الأربعاء، 30 مايو 2012

وجهة المسار العربي بين العثماني والفارسي!

جريدة الشرق - الخليج مايو 24 - 2012 الانقسام بين النمو ذج التركي الإيراني لا يزال قائماً. لذا يظل مصير مستقبل المنطقة العربية لم يحسم بعد في ظل مخرجات العملية السياسية، التي دارت عجلتها المعطلة لعدة قرون بعد انفجار الشوارع في وجه الأنظمة الحاكمة البالية المستبدة. ورغم الحراك والمتغيرات السرعية فإن المحصلات تظل مخيبة، واقل من المأمول على جميع المستويات، مما قد يولد عن الخروج من أزمة الدخول في أزمات أشد وأعمق. ورغم التجارب المماثلة أمام الأعين يظل التعلم والاستفادة من الدروس بعيد المنال. تعيش المنطقة العربية وما حولها مرحلة مخاض سياسي كبير.. وتفاعلات وتغيرات داخلية وخارجية عميقة، تطول حركة الشارع الذي خرج من رحم الاستعباد الاستبدادي، إلى مرحلة إعادة صياغة مفاصل الدولة ومؤسسات المجتمع، ومستقبل نظام القيم السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية الحاكمة، وأعاد إنتاج مفاهيم حديثة علمية جديدة لكل ما يدور من حولهم التي يطلق عليها وهو أشبه بالمقارنة ما بين المصباح الكهربائي والمصباح العادي، كما يشير الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار، فعلى الرغم من أنه لا توجد علاقة تكوينية بينهما، ولكنهما يتماثلان من حيث أنهما يضيئان عند سقوط الظلام. أي إن هدفهما واحد وصورتها التركيبية مختلفة، وعندما نفكر بطريقة علمية في كيفية عمل المصباح الكهربائي، فلا يمكن مقارنته بعمل المصباح العادي، بل انطلاقا من دراسة علمية تقوم بدراسة العلاقات بين مجموعة من الظواهر، وهو ما يميز علم (الابستمولوجيا).. التجربة الايرانية التي أومن أنها تمثل المصباح القديم، الذي يعمل عن طريق الفتيلة لها أتباعها وخصومها في العالم العربي، والفئة الأولى تؤمن أنها تجربة إسلامية خالصة، وإن كانت من مذهب مخالف، وهي شبه مقاربة لمنهج الخلافة الإسلامية، كما أنها تتبنى قضايا الامة الرئيسية، وأهمها تحرير فلسطين ودعم المقاومة في حماس، واستقرار النظام في سوريا، وحزب الله لبنان.. والفئة الثانية تناهض ولاية رجال الدين، والفكر الأيديولوجي الديني على مقدرات الدولة، وتعتبرها مرادفاً للاستبداد، والديكتاتورية، وفساد الحكم، واحتكار السلطة، وعودة لعهود الظلام والتسلط، سواء لشخص أو مجموعة أو حزب أو دولة أو إمبراطورية كالفارسية، لكن بغطاء ديني.. في الجانب المقابل تطل تركيا على العالم العربي بعد غياب دام عقوداً طويلة، بتجربتها وسياساتها الانفتاحية الجديدة وبأخطائها أيضاً.. التجربة التركية اليوم حافلة بالحيوية والنشاط، من مجتمع تعددي بأعراقه، ودياناته، ومذاهبه، إلى سياسي متوازن لحد كبير، من: فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.. إلى مدني، من: إتاحة الحريات العامة، وحرية الصحافة والتعبير والإعلام وحرية الرأي والاحتجاج والمعارضة السلمية، وعند نشوب خلافات عاصفة وأزمات حادة بين أطراف نظام الحكم والمؤسسة العسكرية الحامية، يتم الرجوع الى المؤسّسات الشرعية في القضاء والبرلمان والمحكمة الدستورية العليا، عوضاً عن الانقلابات، والتدخلات العسكرية، والمؤمرات، التي شهدنا ولا نزال في العالم العربي النضج السياسي والديمقراطي في التجربة التركية الحديثة، يتميز حتى في السخرية منها، والكثير من الانتقادات توجه إلى حزب العدالة والتنمية، ورموزه (أردوغان، جول، أوغلو) والذي حقق إنجازات عديدة.. وصوت لها ملاين الاتراك. فأمام مجلس الأمة التركي، دافع داود أوغلو وزير الخارجية عن سياسة حكومته، في أن تركيا ستتزعم "منظومة السلام الجديدة"، نتيجة "ولادة الشرق الأوسط الجديد"، مما جعله أمام سيل من الانتقادات الحادة وجَّهَتْها مختلف أحزاب المعارضة لسياسة حكومته، التي حولت تركيا إلى دولة أزمة في المنطقة. الكاتب أيدين أنجين وصف أوغلو في مقال نشره موقع "تي 24" أنه يرى نفسه "كيسنجر" أو "مترنيخ"، القرن الحادي والعشرين، وما هو إلا "شخصية سياسية تملك مخيلة واسعة"، تقود سياسة خارجية "حالمة وبعيدة عن الواقع". وأشار الكاتب إلى أن "جميع الوقائع تؤكد أنه لا صحة لادعاءات أوغلو بأن منطقة سلام تتشكل حول تركيا"، مشدداً على أن أوغلو "يسخر من الشعب التركي بكلامه هذا لأن حكومته، التي خسرت جميع جيرانها في المنطقة، (أصبحت) غير قادرة على تزعم السلام، وقيادة التغيير، ورسم صورة مشرقة لتركيا في الشرق الأوسط، ولفت الأنظار عن المشكلة الكردية، وحق التظاهر الديمقراطي، وتخلي حزب العدالة والتنمية عن تحقيق الديمقراطية في المجتمع التركي".. ونوه الكاتب بقوله إلى أنه "يبدو أن أوغلو الذي يتحدث عن شرق أوسط جديد، يستثني الممالك العربية التي يحكمها شيوخ النفط، ومصر التي يحكمها الإخوان المسلمون، واليمن والسودان والأردن، وينظر إليها على أنها ليست دولاً شرق أوسطية" العلاقة العربية مع تركيا مرت بعدة مراحل من الكراهية القومية، واليسارية العربية التي اعتبرت تركيا حليفاً تابعاً للغرب، معادياً للاتحاد السوفيتي والأفكار والجماعات والحركات الاشتراكية والشيوعية محلياً وعالمياً، والنزاعات الحدودية مع العراق وسوريا والتاريخ العثماني الاستعماري. إلى البغض من قبل الجماعات الدينية السنية والشيعية، إلى تاريخ تركيا الحديث، والنهج العلماني الديمقراطي وتصفيتها الخلافة الإسلامية، وتوجهها الغربي — الأوروبي — الأمريكي، والعلاقة السياسية الودية والتعاونية القوية مع اسرائيل.. ولكن المواقف المعادية تحولت إلى إيجابية، مع وصول حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية ـ الليبرالية، كما يطلق على نفسه. ورغم ذلك لا يزال هناك من يخشى أن تتحول تركيا إلى نمو ذج قريب من إيران عندما يتم أدلجة المجتمع، وزيادة الجرعة الدينية، فأوهام الإمبراطورية العثمانية واستخدامها الدين لإخضاع الشعوب.. لها بقايا عالقة في أذهان البعض. إذا كان الخوف مشروعاً في تركيا رغم كل ما وصلت إليه من قطيعة مع الماضي (الابستمولوجي)، فهو مشروع بشكل كبير وواسع في العالم العربي، الذي يبدأ مسيرة المليون ميل بالمشاركة في صناديق الاقتراع، في تونس ومصر وليبيا واليمن، ولم يمر بمراحل النضج ورسوخ التجربة الديمقراطية، لا على المستوى النخبوي ولا المؤسساتي ولا حتى على مستوى رجل الشارع، كما أن معظم التيارات الدينية التي وصلت إلى السلطة، هي أقرب ـ في تجربتها ـ إلى الجمهورية الإيرانية عن التجرية التركية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق