الأربعاء، 27 يناير 2010

بذور الديمقراطية في الصحراء العربية

2010-01-27
منطقتنا تعاني القمع بمجال الحقوق السياسية والحريات المدنية
الديمقراطية العربية تزرع عنوة في الرمال ولا تتحول إلى أشجار تطرح الثمار

قبل نهاية السنة الميلادية تمنيت من كل قلبي أن تكون سنة 2010 مختلفة عن السنوات السابقة، رغم إنني كنت على يقين من أن هذا هو الوهم بعينه، فالمجتمعات والدول لا تتغير بالمطالب الوردية، أو عن طريق الأمنيات، فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وجاءت الصدمة بعدها بأيام مضت حين نشرت منظمة فريدم هاوس تقريرها السنوي الذي يبين مدى عمق الأزمة التي تواجهنا اليوم وغدا، فقد أشار التقرير إلى التراجع الخطير في الحريات للسنة الرابعة على التوالي، واصفا هذه الفترة بأنها الأطول على مدار 40 سنة، فالمنطقة العربية تمثل أكثر المناطق التي تعاني من القمع في العالم من حيث الحقوق السياسية والحريات المدنية.
هناك تراجع في تصنيف الدول العربية التي تقدمت بضع خطوات إلى الأمام في الأعوام السابقة، وكانت الأردن من بين الدول التي سجلت تراجعاً بسبب القرار الذي صدر مؤخراً بحلّ المجلس بالبرلمان الأردني، بالإضافة إلى البحرين واليمن. فقد حصلت هذه الدول الثلاث على تصنيف "غير حرة" بعد أن كان تصنيفها السابق "حرة جزئياً". وأضاف تقرير منظمة "فريدم هاوس" أن التراجع لوحظ أيضاً في المغرب وفي الأراضي الفلسطينية. وللأسف وكما ذكر مدير المنظمة أن التراجع يأخذ طابعاً عالمياً ويؤثر سلباً على الدول التي تملك قوة اقتصادية وعسكرية والدول التي أظهرت في السابق دلائل على إمكانية الإصلاح ويصاحبه اضطهاد للمعارضين السياسيين والصحفيين المستقلين.
السؤال الذي يطرح في كل مرة هو لماذا تستعصي الدول العربية على الإصلاح، ولماذا لا تجد بذرة الديمقراطية تربة صالحة في الصحراء العربية لكي تنبت وتترعرع فيها؟! في الإجابة على هذا السؤال الأزلي نشر تقرير واشنطن في الأسبوع الماضي نص الدراسة التي أعدها لاري دياموند مدير مركز الديمقراطية والتنمية وحكم القانون في جامعة استانفورد ونشرتها "دورية الديمقراطية في يناير 2010 تحت عنوان لماذا لا توجد ديمقراطيات عربية؟"، حيث تتضمن الدراسة تحليلاً للاتجاهات السائدة في تفسير عدم وجود دول ديمقراطية عربية، معللة أسباب عدم قابلية تلك التفسيرات للتعميم وافتقادها للدقة وتتبنى تفسيرا جديدا لغياب الديمقراطية في العالم العربي يقوم على الدمج بين عوامل اقتصادية وسياسية وجيواستراتيجية.
وتذكر الدراسة أن موجة التحول الديمقراطي بدأت ولم يكن عدد الدول الديمقراطية يتجاوز 40 دولة، ومع بداية التسعينيات وانهيار الاتحاد السوفييتي وصل عدد تلك الدول إلى حوالي 76 دولة وبحلول عام 2002 أضحى عدد تلك الدول حوالي 118 دولة بحيث أضحت الديمقراطية النمط السائد في غالبية دول العالم باستثناء الدول العربية. فعلى الرغم من التغييرات والحراك السياسي والمدني صمدت القلعة الحصينة بالمنطقة العربية في مواجهة المد الديمقراطي الذي اجتاح النظام العالمي منذ عام 1974، الذي تعزز بانهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، وهو ما أثار تساؤلات عديدة حول أسباب افتقاد الزخم السياسي الداعم لعملية التحول الديمقراطي في الدول العربية المتلاصقة جغرافيَّا دون غيرها من المناطق الجغرافية في العالم، ولماذا لا توجد ديمقراطية راسخة في العالم العربي على امتداد مساحته الجغرافية؟
وتشير الدراسة إلى أن أسباب ذلك تعود لعدة عوامل أهمها:
العامل الاقتصادي، حيث تغيب المبادرة الفردية ويتضاءل دور القطاع الخاص باستثناء رجال الأعمال المرتبطين بالنخبة الحاكمة، وتحذر الدراسة من أن الدول المصدرة للنفط قد تعاني مما يسمى "الداء الهولندي" Dutch Disease، نتيجة وفرة الموارد الاقتصادية وغياب دور القطاع الخاص، واعتماد المواطن بصورة شبه كاملة على الدولة لتوفير مختلف احتياجاته، بما يؤدي لحالة من التراخي وانتشار أنماط الحياة الاستهلاكية وتراجع ثقافة الإنتاج وتوجيه الاستثمار والعائدات النفطية إلى قطاعات خدمية وليست إنتاجية.
العامل السياسي، حيث يعد احتكار السلطة السياسية أحد أهم السمات المشتركة بين دول المنطقة العربية في ظل تأييد القوى الخارجية لاستمرار التسلطية السياسية حفاظا على الاستقرار السياسي، ومما يعزز سلطوية النظم الحاكمة في العالم العربي استغلالها لاحتكار الدولة لأدوات القهر السياسي المتمثلة في قوات الشرطة والمخابرات وتوظيفها لقمع المعارضة السياسية للحفاظ على بقائهم في السلطة، بحيث تصنف غالبية الدول العربية ضمن أعلى دول العالم من حيث مستوى الإنفاق على الأمن، بيد أن النظم العربية الحاكمة لا تمارس القمع السياسي بصورة دائمة وإنما تعتمد على عدة آليات بصورة متزامنة مثل استقطاب بعض قيادات المعارضة والسماح بقدر محدود من التمثيل السياسي وإجراء انتخابات بصفة دورية حتى وإن كانت غير نزيهة وهو ما يطلق عليه إجراءات التكيف السلطوية، التي يتم اتخاذها للتواؤم مع المتغيرات الداخلية والخارجية، فعقب السماح بقدر محدود من الحريات السياسية بما يسمح للمعارضة السياسية بممارسة نشاط فعال لفترة مؤقتة يعود بعدها النظام الحاكم لقمع الحريات وتضييق الخناق على الأنشطة السياسية للمعارضة. أما المعارضة السياسية في الدول العربية فتواجه معضلة معقدة، فهي إن شاركت بفاعلية في الانتخابات والبرلمان يتم اتهامها من جانب القوى الراديكالية بإضفاء الشرعية على ممارسات النظام الحاكم والمشاركة في النظام السياسي السلطوي وإن امتنعت عن المشاركة على سبيل الاحتجاج يتم اتهامها بالسلبية السياسية وعدم الفاعلية، ناهيك عن أن عوامل الضعف الهيكلية في بنية المعارضة السياسية تكون كفيلة بجعل دورها هامشيا، لاسيما انقسامها إلى جبهات متضادة والإطار القانوني غير التنافسي وافتقاد غالبيتها للدعم الشعبي باستثناء القوى السياسية الإسلامية.
العامل القومي: حيث تسهم عدة عوامل أخرى في تعزيز احتكار السلطة السياسية من أهمها القضية الفلسطينية التي يتم توظيفها لصرف انتباه الشعوب عن قضايا الإصلاح الداخلي وتردي الأوضاع الاقتصادية الداخلية، ومن ثم تركز وسائل الإعلام العربية على الممارسات الإسرائيلية في مواجهة الفلسطينيين وتغيب عن خطابها قضايا الإصلاح السياسي والديمقراطية، أما الإطار المؤسسي الذي يجمع الدول العربية، وهو جامعة الدول العربية فيضع الديمقراطية وحقوق الإنسان خارج نطاق اختصاصها أو نشاطها الذي يركز على الاستقرار ويتسم بقدر كبير من المحافظة.
العامل الخارجي: حيث إن نتيجة العوامل الاقتصادية والسياسية والإقليمية مع العوامل الجيواستراتيجية أدت إلى استمرار حالة الجمود في الدول العربية، حيث يدفع تركز الاحتياطات النفطية في المنطقة مختلف الأطراف الدولية للتدخل لحماية مصالحها، خاصة الولايات المتحدة ويكون النمط الغالب للتدخل الدولي محاولة الحفاظ على الاستقرار السياسي ودعم النظم السلطوية الحاكمة، وتستخدم في هذا الصدد آليات من قبيل المساعدات العسكرية والاقتصادية والدعم العسكري ومبيعات السلاح.
وتشير النتائج والتوصيات التي طرحتها الدراسة إلى نهاية دراماتيكية لا نعرف مدى عواقبها ومخرجاتها، حيث تذكر انه إذا انخفضت أسعار البترول أوتم إيجاد بدائل للطاقة تتسم بانخفاض التكلفة، فإن النظم الحاكمة للدول المنتجة للنفط ستجد ذاتها مضطرة لإبرام عقد اجتماعي جديد مع شعوبها تقوم على التشارك في السلطة والتمثيل السياسي بما ينهي فترة احتكار تلك النخب للسلطة السياسية.
الفيلسوف الألماني المشهور (ايمونيل كانت) يقول، (إذا أريد إصلاح أمر من الأمور فهناك حلان: أما أن ينصلح حال القائمين عليه.. وأما أن يتفكك هذا الأمر إلى أجزاء يعاد تركيبها من الأساس عن نحو مختلف)، إن مشكلة الديمقراطية في العالم العربي أنها تزرع عنوة في الرمال العربية المتحركة لكي تتحول إلى أخشاب للعطار وليست أشجارا حقيقية تطرح الثمار.
خــــالـــد الجــابــر
Aljaberzoon@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق