الأربعاء، 11 أبريل 2012

يا شام معذرة معذرة ومثلي ليسَ يعتذرُ

الشرق- الخليج
2012-04-11

الوضع في سوريا يزداد تعقيداً ويستعصي على إيجاد تسويات مقبولة
النظام يستمر في القتل وسفك الدماء بلا هوادة أو تراجع
محدودية المقاومة عبر الشبكات الاجتماعية وقدرتها على تحقيق تغيير السلطة

الانقسام حول الوضع في سوريا يتسع بدل من ان يتوحد، ورغم الموقف السعودي والقطري الصريح في إدانة النظام ورموزه والمطالبة بدعم المعارضة وحتى تسليحها، نجد المواقف المساندة المترددة والمتجاهلة للوضع والمتفرجة على مشهد القتل والدمار اليومي من قبل دول خليجية وعربية خرج بعضها من رحم الديكتاتورية وعلى رأسها العراق الذي استضاف القمة العربية الأخيرة وعمق الخيبة من استمرارها ووجودها وشرعيتها كمظلة تجمع الدول العربية والتي يعيش معظمها أوضاعا مزرية ومتردية ومصنفة عالميا كدول فاشلة.
(1)
الوضع في سوريا يزداد تعقيداً ويستعصى على إيجاد تسويات مقبولة. لا المواقف الدولية قادرة ان توقف العنف وآخرها مهمة كوفي عنان، المبعوث المشترك للأمم المتحدة ولا مبادرات وتحركات وبعثة مراقبي جامعة الدول العربية. النظام يستمر في القتل وسفك الدماء بلا هوادة أو تراجع أو استسلام وهو مسنود من أطراف دولية وإقليمية وعربية ومدعوم ماديا وعسكريا واقتصاديا من إيران والعراق وروسيا والفيتو الصيني. انها فعلا محرقة كبيرة يتعرض لها الشعب السوري الذي خرج مطالبا بالحرية والديمقراطية والانتهاء من حكم الاستبداد والديكتاتورية من حكم الأسد وعائلته التي مثلت حكاية نجاح المافيا العربية بامتياز في الوصول إلى الحكم في البلاد والتحكم في رقاب العباد. والذين خرجوا مؤمنين بالتغيير يتصدون لأكثر من نصف مليون عسكري وأمني مسلحين وشبيحة للنظام لا يتورعون عن قتل النساء والأطفال وكبار السن وسحق كل من يخرج إلى الشارع أمام أنظار العالم بلا خجل واستحياء وردع. لماذا لم يقع النظام كما حدث في تونس ومصر من الداخل او في ليبيا من الداخل والخارج صحيفة "التايمز" البريطانية ذكرت ان بشار الاسد استفاد من أخطاء المعارضة السورية المنقسمة ومن الموقف الدولي المتخبط، فمن ناحية المقاومة المسلحة. فان الجيش الحر مكون من منشقين عن النظام ممن لا يملكون الاسلحة والعتاد والقيادة الموحدة كما ان محاولات النظام للدفع بعسكرة الانتفاضة ادت الى احداث بلبلة في اوساط المتظاهرين الذين لم يكن كل واحد منهم مستعدا لحمل السلاح والدخول في مواجهة معه. اما بالنسبة للمعارضة فقد نجح النظام في تقسيمها، فهناك من طالب وبعبارات غامضة بإصلاح النظام وهناك طرف ثان رفع شعار انهاء حكم عائلة الاسد وطرف ثالث رفض انهاء الانتفاضة بدون تغيير للنظام بشكل كامل وليس الاطاحة بعائلة الاسد. ونتيجة لذلك نجح الاسد في استغلال الانقسام وقام بزرع ما يعرف بـ "الغواصات" داخلها وهم رجال النظام ممن دخلوا المعارضة واخذوا يتحدثون باسمها ويظهرون انهم معارضون للاسد ويسبون نظامه، مما ادى الى حرف المعارضة عن اهدافها وتأكيد انقسامها كما ان الموقف الدولي من النظام كان عاملا من عوامل استمراره ولمدة عام على الرغم من المطالب برحيل الاسد.
(2)
على الصعيد الخارجي والدولي فالمواقف متشتتة وغامضة وغير متحمسة فلا يوجد الكثير في سوريا لكي يحارب المجتمع الدولي من اجله وخصوصا في ظل غياب عنصر مادي فاعل كالنفط والغاز لتسديد فاتورة التدخل العسكري كما حدث في الكويت والعراق وليبيا. تقرير صحيفة "التايمز" البريطانية يشير الى ان الموقف الامريكي الذي كان داعما في بدايته لثورات الشوارع العربية ظل غامضا في سورية. الرئيس الامريكي باراك اوباما قال "على الاسد الرحيل" ولم يحدد الى اين يذهب فباستثناء إيران فالاسد ليس هناك مكان يرحل اليه كما حدث مع العقيد القذافي، ومن هنا لم يجد امامه سوى القتال وتدمير المدن مثل حمص وحماة وادلب وجسر الشغور ودرعا واتباع سياسة "الارض المحروقة". وتنبع اخطاء اوباما من اخطاء الامم المتحدة التي لم تكن قادرة على تقديم موقف متماسك، وخطة عنان لوقف اطلاق النار وحل الازمة انتهت بتحويل الموضوع الى "ازمة انسانية" يرتبط حلها بالحفاظ على الوضع القائم والسماح للخبراء وعمال الاغاثة بتوفير الاعانات للمناطق المنكوبة. ومن اخطاء الامم المتحدة وامريكا عدم قدرتهما على فهم المطالب الروسية وبالتالي تطمينها خاصة في ما يتعلق بقاعدتها العسكرية في طرطوس، كما يشير التحليل الى ان موسكو تخشى الآن من التحالف الامريكي الاخواني، حيث يسيطر الاسلاميون الان على تونس ومصر والمغرب وليبيا. ويرتبط موقف روسيا بالدعم الذي قدمه الاسلاميون للحرب في الشيشان.
(3)
النظام في سوريا يستهدف وسائل الإعلام والإعلاميين وقد تابعنا الضحايا من قبل المراسلين الشجعان الذين خاطروا بحياتهم لينقلوا المشهد الحقيقي من الداخل. الا ان الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام العربية الجزيرة والعربية والبي بي سي والغربية ضعيف ولا يرقى إلى حجم الدور الذي لعبته في الدول العربية الأخرى. والمواقع الاجتماعية لم تقم بالدور نفسه وانقسمت بين مؤيد للنظام ومعارض وغالبية كبيرة متفرجة دون مشاركة وتفاعل! تقرير صحيفة "ديلي تلغراف" اشار الى ان الثورة السورية اثبتت محدودية المقاومة عبر الشبكات الاجتماعية وقدرتها على تحقيق تغيير في السلطة وهو ما تم الحديث عنه في سياق الثورات الشعبية في تونس ومصر. صحيح ان الشبكات الاجتماعية فيسبوك، بودكاست جعلت قضية سورية حية في ضمير العالم وصحيح ان الصور المريعة على يوتيوب والقنوات التلفزيونية جعلت سورية حاضرة في النقاشات السياسية ومحفزة للجهود الدبلوماسية الدولية، وحلت محل الاعلام المحترف والممنوع من دخول سورية وتغطية الاحداث فيها. ولكن هذه النشاطات لم تؤد الى التغيير المنشود فما يزال الاسد ممسكا بكل خيوط اللعبة. وترى الصحيفة انه من اجل الاطاحة بنظام شرس وماهر في ادارة اللعبة تحتاج الانتفاضة السورية اكثر من التويتر، الفيديو، الرسائل الهاتفية، والنقاشات على الانترنت فما تحتاجه الانتفاضة دائرة منظمة ومركزية وتعمل من الداخل قادرة على اصدار الاوامر والتخطيط للاطاحة بالنظام، وعلى السوريين الا يضعوا الكثير من الاهمية على الوسائل الاجتماعية والعودة الى الطريقة القديمة التي اطاحت بانظمة ديكتاتورية وهي حرب الشوارع والعصابات. وتشير الى استراتيجية حركة التحرير الوطني الجزائرية التي تبنت استراتيجية الخلايا المستقلة (3 افراد في كل واحدة) في التجنيد والتي كانت قادرة على التناسخ حتى كان باستطاعة جيش التحرير اغلاق العاصمة الجزائر والقيام بعمليات نوعية وانجاح اضراب عام. وادت الاستراتيجية الى تعقيد مهمة الاستخبارات الفرنسية التي لم تكن قادرة الا على تفكيك خلية واحدة مكونة من القائد وشخصين آخرين. وفي الحالة السورية فان غياب التنظيم كالجزائري يعني ان تظل المقاومة السورية مخترقة وعاجزة عن تحقيق الاهداف فاعتمادها على الوسائل الاجتماعية يعطي الاستخبارات السورية الفرصة للتعرف على الاسماء والواجهات التي تتصل بالداخل مما يعني كشف كل خططها في الداخل ونقاط الاتصال بها، هذه سلبية اما الاخرى فان التكنولوجيا الحديثة وان سهلت الاتصال الا انها قابلة للتطويع والاستخدام ضد المعارضة من خلال خلق ناشطين وهميين، وسرقة اسماء ومواقع ونشر معلومات كاذبة. ومن هنا فان شبكات الاتصال الاجتماعي هي على النقيض من حرب الشوارع، ولو وجدت في الخمسينيات من القرن الماضي لاستمر الاستعمار الفرنسي لعقد او عقدين للجزائر. وكمثال معاصر على محدودية الثورة الشعبية العفوية ما حدث في ايران فيما عرف بالثورة الخضراء التي اندلعت احتجاجا على تزوير الانتخابات عام 2009 حيث اعتمدت على وسائل الاتصال الجماعي ولكن الاستخبارات الايرانية كانت قادرة على احباطها من خلال التعرف على قادتها واعتقالهم. وفي الحالات التي نجحت فيها شبكات الاتصال الاجتماعي تحقيق تغيير كانت عندما وقف الجيش مع الشعب وتردد النظام الديكتاتوري في استخدام القوة.
(4)
هل هناك ما نستطيع أن نقوم به حيال الوضع في سورية وقد تحول إلى مجازر تتفوق على ما قامت به سلطة الاحتلال في فلسطين وسيناء والجولان. وهل سنستمر في التفرج على مشاهد القتل اليومية والدمار من خلال المحطات الإخبارية ومشاهدة الفيديوهات على الانترنت. هل فعلا الحكومات العربية لا تملك الفعل ولا تعرف شعوبها الا النحيب والبكاء والتغني على الإطلال كقصيدة احمد مطر مع تبديل القدس إلى المدن السورية المدمرة وتقديم الاعتذار لها (يا شام معذرة معذرةً ومثلي ليسَ يعتذرُ).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق