير، مع أن المطلوب من دول المجلس أقل بكثير من الدول الأخرى، كونها دولا منتجة للنفط، ولا أحد يخاطر بأزمات فيها لكي لا يصبح سعر برميل النفط 500 دولار، وثانياً لأن أوضاع المواطن الخليجي الاقتصادية أفضل بكثير من غيره، وثالثاً لأن أبواب الإصلاح لم تسد نهائياً! الإشكال الثالث، وهو افتقاد مجلس التعاون للآليات الحقيقية للبحث والنقاش، من الأمانة العامة الى المجلس الاستشاري مرورا بالمجلس الوزاري، حيث تبين أن كل هذه الهيئات لا مهمة لها ولا مبادرة سوى مناقشة قضايا تفصيلية تحيلها القمة إليها، وبالتالي، لا تستطيع تقديم رؤى او مشاريع لتطوير المجلس من الناحية العملية. الاشكالية الرابعة، هي غياب الرأي العام الخليجي عن القرار الحقيقي داخل المجلس، وآخر مظاهر هذا الغياب الكامل المفاجأة الصاعقة التي تلقاها جمهور «الخليجي» بدعوة الأردن والمغرب للانضمام إليه،.. ان المجلس لن يحقق أهدافه الأصلية الباقية في بيان التأسيس والبيانات الختامية في ختام كل عام، دون حد أدنى من المشاركة ا‍‍لشعبية التي لها مصلحة حقيقية في إقامة سوق خليجية واحدة، وهو ما يتناقض مع مصالح البيروقراطيات الحكومية التي تعتاش على التعقيدات القائمة بين دولنا.
هناك تساؤلات كثيرة تدور حول الخطوة الخليجية الجديدة ومدى فعاليتها ونجاحها في الداخل والخارج. فهل يشكل السعي إلى ضم الأردن والمغرب إلى هذه المنظومة رافداً إضافياً يعزز أمن دول الخليج واستقرارها كما يشير جورج سمعان؟ أم أنه توجه مرحلي سيكون مآله مآل «إعلان دمشق» إثر تحرير الكويت؟ يومها ضم «الاعلان» إلى دول الخليج كلاً من مصر وسورية، لكنه لم يعمر ولم يترك أثراً يذكر، بعدما كاد أن يتحول الى عبء على الدول الست. هل تنتفي الحاجة إلى توسيع المجلس إذا هدأت ثورات الجمهوريات العربية و«الثورة الإيرانية»؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق