الأربعاء، 4 مايو 2011

الخليج.. الشعب يريد تطبيق "الكونفدرالية"؟!

4-5-2011
جريدة الشرق

هل الاتحاد أمنية قلبية أم واقع تفرضه التحديات؟
مجلس التعاون لم يرق إلى الطموحات والتطلعات الخليجية
معظم التجارب الوحدوية فشلت في العالم العربي؟!

من الخارج تبدو الأصوات توحدت في معظم الصحف ووسائل الإعلام الخليجية التي تطالب أغلبها هذه الأيام إلى تطبيق الكونفدرالية (Confederation) بين دول مجلس التعاون. الحل الكونفدرالي فرضته الأوضاع الجديدة التي تعصف في المنطقة العربية وتغيير من أوضاعها الجيوسياسية الجيوستراتيجية والجيوقتصادية الحالية والمستقبلية، بالإضافة إلى مواجهة مخاطر الأطماع الخارجية المتزايدة نحو التدخل في شؤون بعض الدول الخليجية والتصدي للتهديدات المختلفة لأمنها وسيادتها واستقلالها وهو ما بدا واضحا في ساحة الأحداث البحرينية الأخيرة، والكشف عن الشبكات التجسسية والتخريبية النائمة في الكويت، ومواصلة فرض الأمر الواقع في وضع اليد واحتلال الجزر الإماراتية ورفض اللجوء إلى التحكيم الدولي. الاقتراحات التي يتم تداولها تتباين بين رابطة أعضاؤها دول مستقلة ذات سيادة والتي تفوض بموجب اتفاق مسبق بعض الصلاحيات لهيئة أو هيئات مشتركة لتنسيق سياساتها في عدد من المجالات، وفيها يتم توحيد السياسات الأمنية والدفاعية والخارجية، بحيث تكون هناك وزارة واحدة للخارجية تتولى تنظيم علاقات مجلس التعاون بالدول الأخرى وتمثل كل دول المجلس لدى الدول الأخرى بسفارة واحدة، كما سيعهد إلى أجهزة الاختصاص إصدار جوازات سفر موحدة لمواطني الخليج. بالإضافة لتوجه لتحويل قوات "درع الجزيرة" إلى قوة تدخل سريع مع تعزيزها وتطوير قدراتها التسليحية والقتالية والتعبوية لتصبح قوة عسكرية ضاربة أكثر قدرة على ردع التهديدات الإقليمية وإحباط أي مؤامرات أو خطط لإثارة الفتن والقلاقل في أي من البلدان الستة. وتوحيد التدريبات القتالية مع إجراء مناورة عسكرية كبرى وموسعة تضم كل القوات البرية والبحرية والجوية وتشارك فيها مختلف القطاعات العسكرية على أن تقام سنويا في إحدى دول مجلس التعاون بالتناوب كما ذكرت صحيفة "السياسة" الكويتية.
لكن رغم المطالب الشعبية بممارسة دور اكبر لدول مجلس التعاون في خضم عواصف الثورات العربية، إلا أن تصريحات كبار المسئولين تشير أن الأمر غير مطروح على طاولة البحث، وهو أمنية قلبية وليس واقعا يفرض نفسه. وهناك من يقلل من حجم الفكرة وتأثيرها، فالدور الذي يقوم به مجلس التعاون الخليجي هو أشبه ما يكون بالاتحاد الكونفدرالي بل هو تجاوز حتى صلاحيات الكونفدرالية كما حصل في أحداث البحرين باستخدام قوته الدفاعية في التدخل لحفظ الأمن الداخلي لإحدى دوله في ممارسة أقرب لممارسات فدرالية متحدة؟! وخلال الثلاثين سنة الماضية من تأسيس منظومة مجلس التعاون الخليجي مازالت التحديات الرئيسية تطرح نفسها دون وجود قرارات مصيرية حقيقية من الناحية السياسية والدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، واختلاف المواقف نحو القضايا الإقليمية والعربية والدولية، والخوف على انتقاص السيادة الوطنية والمشاركة في صناعة القرارات وتقديم التنازلات السياسية، وقناعة بعض دول الخليج في الانفراد في التحركات الداخلية والخارجية وانكماش دول أخرى داخل منظومتها الوطنية دون انفتاح على العالم الخارجي، بالإضافة إلى عرقلة تنفيذ عملية التكامل الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل للمنظومة الاقتصادية لكل دولة خليجية وتعطل ظهور العملة الخليجية المشتركة نتيجة مصالح خاصة لبعض الدول. والنزاعات الحدودية البرية والبحرية التي مازالت قائمة حتى بعد العقود الطويلة من استقلال كل دولة بحدودها وهو ما يعطل إنشاء جسر يربط بين دولة خليجية وشقيقتها.
لقد فشلت كل المحاولات التي فرضت من فوق قمة الهرم في توحيد الدول الأوروبية منذ الإمبراطورية الرومانية إلى إمبراطورية شارلمان الفرنكية والإمبراطورية الرومانية المقدسة رغم أنها استمرت لمئات السنين، إلى سيطرة نابليون في القرن التاسع عشر، ووصولا إلى أربعينيات القرن العشرين تحت مدافع النازية ألمانية. الوحدة وان تم الترويج لها من قبل النخب السياسية والثقافية لم يكن لها إلا وجود لفترات تاريخية قصيرة وانتقالية ثم تلاشت واختفت وغالبا ما يلعنها التاريخ. إلا أن جاء الإيمان "عملا ونية" بدور الإنسان الحر في عملية الاختيار، وحرية الشعوب في تقرير المصير. لقد تم إحياء الروح الجديدة في الوحدة عن طريق الاستحقاقات الإنسانية لبناء اتحاد ديمقراطي حضاري، وتم الإجماع على الشروط الذهبية في تفعيل مبدأ الوحدة الأوروبية في منظومة الاتحاد الأوروبي ودستور غير مكتوب يسمح بالتنوع والتناغم، فسياسيا: على الدولة المترشحة للعضوية أن تتمتع بمؤسسات مستقلة تضمن الديمقراطية وعلى دولة القانون أن تحترم حقوق الإنسان وحقوق الأقليات. واقتصاديا: وجود نظام اقتصادي فعال يعتمد على اقتصاد السوق وقادر على التعامل مع المنافسة الموجودة ضمن الإتحاد. وتشريعيا: يجب على الدولة المترشحة للعضوية أن تقوم بتعديل تشريعاتها وقوانينها بما يتناسب مع التشريعات والقوانين الأوروبية التي تم وضعها وتبنيها منذ تأسيس الإتحاد. ورغم كل ذلك هناك مخاوف من أن تصبح أوروبا مقسمة، ويتحول الاتحاد إلى قيادة تقتصر على الألمان والفرنسيين وغياب الدول الأخرى في المنظومة، وتلاشي الشرعية الديمقراطية على المدى الطويل الأمر الذي قد يؤدي في النهاية لتحول الاتحاد إلى مجرد اتفاق تجارة حرة، بالإضافة إلى عدم وجود نماذج أوروبية يتبادل فيها الناس اللغة والثقافة والاهتمامات ويعطون شرعية لاتحاد أوروبي ديمقراطي.
اشعر أن دول الخليج تتهرب من الاستحقاقات التي تفرضها طبيعة المرحلة الحرجة في العالم العربي في مواجهة التحديات والدخول في عملية التغيير قبل أن يفرض عليها وهي كلها مسألة وقت لا أكثر؟! وبدل من الانفتاح وإطلاق العملية السياسية لكل دولة، وتفعيل الخيارات الديمقراطية وإنشاء البرلمانات المنتخبة أو الغائبة منها في أكثر الدول أو المعطلة والمحاربة في دول أخرى، وتعزيز دور المشاركة الشعبية ودور المؤسسات والمجتمع المدني، وضمان دولة القانون واحترم حقوق الإنسان وحقوق الأقليات، ووجود نظام اقتصادي عالمي قادر على التعامل مع المنافسة الموجودة، يتم الحديث عن أمنيات يتم من خلالها توظيف عامل الخوف والهواجس من الآخر في الداخل والخارج، لكي تطرح على الأجندة السياسية والإعلامية، علا وعسى أن يتم تناولها في يوم ما على طاولة متخذي القرار في كل دولة حتى لو تم معها حرق جميع المراحل واستحقاقاتها! الجانب الذي يغفل في خضم حفلات الزار السياسية والإعلامية أن جل التجارب الوحدوية فشلت في العالم العربي لان الإنسان في هذه الدول ليس له حرية اختيار مصيرية ومناقشة حاضره وتحديد مستقبله؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق