الخميس، 10 يونيو 2010

أوضاع العمالة.. المعضلة الكبرى في ملفات حقوق الإنسان الدولية

2010-06-09
جريدة الشرق
هناك من ينظرون إلى العمالة وكأنها "العبيد الجدد"
السلوكيات الريعية في المجتمع الخليجي.. تكرس قيم الاتكالية والاعتماد على الغير
العمالة المنزلية لا تخضع لقانون العمل في أي من دول مجلس التعاون الخليجي
تنظيم الضوابط الكفيلة بحفظ الحقوق ووقف الانتهاكات غير الإنسانية
استحداث مؤسسات وطنية لإصلاح سوق العمل واستقدام العمالة

ربما تكون المعضلة الأكبر في ملفات حقوق الإنسان الدولية التي تتناول المنطقة العربية والخليجية بشكل خاص هي القضية المتعلقة بأوضاع العمالة الأجنبية الوافدة التي تظل بعيدة بشكل كبير عن أهم المعايير الدولية المتعارف عليها في العالم. وتواجه صعوبات ومشاكل وخروقات عديدة لا توجد لها حلول ناجعة أو حتى وسطية إلى اليوم، وربما إلى الغد إذا استمر التجاهل والمكابرة في النظر إلى هذه القضية الإنسانية التي غدت هما يؤرق كل من يتحدث ويتناول التعليق على مبادئ حقوق الإنسان في المنطقة؟! عندما يتم طرح حقوق الخدم والعمالة المنزلية بالتحديد تجد الامتعاض والسخرية والتهكم من قبل العديد من أبناء الجلدة في ما يخص تحديد ساعات العمل ووضع حد أدنى للراتب، وهؤلاء لهم عقلية خاصة في رؤية الأمور والتعامل معها، فهم ينظرون إلى العمالة وكأنهم (العبيد الجدد)، وليسوا عبارة عن اشخاص لهم كرامة إنسانية، جاؤوا إلى البلد وفق عقد عمل رسمي، لهم حقوق يجب الاعتراف بها وصيانتها وليس عليهم واجبات فقط؟!. لقد ظلت العمالة المنزلية في دول الخليج كما تشير التقارير المحلية والدولية المختلفة تعاني مشاكل عديدة، أهمها غياب التغطية القانونية التي تحفظ لها حقوقها وتؤكد التزامات أرباب الأسر الذين استقدموها للعمل في البلاد وفي بيوتهم. وتشكل العمالة المنزلية ما يزيد على عشرات الآلاف من الوافدين، وهي عمالة لا تزال مستمرة بالزيادة نتيجة للسلوكيات الريعية في المجتمع الخليجي التي تكرس قيم الاتكالية والاعتماد على الغير. وما دام الخليجيون وغيرهم من وافدين يحتاجون إلى العمالة المنزلية، فإن عليهم تنظيم الضوابط الكفيلة بحفظ الحقوق ووقف الانتهاكات غير الإنسانية ووضع حد للمتاجرة بالبشر التي تقوم بها مكاتب الخدم والعمالة المنزلية في البلاد. الدراسة التي قام بها المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية والعمل لدول الخليج في العام الماضي، واعتمدت على بيانات رسمية قامت الدول الأعضاء بتوفيرها، أشارت إلى أن العمالة المنزلية لا تخضع لقانون العمل في أي من دول مجلس التعاون الخليجي الست. وبينت أن مئات الآلاف من خادمات المنازل في الخليج يعملن بدون غطاء قانوني ويتعرضن لمختلف الانتهاكات، والدولة الوحيدة التي تملك قانونا خاصا بهذا الشأن هي الكويت، غير انه فشل في وقف الاعتداءات على الخدم، فيما تطبق البحرين جزءا من قانون العمل على الخدم لكن لا توجد حماية قانونية لهذه العمالة في أي من الدول الأخرى خارج نطاق القوانين العامة. وأكدت الدراسة أن الضرب من قبل المخدوم وعدم مراعاة إنسانية الخدم، إضافة إلى التحرشات الجنسية، وهتك العرض تأتي في مقدمة المشكلات التي تواجهها الخادمات. ومن المشكلات الأخرى التي أوردتها الدراسة، عدم دفع الرواتب أو التأخر في دفعها وتكليف الخادمات ببعض الأعمال التي تفوق طاقاتهن وعدم إعطائهن وقتا كافيا للراحة، إضافة إلى عدم التكيف مع عادات المجتمعات العربية وتقاليدها، فضلاً عن عدم منحهم راحة أسبوعية ويجبرن على العمل لساعات طويلة. وتأتي الأغلبية العظمى من العمالة المنزلية من الهند وسريلانكا وبنغلاديش والفلبين واندونيسيا وباكستان، وفي اغلب الأحيان من الريف وأكثر من نصفها من الأميات أو شبه الأميات.
وطبقا للدراسة يبلغ متوسط عمر الخادمة نحو ثلاثين سنة، لكن هناك خادمات تبلغ أعمارهن عشرين سنة واقل من ذلك، ونحو ثلثي الخادمات إما متزوجات أو كن متزوجات؟!
لكن دعونا نركز على الحلول والعلاج أكثر من الحديث عن العلل والمشاكل وما أكثرها في الصحف ووسائل الإعلام والمنتديات العربية والخليجية. إن استحداث مؤسسات وطنية لإصلاح سوق العمل واستقدام العمالة المنزلية قد تكون واحدة من الخطوات التغيرية على صعيد ضبط وتنظيم وجود العمالة وصيانة حقوقهم، وربما يأتي ذلك في إطار الخطوات العملية الجادة والتي قد تخرج الكثير من دول الخليج من القائمة السوداء التي وضعتها المنظمة العمالية لحقوق الإنسان. لقد شد انتباهي المشروع الذي قدمته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت والقاضي بإنشاء مركز وطني لتأهيل العمالة المنزلية، ويستوعب المشروع، 500 ألف عامل وافد، وستكون له آثار ايجابية كثيرة في حالة تطبيقه، فالدراسة الأولية لجدوى المشروع تشير إلى أن الديون واضطهاد العمال وسوء مستوى معيشتهم، وراء إقدامهم ع‍لى الانتحار، مؤكدة أن المشروع سيزيل الكثير من العوائق التي تواجه العمالة المنزلية، وسيكون نقطة تحول في حال تطبيقه، ويهدف المشروع إلى تهيئة العمالة المنزلية للتكيف مع الحياة الاجتماعية والتربوية والنفسية للأسرة، وتعريف العمالة المنزلية بقيم وعادات المجتمع بمختلف فئاته، وإبراز وسطية الإسلام واعتدال منهجه في التعامل مع مختلف شرائح المجتمع، وتوعية العمالة المنزلية بالواجبات المنوطة بها داخل الأسر في البلاد وتعريف العمالة المنزلية بحقوقها وواجباتها وفق قانون العمالة المنزلية، وتوعيتها بالإجراءات القانونية المترتبة على التملص أو الهروب أو مخالفة اللوائح الخاصة بها وتحفيز العمالة المنزلية على التحقق بالوعي المتكامل بدورها من خلال أنشطة هادفة وهدايا مشجعة، وإشعارها بالأمان الذي يعد أساس التعامل الايجابي وتجاوز السلبيات، ورفع مستوى الوعي لدى الكفيل والمكفول أو لدى الخادم والمخدوم. ومن إيجابيات المشروع تقديم خدمة واضحة للمجتمع والأسرة من خلال تأهيل العمالة المنزلية للقيام بأدوارها على أحسن وجه،وإيجاد رابط مؤسسي وإداري للتنسيق بين مختلف الجهات والهيئات المعنية بموضوع العمالة المنزلية، وتشجيع العمل المشترك الجاد، والعمل على تقليص المشكلات الناجمة عن التصرفات السلبية للعمالة المنزلية، والإسهام في تغيير الصورة النمطية السلبية عن العمالة المنزلية ومنهج التعامل معها، وإحداث سنة حميدة في مجال رعاية العمالة المنزلية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق