الأربعاء، 7 مارس 2012

هل هناك فرق بين الشهادات الوهمية والمزورة؟

الشرق - الخليج
2012-03-07

كم عدد الأشخاص الذين يحملون شهادات وهمية في الدولة؟
اللجوء إلى الطريق الرخيص للحصول على مكانة مهنية أو أكاديمية أو اجتماعية!
ما سبب غياب التشريعات القانونية والرقابة التعليمية والحملات الإعلامية؟!

حتى الإعلام ومؤسساته الصحفية لم تفلت من انتشار الشهادات الوهمية السرطانية في مفاصله "ولماذا تكون استثناء".. احد الزملاء من جنسية عربية قام بتوزيع الحلويات احتفالا بحصوله على شهادة الماجستير من جامعة أجنبية عن طريق رابط على الانترنت بعد معادلة شهادة الدبلوم التي يملكها من حوالي 15 سنة "ليست حتى جامعية" واحتساب سنوات الخبرة دون دراسة أو تقديم اختبارات أو كتابة رسالة أو أطروحة علمية. وأبلغنا انه يستعد للحصول على درجة الدكتوراه خلال الأشهر القادمة إذا تقدم برسالة من 15 ألف كلمة أي حوالي 30 صفحة ولا بأس أن يكتبها باللغة العربية أو يترجمها ويرسلها.. وبعد دفع الرسوم سيرسلون له شهادة الدكتوراه مصدقة عن طريق البريد!!
(1)
في تقرير موسع عن انتشار الشهادات الوهمية واستهداف دول الخليج ومواطنيها والمقيمين فيها وخصوصا الجالية العربية رصدت «الشرق» السعودية ما يزيد عن 7000 اسم عربي وخليجي حصلوا على شهادات من جامعات تعد وهمية، وغير معترف بها، وحذرت منها الجهات الرسمية المعنية في بلدانها، كما رصدت ما يقارب 1400 جامعة وهمية في ولايتين في أمريكا، كانت الحكومة الأمريكية قد حذرت منها، واعتبرها التعليم العالي الأمريكي من الجامعات التي "لا يمكن الوثوق بها".
وبتتبع «الشرق» لجامعات تم التحذير منها ووضعها ضمن القوائم التي لا تعترف بشهاداتها، بعد أن عرفت الطريقة التي يتم الحصول بها على الشهادات، كالجامعة الأمريكية في لندن، جامعة كولومبوس، ديوكس، سمبادور، وغيرها، وجدت أن عدداً من خريجيها يتمتعون بشهاداتهم الجامعية منها، ويزاولون أعمالهم في المؤسسات الحكومية والخاصة وفي أوساط المجتمع دون مبالاة منهم، بل بمفاخرة بأنهم من حملة الشهادات العليا، حيث تضم قائمة خريجي جامعة سمبادور وحدها ما يزيد عن أربعة آلاف اسم، جميعها أسماء عربية، الغالبية منهم من دول الخليج العربي، كما أن جامعة ديوكس بها مثل ذلك ويزيد، والجامعة الأمريكية في لندن كذلك. وأشارا تقرير«الشرق» انه قبل التسعينيات الميلادية كان التسويق للشهادات الوهمية صعبا جداً ولكن مع ثورة الإنترنت انطلقت الشركات الوهمية التي تسوق لها، وأصبح الوصول إلى مكاتب الشركات سهلاً. ولعل حياة جامعة كولومبس، التي حُذِّر منها كثيراً، انطلقت مع ثورة الإنترنت عام 1995م مما جعلها تحتل مصافي الريادة في هذا المجال الوهمي. فمن خلال تقصٍ لها عبر الإنترنت وجدت "الشرق" أن موقعها على النت فقط يفتح على اللغة العربية أما الفرنسية والإنجليزية فتم إغلاقهما.. بينما نجد أن جامعة مثل بلفورد لا تتوقف عند حد امتصاص الأموال بتقديم شهادات للواهمين الباحثين عن الشهرة، بل تجاوزته إلى أن الداخل إلى الموقع لا يستطيع الحصول على ميزات البحث وغيره إلا عبر تسجيل الدخول، والتسجيل بـ 195 دولارا.

(2)
هل هناك فرق بين الشهادات الوهمية والمزورة؟!.. يشير الدكتور ناصر الميمان الى ان كليهما يصبان في ذات المصب، وهو مصب الغش والاحتيال والادعاء بحيازة ما لا يملك أصلا. ولكن أصلهما مختلف. فالتزوير تغيير في مستند رسمي، مثل تغيير الاسم في صك شرعي أو جواز سفر أو تزوير عملة لدولة ما، وما إلى ذلك. أما الشهادات الوهمية فهي شهادات أكاديمية صادرة من جامعات لا تعترف جهات الاعتراف السيادية بما تمنحه من شهادات. وجهة الاعتراف السيادية مثل وزارة التعليم. ومن هنا فأي شهادة أكاديمية لا تعترف بها وزارة التعليم تعد شهادة وهمية. وعن خطورة انتشار سرطان الشهادات الوهمية يذكر الدكتور رشود محمد انه وباء خطير ازداد انتشاراً في الآونة الأخيرة في معظم الدول عموماً والدول الخليجية على وجه الخصوص، نتيجة تقديس الألقاب لدينا وإساءة استخدامها، إلى جانب غياب العقوبات الرادعة والكفيلة بالحد من انتشار هذا النوع من الشهادات. إن الحصول على شهادة وهمية هو جريمة لا تقل خطورة عن الجرائم الأخرى كالسرقة والتدليس وخداع المجتمع. ومن هذا المنطلق، لا ينبغي التساهل مع الشهادات الوهمية، لأخطارها الوخيمة على التنمية بوجه عام، وعلى بناء الإنسان وصحته بوجه خاص. فلا يمكن أن يتقدم أي بلد أو ينافس على المستوى الدولي وهو يعتمد على حملة شهادات بدون رصيد علمي. تخيل أن طبيباً يمارس علاج الناس وهو يحمل شهادة وهمية، أو محامياً يمارس المحاماة وهو يحمل شهادة وهمية لا تستند الى رصيد علمي. لذلك يجب التأكيد على أن استخدام هذه الألقاب الوهمية فيه غش واحتيال وتثبيط لهمم الجادين والجادات من أبناء الوطن، الذين يسهرون الليل ويعملون في النهار من أجل الحصول على شهادات علمية من جامعات مميزة. وينبغي ألا ننسى أن التزوير والتدليس وغش المجتمع أمر منبوذ دينياً واجتماعياً، "من غشنا فليس منا".
(3)
السلطات التعليمية في اليونان حددت سعر شهادة الدكتوراه في الجامعة الأمريكية بأثينا بأنه يبلغ أربعين ألف يورو، وهناك عدد لا بأس به من الطلبة العرب والخليجيين انضموا للدراسة في الجامعة، إلا أن دولة الكويت الشقيقة تنبهت لهذا الموضوع وقامت بإيقاف التحاق وتسجيل الطلبة الكويتيين بالمراحل الجامعية والدراسات العليا بالجامعة الأمريكية في أثينا، عكس بعض دول الخليج الأخرى. الكويت بعد تفشي ظاهرة الشهادات الوهمية أرسلت مراقبين لعدة دول للكشف عن أحوال طلابها الدارسين فيها فوجد الفريق على سبيل المثال في الهند 4000 جامعة (90 %) منها لم تكن ذات سمعة جيدة، بل اكتشف الفريق ان المتاجرة بالشهادات دون رقيب أو حسيب، وذكر الفريق بحسب صحيفة القبس أنه: «من طرق الاحتيال التي تستخدمها بعض الجامعات الموقوفة هو سعيها للحصول على اعتمادات بعض الجامعات الهندية العريقة لكي تحصل على الشعار الخاص بالجامعة الرئيسية، ومن ثم إرفاقه وختمه على شهادات الخريجين لإيهام الجهات الحكومية في بلد الطالب بأن الجامعة التي تخرج منها على مستوى عال من الكفاءة والخبرة نتيجة وجود هذه الشعارات. وفي الدول العربية مثل مصر تتبعت جهات رقابية تحقيقات موسعة عن وكلاء يبيعون الماجستير والدكتوراه في الخليج بـ 12 ألف دولار وكشف التحقيق حسب اليوم السابع عن تعاقد جامعة قناة السويس مع أكاديمية التطوير لتسويق درجة الماجستير المهني المعتمد من المجلس الأعلى للجامعات، ومع جامعة «ويدو» الأمريكية، عن طريق وكيلها في مصر لمنح درجة الدكتوراه المهنية من «ويدو»، وهى مجرد جامعة وهمية ليس لها وجود حقيقي بحسب مؤسسة الاعتماد الأمريكي. كما كشف مركز استشاري متخصص في كشف الشهادات الوهمية والمزورة عن أن مكاتب الجامعات الخارجية غير المعترف بها من وزارة التعليم العالي السعودية جمعت 500 مليون ريال من 13 ألف مواطن ومقيم حصلوا منها على شهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه وذلك من بداية ممارسة نشاطها منذ ثماني سنوات. وبحسب المركز فإن أسعار شهادات الجامعات الوهمية تتراوح ما بين عشرة إلى ثلاثين ألف ريال للبكالوريوس والماجستير والدكتوراه، في حين تصل أسعار شهادات الجامعات غير المرخصة إلى ثلاثين ألفاً للبكالوريوس، و45 الفا للماجستير إضافة إلى أن أسعار شهادات الدكتوراه تتراوح بين ستين ألفاً إلى تسعين ألف ريال.
(4)
عند المقارنة بالدول الخليجية والعربية نلاحظ أن الوعي غائب لدى الكثير في المجتمع القطري لمواجهة هذه الآفة السرطانية مع غياب التشريعات القانونية والرقابة التعليمية والحملات الإعلامية، ولا توجد حتى مطالبة بتعديل نظام مكافحة التزوير ليشمل هذه الشهادات، حتى مع وجود رفض الحصول على العمل بناء على مؤهلات غير حقيقية في القطاع العام، إلا أن القطاع الخاص مخترق إلى النخاع. شخصيا اعرف مجموعة من الأصدقاء والزملاء حصلوا على شهادات وهمية ويتسلمون مسؤوليات ومناصب كبيرة ومنهم رؤساء ومديرون تنفيذيون. والأمثلة التي يقدمها أتباع هذا المنهج هي اللجوء إلى الطريق الرخيص والمبتذل والفاسد للحصول على مثل تلك الشهادات، إذا كانت تحقق لحامليها ما تحققه الشهادات الحقيقية من مكانة مهنية أو أكاديمية أو اجتماعية والحصول على المناصب الرئاسية العليا والتنفيذية والوزارية... والسؤال: كم عدد الأشخاص الذين يحملون شهادات وهمية غير معترف بها من قبل وزارة التربية يمتلكون مناصب عليا في الدولة يا وزارة التعليم ويا وزارة العمل؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق