الجمعة، 1 يناير 2010

المواطن وأعواد الكبريت العربية

هل ستكون الرزنامة العربية 2010 أفضل أو وضعها مماثلا أو ستكون أسوأ؟!
2009-12-30

أجمل هدية قُدمت لي في بداية السنة الماضية 2009 كانت عبارة عن رزنامة على شكل أعواد الثقاب "أعواد الكبريت" (Matches Calendar)، رُسِمت عليها كل أيام السنة، وفي كل يوم يجب أن تقطع عوداً وتشعله أو ترميه حتى يظهر اليوم الذي بعده. والهدف الرائع من هذا التصميم هو إشعارك بأنك لا تستطيع الاحتفاظ بشيء إلى الأبد فقد ذهب اليوم وانتهت صلاحية العود، وكل ما عليك فعله أن تعي وتدرك أن اليوم الذي تعيشه مميز ويجب أن تستفيد من كل لحظة فيه وعند انتهائه يصبح جزءاً من الذكريات، كما أنه يأخذ من عمرك وينقص منه يوماً بعد يوم، وها هي الرزنامة تقارب الانتهاء فقد بقيت فيها أعواد تعد على الأصابع وربما تكون قد احترقت كلها عند نشر هذا المقال؟!!
وأنا أكتب هذه الكلمات تراءت لي للمرة الثانية القصة القصيرة "بائعة الكبريت" (The Little Match Girl) للكاتب الدنماركي المشهور هانس كريستيان أندرسن (Hans Christian Anderson) وهي تروي حكاية فتاة يتيمة وفقيرة، تعيش على أرصفة الطرقات وتجبر على بيع علب الكبريت للناس في الشوارع، وفي ليلة رأس السنة يشتد البرد فتجلس على قارعة الطريق حاسرة الرأس حافية القدمين ولا تجد من يشتري منها ولا تستطيع التوقف والعودة دون بيع بعض الأعواد وإلا ستتعرض للضرب والمهانة، وبعد أن أعياها التعب أحست بالبرد فقررت أن تشعل عوداً من الثقاب لتتدفأ به فخيل لها أنها في البيت تجلس مع أهلها إلى جانب المدفئة، وما إن شعرت بالدفء حتى أنطفأ عود الثقاب فقررت أن تشعل عوداً آخر فأشعلته، فخيلت لها مائدة توجد عليها أشهى الأطباق وكل ما لذ وطاب، وما إن همت بتناول بالطعام حتى انطفأ عود الثقاب فحزنت وقالت لنفسها لأشعل عوداً آخر، وما إن أشعلته حتى خُيلت لها شجرة عيد الميلاد وهي محاطة بالزينة والأضواء والهدايا من حولها. وما إن شرعت تفتح الهدية حتى انطفأ العود مرة أخرى فأشعلت العود الأخير فخيلت لها جدتها العطوفة، فخاطبتها قائلة: جدتي.. جدتي.. أين أنتِ أريدك معي أنا بحاجة إليكِ. فتبتسم لها جدتها ثم ينطفئ العود الأخير، وتموت الفتاة من البرد وسط عيدان الثقاب، وكان الناس حولها يتحدثون عن الفتاة المسكينة ويحاول كل منهم أن يفسر ما حدث!!
قبل نهاية السنة أتيحت لنا الفرصة لزيارة برلين وكانت الوجهة الرئيسية بالطبع أشهر جدار في العالم، والذي احتفل العالم بمرور الذكرى العشرين لسقوطه، وهو جدار برلين الذي لم يتبقَّّ منه إلا بقايا أجزاء يلتقط إلى جانبها السياح والزائرون الصور لتبقى ذكرى لحقبة تاريخية انقضت، بالإضافة إلى بيع العديد من الشظايا والأحجار التي يقال إنها جمعت من الجدار المنهار أو ربما صنعت في تايوان في احد المصانع الشعبية التي تسعى إلى الربح!! وعند موقع الجدار أمطرنا المرشد السياحي بالأسئلة والاستفسارات عن التاريخ وأهم القصص والراويات الحقيقية والمزيفة عن الناس الذين هربوا من جحيم الجدار، وأين هم الآن، وكم عددهم، وهل عملت لهم التماثيل والتذكارات.. وبكل برود وبعد أن أخبرنا باختصار عن بعض الأحداث؛ أوضح لنا أن الجدار الذي بني في عام 1961 وكل ما يرتبط به سقط من الذاكرة عندهم منذ زمن طويل، وبالتحديد بعد عام 1989، فهو أصبح في عداد الماضي ولا يبدو أن أحداً مهتم به بشغف وبتفاصيله إلا السياح وخصوصا من الشرق الأوسط والصين!!

عند الجدار، تذكرت للمرة الأولى حكاية (بائعة الكبريت) وتمثلت الفتاه عندي في المواطن العربي من الخليج إلى المحيط، الذي يشعل في كل سنة عوداً لكي يتدفأ به ويحلم، وبدل ترجمة الأحلام وتحقيقها له نقوم ببناء الجدران وتمكينها لكي لا يصل إليها، أحلام تجاوزت 1400 سنة غاب معها دورنا وإنجازاتنا وتجاوز الزمن كل ما طرحناه وقدمناه، فأصبحنا خارج التاريخ وعالة على الجغرافيا.. ونصر مع ذلك على أن لدينا الكثير لنقدمه!!. عدت بعدها إلى العالم العربي في زيارة لبعض الدول العربية لأشهد صراع الأخ مع أخيه من أجل مباراة في كرة القدم في مصر والجزائر، وأدخل مناقشات دموية حول توريث الأبناء في الجمهوريات العربية، وأجد المنع ومصادرة العلم والفكر والثقافة والرأي في معارض الكتاب التي قطعت الأميال للوصول إليها في الخليج العربي وبلاد الشام في الكويت وسوريا.
مجرد زيارة لكثير من البلدان العربية ستكتشف من خلالها مدى ما وصلنا إليه من تراجع خطير من خلال الحديث مع رجل الشارع إلى أكبر مسئول، فالحريات مخنوقة والديمقراطية محبوسة ومكبلة بالسلاسل والقيود، والمجتمع المدني غائب ومهمش ومعزول، وطغيان السلطات التنفيذية في مواجهة المؤسسات التشريعية والقضائية. البرلمان والمجالس البلدية، أصبحت هيئات تمثل مصالح فئات معينة ومحددة سلفا، ولا تجد من يدافع ويمثل المواطن، والصراعات لا تهدأ بين التيارات والجماعات والفتاوى الدينية بين السنة والشيعة، وتعزيز مشروع القبلية والطائفية والفئوية والولاء السياسي يتقدم ويسيطر ويتراجع مشروع بناء الدولة والتمسك بالدستور والولاء للوطن، ومكانة الفرد وحقوقه ودوره الاجتماعي كلها تحدد من خلال انتمائه العرقي أو الديني أو القبلي أو النوع الاجتماعي (الجنس) وليس على وفق ما يحمله الفرد من كفاءة ومؤهلات وخبرات؟!
جدران كثيرة وحواجز عديدة تبنى وتشيد وترتفع في السماء تفرق بيننا وتفصلنا عن بعضنا البعض وتخلق العداوات والمشاحنات والأحقاد، انقسام سياسي على الحدود يمنعنا من توقيع اتفاقيات مستقبلية لأبنائنا حتى في أبسط أنواعها كإصدار عملة موحدة، انهيارات في الاقتصاد وتراجع في المداخيل ولا نفتح الباب للتفكير والمراجعة، خسائر في استثمارات صناديق الأجيال ولا نفكر حتى في تمكين مبدأ الشفافية والمحاسبة، كما أن الحبس والنفي والتحديد والمنع والمصادرة هي عقيدتنا في التعامل مع البث الفضائي والأقمار الصناعية والإعلام الجديد والانترنت!! بالإضافة إلى انعدام وجود رؤية مجتمعية للتجدد، وغياب مراكز التخطيط والتنفيذ القوية وتركز السلطات كلها في يد أشخاص معدودين، وانعدام الشعور بالمسئولية وتدني الاهتمام بالإنسان، وانتشار الركود الاجتماعي والثقافي في المجتمع وغياب حراك حقيقي فاعل ومؤثر، إلى جانب الانقسام في مجتمعات تعيش في مرحلة انتقالية مُعقدة، إذ أنها تضع رِجْلاً في بيئة عربية إسلامية قبلية مذهبية محافظة وأحياناً شديدة المحافظة، ورجلاً أخرى في واقع سريع متغير ونظام عولمة فرضته الثروة ومستويات التعليم ودخول المرأة الحياة العامة على نطاق كبير؟!
لم أنتظر حتى ينتهي آخر عود في الرزنامة بل ذهبت إلى المكتبة المجاورة لبيتي في بلاد الغربة أبحث عن أخرى مماثلة، فقد أسرتني فكرة أعواد الثقاب وآمنت بأنها تجعلنا نفكر في الغد بشكل أفضل من خلال استثمار اليوم، الأمر الذي يجعلنا نتساءل في حيرة وقلق وخوف هل ستكون الرزنامة العربية 2010 أفضل، أو وضعها مماثلا، أو ستكون أسوأ؟!.. كل عام وأنتم بخير.

خــــالـــد الجــابــر
Aljaberzoon@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق