الأربعاء، 28 أكتوبر 2009

ثورة تويتر تغير وجه الصحافة العالمية

موزايك
2009-10-28
تويتر جعل العالم غرفة شات صغيرة على الانترنت
الانطلاقة الكبيرة لتويتر حدثت في تغطية الانتخابات الإيرانية
استخدام موقع "تويتر" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ازداد بنسبة 300 %
عدد مستخدمي تويتر في قطر يعدون على أصابع اليد..

قبل أن نستقل القطار لنصل إلى مدينة ليستر عن طريق لندن توجهنا إلى المحل الصغير في المحطة الذي يبيع الصحف والمأكولات السريعة ليفاجئنا خبر صحيفة الجاردين البريطانية (The Guardian) الواسعة الانتشار الذي يشير إلى أن الصحيفة قررت أن يكون لها السبق من بين الصحف العالمية في أن تتحول بالكامل إلى خدمة اخبارية تقوم بالبث عن طريق موقع تويتر (Twitter) " موقع الاتصال الاجتماعي العالمي "، وجاء في الخبر. أن الصحيفة تقوم على العمل بمشروع تحويل أرشيفها الذي يرجع إلى ما قارب 188 سنة إلى آلية متوافقة مع ما يعرض في موقع «تويتر»، بحيث يتم اختصار كل قصة تقوم الصحيفة بنشرها إلى 140 حرفا فقط في كل صفحة مدونة فمثلا أن تعرض الخبر التالي الذي يذكر انه وفي عام 1940 قصة تقول (هتلر يجتاح بولندا والحلفاء يعلنون الحرب "اقرأ المزيد على الرابط المرفق مع الخبر") أو على شاكلة (مارتن لوثر كينج يلقي خطبته المشهورة لدى حلم (I Have a Dream) إنني أحلم اليوم بأن أطفالي الأربعة سيعيشون يوما في شعب لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم، ولكن بما تنطوي عليه أخلاقهم،" للمزيد، الكلمة كاملة تجدونها على يوتيوب "Youtube"). ولما رجعنا إلى موقع الصحيفة بعد ذلك اكتشفنا أن القصة كان لها صدى غير عادي وتفاعل معها الجمهور الذي يتابع الصحيفة من كل أرجاء العالم وليس بريطانيا ما بين مؤيد ومعارض ومتعجب ومتسائل ومتشائل، إلا إن اكتشفنا أن القصة كانت بمجملها عبارة عن كذبة ابريل فلقد نسينا تماما أننا كنا في بداية شهر الكذب اللطيف؟؟!! الكذب كان اقرب من الحقيقة منه إلى الخيال فبعد هذه الحادثة أتيحت لي الفرصة أن أشارك في ندوتين وثلاثة مؤتمرات عن وسائل الإعلام كان الموضوع الرئيسي فيها تويتر بلا منازع.
انطلقت بداية الإعلام الجماهيري بالة التلغراف فى الثلاثينات والأربعينات من القرن التاسع عشر، ليتبعها التليفون احدث في النصف الأول من القرن العشرين من حيث لسرعة جمع المعلومات ونقلها. ليدخل الراديو والتليفزيون ليحدث الانقلاب الكبير في مفهوم الإعلام وممارسته.. وصولا الى الانترنت لتكون أولاً وسيلة متاحة غير مكلفة عمليا وسريعة جداً في نشر الخبر وتوزيعه،، لتضع مستخدم الانترنت، في جانبي الخبر وليس في جانب واحد منه، أي في جانب المنتج والمتلقي معاً. العالم لم يعد قرية صغيرة كما تنبأ بذلك مارشال ماكلوهان بل هو اليوم عبارة عن غرقة شات صغيرة على الانترنت كما نرها يوميا على موقع تويتر الذي أنشىء في عام 2007 ويجذب ملايين المشتركين شهريا ويصعب احصاء عدد المستخدمين لأن الموقع يتيح للمشتركين أن يصلوا إليه عن طريق الحواسيب الشخصية والهواتف الجوالة والتجهيزات الإلكترونية الأخرى. والفرق بين تويتر وموقع الفيس بوك (Facebook) لان الأخير يمكن أن تتم مهاجمته وعرقلته بأي شكل من الأشكال، لكن إغلاق موقع «تويتر» او مهاجمته لا يؤثر على أعضاء «تويتر». لذلك يجب أن تغلق الخدمة بأسرها حتى تؤثر عليهم وهو ما يحدث بعض الأحيان بغرض القيام باصلاحات للموقع. وفي رسالة التي يتم ارسالها الى موقع "تويتر" يسمح بكتابة 140 حرفا فقط. وتظهر الرسالة على الصفحة الشخصية للمستخدم، وترسل إلى أصدقائه المتابعين لصفحته. ويمكن للشخص أن يقصر تلقي الرسائل على دائرة أصدقائه فقط أو السماح للجميع بالاطلاع عليها. وشعار تويتر هو عبارة عن عصفور ازرق (Bluebird) ولفظ "تويتر" يعني إصدار أصوات صغيرة عالية حادة متتابعة مثل أصوات العصافير، أو التحدث بسرعة وخفة.
جاءت الانطلاقة الكبيرة لتويتر في تغطية الانتخابات الإيرانية 2009 والتي أطلق عليها ثورة تويتر وجاءت التغطية منذ بداية انطلاق التظاهرات عندما كانت المعلومات الرسمية لا تزال شبه غائبة وعندما كانت وسائل الإعلام التقليدية لا تزال تجهد لمعرفة حجم الاعتداءات وتحاول الحصول على تأكيدات لا تستطيع من دونها تبنّي اي معلومة رسميا والاّ فقدت صدقيتها، وتحاول حجز الهواء لبث رسائلها وسط ازدحام المراسلين والوسائل. فالكثير من المعلومات التي لم يستطع المراسلون الأجانب نقلها من طهران نقلها إيرانيون عاديون عبر تويتر إلى الخارج لتنتقل بعدها إلى موقع فيس بوك ثم موقع «يو تيوب» او العكس. ونيجة لذلك لجأت كل من قنوات «سي إن إن» و«ام اس أن بي سي» الأخبار مباشرة من «تويتر» خلال تغطيتها للأحداث في إيران، مشددة على أهمية التواصل مع الإيرانيين مباشرة. واستخدمت وسائل إعلام مثل مجلة «تايم» وصحيفة «نيويورك تايمز» الأخبار من «تويتر» لشرح المزيد من التفاصيل عن الأحداث في إيران، بينما استخدمت الموقع أيضا لنشر أخبارها.
الأخبار التي نقلها المشاركون من موقع الحدث كانت عفوية وبسيطة ومؤثرة في نفس الوقت، كان المشاركون ممن شاهدوا أو صوروا الأحداث، متحرروين من كل ما يحكم الخبر في الوسائل التقليدية. لم يكونوا مهتمين باكتمال عناصر القصة وإضافة بعض التفاصيل ولا حتى انتظار تحرير الخبر أو انتظار ساعة النشر والطبع التوزيع او انتظار الأقمار الصناعية لتنقل رسالته إلى الراديو أو تليفزيونيه، فهم كتبوا ما سمعوا وشاهدوه وفي ثانية أرسلوه إلى الانترنت ليطلع عليه العالم بعد ذلك. والجدير بالذكر ان مجلة تايم الأمريكية اختارت مؤسسي موقع تويتر ضمن مائة شخصية الأكثر تأثيرا في العالم 2009 إلى جانب كبار صناع القرار في مجال السياسة والاقتصاد ونجوم السينما والغناء والرياضة. كما تحول "تويتر" في عام 2008 إلى أداة للأعمال، بدءاً من رجال الأعمال الصغار حتى الشركات الكبرى، وأصبح أفضل أداة إعلام اجتماعي للشركات والمشروعات، لأنه أسرع طريقة لنشر المعلومات لأكبر عدد من الأشخاص خاصةً للذين يعتمدون على الإنترنت في عملهم، كما يعد أداة تسويق رائعة وأداة للتواصل مع الآخرين من خلال التحدث مع المهتمين في أي مكان في العالم بمجال عمل محدد.
بالنسبة إلى وضع تويتر في العالم العربي فقد أشارت دراسة شركة الاستشارات والعلاقات العامة سبوت أون (Spot on Public Relations) في يوليو (2009)، أن استخدام موقع "تويتر" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد ازداد خلال الأشهر القليلة الماضية من مائة بالمائة إلى 300 بالمائة، وأظهر تقرير إنَّ هناك ما يقارب 12.266 مستخدماً لخدمة تويتر مسجِّلين في العالم العربي، في حين أنَّ الموقع الإلكتروني بحدِّ ذاته يجذب زيارات فريدة من المستخدمين غير المشتركين أكثر بكثير من تلك التي يقوم بها المشتركون في الموقع. وتضمُّ دول مجلس التعاون الخليجي حالياً 8.212 مستخدماً مسجِّلا في موقع تويتر، علماً أنَّ الإمارات العربية المتحدة تستحوذ على ما يقارب 60 % من إجمالي عدد المستخدمين من دول مجلس التعاون الخليجي. وبالتساوي مع استخدام موقع فيسبوك Facebook في جميع أرجاء المنطقة، تتمتَّع كلٌّ من مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بأعلى نسبة انتشار لخدمة تويتر؛ إذ تضمُّ 1741 مستخدماً في مصر، و1405 مستخدمين في السعودية، و4952 مستخدماً في الإمارات. أما في نهاية عام 2008، فكانت دول مجلس التعاون الخليجي تضمُّ ما مجموعه أقل من 1000 مستخدم لموقع تويتر. كما انضمت الملكة رانيا ملكة الأردن إلى قائمة الشخصيات التي تستخدم «تويتر». فقد ذكرت وسائل الاعلام أن الملكة أطلقت صفحة خاصة على موقع «تويتر» عبر الإنترنت بمناسبة زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر للأردن. وكتبت الملكة في خانة السيرة الذاتية تصف نفسها بـ«أم وزوجة لديها وظيفة ممتعة». الغريب أن (القاعدة) قد عرفت أهمية موقع التواصل الاجتماعي تويتر وهي تحاول أن تضع بصماتها هناك كما فعلت في الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك أو من خلال ارسالها اشرطة للجزيرة أو استخدامها الانترنت للتجنيد وبث الرسائل للخلايا النائمة والله يستر على ما سيأتي.
الغريب انك إذا دخلت إلى موقع تويتر ستلاحظ أن عدد الموجودين من قطر يعدون على أصابع اليد، ودعوني اختم بحكاية قد توضح سبب ذلك، يحكى أن رجلاً كان يملك صقراً نادراً وثميناً، يحبه كحبه لأبنائه فهو مصدر رزقه بعد الله خرج الرجل ذات يوم غائم وأطلق طيره على مجموعة من الحبارى رغم عدم ملاءمة الجو للصيد فغاب الصقر وطالت غيبته. وأمضى صاحبه نهاره يصيح ويراقب ويبحث عنه دون جدوى وبعد طول المسير والتعب والعطش رأى من بعيد راعيا يرعى إبله فلما وصل إليه وجلس عنده وسلم عليه سأله عن الطير فقال الراعي لا اعرف طيرك ولكن جاءني طيران ووقعا تحت هذه الشجرة وأخذا يتعاركان فاقتربت منهما وضربتهما بالعصا ثم ذبحتهما وها هما في النار، بعد قليل ينضجان فنأكلهما معاً ذهب الرجل إلى النار وحفر التراب بيديه وإذا بطيره ومعه حبارى صعق الرجل وقال: يا مجنون هذا هو طيري وهو لا يؤكل، فالحبارى هي التي تؤكل، قال الراعي وما الفرق بين الحباري والصقر كليهما في النهاية مجرد طيور؟؟!!، حزن الرجل وبكى حيث لا يفيد البكاء والندم ثم أطلق المثل المشهور" اللي ما يعرف الصقر يشويه" وعلى نفس المنول نقول إلا (ما يعرف التويتر يحرقه).

Aljaberzoon@gmail.com

حوار الأديان..تعقيباً على الجابر

تعقيباً على مقال خالد الجابر
د. الصادق الفقيه: حوار الأديان.. صواب هوحتى مطلع الفجر
2009-10-12


نشرت جريدة "الشرق" الغراء، في عددها رقم 7783، الصادر بتاريخ يوم الأربعاء 18 شوال 1430هـ، الموافق7 أكتوبر 2009، في الجزء الثاني، على صدر صفحة محليات السابعة، وفي باب "موزايك" مقالاً بعنوان: "حوار الأديان فشل في محاصرة حدة التوتر وفهم الآخر". ومع هذا القطع الحاد بالفشل، قال الأخ الكاتب خالد الجابر إن تأثيرات مؤتمر حوار الأديان تجسدت "في الجانب البروتوكولي والاحتفالي دون تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع اليومي المعاش"، وقدم دعوة لـ"المسؤولين بمؤتمر الدوحة لحوار الأديان لطرح مبادرات ومشاريع وتوسيع نطاق المشاركين". وهذه دعوة حق تُذكر بما هو مرصود لأصل الفكرة، التي قام عليها مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، ولا تنفي أن المبادرات والمشاريع وتنويع وتوسيع نطاق المشاركين هي الوسيلة المبررة للغاية.
ورغم ظاهر التقييم، الذي يبدو قاسياً؛ إذا اكتفى القارئ بالإطلالة على مقدمة المقال، فإن ما حفلت به تفاصيل السرد الغنية بالمعلومات، وحشد المراجعة التاريخية لأنشطة الحوار بين الأديان، التي تخللها دفق من الأفكار الحافزة على مزيد من هذا الحوار، يصل بنا إلى حقيقة مؤداها أن الأستاذ الجابر، مؤمن بما مضى وما سيأتي من لقاءات الحوار بين الأديان، ولكن يريد أن يطمئن قلبه إلى أن الجهد، الذي يبذل الآن وغدا، يجب أن يبين طلعه بمبادرات، وتينع ثمرته بمشاريع، ويؤتي أوكله في كل حين بتوسيع قاعدة المشاركة فيه، وفيما ما يعتقده من ضرورة "محاصرة حدة التوتر، والتخفيف من وضع الاحتقان، وإفساح المجال لفهم الآخر"، وغيرها من مطلوبات الواقع المعاش، أي ضرورة رؤية الواقع كما هو، وليس الواقع الافتراضي الذي يحلم به المتحاورون.
والمعروف أن مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، الذي أشّر عليه اتهام الأخ الجابر وتوجه إليه نداؤه، قد نشأ، كما تقول ديباجته، كثمرة لتوصيات مؤتمر الدوحة الخامس لحوار الأديان، الذي عقد في الدوحة شهر مايو2007، وتم افتتاحه رسمياً في 14 مايو2008. ويمثل نشر ثقافة الحوار وقبول الآخر والتعايش السلمي، وتسخير فهم أفضل للمبادئ والتعاليم الدينية لخدمة الإنسانية، الدور الرئيسي للمركز. وذلك بالتعاون مع الأفراد والمؤسسات ذات الصلة، وأن يكون مرجعية عالمية في مجال حوار الأديان، دون أن يغفل الباحثين والأكاديميين والمهتمين بالعلاقة بين القيم الدينية والقضايا الحياتية. ويعمل على توسيع مضمون الحوار ليشمل كل القضايا المتفاعلة مع الدين، ويكون بيت خبرة يوفر معلومات علمية وتعليمية وتدريبية في مجاله.
وسبيله إلى ذلك، وكما هو موصوف في أدبياته، المؤتمرات، والندوات، والورش، والاجتماعات المتخصصة، التي تعقد لمناقشة موضوعات ذات خصوصية مشتركة بين أتباع الأديان المختلفة، حيث يدعى إليها متخصصون وعلماء دين وباحثون لإثرائها بالبحث والنقاش، ويتم نشر نتائج هذه المناقشات في كتيبات يصدرها المركز بصورة دورية، تعميما للفائدة. وحتى لا يكون نتاج جهده حبيسا للقاعات وغرف الفنادق المغلقة يصدر المؤتمر مجلة علمية دورية، باللغتين العربية والإنجليزية، ورغم أنها ذات طابع علمي منهجي، وتتضمن العديد من البحوث المحكّمة، إلا أنها تناقش مختلف القضايا الفكرية والإنسانية والحوارية بين الأديان، التي تصلح لأن يطلع عليها الخاصة والعامة من الناس.
ولا يخالج أي متابع شك في أن الانتقال بفكرة الحوار بين الأديان إلى الواقع العربي والإسلامي، الذي ابتدرته دولة قطر، قبل سنوات خلت، ما أريد به إلا هذه الملامسة المباشرة مع الواقع المحلي والإقليمي، ومن ثم، حمل تأثيراته إلى المجال العالمي؛ إدراكاً شفيفاً لقصد التقارب الإنساني، الذي تتعزز به فرص التفاهم والاستقرار، والذي يمكِّن لشروط النهوض الجماعي أن تفعل فعلها الحميد في سلام وإسعاد الجميع؛ بمختلف أديانهم وثقافاتهم وحضارتهم وحواضرهم. ولا ظن عندي في أن المثل الشعبي "حط بينك وبين النار عالم وأطلع منها سالم"، كان حاضراً في أي ذهن أدركت فطنته وسلامة قريحته رجاحة الأهداف الكلية، والمقاصد الجمعية لحوار الأديان، حتى ولوكان هذا الحوار بين نخب تتناجى بقصيد الوجد في غرف الفنادق المغلقة.
فقصد التعارف والتفاهم معلق بهذه اللقاءات، التي تهدف أول ما تهدف إلى الاعتراف بالاختلاف، وترسيخ مبدأ الاحترام، الذي يمكن من اكتشاف مساحة المشترك مع الآخر المختلف، وليس إيجاد التطابق وخلق الإتحاد. وفي كتاب الأب كريستيان فان نسبن "مسيحيون ومسلمون.. إخوة أمام الله"، الذي يسجل الخبرة العملية في حوار الأديان، ويحكي تجربة عميقة للآثار الإيجابية للحوار، ويقول اعترافاً كيف أنه خرج بجسده وعقله من شرنقة الذات، ومع الزمن أدرك "كم يمثل الاتصال الشخصي والصداقة الحقيقية والمخلصة باباً واسعاً لاكتشاف دين آخر، وبدون هذا تظل المعرفة النظرية مهما كانت كبيرة تنطوي على خلل، فالدين بالفعل هو واقع يشكله الأشخاص المتدينون قبل أن يكون نظاما دينيا".
ويقيني أن مركز الدوحة يؤمن بأن تناول الحوار، خاصة في جانب الأديان، يفرض مجالا وحيزا هاما من التأني، حتى يتسنى للمتحاورين أن يرسموا لمسار أفكارهم خطى تمكنها من استحضار مختلف المداخل والاتجاهات الممكِنة والممكِّنة لمستوى بناء أطروحة سليمة في علاقة الحوار مع المقوم المنهجي داخل الحقل المعرفي لكل دين؛ لتحقيق البعد الاستراتيجي في الحوار وعلاقة الأديان بعضها ببعض. من هذا المنطلق، فإن إثارة موضوع حوار الأديان بخصوصياته المتشعبة افتراضا، بل يقينا، يطرح تحديات جمة، مثلما يتيح فرصاً لا حدود لها. وبذلك يستدعي استراتيجيات قصد الاحتكام للقيم المشتركة والتعارف والتفاهم والتعاون إليه من جهة، والاشتغال عليه بتنظيم اللقاءات وعقد الندوات والمؤتمرات من جهة ثانية. إذ أن الحديث حول حقل الأديان الواسع والرحب، يولد بالضرورة تساؤلات كبيرة، ويطرح إشكاليات تتجه إلى استفسار الواقع، نظراً لعدة اعتبارات منهجية ومفاهيمية؛ وبالتأكيد أخلاقية، وموضوعية، كتلك التي أشار إليها مقال الأخ الجابر.
فالقراءة المعرفية في فلسفة حوار الأديان تطل بنا على مشارف حقيقة الواقع الإنساني المعاش، وتنقلنا بعقلانية التدرج الحكيم من خطر التدمير الذاتي، الذي نتعمده بالقطيعة والكراهية، التي أصبحت أكثر فاعلية وقدرة في مجالات الشر؛ من خلال امتلاكنا لأسلحة الإبادة الشاملة، والتي باتت تهدد المصير الإنساني على هذه الأرض، إلى ضرورة التعارف الراشد، والوعي العميق بهذه الأزمة الوجودية، والذي ينبغي أن نتقصده باستنارة التسامح؛ المحصن بإيجابية معرفة "الآخر". وقد أثبتت تجربة حوار الأديان التاريخية، التي عرض الأخ الجابر لجزء مهم منها، أن التعاطي بين المتحاورين قد برهن على إمكانية تحريك عدد كبير من قضايا الخلاف الساكنة، وأوجد حولها فهماً، إن لم نقل اتفاقا، يمكِّن من اللقاء والتعاون والتضامن، مع وجودها.
ومنطلق حوار الأديان هنا يتسق مع منطق قصد الحكمة، ووجوب السعي إليها أينما كانت، لأنها ضالة المؤمن. لهذا، فإن المناداة به في المجال الدولي، وتفعيله على النطاق الإقليمي، وتوطينه على مستوى الدولة، وتعزيزه بين أطياف وشرائح المجتمع المتحد، وترسيخه بين مذاهب وطوائف الدين الواحد، يمثل فكرة عقلانية، وركيزة موضوعية، وسياسة إستراتيجية، في ظل واقع مختلف وعالم مضطرب. ومن هنا، فإن مؤتمرات حوار الأديان الستة الماضية، والسابع، الذي يلتئم في الدوحة هذا الشهر، وكل تلك التي ستشهدها السنوات القادمة، هي ضرورية لدولة قطر، وللمنطقة العربية، وللعالم الإسلامي، كما هي ضرورية للعالم بأسره. ومثلما يعبر حوار الأديان عن حاجة أخلاقية تتولد من الإحساس بالذات والآخر، فإنه يعد انعكاساً للظروف التاريخية التي نعيش فيها بسكونها واضطرابها، وبكل ما يعتمل داخلها من صنوف التعاون، وكل ما يعتورها من أدواء الصراع وفظائع الاحتراب.
وحوار الأديان المطلوب، كما ندعوإليه وينادي به الأخ الجابر، يجب أن يقوم على فلسفة تستوعب ملامح وأطر الواقع المعاش، وما يقتضي ذلك من مبادرات، ومشروعات، وتوسيع قنوات المشاركة، ضماناً للنتائج والمخرجات، بحيث تجعل للقاء المتحاورين قيمة عملية تحفزهم على بذل مزيد من الجهد لتحقيق كل الشروط والحوار، الذي يهدف إلى احترام الاختلاف. وذلك بمعرفة سياقه وفهمه وتحليله، وإدراك وضع الذات، وفهم وضع الآخر لمواجهة التحديات المشتركة، وضرورة أن يبني الجميع مجتمعا إنسانيا للأسرة الإنسانية؛ يعيش فيه كل فرد حياة كريمة وحرة، في إطار من المساواة والعلاقات الحقيقية، والقدرة على أن ننظر للاختلاف بطريقة إيجابية، وأن تكون الانتماءات الدينية والثقافية متكاملة، وليست متعارضة.
وإذا أردنا أن نضع مبادئ للحوار، وأسسا للقاء وقواعده، فإننا لن نجد أمثل من تقديرات الأب كريستيان فان نسبن، الذي أشرنا إلى كتابه سابقاً، ومنها الحرية الداخلية العميقة. وتعني الحرية الروحية، التي تسمح بتجاوز المواقف الانفعالية، وشفاء الذاكرة، والتي تجعل حب الله يحرره من ضغائنه وأحقاده. ومنها معرفة للآخر ومعتقده بنظامه الديني والثقافي والإيديولوجي، والعلاقة الشخصية العميقة مع هذا الآخر، التي تسمح باكتشاف الإيمان الديني. ومعرفة السياق الثقافي والاجتماعي، والتمييز بين ما يأتي من الثقافة، وما يأتي من الدين بالمعنى الدقيق. وتجاوز الخطاب المزدوج والكلام المحفوظ المكرر. والوصول إلى تحديد لمعنى الحوار يوضح الالتباسات المفاهيمية. واختيار أطراف الحوار، فلا نفرط في محاباة فئة بعينها، أوإهمال أخرى؛ بقصد، أوبغير قصد. وقبول المساءلة دون خوف ولا عقد، مع الاهتمام بتجلية الحق، والاعتراف بالغيرية، أي باختلاف الإسلام عن المسيحية، وعن اليهودية، وغيرها من الأديان، دون اهمال المشترك الأعظم بينها.
ويؤكد حوار الأديان على عدة أمور يمكنها أن تحقق معنى أن يكون المسلمون والمسيحيون واليهود، وغيرهم من أصحاب الديانات والفلسفات الأخرى، معا في مجتمع الدولة الواحدة، وفي دائرة إقليم واحد، وفي فضاء الأسرة البشرية كلها. وفي مجتماعتنا الخاصة ما يؤشر على هذه الحقيقة ويبينها، إلا أن المؤمل إبراز إيجابياتها في عقولنا بجلاء حضورها الفعلي في واقع الناس. ويتطلب ذلك تجاوز الأحكام المسبقة والمتبادلة بين الأطراف المختلفة، التي تولد المخاوف والنبذ المتبادل. وتعني ترك الأحكام المسبقة التعميمات وإخراج الإشكاليات من سياقها. وينبغي قطع الدائرة المفرغة من الحذر المتبادل، ومن الاتهامات والاتهامات المضادة، وتأسيس قاعدة من الثقة المتبادلة، والتي لا تستبعد الصراحة لتناول كل المخاوف، والإجابة على الأسئلة المطروحة بوضوح.
وهنا فقط، يمكن بناء مجتمع يعمل لخدمة الإنسان؛ باستلهام الإيمان في تقديم مبادئ تحترم كرامة هذا الإنسان، كل الإنسان، وكل البشر. فبالحوار نستطيع أن نكتب التاريخ معا، وأن ندرس مشكلات المجتمع بصورة مشتركة، ونستشرف مستقبلا مشتركا. وإذا رأينا فينا من انتدب نفسه ليسعى بين الناس بالحسنى، داعيا لكلمة الخير، مبشراً بروح التفاهم، محفزا على التسامح، فلا نُبخِسنّ من عمله شيئا. ولكن علينا أن نقول بمثل ما قال الأخ الجابر، إن الحوار خير، فلنؤديه بكل استحقاقاته؛ نلتزم فيه الجدية، ونصعد به إلى سمو غاياته، وجلال أهدافه. ولأن أي حوار حول الأديان هوأمر إيمان بقدسية الحياة وقيمة الإخاء الإنساني، فإن جهد الناس محمود بقدره، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله.
الدكتور الصادق الفقيه

حوار الأديان..تعقيباً على الجابر

تعقيباً على مقال خالد الجابر
د. الصادق الفقيه: حوار الأديان.. صواب هوحتى مطلع الفجر
2009-10-12


نشرت جريدة "الشرق" الغراء، في عددها رقم 7783، الصادر بتاريخ يوم الأربعاء 18 شوال 1430هـ، الموافق7 أكتوبر 2009، في الجزء الثاني، على صدر صفحة محليات السابعة، وفي باب "موزايك" مقالاً بعنوان: "حوار الأديان فشل في محاصرة حدة التوتر وفهم الآخر". ومع هذا القطع الحاد بالفشل، قال الأخ الكاتب خالد الجابر إن تأثيرات مؤتمر حوار الأديان تجسدت "في الجانب البروتوكولي والاحتفالي دون تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع اليومي المعاش"، وقدم دعوة لـ"المسؤولين بمؤتمر الدوحة لحوار الأديان لطرح مبادرات ومشاريع وتوسيع نطاق المشاركين". وهذه دعوة حق تُذكر بما هو مرصود لأصل الفكرة، التي قام عليها مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، ولا تنفي أن المبادرات والمشاريع وتنويع وتوسيع نطاق المشاركين هي الوسيلة المبررة للغاية.
ورغم ظاهر التقييم، الذي يبدو قاسياً؛ إذا اكتفى القارئ بالإطلالة على مقدمة المقال، فإن ما حفلت به تفاصيل السرد الغنية بالمعلومات، وحشد المراجعة التاريخية لأنشطة الحوار بين الأديان، التي تخللها دفق من الأفكار الحافزة على مزيد من هذا الحوار، يصل بنا إلى حقيقة مؤداها أن الأستاذ الجابر، مؤمن بما مضى وما سيأتي من لقاءات الحوار بين الأديان، ولكن يريد أن يطمئن قلبه إلى أن الجهد، الذي يبذل الآن وغدا، يجب أن يبين طلعه بمبادرات، وتينع ثمرته بمشاريع، ويؤتي أوكله في كل حين بتوسيع قاعدة المشاركة فيه، وفيما ما يعتقده من ضرورة "محاصرة حدة التوتر، والتخفيف من وضع الاحتقان، وإفساح المجال لفهم الآخر"، وغيرها من مطلوبات الواقع المعاش، أي ضرورة رؤية الواقع كما هو، وليس الواقع الافتراضي الذي يحلم به المتحاورون.
والمعروف أن مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، الذي أشّر عليه اتهام الأخ الجابر وتوجه إليه نداؤه، قد نشأ، كما تقول ديباجته، كثمرة لتوصيات مؤتمر الدوحة الخامس لحوار الأديان، الذي عقد في الدوحة شهر مايو2007، وتم افتتاحه رسمياً في 14 مايو2008. ويمثل نشر ثقافة الحوار وقبول الآخر والتعايش السلمي، وتسخير فهم أفضل للمبادئ والتعاليم الدينية لخدمة الإنسانية، الدور الرئيسي للمركز. وذلك بالتعاون مع الأفراد والمؤسسات ذات الصلة، وأن يكون مرجعية عالمية في مجال حوار الأديان، دون أن يغفل الباحثين والأكاديميين والمهتمين بالعلاقة بين القيم الدينية والقضايا الحياتية. ويعمل على توسيع مضمون الحوار ليشمل كل القضايا المتفاعلة مع الدين، ويكون بيت خبرة يوفر معلومات علمية وتعليمية وتدريبية في مجاله.
وسبيله إلى ذلك، وكما هو موصوف في أدبياته، المؤتمرات، والندوات، والورش، والاجتماعات المتخصصة، التي تعقد لمناقشة موضوعات ذات خصوصية مشتركة بين أتباع الأديان المختلفة، حيث يدعى إليها متخصصون وعلماء دين وباحثون لإثرائها بالبحث والنقاش، ويتم نشر نتائج هذه المناقشات في كتيبات يصدرها المركز بصورة دورية، تعميما للفائدة. وحتى لا يكون نتاج جهده حبيسا للقاعات وغرف الفنادق المغلقة يصدر المؤتمر مجلة علمية دورية، باللغتين العربية والإنجليزية، ورغم أنها ذات طابع علمي منهجي، وتتضمن العديد من البحوث المحكّمة، إلا أنها تناقش مختلف القضايا الفكرية والإنسانية والحوارية بين الأديان، التي تصلح لأن يطلع عليها الخاصة والعامة من الناس.
ولا يخالج أي متابع شك في أن الانتقال بفكرة الحوار بين الأديان إلى الواقع العربي والإسلامي، الذي ابتدرته دولة قطر، قبل سنوات خلت، ما أريد به إلا هذه الملامسة المباشرة مع الواقع المحلي والإقليمي، ومن ثم، حمل تأثيراته إلى المجال العالمي؛ إدراكاً شفيفاً لقصد التقارب الإنساني، الذي تتعزز به فرص التفاهم والاستقرار، والذي يمكِّن لشروط النهوض الجماعي أن تفعل فعلها الحميد في سلام وإسعاد الجميع؛ بمختلف أديانهم وثقافاتهم وحضارتهم وحواضرهم. ولا ظن عندي في أن المثل الشعبي "حط بينك وبين النار عالم وأطلع منها سالم"، كان حاضراً في أي ذهن أدركت فطنته وسلامة قريحته رجاحة الأهداف الكلية، والمقاصد الجمعية لحوار الأديان، حتى ولوكان هذا الحوار بين نخب تتناجى بقصيد الوجد في غرف الفنادق المغلقة.
فقصد التعارف والتفاهم معلق بهذه اللقاءات، التي تهدف أول ما تهدف إلى الاعتراف بالاختلاف، وترسيخ مبدأ الاحترام، الذي يمكن من اكتشاف مساحة المشترك مع الآخر المختلف، وليس إيجاد التطابق وخلق الإتحاد. وفي كتاب الأب كريستيان فان نسبن "مسيحيون ومسلمون.. إخوة أمام الله"، الذي يسجل الخبرة العملية في حوار الأديان، ويحكي تجربة عميقة للآثار الإيجابية للحوار، ويقول اعترافاً كيف أنه خرج بجسده وعقله من شرنقة الذات، ومع الزمن أدرك "كم يمثل الاتصال الشخصي والصداقة الحقيقية والمخلصة باباً واسعاً لاكتشاف دين آخر، وبدون هذا تظل المعرفة النظرية مهما كانت كبيرة تنطوي على خلل، فالدين بالفعل هو واقع يشكله الأشخاص المتدينون قبل أن يكون نظاما دينيا".
ويقيني أن مركز الدوحة يؤمن بأن تناول الحوار، خاصة في جانب الأديان، يفرض مجالا وحيزا هاما من التأني، حتى يتسنى للمتحاورين أن يرسموا لمسار أفكارهم خطى تمكنها من استحضار مختلف المداخل والاتجاهات الممكِنة والممكِّنة لمستوى بناء أطروحة سليمة في علاقة الحوار مع المقوم المنهجي داخل الحقل المعرفي لكل دين؛ لتحقيق البعد الاستراتيجي في الحوار وعلاقة الأديان بعضها ببعض. من هذا المنطلق، فإن إثارة موضوع حوار الأديان بخصوصياته المتشعبة افتراضا، بل يقينا، يطرح تحديات جمة، مثلما يتيح فرصاً لا حدود لها. وبذلك يستدعي استراتيجيات قصد الاحتكام للقيم المشتركة والتعارف والتفاهم والتعاون إليه من جهة، والاشتغال عليه بتنظيم اللقاءات وعقد الندوات والمؤتمرات من جهة ثانية. إذ أن الحديث حول حقل الأديان الواسع والرحب، يولد بالضرورة تساؤلات كبيرة، ويطرح إشكاليات تتجه إلى استفسار الواقع، نظراً لعدة اعتبارات منهجية ومفاهيمية؛ وبالتأكيد أخلاقية، وموضوعية، كتلك التي أشار إليها مقال الأخ الجابر.
فالقراءة المعرفية في فلسفة حوار الأديان تطل بنا على مشارف حقيقة الواقع الإنساني المعاش، وتنقلنا بعقلانية التدرج الحكيم من خطر التدمير الذاتي، الذي نتعمده بالقطيعة والكراهية، التي أصبحت أكثر فاعلية وقدرة في مجالات الشر؛ من خلال امتلاكنا لأسلحة الإبادة الشاملة، والتي باتت تهدد المصير الإنساني على هذه الأرض، إلى ضرورة التعارف الراشد، والوعي العميق بهذه الأزمة الوجودية، والذي ينبغي أن نتقصده باستنارة التسامح؛ المحصن بإيجابية معرفة "الآخر". وقد أثبتت تجربة حوار الأديان التاريخية، التي عرض الأخ الجابر لجزء مهم منها، أن التعاطي بين المتحاورين قد برهن على إمكانية تحريك عدد كبير من قضايا الخلاف الساكنة، وأوجد حولها فهماً، إن لم نقل اتفاقا، يمكِّن من اللقاء والتعاون والتضامن، مع وجودها.
ومنطلق حوار الأديان هنا يتسق مع منطق قصد الحكمة، ووجوب السعي إليها أينما كانت، لأنها ضالة المؤمن. لهذا، فإن المناداة به في المجال الدولي، وتفعيله على النطاق الإقليمي، وتوطينه على مستوى الدولة، وتعزيزه بين أطياف وشرائح المجتمع المتحد، وترسيخه بين مذاهب وطوائف الدين الواحد، يمثل فكرة عقلانية، وركيزة موضوعية، وسياسة إستراتيجية، في ظل واقع مختلف وعالم مضطرب. ومن هنا، فإن مؤتمرات حوار الأديان الستة الماضية، والسابع، الذي يلتئم في الدوحة هذا الشهر، وكل تلك التي ستشهدها السنوات القادمة، هي ضرورية لدولة قطر، وللمنطقة العربية، وللعالم الإسلامي، كما هي ضرورية للعالم بأسره. ومثلما يعبر حوار الأديان عن حاجة أخلاقية تتولد من الإحساس بالذات والآخر، فإنه يعد انعكاساً للظروف التاريخية التي نعيش فيها بسكونها واضطرابها، وبكل ما يعتمل داخلها من صنوف التعاون، وكل ما يعتورها من أدواء الصراع وفظائع الاحتراب.
وحوار الأديان المطلوب، كما ندعوإليه وينادي به الأخ الجابر، يجب أن يقوم على فلسفة تستوعب ملامح وأطر الواقع المعاش، وما يقتضي ذلك من مبادرات، ومشروعات، وتوسيع قنوات المشاركة، ضماناً للنتائج والمخرجات، بحيث تجعل للقاء المتحاورين قيمة عملية تحفزهم على بذل مزيد من الجهد لتحقيق كل الشروط والحوار، الذي يهدف إلى احترام الاختلاف. وذلك بمعرفة سياقه وفهمه وتحليله، وإدراك وضع الذات، وفهم وضع الآخر لمواجهة التحديات المشتركة، وضرورة أن يبني الجميع مجتمعا إنسانيا للأسرة الإنسانية؛ يعيش فيه كل فرد حياة كريمة وحرة، في إطار من المساواة والعلاقات الحقيقية، والقدرة على أن ننظر للاختلاف بطريقة إيجابية، وأن تكون الانتماءات الدينية والثقافية متكاملة، وليست متعارضة.
وإذا أردنا أن نضع مبادئ للحوار، وأسسا للقاء وقواعده، فإننا لن نجد أمثل من تقديرات الأب كريستيان فان نسبن، الذي أشرنا إلى كتابه سابقاً، ومنها الحرية الداخلية العميقة. وتعني الحرية الروحية، التي تسمح بتجاوز المواقف الانفعالية، وشفاء الذاكرة، والتي تجعل حب الله يحرره من ضغائنه وأحقاده. ومنها معرفة للآخر ومعتقده بنظامه الديني والثقافي والإيديولوجي، والعلاقة الشخصية العميقة مع هذا الآخر، التي تسمح باكتشاف الإيمان الديني. ومعرفة السياق الثقافي والاجتماعي، والتمييز بين ما يأتي من الثقافة، وما يأتي من الدين بالمعنى الدقيق. وتجاوز الخطاب المزدوج والكلام المحفوظ المكرر. والوصول إلى تحديد لمعنى الحوار يوضح الالتباسات المفاهيمية. واختيار أطراف الحوار، فلا نفرط في محاباة فئة بعينها، أوإهمال أخرى؛ بقصد، أوبغير قصد. وقبول المساءلة دون خوف ولا عقد، مع الاهتمام بتجلية الحق، والاعتراف بالغيرية، أي باختلاف الإسلام عن المسيحية، وعن اليهودية، وغيرها من الأديان، دون اهمال المشترك الأعظم بينها.
ويؤكد حوار الأديان على عدة أمور يمكنها أن تحقق معنى أن يكون المسلمون والمسيحيون واليهود، وغيرهم من أصحاب الديانات والفلسفات الأخرى، معا في مجتمع الدولة الواحدة، وفي دائرة إقليم واحد، وفي فضاء الأسرة البشرية كلها. وفي مجتماعتنا الخاصة ما يؤشر على هذه الحقيقة ويبينها، إلا أن المؤمل إبراز إيجابياتها في عقولنا بجلاء حضورها الفعلي في واقع الناس. ويتطلب ذلك تجاوز الأحكام المسبقة والمتبادلة بين الأطراف المختلفة، التي تولد المخاوف والنبذ المتبادل. وتعني ترك الأحكام المسبقة التعميمات وإخراج الإشكاليات من سياقها. وينبغي قطع الدائرة المفرغة من الحذر المتبادل، ومن الاتهامات والاتهامات المضادة، وتأسيس قاعدة من الثقة المتبادلة، والتي لا تستبعد الصراحة لتناول كل المخاوف، والإجابة على الأسئلة المطروحة بوضوح.
وهنا فقط، يمكن بناء مجتمع يعمل لخدمة الإنسان؛ باستلهام الإيمان في تقديم مبادئ تحترم كرامة هذا الإنسان، كل الإنسان، وكل البشر. فبالحوار نستطيع أن نكتب التاريخ معا، وأن ندرس مشكلات المجتمع بصورة مشتركة، ونستشرف مستقبلا مشتركا. وإذا رأينا فينا من انتدب نفسه ليسعى بين الناس بالحسنى، داعيا لكلمة الخير، مبشراً بروح التفاهم، محفزا على التسامح، فلا نُبخِسنّ من عمله شيئا. ولكن علينا أن نقول بمثل ما قال الأخ الجابر، إن الحوار خير، فلنؤديه بكل استحقاقاته؛ نلتزم فيه الجدية، ونصعد به إلى سمو غاياته، وجلال أهدافه. ولأن أي حوار حول الأديان هوأمر إيمان بقدسية الحياة وقيمة الإخاء الإنساني، فإن جهد الناس محمود بقدره، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله.
الدكتور الصادق الفقيه

الأربعاء، 21 أكتوبر 2009

الجابر: الاعلام القطري والحذاء الصيني

موزاييك.. كيف سيكون شكل الإعلام القطري عام 2030؟
2009-10-21


لقد تنفسنا الصعداء عندما أعلن مجلس الوزراء الأسبوع قبل الماضي موافقته على اصدار قانون جديد للمطبوعات والنشر يواكب المرحلة الراهنة والمستقبلية، ويساهم في دعم الكوادر القطرية للعمل في الصحافة المحلية، وهي الخطوة التي جاءت لتروي ظمأ حلم تجاوز 30 سنة من الانتظار على امل الولوج الى تلك اللحظة في المرحلة التاريخية التي تحدث فيها نقطة التحول (Training point) لتفتح معها الابواب الموصدة وتشرع فيها النوافد المحكمة. فهل حانت هذه اللحظة التاريخية وهل سننجح في التعامل معها، وكيف سيكون شكل الاعلام القطري في عام 2030؟؟!!
كان هناك عرف وتقليد في الصين بدأ من القرن العاشر الميلادي واستمر الى بداية القرن العشرين وبالتحديد الى عام 1911م، وكان العرف او التقليد أو العادة التي اطلق عليها مصطلح الطريقة الصينية لربط الاقدام (Chinese Foot Binding) تقتضي ان توضع ارجل المولودة الانثى دون الذكر (مسكينة المرأة حتى في الصين التي نطلب فيها الحكمة) التي يتراوح عمرها من أربع إلى سبع سنوات، في حذاء على شكل قالب جامد أو يتم شدها وربطها في الاسر الفقيرة وتوضع في قماش محكم، وهي محاولة لوقف نمو القدمين وجعلها ضيقة وقصيرة في نفس الوقت بحيث لا يبلغ حجم قدميها أكثر من 3 الى 4 بوصات وهو حجم أرجل إنسان لايزال في مرحلة الطفولة المبكرة من عمره!! لقد كانت العملية كلها وطريقة تنفيذها مؤلمة وموجعة ومحزنة بسبب حشر الاصابع ببعضها البعض والتضييق على كاحل الرجل، وقد أدت في بعض الاحيان الى ان تصاب الاقدام بغرغرينا وتسمم في الدم مما تطلب قطعها بالاضافة الى أوجاع الظهر والمفاصل!!. ولقد تم الترويج للفكرة في بداياتها على اساس انها وسيلة ضرورية للجمال والزينة وتعلم الرقص الصيني التقليدي، فكل طبقات المجتمع الصيني بلا استثناء كانت تمجد المرأة التي تتمتع بقدم صغيرة، بل كانت الاسر والعائلات والقبائل التي لاتقوم باتباع هذه الطريقة تحمل خطيئة عدم الحصول على ازواج لبناتها، بل وتحمل الفتاه الذنب لأهلها لانهم لم يقوموا بربط قدميها!! ولكن الجانب المخفي في هذه العملية كان يتمثل في عدم استطاعة المرأة الهرب من البيت بسبب الاهانة والضرب عندما تكون متزوجة، والعامل الاخر يتمثل في إبقاء المرأة في المناطق الزراعية في العمل بالمزارع والحقول وعدم التفكير في الابتعاد كثيرا اذا قررت ترك العمل بحيث لا تستطيع الاعتماد على نفسها وتكون دائما بحاجة الى الاعتماد على الاخرين حتى تسهل السيطرة عليها!! (والله في كل مرة أقوم بها بسرد هذا الوضع الغريب العجيب أحاول أن أمسك دموعي فما أشبه الذي كان يجري في الصين "أمس" بواقع العالم العربي "اليوم")!!
قدم مجتمعنا الصغير في حجمه الكبير في مبادراته، نموذجا مميزا في حرية الصحافة والإعلام بإنشاء محطة الجزيرة الفضائية التي اعتبرت الحدث الأبرز في تاريخ الإعلام العربي منذ انطلاقه، وكان من المفترض والمأمول أن يستمر هذا التوجه ليشمل القطاعات الإعلامية الأخرى في المجتمع ولكن الانفتاح على الخارج لم يوازه انفتاح في الداخل وبقيت وسائل الإعلام التي تقع في المبنى الموازي لمحطة الجزيرة في مؤخرة الركب ولم تنافس حتى على مستوى الصعيد المحلي ناهيك عن المحيط الخليجي والعربي والدولي!! وفي ظل غياب قانون عصري لتنظيم وسائل الإعلام، ووجود قانون قديم مقيد لحرية الصحافة، أصيبت الساحة الإعلامية بانتكاسة كبيرة وتراجعت كل المكتسبات التي حصلنا عليها في رفع سقف الحرية منذ بداية السبعينيات ومنتصف الثمانينيات وأواخر التسعينيات وصولا الى اليوم، وأصبحت الدول التي كنا نسبقها في إرساء مبادئ حرية الرأي والتعبير وتعددية الطرح تتفوق علينا بجدارة لنجد أنفسنا تراجعنا سنة بعد الأخرى ولا نزال في التقييمات الدولية التي تتناول دراسة وضع الحريات الصحافية والاعلامية. وغدونا نعيش في تناقض صارخ بين إشادة بما تتمتع به محطة الجزيرة من جراءة في التناول والطرح لمختلف القضايا العربية والدولية وان أزعجت الكثير من الأشقاء والأصدقاء والأعداء على حد سواء وأدت إلى قطيعة سياسية ودبلوماسية، وبين غمز ولمز ومهاجمة القوانين والتشريعات المقيدة والمكبلة للصحافة المحلية ودورها بشكل خاص، ومساحة المناورة والتحرك والتوجهات التي تحكم وسائل الإعلام الداخلية بشكل عام منذ حل وزارة الإعلام قبل 11 سنة!!. بهذا الوضع غير الصحي أصبح وضع الإعلام أشبه بالأقدام التي وضعت في الحذاء الصيني وكان الفرق ان احدى الارجل (الاعلام الداخلي) كانت تلبس قالب الحذاء الصيني بينما الرجل الأخرى (الاعلام الخارجي) ظلت طليقة فنمت نموا طبيعيا، بينما تشوهت الأخرى ومازالت تعاني وتتألم وتتوجع ولا تستطيع السير بشكل سليم ناهيك عن الجري ودخول السباق أو الفوز بالماراثون!!
يبرز الإعلام ويتقدم وينمو في المجتمع القوي الفاعل النابض بالحياة والواثق في نفسه والعارف لامكانياته وقدراته والذي لايخشى او يهاب التجديد والتغيير والتطوير، وينحصر وينكمش ويتراجع ويهمش في المجتمع الضعيف والخائف والمتردد والمنغلق والمعقد والقائم على الرأي الواحد والفكر الواحد والتفسير الواحد والحزب الواحد والقائد الواحد.. الإعلام الحر والمستقل يكون هو مبضع الجراح الذي يداوي دون خوف ووجل أو محاباة، الذي يحرر العقل من ثقافة التبرير والتمجيد والإشادة والمدح والتسبيح، وينتشل الفكر من ثقافة الإقصاء والتهميش والاختزال، ويرسخ ثقافة الديمقراطية وعلى رأسها حرية الرأي والتعبير ويخلق حراكا اجتماعيا حرا من خلال المراقبة والمحاسبة وكشف الحقائق، ويقف في وجه الفساد والتجاوزات واستغلال النفوذ والسلطة.. الاعلام القوي الذي نريده في مجتمعنا اليوم يجب ان يكون البوصلة التي ترشدنا الى الطريق الصحيح عندما نضيع الاتجاهات، وينبغي أن يشكل خارطة الطريق التي ترينا الى اين نسير واين تجه، وهو نورنا عندما تشتد علينا الظلمة، وهو حناجرنا عندما نعجز عن الكلام، هو سمعنا الذي نثق به عندما يحاصرنا الصراخ. ولن ينهض ويتطور إعلامنا المحلي إلا من خلال التعامل والتفاعل الحضاري معه من قبل كبار المسؤولين في الوزارات والهيئات المختلفة، والتجاوب مع ما ينشره ويسلط الضوء عليه من هموم ومشاكل وقضايا؛ لأن هذا يمنحه الثقة في نفسه ويمده بالحماس اللازم للانطلاق إلى الأمام، كما أنه يزيد من ثقة الناس فيه وتفاعلهم معه وتوجههم إليه كقبلة لطرح مشاكلهم وشكاواهم.
اليوم نحن امام فرصة تاريخية في ان نبدأ بقوة وعزيمة وحشد للطاقات لنصنع مستقبلا واعدا للإعلام ليس في قطر فقط بل في العالم العربي، نستطيع اذا اردنا ان نكون نموذجا مميزا يقتدى به في المنطقة ومنارة يسترشد بها الآخرون الخائفون منهم والمترددون، والبداية الحقيقة هي بصياغة قانون عصري حضاري لتنظيم عمل الصحافة ووسائل الاعلام في قطر، قانون مميز يستفيد من كل التجارب المحيطة به في دول الجوار يأخذ منها أفضلها ويترك تلك التي تتسم بالتقييد والمنع والتنكيل والحبس، ويحمل في طياته اسس ومبادئ القوانين والتشريعات والحريات التي تنعم بها الدول المتقدمة، وبدوري أدعو إخواني المسئولين عن وسائل الاعلام الى ان يقتدوا بما قامت به الامانة العامة للتخطيط التنموي في صياغة رؤية قطر 2030 وهي سنة حميدة وكانت سابقة تحسب لهم، ولهم اجر من عمل بها، في الدعوة الى عقد الندوات وورش العمل والحوارت المفتوحة التي شاركت فيها الوزارات والأجهزة الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص والأكاديميين ومنظمات المجتمع المدني، كما شارك فيها مندوبون عن مختلف المنظمات الدولية ومن دول نجحت في تطوير خطط وطنية وتنفيذها، وذلك للخروج برؤية وطنية قطرية شاملة، وما احوجنا اليوم لنكرر نفس التجربة لنخرج برؤية وقانون شامل لوسائل الاعلام في قطر 2030.
Aljaberzoon@gmail.com
Aljaberzoon.blogspot.com

الخميس، 15 أكتوبر 2009

الدعوة إلى إصلاح الخلل في منظومة التعليم تعم دول العالم

2009-10-14

الأجندة الإصلاحية تبدأ بتحديد معايير الالتحاق بمهنة التدريس ورفع الرواتب
أؤيد الدعوة إلى حوار وطني للنهوض بمستوى التعليم

أثار مقال "التعليم لمرحلة ضبابية" الذي نشر في الأسبوع قبل الماضي الكثير من الجدل، وهي بلا شك حالة صحية تعكس الهاجس الكبير الذي يسكننا من مستقبل النظام التعليمي في قطر ومخرجاته خلال السنوات العشر القادمة، والحق ان ردود الافعال لم تتوقف ولا تزال مستمرة وهي تحمل في طيات الكثير منها تساؤلات واستفسارات وتعليقات جارحة وقاسية في الاحكام والتعميمات على تجربة المدارس المستقلة، لكن ردودا اخرى جاءت تحمل في طياتها ايضا رسالة موضوعية ورؤية عقلانية وتصورات منطقية حول التعامل مع هذه التجربة الوليدة من خلال تعزيز الامكانيات والقدرات الايجابية فيها ومواجهة الافرازات والتاثيرات السلبية بكل إيمان وعزيمة واقتدار.
بداية لابد أن أشيد بالمقال الذي كتبه زميلي رئيس تحرير "الشرق" جابر الحرمي تحت عنوان (عام دراسي عاصف) وطرح فيه عدة قضايا تمثل التحديات الحقيقية التي تواجه وزير التعليم والتعليم العالي، منها اهمية وجود الكادر الاداري المؤهل للتعامل مع الازمات، وضع معايير اصدار تراخيص المدارس المستقلة، مسألة المناهج التعليمية، واقع المعلم القطري، والرسوم الدراسية، والمراقبة على المؤسسات التعليمية، بالاضافة الى التدريس والدورات التدريبية وخصوصا تدريب المدرسات المنتقلات من المدارس الحكومية الى المستقلة. كما كان المقال الذي نشرته الزميلة الراية للكاتب محمد الخليفي تحت عنوان (إلى أين يسير نظامنا التعليمي؟) الذي يتناول فيه تجربة المدارس المستقلة مند بداية التكوين مثيراً للتأمل والمراجعة.
لسنا وحدنا الداعين الى ضرورة مراجعة تجربة المنظومة التعليمية القطرية ومخرجاتها والتي تعود الى اكثر من خمسة عقود ويشترك فيها الجميع بلا استثناء، بل كل دول العالم بدأت تحشد طاقاتها وتضع المسألة التعليمية والاصلاحات المرتبطة بها في صدارة قائمة اجندتها الوطنية، ومن المفارقات ان المسرحي الأيرلندي جورج برنارد شو قد خصص جزءاً من ثروته بعد وفاته عام 1950 لإصلاح تعليم اللغة الإنجليزية!، ولقد لفت نظري منذ عدة ايام مضت استنفار الصحف ووسائل الاعلام في دولة الكويت الشقيقة في التناول والعرض والتعليق على تقرير نظام التعليم في الكويت الذي أعدته مؤسسة رئيس وزراء بريطانيا السابق طوني بلير (Tony Blair)، وقد دعا التقرير الذي يستشف مستقبل الكويت الى عام (2030) في الجزء المخصص للتعليم والتعليم الجامعي الى ضرورة اتخاذ اجراءات قوية وفاعلة، وإلا فإن الاستمرار في التقاعس عن العمل سيعرض حتما المستقبل للخطر، وبما ان التقرير عميق ومدعم بالارقام والاحصائيات والدراسات العلمية والاستطلاعات المنهجية، فسوف أقوم بالتركيز على أجندة الاصلاحات التي طرحها وهو ما يرتبط بموضوع هذا المقال في اصلاح الخلل في المنظومة التعليمية، فقد شملت الاجندة الاصلاحية عدة توصيات رئيسية اهمها:
1) تعزيز مهنة التدريس من خلال: — زيادة رواتب المدرسين بنسبة كبيرة حتى لا تكون شروط العمل الصارمة مبررة بتعويضات مالية تفوق بكثير ما يتقاضاه موظفو الحكومة الآخرون فحسب، بل وحتى يصبح التدريس ضمن فئة النخبة بين الوظائف الحكومية. — تحديد المعايير الخاصة بالالتحاق بمهنة التدريس، ويفضل وضع معايير صارمة (فعلى سبيل المثال، أفضل 5 % فقط من خريجي الثانوية العامة في كوريا قد يختارون التدريس مهنة لهم). — تأسيس كلية حصرية للتربية، سواء كانت في الجامعة أو كجهة مستقلة، بحيث يشترط على جميع المدرسين الجدد التخرج منها وتكون شروط القبول فيها صارمة ومقيدة بصورة كبيرة. كما هي الحال في سنغافورة. — دفع راتب إلى طلبة اثناء تلقيهم للتدريب الموكل اليهم من الجامعة، وعدم فعل ذلك مع المهن الاخرى حتى يتم الرفع من شأن مهنة التدريس وهيبتها والرغبة فيها. — طرح نظم امتحانات مقارنة على المستوى الوطني لتوفير الشفافية في عملية تقييم المدرس وأداء المدرسة عبر النظام بأكمله ومكافأة المدرس الجيد عبر تقديم المكافآت المالية وغيرها من الحوافز غير المالية لاولئك المدرسين الذين تبوأت صفوفهم الدراسية ضمن فئة الافضل 20 % في امتحانات المقارنة.
2) رفع مستوى مواءمة الأداء وتكييفه عند الطلبة من خلال: — توحيد الامتحانات على المستوى الوطني في جميع المواد من الصف الرابع الابتدائي وما فوق، لاسيما بين الصفين الرابع والتاسع للتركيز على الأداء خلال مرحلة التكوين للطالب، وإظهار فوائد التفوق الدراسي للطالب من خلال تشديد القيود على المنح الدراسية لبرامج التبادل الثقافي والدراسة في الخارج وحصرها ضمن أفضل 20 % من جميع خريجي الثانوية العامة، وإنشاء نظام مماثل للنظام الألماني (Numerus Clausus)، حيث تخصص جميع الجامعات مساحات لدورات دراسية مختلفة وفقاً لاحتياجات الاقتصاد، على أن يتم القبول للتخصص في المهن المختلفة وفقاً للمعدل في الدراسة الثانوية (GPA)، (المتوسط يتجاوز السنوات الأربع).
3) رفع مستوى مواءمة الأداء للمدارس من خلال: — توحيد نظام ادارة الامتحانات وعمليات التفتيش على المدارس. — تأسيس وحدة رقابة مستقلة يكون من مهامها العمل عن كثب مع وزارة التربية في وضع المناهج الدراسية وتحديد اهداف التعليم لجميع المراحل الدراسية، تحديد محتوى الامتحانات الموحدة وبما يتماشى مع المناهج الوطنية وافضل الممارسات العالمية، ضمان وتنسيق المشاركات في جميع الامتحانات الدولية (TIMMS،PIRLS،PISA)، تحديد معايير عمليات التفتيش على المدارس وتطبيقها.
4) تطوير ومواءمة التعليم الجامعي والمهني: انشاء مدارس متخصصة ومعاهد تدريب من اجل قطاعات اساسية اقتصادية للمستقبل (الطاقة والتجارة والعمليات اللوجستية والخدمات المالية وخدمات الاعمال... الخ) وذلك بالتعاون مع الشركاء الفنيين. وينبغي ان تشمل المهارات الاساسية والمهمة: المهارات اللوجستية والتجارية (التخطيط اللوجستي والعمليات اللوجستية وتشغيل ادارة الموانئ). خدمات الاعمال (ادارة الاعمال الكتابية، والمحاسبة وادارة المخاطر وادارة قاعدة البيانات وبرمجة البيانات)، والخدمات المالية (ادارة الأصول وتصميم النماذج المالية)، وأي مهارات فنية اخرى ذات صلة بدعم النمو في صناعات الطاقة وخدمات الاعمال.
5) توسيع نطاق العروض التعليمية وتدويل النظام: وتشمل الاستمرار في فتح النظام التعليمي أمام القطاع الخاص وعلى جميع المستويات، بالاضافة الى تأسيس معاهد تدريب للقطاعات الاساسية في المجتمع وبالتعاون مع اللاعبين العالميين الكبار.
التقرير مميز وشامل وأوجه دعوة الى المسؤولين والتربويين في مجتمعنا للاطلاع عليه وفي مقدمتهم أخونا العزيز وزير التعليم والتعليم العالي. وأختم بتعزيز وتأييد الاقتراح الذي طرحه د.محمد المسفر في مقاله الذي نشر في "الشرق" تحت عنوان (محطات وملاحظات على التعليم وروافده) الذي دعا فيه المجلس الأعلى للتعليم لضرورة الدعوة إلى حوار وطني شامل لمناقشة النهوض بمستوى التعليم من منظور وطني ومهني. بل وادعو ان يكون هناك مؤتمر سنوي تحشد فيه كل الطاقات القيادية في المجتمع، يكون هدفه تقييم ومراجعة التجربة التعليمية عاما بعد الآخر، يشارك فيه الخبراء والمعنيون والاخصائيون الذين عاشروا تجربة التعليم في قطر وأغلبهم إما مهمش تحت مسمى خبير أو تمت إحالته الى البند المركزي؟!، كما تتم استضافة منظمة "اليونسكو" التي تزخر بالمتخصصين في مجال التعليم من ذوي الكفاءة العالية.
منذ ايام مضت تمت استضافة المثقف السعودي البارز إبراهيم البليهي في حوار صحفي حيث اشار الى ان العملية التعليمية تسير بالعرب في الاتجاه المعاكس للتنمية إذ إنها تبرمج العقل العربي على الرفض العنيد الساذج لأفكار العصر وتدفعه إلى محاربة مقومات التنمية، وفي سؤال لماذا تخلف العرب والمسلمون؟ اجاب إنه اكتشف ان العرب هم اقل الناس انضباطا واقلهم إنتاجا وأبعدهم عن الإتقان وتترسخ فيهم ثقافة الهجاء والابتهاج بسقوط القمم، كما هم يفرحون بألا يبقى أحد في منأى عن تلويث السمعة؟؟!!
Aljaberzoon@gmail.com

محطات وملاحظات على التعليم وروافده

كتبها د.محمد المسفر ، في 11 أكتوبر 2009 الساعة: 22:35 م



قرأت مقالة قيمة جدا للأستاذ خالد الجابر في هذه الصحيفة بتاريخ 30 سبتمبر هذا العام تحت عنوان " موزاييك : قراءة واقعية في منظومتنا التعليمية " كانت البداية عنده الإعلان عن أجرأ مبادرة اعتذار في تاريخنا العربي المعاصر ، جاءت من المملكة المغربية ، ومؤدى ذلك الاعتذار اعتراف " لجنة التعليم والتكوين " المكلفة بمعالجة اختلال التعليم في المملكة المغربية بأن الرتق اتسع على الدولة وفشلت في إصلاح المنظومة التعليمية ، وأورد وزير التعليم المغربي إحصاءات مخيفة تعكس الاختلال الذي ينخر في جسد التعليم العام، وقدم الوزير أرقاما مخيفة تبين أن 80 % من الطلاب لا يفهمون ما يدرس لهم ، وأن 16 % فقط من تلاميذ الصف الرابع الابتدائي يستوعبون المعارف الأولية لجميع المواد المقدمة لهم ، وقد احتلت هذه الفئة من التلاميذ مراتب متأخرة في الاختبار الدولي للرياضيات ومادة العلوم ناهيك عن طلبة المرحلة الثانوية الذين لم يحصلوا على الحد الأدنى من النقاط في الامتحان الدولي
إنها مقالة جديرة بالقراءة وإمعان النظر في محتواها ومضمونها .
يقول كاتبنا خالد الجابر إن "الصدمة والترويع " التي أثارها وزير التعليم المغربي هزت المجتمع المغربي على كل الصعد الأمر الذي استدعى كل مؤسسات المجتمع المدني والبرلمان والمؤسسات الرسمية والخاصة إلى حوار بصوت مرتفع حول التعليم ومستقبله ، ولا جدال عندي بأن هناك علاقة ارتباط شديدة بين الأمن القومي أو الوطني والتعليم مادة ومنهجا .
( 2 )
لقد استدعى الأستاذ خالد ما نشرته الصحافة القطرية عن نتائج المدارس العاملة في قطر في اختبارات ( تيمز ) التي بينت أنها ضعيفة ودون المستوى ، ويشير إلى أن طلبة قطر حلوا في المرتبة ما قبل الأخيرة بالنسبة لاختبار الرياضيات للصف الثامن ، وكذلك اختبار الرياضيات والعلوم للصف الرابع الابتدائي .
لا ينكر عاقل في قطر اهتمام القيادة السياسية العليا بتطوير التعليم والقفز به إلى المكانة اللائقة بهذه الدولة في إطار نهضتها التنموية الجامحة ،لكن جهود القيمين علي عملية النهضة بالتعليم مضنية وشاقة لأسباب أهمها عندي تعدد المستشارين الغرباء عن ثقافة وتاريخ مجتمعنا وامتنا العربية الإسلامية ، الثاني غياب المشروع الوطني عند منفذي ما يهدف النظام السياسي لتحقيقه إلى جانب أن هيئة الخبراء والمستشارين في تقدير الكاتب لديهم أهداف تتعدى أهدافنا يحاولون تحقيقها تحت ذرائع تطوير منا هج التعليم عندنا . عندما طرحت فكرة مشروع " التعليم لمرحلة جديد ة " تم إسقاط مادتي العلوم الاجتماعية والشرعية من المقررات الدراسية ووضعت تحت بند المواد الاختيارية ، وترك لكل مدرسة حرية اختيار المواد الاختيارية وبالكيفية التي تريدها المدرسة الأمر الذي أدى إلى اختلال جوهري وتعالت الأصوات المطالبة بضرورة عودة هاتين المادتين إلى صلب المقررات الدراسية لأهميتها الوطنية والتربوية ، هذا العام أعيدت مادة العلوم الاجتماعية إلى مقررات الثانوية العامة كمتطلب إجباري ، لكن المشكلة الكبرى انه حتى هذه الساعة ونحن نقرأ هذه المقالة لم يصل إلى المدارس توصيف هذه المادة المهمة ، ولم تصل المعايير التي سيقاس عليها الأداء ونحن في الأسبوع الثالث من بدء الدراسة ، والمدرس الذي يكلف بتدريس هذه المادة يحتاج إلى زمن ليس بالقصير ليتفهم المعايير الواجبة التطبيق ، وهو في حاجة إلى تدريب وإعداد للمادة موضع البحث لأنها ليست في السياق المتعارف عليه سابقا .
الأمر الآخر مجلس التعليم الموقر فرض على كل من يريد أن يمارس العمل التدريسي أن يحصل على " رخصة مزاولة مهنة التدريس " إلى جانب مؤهله التعليمي ، ولا خلاف على ذلك إطلاقا، لكن حدث خلل رهيب إذ إن المؤسسة التي ستقوم بتأهيل عضو هيئة التدريس في التعليم العام هي شركة تهدف لتحقيق الربح ، الأمر الذي أدي إلى خلاف بين أعضاء هذه الشركة مما أدى إلى انتهاء عملها وبالتالي الانتظار حتى تأسيس شركة جديدة وهذا أمر مخل .
الرأي عندي في هذه الحالة أن تتقدم جامعة قطر بتأسيس ( برنامج ) أسوة بالبرامج الأخرى التي جد تأسيسها في الجامعة ، مهمة هذا البرنامج إعداد من يريد مزاولة مهنة التدريس بعد حصوله على المؤهل الأكاديمي في ما يريد تدريسه بدلا من الشركات الباحثة عن الربح على أن يحصل المنتسب لهذا البرنامج على" رخصة مزاولة مهنة التدريس " من مؤسسة أكاديمية حكومية أسوة بمن يرغب قي قيادة سيارة عليه أن يحصل على رخصة رسمية تجيز له قيادة السيارة صادرة من إدارة المرور التابعة لوزارة الداخلية وليس من شركة تبحث عن الربح بأي كيفية كانت ، في هذه الحالة نكون ضمنا الاستمرارية والجدية .
( 2 )
في مطلع العام الدراسي لهذا العام أقدمت مؤسسة تعليمية رسمية كبرى على إلغاء اشتراكها السنوي أو شراء الصحف اليومية الصادرة في الدولة بحجة أنها ستوفر مبلغا يقدر بخمسين ألف ريال سنويا علما بأن ميزانية هذه المؤسسة التعليمية تقدر بما يقارب المليار ريال سنويا ، وأنها تحقق دخلا سنويا عاليا نتيجة إصدار تصاريح سنوية لمواقف سيارات منتسبي هذه المؤسسة التعليمية الكبرى إلى جانب تأجير محلات مقاه لشركات خاصة لتقديم وجبات ومرطبات للطلاب وغيرهم من منتسبي هذه المؤسسة وبأسعار خيالية ،والسؤال ماذا سيضير هذه المؤسسة ويخل بميزانيتها لو أنفقت الخمسين ألف ريال على الصحافة المحلية ، علما بأن الصحافة تشكل مصدرا من مصادر المعرفة العامة ، وتعود بالنفع الكبير على الطالب وأستاذه . ثم ماذا لو أحجمت المؤسسات الصحفية الصادرة في الدولة عن تغطية أنشطة هذه المؤسسة وانبرت لها بالنقد اللاذع والإقلال من شأن دورها في التنمية، ألا يشكل ذلك خسارة كبيرة تقدر بمئات الآلاف من الريالات.
آخر القول : أتمنى أن تتدخل الإدارة العليا في هذه المؤسسة لإلغاء قرارها القاضي بإلغاء اشتراكها في الصحف المحلية بل وتزيد من حصة الاشتراك لتزويد المكتبة العامة لهذه المؤسسة ومكتبات دوائرها التي لا تزيد على سبع إدارات ، والصحف المعنية لا تزيد على سبع صحف أربعة منها باللغة العربية والأخرى باللغة الإنجليزية وذلك للصالح العام .
كما أتمنى على المجلس الأعلى للتعليم أن يدعو إلى حوار وطني شامل لمناقشة النهوض بمستوى التعليم من منظور وطني ومهني على حد سواء والله ولي التوفيق .

جريدة الشرق 2009-10-09

الأربعاء، 7 أكتوبر 2009

حوار الأديان فشل في محاصرة حدة التوتر وفهم الآخر

2009-10-10

يقال في أمثالنا الشعبية "حط بينك وبين النار عالم واطلع منها سالم"، وفي مقالي هذا سأقوم بشيء مماثل حتى نسلم من الاتهامات المسبقة والأحكام الجاهزة، وأضع بيني وبين الفكرة التي أريد طرحها، المبادرة التي تبنتها رابطة العالم الإسلامي برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز التي تمثلت في عقد "المؤتمر العالمي للحوار" في اسبانيا في العام الماضي والذي ضم عدداً من أتباع الديانات والحضارات والثقافات. والجديد في ما طرحته المبادرة العربية الإسلامية أنها ضمت أتباع الديانات والمعتقدات الأخرى وخصوصا المعتقدات الشرقية منها مثل الهندوسية والبوذية والشنتوية والكنفوشيسية، وقد دعت المبادرة في ختام توصياتها إلى ضرورة فتح قنوات الاتصال والحوار مع أتباع الرسالات الإلهية والفلسفات والمناهج الفكرية المعتبرة، وهو الأمر الذي يساعد على تحقيق المصالح الإنسانية المشتركة.
إذا رجعنا قليلا إلى الوراء سنجد أن من المبادرات الخاصة بالحوار مع الأديان والتي أحدثت ضجة في حينها تلك التي جاءت من طوكيو باليابان في عام 1906 والتي عقدت مؤتمرا دوليا دعت فيه ممثلين للأديان الرئيسية في العالم وقد وصلت أخبار لبعض الدول العربية والإسلامية تفيد بأن اليابانيين يعقدون مؤتمراً للمقارنة بين الأديان من أجل اختيار الدين الذي يرونه صالحاً لمجتمعهم وقد يتركون ديانتهم الحالية ويتحولون إليه، وهو الأمر الذي دعا الكثير منهم إلى المشاركة في المؤتمر الذي اتضح في نهايته أن حكاية تبديل اليابانيين لدينهم مجرد شائعة!!
ومن المنتديات المختصة في الحوار بين الأديان في العالم يبرز منتدى حوار الأديان في زيورخ الذي تأسس عام 1997 ولا يزال متألقا إلى اليوم، ويشمل في عضويته المنظمات المسيحية واليهودية والإسلامية والهندوسية والبوذية وهو يهدف إلى إيجاد جهة مستقلة تمثل فيها الأديان والجهات الحكومية بالتوازي وتسعى إلى نشر قيم التسامح والاحترام بين جميع الأديان والثقافات، وتشكل إطارا للحوار ولصياغة تفاهمات حول القضايا ذات الطابع الديني، التي تثار من حين لآخر. وقد لعب المنتدى منذ البداية دورا مميزا في الوقوف إلى جانب الأقليات ومساعدتها في تحقيق مطالبها المشروعة، وفي تذليل المصاعب التي تُـعوق اندماجها وتمنعها من نسج علاقات مع هيئات المجتمع والنُـخبة على الأصعدة المختلفة.
أما على المستوى العربي فقد بدأ مؤتمر الدوحة لحوار الأديان الذي يصل إلى عامه السابع مميزا خاصة انه يعقد في داخل المنطقة العربية وليس خارجها، وهو ما يمثل تحديا حقيقيا، لكن الإشكالية تمثلت في حصر المؤتمر في الأجواء المغلقة بدل الهواء الطلق، وفي قاعات وغرف الفنادق، عوضا عن مشاركة رجل الشارع والجهات ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة في موضوع الساعة الذي يطرح تحديا حضاريا لديننا وقيمنا ومعتقداتنا على مستوى محلي وإقليمي ودولي، كما تجسدت تأثيرات المؤتمر في الجانب البروتوكولي والاحتفالي واللقاء السنوي الدوري دون تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع اليومي المعاش، ولم يتمكن المؤتمر وغيره من المؤتمرات في المنطقة العربية والإسلامية من محاصرة حدة التوتر والتخفيف من وضع الاحتقان وإفساح المجال لفهم الآخر، لذا ظلت المؤتمرات تعقد في إطار النخبة‏،‏ ولم تستطع حتى الآن أن تتحول إلى ثقافة للحوار يؤمن بها المواطنون من أتباع الديانات المختلفة في البلاد التي تتبنى الحوار، كما أنها لم تشهد تطويرا للحوار ليشمل ويحتوي الأديان والعقائد والأفكار والفلسفات الأخرى في العالم، وخصوصا تلك التي نشترك معها في القارة التي نعيش فيها وهي قارة آسيا التي تعد بدون مبالغة الأهم من بين القارات الأخرى في العالم، فهي تعتبر اكبر القارات من حيث عدد السكان، ففيها — حسب تقديرات 2002م: 3،799،971،000 نسمة. أي أكثر من نصف سكان العالم. وهي تضم أكبر بلدين في العالم من حيث عدد السكان وهما الصين(1.3) مليار والهند (1.1) مليار نسمة، وهي بلا شك مهد الأديان الأساسية في العالم، ففيها ظهرت الديانات السماوية كلها، وهي اليهودية، والنصرانية، والإسلام، كما نشأت فيها العقائد غير السماوية مثل البوذية والكونفوشية والهندوسية والشنتو والطاوية. (انظر جدول ترتيب أهم عشرة أديان في العالم حسب عدد المعتنقين)
وليس هناك داع لأن نسترسل بذكر الجوانب المضيئة من تاريخنا عندما امتزجت الثقافة العربية الإسلامية مع الثقافة الإغريقية والهندية والفارسية والصينية، وعلى الرغم مما بين شعوبها من اختلاف في العقائد والأعراف واللغات‏،‏ فقد جعل الإسلام من هذه الاختلافات منطلقا للتعارف والتآلف والتعاون بين البشر، حيث يقول جل من قائل: ”يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا". ورغم أن هذا الثقافات كانت وثنية وأديانا أرضية كما يطلق عليها وليست رسائل سماوية فانها لم تؤثر على ثقافة التوحيد بل رسخت أسس ومبادئ الإنسانية (كلكم لآدم) وأعلت من قيمة التفاعل الحضاري العالمي الذي كانت تقوده الحضارة العربية الإسلامية إلى أن ابتلت بالانغلاق على الذات وحجرت على الفكر وجمدت اجتهادات العقل.
لقد بات من الضروري أن تقوم مؤتمرات حوار الأديان بالعمل على تقليص الهوة التي تفصل بين الشعوب المختلفة، حتى لا تقع فريسة ردود الأفعال والغضب والعنف والكراهية، وتصبح نتائج المؤتمرات ومبادراتها أداة تقوم على كبح جماح التطرف ومحاربة دعاة التزمت والتعصب الديني وتعزيز التقارب والتمسك بالقواسم المشتركة لبناء عالم تسيطر عليه ثقافة المحبة والمودة والتعاون والصداقة والسلم العالمي لما فيه خير البشرية جمعاء، ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال العمل مع المؤسسات الدينية في العالم والتي تستطيع أن تساهم بدور فعال في حل المشكلات ووضع حلول للقضاء على النزعات الأنانية والتعصبات المذهبية والطائفية ومحاربة الاستعلاء الديني، ونفي الآخر وتهميشه وعزله وأحيانا قتله، أو في الحد الأدنى خلق مشاعر سلبية تجاه الآخر المختلف دينيا أو مذهبيا أو طائفيا.
لفت انتباهي مشروع مبادرة طرحتها الباحثة البريطانية كارين أرمسترونغ (Karen Armstrong) وهي فعلا تستحق الإعجاب والتقدير وقد حصلت بسببها على جائزة منحت لها من قبل مؤسسة تيد الدولية (TED Prize)، وتعد أرمسترونغ احد أفضل الباحثين العالميين المعاصرين في دراسة مقارنة الأديان ومن أبرز مؤلفاتها "محمد نبي هذا العصر" و"محمد: سيرة نبي" و"القدس مدينة واحدة.. عقائد ثلاث" و"معارك في سبيل الآلة"، "الأصولية في اليهودية والمسيحية والإسلام"، ويقوم المشروع بإطلاق ونشر ميثاق للتراحم يشكله الناس من مختلف أنحاء العالم على الإنترنت، ويكتبه مجلس من القيادات الدينية لكل الأديان الرئيسية في العالم، وسيكون هذا الميثاق صرخة من القاعدة للعودة إلى مبادئ الفضيلة الرئيسية، مذكرا المؤمنين بأنه في الماضي كانت كل النصوص تنص على أن القاعدة الذهبية هي أساس الدين، وأن أي شيء آخر هو مجرد تعليقات، وأن أي تفسير للكتب السماوية يؤدي إلى الكراهية أو الازدراء هو أمر غير شرعي، وهذا الميثاق قد يقدم معيارا يستطيع عن طريقه العامة والقادة الدينيون والعلمانيون أن يقيسوا عليه سلوكهم، وأن يكون نداء للتحرك العملي الذي يمد به الجماعات بالقوة لمطالبة القساوسة والوعاظ بإلقاء تعاليم أكثر تراحما، واعتبار الكراهية أو الازدراء من أي نوع عملا غير ديني، والميثاق سيطالب بتغيير لغة الحوار فيكون التراحم هو المفتاح في الأحاديث العامة والخاصة، جاعلة من الواضح أن أي مذهب فكري يولد الكراهية والحقد، سواء كان دينيا أو علمانيا، قد فشل في اختبار زماننا. وقد تم وضع مسودة للميثاق، ويتكون المجلس من قيادات مفكرة وناشطين في اليهودية والمسيحية والإسلام والبوذية والكونفشيوسية والهندوسية، وسيكون الميثاق عبارة عن تصريح قصير وبليغ ونداء للتحرك الفعلي الذي سيترجم باحترافية ويطلق في احتفال كبير في أواخر هذا العام 2009م (جريدة الجريدة الكويتية).
وأنا بدوري أدعو المسؤولين في مؤتمر الدوحة لحوار الأديان إلى أن يكونوا على قدر التحدي الحضاري العالمي الذي نواجهه جميعا، ويقوموا بدورهم بطرح مبادرات ومشاريع مماثلة بالإضافة إلى أن تشمل مبادراتهم توسيع نطاق المشاركين ولا تقتصر فقط على أتباع الأديان السماوية وكأنه نادي امتياز خاص يستبعد منه الأعضاء الذين يمثلون البقية الباقية من البشر في العالم، كما يجب أن تساهم مبادراتهم في إرساء مبادئ التسامح والقبول والتعايش والتراحم عمليا وليس نظريا بين مختلف الأديان والقوميات والأعراق ليعيشوا معا جنبا الى جنب في عالم يسوده الانسجام والاحترام المتبادل، حتى لا نفشل جميعا في اختبار القرن الواحد والعشرين كما يشير أستاذ الدراسات الإسلامية، بجامعة مونتريال، ولفريد كانتويل سميث (Wilfred Cantwell Smith).
وختاما تقول الحكمة في بعض المعتقدات القديمة: "لا تتكلم عن البحر مع الضفدع في بئر، لان نظرتها ضيقة، ولا تتكلم عن الثلج مع البق التي لا تعيش إلا في الصيف، لأن عمرها قصير، ولا تتكلم عن الحكمة مع قوم الأرياف، لان معرفتهم محدودة”.

خالد الجابر
Aljaberzoon@gmail.com
Aljaberzoon.blogspot.com