الجمعة، 2 مارس 2012

حماية الوطن من سرطان الشهادات الوهمية!

الشرق- الخليج
2012-02-29


وزارة التعليم تتفرج على هذه المهازل دون أن تحرك ساكنا
قائمة الشهادات الوهمية تضم عشرة آلاف شخص حصلوا على الماجستير والدكتوراه
مؤهلات اكاديمية لا ترقى إلى المستوى المتعارف عليه محلياً أو عالمياً

اتصل بى معاتبا. جميع الاصدقاء قدموا لى التهانى إلا انت. وأنا عذرتك لما علمت بانك مسافر. مبروك يا صديقى العزيز لكن ما المناسبة السعيدة. حسنا لقد حصلت على شهادة الدكتوراه! صحيح لكن علمى انك لا تملك حتى رسالة الماجستير ! فى الحقيقة لقد حصلت على الماجستير قبلها عن طريق معادلة خبراتى ومدة عملى فى الدولة عن طريق السيرة الذاتية التى ارسلتها لاحد مواقع جامعة اجنبية موجودة على الانترنت. وحصلت على الدكتوراه من جامعة فى دولة عربية بعد كتابة بحث على شكل رسالة. لكن هل الجامعة معترف بها وهل شهادتك مصادقة من قبل المؤسسات التعليمية فى البلد. يا عزيزى انا لا اهتم بالاعتراف ولا اسعى اليه. اردت فقط الحصول على اللقب للواجهة الاجتماعية واضافة حرف (د) قبل التلفظ باسمى الشخصى والعائلي؟!
(1)
هذا النوع من الحديث اصبح متداولا ليس فى مجتمعنا فقط بل يرد من بعض الزملاء والاصدقاء فى بعض الدول الخليجية والعربية حتى على المستوى العالمي. لكن هناك يتم التعامل قانونيا ويكشف ويفضح اصحابه ورواده اعلاميا حتى يكونوا عبرة لغيرهم، بينما يتم الاحتفاء بهم فى وسائل الاعلام عندنا وتقدم لهم التهانى والتبريكات على صدر الصفحات الملونة فى الصحف والمجلات وفى المنتديات والمواقع الاجتماعية بلا خجل واستحياء. صحيفة (Spokesman Review) الامريكية اصدرت قائمة بالشهادات المزورة تضم عشرة آلاف شخص حصلوا على شهادة الدكتوراه بالشراء اكثرهم من امريكا. واوضحت ان هؤلاء انفقوا (7.3) مليون دولار للحصول على شهادات علمية مزورة من احد المراكز الخاصة بالعاصمة الامريكية واشنطن، مما جعل وزارة العدل الامريكية تضعهم ضمن قائمتها السوداء، بل وملاحقتهم امنيا. وذكر تقرير الصحيفة ان القائمة تضم اكثر من 180 شخصا من دول مجلس التعاون الخليجى اغلبيتهم من المملكة (68 سعودياً) والامارات، وبينهم 16 كويتيا و12 من البحرين و4 من قطر وفقا للقائمة الكاملة التى نشرتها الصحيفة التى تظهر اسم الشخص وبلده ونوع الشهادة الحاصل عليها. وذكر التقرير ان قيمة الشهادة تراوحت بين مئات والوف الدولارات، وفق نوعيتها، وما اذا كانت منسوبة الى مدرسة او جامعة، مشيرا الى ان شهادة الدكتوراه، على سبيل المثال، وصل سعرها الى 8 آلاف دولار. كما حكمت السلطات القضائية الامريكية على رئيس "منظمة" تدعى "دبلوما ميل" بالسجن 3 سنوات، لقيام المنظمة ببيع شهادات مزورة لآلاف الاشخاص من 131 دولة. وتعمل المنظمة فى مجال منح الشهادات "الفخرية" التى تعتمد على الخبرة "الحياتية"، بدلا من الدراسة الاكاديمية، وهى غير معتمدة، غير ان المنظمة تمكنت بالتعاون مع موظفين فى جامعات ومدارس امريكية من الحصول على شهادات مزورة "معتمدة" منحتها لآلاف الاشخاص حول العالم منهم عدد كبير فى العالم العربي.
(2)
بينما تتفرج وزارة التعليم والتعليم العالى على هذه المهازل دون ان تحرك ساكنا او تتخذ اجراءات قانونية رادعة او اضعف الايمان تحذر من مثل هذه الممارسات غير الاخلاقية التى بدأت تمتد وتكبر فى المجتمع ككرة ثلج، اثارت هذه القضية الكثير من الجدل عند اخوتنا فى الدول الخليجية المجاورة. اعضاء فى مجلس الشورى طالبوا باقرار نظام يجرِّم اصحاب الشهادات الوهمية، ويمنع توليهم لمناصب عامة سواءً فى الحكومة او فى القطاع الخاص، وضرورة حماية الافراد والمجتمع من الاضرار التى ستتعرض لها مصالحهم، جرّاء استغلال حملة تلك الشهادات “المضروبة” لنفوذهم ووجاهتهم بموجبها! المصيبة ان من ضمن الحاصلين على شهادات دكتوراه مزورة اعضاء فى مجلس شورى انفسهم ومديرون عامون واعضاء مجالس بلدية ومديرو جمعيات للثقافة والفنون ورؤساء اندية ادبية ومديرون لبنوك التسليف واساتذة جامعات وغيرها. وهم غالبا منتشرون فى القطاعين الاهلى والخيري، كون العمل فيهما لا يتطلب معادلة الشهادات. وزير التربية السعودى السابق شن هجوما على حملة الدكتوراه المزورة واصفا اياهم بعديمى الضمير، ومتسائلا كيف يبيح المرء لنفسه ان يدعى انه يحمل هذه الشهادة العليا من جامعة بعيدة عنا مكاناً وهو لم يغادر ارض الوطن يوماً او ذهب لايام معدودة وعاد بشهادة مزعومة. واشار الى ان الفساد العلمى اشنع صور الانحراف الاخلاقى واننا امام امر ينبغى التصدى له، ومقاومة انتشاره بكل صوره وانواعه. ويذكر وزير التربية السعودى السابق قصة اطروحة للدكتوراه مكتوبة باللغة العربية منحت لحاملها من جامعة امريكية مقرها (لندن) وضمن الموقعين فى الصفحة الاولى على ان صاحبها حصل بموجبها على درجة الدكتوراه اسم (كوندليزا رايس) ولا يذكر ان كان هو اسم وزيرة الخارجية الامريكية — آنذاك — ام اسم على الاسم، وحين تم سؤال صاحب هذه الرسالة عن هذا الاسم، وحقيقة صاحبته، اكد انها هى حقاً وزيرة الخارجية، فسئل: هل (كوندليزا رايس) تقرأ اللغة العربية وتجيدها حتى تكون ضمن المشرفين على رسائل الدكتوراه.اجاب بانها تثق فى احد الاعضاء المشرفين على الرسالة، وهو استاذ عربى يعمل فى احدى جامعاتنا، وذكر اسمه فى الرسالة على انه احد المناقشين. واللوم فى مثل هذه الحالات انما يقع على طرفين الاول: هو الاستاذ الجامعى فى بلادنا الذى يوقع شاهداً على منح هذه الدرجة التى تصدر من جامعة وهمية. والثاني: هو هذا الشخص الذى اباح لنفسه ان يزعم ويجاهر الناس بانه حصل على هذه الدرجة العلمية ويباهى بها.
(3)
الشهادات الوهمية كما يعرفها الدكتور موافق الرويلى هى تلك الشهادات التى صدرت من جامعة وهمية، ولا تعترف بمعادلتها الجهة السيادية فى البلد صاحبة حق الاعتراف، وهى وزارة التعليم العالي. الدكتور موافق الرويلى دعا لتبنى نظام للحد من تلك الشهادات فهناك غياب المستند النظامى الذى يعتمد عليه فى حماية الوطن والمواطن من خطر الشهادات الوهمية، وتتمثل حماية الوطن فى بعدين: اولهما، حماية الوطن من مصادر الخطر المتمثل فى الجامعات الوهمية التى لا هم لها الا كسب المال بغطاء اكاديمي. وثانيهما، حماية مؤسسات الوطن من المخاطر التى تحدث عندما تشغل وتدار تلك المؤسسات باصحاب شهادات لا ترقى مؤهلاتهم الاكاديمية الى المستوى المتعارف عليه محلياً او عالمياً. اما حماية المواطن فلها اشكال كثيرة، منها، حماية مال المواطن من سلب الجامعات الوهمية له مقابل حصوله على شهادة "كرتونية" ليست لها «قيمة مضافة»، وحماية المواطن من استغلال حملة ذلك النوع من الشهادات له، سواء مادياً او معنوياً، وحماية المواطن فى سوق العمل الذى يساوى فى الفرص الوظيفية بين الحاصل على شهادة من جامعة معترف بها، سواء كانت جامعة محلية او عالمية، وبين حامل شهادة من جامعة وهمية. لكن ما هو موقف وزار ة التعليم والتعليم العالى فى قطر فى هذه القضية المتفاقمة والمتجاهلة فى اجنداتهم وبرامجهم. وكيف يتعامل الوزير مع هذا الملف الاسود، بجدية او يعتقد ان المسألة لا تعنيه البتة، وكم عدد الذين يملكون شهادات وهمية ومزيفة حصلوا عليها من جامعات خليجية من البحرين والكويت الى مصر والاردن والمغرب مرورا بالفلبين وتايلاند والصين وبعض الدول الاوروبية والولايات المتحدة الامريكية وامريكا الجنوبية ودول افريقية واسكندنافية. المعضلة الكبرى هى من يحمى الوطن من سرطان الشهادات الوهمية، السرطان الذى بدأ ينتشر فى مفاصل المجتمع فالبعض يتفرج والبعض الآخر يهلل ويصفق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق