الأربعاء، 28 مارس 2012

الرجوع إلى المربع الأول.. عودة الصورة النمطية و"الإسلاموفوبيا"!

الشرق - الخليج
2012-03-28

لأبشع من ارتكاب الجريمة الإرهابية هو التباهي بها!
هل ينتكس مسار الانتقال الديمقراطي في العالم العربي؟
ما مستقبل أوضاع المرأة العربية بوصول التيارات المتشددة للسلطة؟

لم تدم الغبطة طويلاً بعد دخولنا في زمن التغيرات العربية، وأحداث تعديل على الصورة النمطية السلبية التي صبغت العرب والمسلمين في العديد من وسائل الإعلام الغربية، وتحولها إلى صورة مغايرة مرتبطة بالحرية والديمقراطية، ويطلق عليها "الربيع العربي". لتعود مرة أخرى إلى حالتها الأولى مع انطلاقة الخطابات المتطرفة من التيارات الدينية المتشددة التي وصلت إلى الحكم في الدول العربية، بعد رحيل نظام الاستبداد، إلى استهداف الأبرياء وعودة الجرائم الإرهابية باسم الإسلام في الدول الغربية.

(1)
الأبشع من ارتكاب الجريمة الإرهابية هو الافتخار والتباهي بعملها أو تقديم التبريرات المختلفة لتسويقها وتمريرها، من خلال ربطها بحوادث إنسانية أخرى في أفغانستان وفلسطين أو الصومال أو أي منطقة تعاني من اضطرابات ونزاعات سياسية، وكان أحد الأسلحة الفتاكة لتنظيم القاعدة لتسويق بضاعته، التي استقبلت من بعض الشباب المسلم في الغرب المضطرب الشخصية، والفاقد البوصلة الحضارية، والباحث عن هوية دينية. جريمة فظيعة أرجعت (الإسلاموفوبيا) إلى الساحة الإعلامية الدولية، وجددت المخاوف من العرب والمسلمين، وقد تؤدي إلى استهدافهم شخصياً والاعتداء والتضييق عليهم مادياً ومعنوياً، تمثلت في إقدام الشاب الفرنسي من أصل جزائري على اغتيال سبعة فرنسيين منهم جنديان مسلمان، وثلاثة أطفال وأستاذ في مدرسة يهودية في مدينتي تولوز ومونتوبان بجنوبي غربي فرنسا. والأفظع منها ما أعرب به شقيق القاتل، عن "اعتزازه" بأعمال شقيقه الأصغر ذي السوابق، والذي تحول إلى مجاهد زار أفغانستان وباكستان ويدعي الانتماء إلى تنظيم القاعدة!!.. رئيس الائتلاف المناهض لكراهية الإسلام في فرنسا أشار إلى أنه لا يستبعد أن تعمد عناصر من اليمين الفرنسي إلى ارتكاب أفعال معادية للمسلمين، تستهدف الأشخاص والمعالم كالمساجد والمقابر. معتبراً أن اتهام مسلم بارتكاب هجمات تولوز زاد الطين بلة، لافتاً إلى أن منظمته رصدت 298 فعلاً معادياً للمسلمين في فرنسا خلال عام 2011، مقابل 188 عام 2010. وتمثلت أغلب تلك الأفعال في اعتداءات بدنية ولفظية، إضافة إلى ممارسات تمييزية في حق مسلمين. الخوف مما هو قادم جعل إمام المسجد الكبير في باريس يدعو إلى عدم صبغ مسلمي فرنسا بالإرهاب على خلفية أحداث تولوز، وربط منفذها بتنظيم القاعدة، والإسلام المتطرف. وأضاف: إن ضحايا هجومي تولوز هم مسلمون ومسيحيون ويهود، مؤكداً أن "هذه الجريمة تمس المسلمين كغيرهم، إذ قُتل في منطقة مونتوبان جنديان مسلمان وثالث مسيحي". وقال: إن "الإسلام دين السلم والحوار، ولا يمكن اختصاره وتشخيصه في عناصر بمعزل عن غيرها، مشدداً على أن " 99.9 في المائة من المسلمين في فرنسا، يحترمون القانون ويلتزمون به، وإن قتل الجنود والأطفال ورجل الدين اليهودي عمل متطرف معزول". وتأتي أهمية التصريح لكونه صدر من المسجد الكبير في فرنسا الذي أسسته الحكومة الفرنسية عام 1926 تخليداً لذكرى الجنود المسلمين الذين قتلوا في الحرب العالمية الأولى، ضمن صفوف الجيش الفرنسي، وبهدف تعزيز العلاقة بين الدولة وبين المهاجرين العرب الذين عاشوا في فرنسا.

(2)
هل ينتكس مسار الانتقال الديمقراطي الذي كان ثمرة الثورات الشبابية في العالم العربي؟ الخطاب الديني المغالي والمتشدد في تونس ومصر وليبيا واليمن، وحتى في الخليج وخصوصاً في البحرين هو الأعلى صوتاً والأشد وقعاً والإجراء في الساحة، ويبدو أنه من الصعب الدخول في مواجهة مفتوحة معه، كما أن مداهنته ومسايرته تزيده إصراراً وتطرفاً وعنفاً.. المراقبون للشأن التونسي يرون ان تونس تتجه نحو دكتاتورية دينية، وأن عملية الانتقال الديمقراطي تخطو نحو المجهول في غياب برامج سياسية وتنموية واضحة. الجهاد الأكبر هناك هو الاشتباك ما بين التيارات الدينية وغيرهم من التيارات غير الدينية، وتصنيفهم إلى كفار ومسلمين. وقد أدت الصراعات إلى اشتباك أجهزة الأمن مؤخراً مع مجموعة سلفية جهادية واقتحام السلفيين للجامعة، وتنكيس العلم الوطني التونسي، ورفع الراية السوداء بدله، وكذلك ما شهدته ولاية جندوبة، من عنف سلفي متطرف، وصل إلى حد محاولة قتل شاب في العشرين من عمره، وجريمة قتل الداعية لطفي قلال.. وزير الداخلية التونسي أشار إلى أن تونس يهددها الإرهاب المتطرف، وأن الأحداث الأخيرة أكدت تواجد مجموعة سلفية مسلحة تسعى إلى تكوين إمارة إسلامية، وهي مدعمة من مجموعات خارجية في الجزائر وليبيا لها علاقة بتنظيم القاعدة. كل هذه الأحداث المترابطة والمتصاعدة تزيد من حدة التطرف، وتفسح المجال للدخول في إمكانيات استخدام الاعتداءات والعنف، وقد لا تختلف كثيرا عما يحصل في الدول الغربية من استهداف أشخاص معينين وتصفيتهم، كما فعل الشاب الفرنسي من أصل جزائري في تولوز. الصراع بين الليبراليين والإسلاميين في ليبيا يدور على ثروات وودائعها الهائلة في البنوك الغربية وتقدر (160 مليار دولار). الصراع أيضا يدور بين الحركات والتيارات الدينية نفسها، مثل الإخوان المسلمين، والجماعة الإسلامية للتغيير، والتجمع الإسلامي، وإصرار عدد كبير من الثوار الإسلاميين على الاحتفاظ بسلاحهم، رغم انتهاء الحرب، وإصرارهم على عدم تسليم السلاح إلا بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، والشروع في عملية سياسية ديمقراطية. في مصر انتشر شريط مسجل نسب لأحد الدعاة المشهورين المصريين (وهو يعيش متنقلاً في دول الخليج) علق فيه على وفاة البابا شنودة الثالث وبطريرك الكرازة المرقسية بالإسكندرية ووصفه " برأس الكفر والعبد الفاجر والهالك والمجرم الملعون وعدو الإسلام".

(3)
الصورة النمطية التي ارتبطت بأوضاع المرأة في الدول العربية، تعود من جديد أيضا بعد الأمل في بروز مستقبل أفضل للمرأة، وخصوصاً أنها كانت حاضرة ومشاركة وفاعلة في انطلاق الثورات العربية، وكانت تشارك في الصفوف الأولى في المظاهرات والتجمعات والاحتجاجات، وضحت بنفسها في مواجهة عساكر وجنود النظام العسكري في مصر وتونس وليبيا، وما زالت تفعل ضد شبيحة البعث في سوريا، وحصلت حتى على جائزة نوبل للسلام كما فعلت الناشطة اليمنية توكل كارمان.. جاء في تقرير للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، أن "النساء يواجهن مخاطر متنامية من ان تتم مصادرة ثورة كن جزءاً منها". وأضاف التقرير: إن النساء العربيات "يواجهن اليوم محاولات لاستبعادهن من الحياة السياسية من قِبَل بعض أطراف العملية الانتقالية، إضافة إلى تمييز وعنف، من قبل مجموعات متطرفة". في تونس تم تخويف معلمات لأنهن لا يرتدين الحجاب. وفي مصر، انخفض تمثيل المرأة في مجلس الشعب من 12 بالمائة إلى 2 بالمائة، وألغيت الحصة التي كانت مخصصة للمرأة في ظل النظام السابق، وهي 64 مقعداً. كما تعرضت ناشطات لـ "كشوف عذرية" من قبل عسكريين، وهي ممارسة تستهدف "إهانة النساء". وفي تونس تزداد الدعوات المطالبة بعودة نظام الجواري وسوق النخاسة، وتنكِر على غير المنقبات الالتحاق بالصفوف الجامعية، والاختلاط في العمل، بالإضافة الى حظرالحفلات الفنية والموسيقية وعروض الأزياء. حتى المرأة في الكويت ـ التجربة الأكثر انفتاحاً في الخليج ـ خرجت المرأة من حصيلة الانتخابات الأخيرة ولم تحصل على أي مقعد، لكن الأمر الأهم أنها لم تـُمنح حتى حقيبة واحدة في الحكومة الجديدة، وكأنها لا تمثل نصف المجتمع، وليس لها قضايا، ولا يجوز لها المشاركة في صناعة قرار الوطن في الحاضر والمستقبل.

(4)
الأمل بالتغير الإيجابي لا يزال يُمَنّي النفس في العالم العربي وخارجه رغم المشاهد الإرهابية العتمة والنزاعات الدامية والاشتباكات المتصاعدة والتوتر المستمر والمستقبل غير الواضح. كل ما نحتاجه هو أن نغير ما في نفوسنا حتى يتغير حالنا وتتغير نظرة العالم لنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق