الأربعاء، 30 مايو 2012

محرقة الإعلام في قطر لم ينج أحد

الشرق---الخليج--- , مايو- 30-2012------ المعلومات والقصص الإنسانية عن الضحايا وصلتنا عن طريق وسائل الإعلام الخارجية! لماذا تغيب الصحافة كسلطة رابعة في المتابعة والمراقبة والمحاسبة؟ المؤلم اكثر من المأساة المفجعة التي أدت الى مقتل 13 طفلاً من تسعة عشر شخصا في المجمع التجاري، هو التعامل مع المآسي والمصائب والازمات والمشاكل والقضايا والعلل والمصائب والكوارث في المجتمع. والخاسر الاكبر في ذلك وسائل الاعلام بكل اطيافها المكتوبة والمرئية والمسموعة وهي ليست سابقة، ففي كل اختبار او تجربة حقيقية يتم فيها قياس مستوى المهنية التي تتمتع فيها وسائل الاعلام في قطر تكون النتيجة مخيبة ومحبطة وهكذا دوليك منذ ثلاثة عقود الى اليوم. حادثة المجمع التجاري الكارثية عمقت من ازمة الاعلام ومخرجاته الضحلة السطحية المتمثلة في النظر الى تغطية الداخل من تلقي ونشر الاخبار الاحتفائية من استقبال وتوديع المسئولين الكبار الى مقابلة الوزراء والمساعدين للسفراء والزوار الرسميين للدولة، الى الابراز والاشادة بدور وانجازات المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية والمؤسسات العامة والخاصة والشركات التجارية وشركات القطاع الخاص والتمجيد والتهليل والتصفيق الى بعض الشخصيات الرسمية والعامة او الدينية في ظل غياب اي نقد حقيقي جذري لكل مشاكل المجتمع على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والفكرية والصحية والاعلامية الى اخر القائمة التي تشكل اساسيات وجود واستمرارية العمل الصحفي والاعلامي في اي مجتمع في العالم. في كل ازمة تبرز الفجوة الكبيرة في وسائل الاعلام الداخلية وتنقسم الى نوعين وسائل الاعلام في قطر، ووسائل الاعلام القطرية الاولى اشبه بتلك المباني والمؤسسات التي تمارس العمل الاعلامي من خلال وجودها داخل المجتمع وليس بالضرورة مرتبطة به. والاخرى هي تلك التي تعيش هموم وآلام وجراحات وآمال واحزان وأحلام واتراح المجتمع وتتفاعل معها وتتبناها وتعكسها في كل تغطية وخبر ومقال وتحقيق او تقرير وهو ما تعاني من تحقيقه (99 %) من الوسائل الاعلامية التي تنطلق من رحم المجتمع سواء كانت حكومية او شبه حكومية او خاصة. مثلما كان الحال في السابق مع اشتعال شرارة الثورات في الشوارع العربية والانتقال الى محطة الجزيرة التي تبث من قطر لمتابعة تغطية الاحداث ومشاهدة الصورة والتقارير المصورة المرئية ومقاطع الفيديو، كانت وجهتنا اليوم في قطر الى مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات الإلكترونية والى الفيسبوك وموقع تويتر لمتابعة الاخبار ومعرفة كل ما يتعلق بكارثة الحريق بمجمع فيلاجيو التجاري. والغريب ان الفيديو الاشهر عن الحادثة انتشر بشكل واسع بعدما وضعه موقع قناة العربية في دبي في تقريره عن الحادثة وشاهده المتابع في العالم العربي؟! غاب التلفزيون القطري الرسمي عن الاحداث ولم يوجد في الموقع ولا حتى بالقرب وظل في عرض المسلسلات العربية حتى وهو يشاهد سحب الدخان الكثيفة تغطي السماء فوق رأسه؟!. واستمرت الاذاعة الرسمية في بث الاغاني والبرامج والمسلسلات المحلية (الكئيبة). ولم تتوقف موجة الاغاني الطربية على اذاعة صوت الخليج (المعزولة) تعاطفا مع أرواح 19 ضحية 13 طفلا و4 مربيات و2 من الدفاع المدني و17 مصابا ولم يعلم ساعتها كم اعداد الضحايا والكل اعتقد ساعتها أنه ربما يعرف شخصا قريبا او بعيدا قضى نحبه في الكارثة او منهم من ينتظر! الصحف الوطنية بطبعتيها العربية والاجنبية لم تفعل مواقعها الالكترونية وتنشر الاخبار سواء كانت صحيحة او حتى توقعية، لان تصميم المواقع للعديد من الصحف المحلية لا يسمح لها بنشر الاخبار التفاعلية وينتمي الى القرون الوسطى عندما تعرف العالم على ثورة الانترنت في بداياتها!. ولم تفكر اي صحيفة او مطبوعة في اصدار طبعة مسائية او اضافية وقت وقوع الحادث بما فيها مؤسساتنا (الشرق). وهي انتظرت الى اليوم التالي لكي تنشر الاخبار المكررة عن الحادث دون انفرادات صحفية ولا متابعة اخبارية عن هؤلاء الذين لقوا مصرعهم من هم، ما هي اسماؤهم، كم هي اعمارهم، ما شكلهم، ما لونهم، كيف كان حال اليوم الذي ذهبوا اليه. لم يتم عمل حوار واحد مع ذويهم واقاربهم؟ لم تذهب صحيفة واحدة الى المستشفى وتتابع الاحداث وتنقل الوقائع، لم تلتق اي صحيفة مسئولا في المجمع او خارجه وتطرح عليه الاسئلة. من الجهات المسئولة عن وجود حضانة اطفال داخل مجمع تجاري ومن سمح بذلك. لماذا تنتظر الصحافة التقرير الرسمي من وزارة الداخلية ولا تقوم بعملها كسلطة رابعة في المتابعة والمراقبة والمحاسبة وكشف العورات وطرح التساؤلات وتوفير المعلومات. صحيفة (الوطن) وصفت الكارثة في عنوانها الرئيسي بـ(الاثنين الحزين) وهو اشبه بالعناوين التي اطلقت على مأساة 11 سبتمبر في نيويورك، لكن كل من يتابع الاعلام المحلي في يوم وقوع الكارثة يخرج بانطباع بان الكل كان يتصرف وكأنه لا يوجد شيء يستحق المتابعة! اغلب المعلومات المفصلة والقصص الانسانية عن الضحايا وصلتنا عن طريق الصحف ووسائل الاعلام الخارجية البعيدة والمواقع الاجتماعية والبريد الالكتروني. اكثرها تأثيرا تمثل في تقرير الديلي ميل (Daily Mail) صحيفة بريطانية تتناول بالتفاصيل قصص ضحايا كارثة مجمع (فيلاجيو) بالصور العائلية والاسماء والمقابلات الخاصة بالاضافة الى الخلافية المعلوماتية وهو يعادل كل ما نشر في تغطية جميع وسائل الاعلام في قطر حتى بعد الحادث في اليوم التالي؟! ولكي لا نتجنى على الحقيقة، فالزميلة صحيفة الراية اشارت في تقرير لها وهو اشبه بالعتب على الجميع وربما على تغطية الجريدة نفسها، ان 8 ساعات كاملة قضاها المواطنون فريسة للشائعات والأخبار المدسوسة والمعلومات الكاذبة حيث غابت الحقيقة وتهرب كل مسؤول من الرد على استفسارات المواطنين ووسائل الإعلام المحلية والعالمية، فتطوع آلاف النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، واستغلوا حالة الصدمة والهلع والحزن التي سيطرت على الجميع، وروجوا للأرقام المغلوطة عن عدد القتلى والجرحى والمعلومات الكاذبة حول ملابسات الحادث وأسبابه، ولم يترددوا في نسب كثير من تلك المعلومات لوزارات ومسؤولين. واضافت الصحيفة كشفت كارثة حريق فيلاجيو عن انفصال تلفزيون قطر عن نبض الشارع، وانتظار المسؤولين تعليمات عليا للقيام بواجبهم، ففي الوقت الذي كان التلفزيون يذيع برامج تتحدث عن ترشيد استهلاك الطاقة، والحد من التلوث وتجميل الشوارع، كان الناس يتابعون تفاصيل الحادث لحظة بلحظة عبر مقاطع الفيديو القصيرة التي التقطها هواة ووضعوها على موقع الـ " Youtube" الشهير، ويتبادلون المعلومات والصور للضحايا وعمليات الإنقاذ وشهادات شهود العيان من موقع الحادث على المواقع الالكترونية. ونوهت الصحيفة بان أبسط قواعد الشفافية تقضي بعدم فرض حالة التعتيم الإعلامي على مثل هذه الحوادث المأساوية، فالمشاهد التي لم يذعها تلفزيون قطر وجدت طريقها على تلفزيونات دول أخرى، والمعلومات التي لم يتم نفيها بعد 7 ساعات من إطلاقها، لا يمكن تغيير تأثيرها في نفوس من صدقوها. واختتمت الصحيفة بقولها لقد صمتنا عن أسباب حريق منطقة الأسواق الذي التهم عشرات المحلات وهدد أرواح مئات الأفراد وتسبب في خسائر بملايين الريالات قبل 3 سنوات، دون أن نعرف حتى الآن من المسؤول وكيف يمكن ضمان عدم تكرار الحادث وكذلك الأمر مع العديد من الحرائق التي اندلعت خلال السنوات الخمس الماضية في مطاعم ومنشآت عامة وخاصة، ومخازن للشركات، ومجمعات تجارية، والتي تعامل معها المسؤولون بكثير من الضبابية وقليل من المصداقية، وأغلقت ملفاتها دون الإعلان عن الإجراءات الكفيلة بالحد من تكرارها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق