الأربعاء، 27 أبريل 2011

الشعوب العربية.. والخروج من أقفاص مزرعة الحيونات

جريدة الشرق
2011-04-27

تحول معظم الدول العربية إلى عدة سجون صغيرة
تغيير الواقع العربي بعد الخروج من الاستعمار والدخول في عصر الاستبداد
الوحدة الوطنية مع نظام الديمقراطية والحريات وليس مع نظام الديكتاتورية والاستعباد

تمثلت البداية في المزايدة على الأحلام المشروعة في بناء وطن مستقل تحت راية المساواة والحرية، وإرساء العدالة الاجتماعية، ومحو الفروق الطبقية، وتحقيق الرفاهية وبناء مجتمع سليم خال من الفقر والتشوهات والأمراض، وتحولت مع مضى الزمان إلى كابوس فظيع استمر لأكثر من نصف قرن من ميلاد الدولة الحديثة في العالم العربي وكانت المحصلة أنظمة تولتارية استبدادية عسكرية بوليسية قمعية دموية صارت فيها الدولة قائمة على معسكرات اعتقال والوطن العربي الكبير إلى عدة سجون صغيرة والمواطن إلى عبد وخادم ذليل عبارة عن متراس في آلة، تم التلاعب بالدين وتدجين رجاله ليسبحوا بحمد القائد وانجازاته، وزور التاريخ وأدلجت اللحظة الزمنية لتخدم أفكار الحزب الواحد والرأي الواحد والرئيس الأوحد الفرد الصمد، وشوهت الجغرافيا وصدرت الأملاك العامة والخاصة وتراجعت كل الأمنيات وحل محلها البأس والظلم والقهر والعدوان. كان الوضع أشبه بالأحداث التي تناولها "دستويفسكي" وفي روايته الشهيرة "الممسوسون" عن أولئك الذين شاركوا الناس في تطلعاتهم في قيام مجتمع عادل خال من الطبقات فهم يقولون كلاما جميلا في الجلسات والصالونات غير أنهم لا يترددون في قتل احد رفاقهم بدم بارد وإلقاء جثته في مستنقع عندما يحاول الانفصال عنهم.
الثورات في مختلف أرجاء العالم العربي التي تقوم بها الشعوب العربية اليوم أثارت الزوبعة الكبرى في المحيط الخاثر ووصلت أمواجها إلى الخليج الخادر، ورغم كل المحاولات في حصارها والتضييق عليها وتشويهها، فهي لن تتوقف إلا بعد ان تقوم بعملها وتغير بشكل جذري كل معالم المنطقة وبنيتها التي حاولت أن تنئ بنفسها عن التغيير في تحد صارخ لقوانين الكون وسنن الحياة! الثورة بشعوبها تنهض لتغير واقعها بعد الخروج من مرحلة الاستعمار الغربية ودخولا إلى عصر الاستبداد والديكتاتورية العربية بامتياز، وها هو الإنسان العربي يصحو ويطالب ويضحي بحياته في سبيل الكرامة والعزة والحرية بعدما ظن السادة انه هزم وانكسر بعد العمر الطويل من التربية في مزارع الحيوانات وفي أقفاص الدواجن! القصة العربية التراجيدية تتماهى مع روايةٌ جورج أورويل "مزرعة الحيوانات" والتي نشرت في انجلترا يوم 17 أغسطس 1945، المزرعة كان يديرها السيد "جونز" "تمثل مرحلة الاستعمار للدول العربية". وكانت المخلوقات في هذه المزرعة تشعر بأنّ أسلوبه في التعامل معها فيه الكثير من الظلم والقسوة والاستغلال. ومع أول فرصة سانحة نحو الاستقلال والحرية تعلن الحيوانات في المزرعة الثورة على السيد جونز، وتتمكن من طرده، لتصبح المزرعة تحت سيطرتها، إلا أنه يخطف الثمار مجموعةٌ من الخنازير في مقدمتها القائد "سنوبول" والعقيد "نابليون" حيث يسيطرون على القرارات المصيرية وإدارة العمل في المزرعة، رافعين تلك الشعارات التي تدعو الى انه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة في الاستقلال ومحاربة الأعداء المتربصين بالثورة وانجازاتها في الداخل قبل الخارج، وضرورة الإخلاص في العمل والتفاني فيه لإقامة المجتمع الحيواني الجديد الذي تنتفي فيه كلّ أشكال الظلم والاستغلال، ويسوده الرخاء والعدل، وتربط بين أفراده أواصرُ المحبّة والإخاء، لكن باسم الحرية استُعبِدت هذه الحيوانات، وباسم المساواة استُلبت حقوقها، وباسم الرخاء جُوّعت، وباسم الحياة سُفِكت دماؤها، وباسم المستقبل كُمّمت أفواهها. ويتمكّن الخنزير (نابليون) من طرد رفيق دربه (سنوبول)، والاستئثار بالسلطة، مستعيناً بمجموعة من الكلاب التي درّبها منذ كانت جراءً صغيرةً لتكون جهاز أمنه الخاصّ، إضافةً إلى الخنزير (سكويلير) الذي أنيطت به مهامّ الإعلامي القادر على تبرير سياسات (نابليون)، وإقناع الحيوانات بحكمة ما يصدر عنه من قرارات أياً كانت طبيعةُ هذه القرارات، أو الدوافعُ وراءها، ومهما كان الثمنُ الذي ستدفعه الحيوانات جرّاء تنفيذها.
ربما كان الخطاب الذي نطق به أقدم الحيوانات عمرا في المزرعة خير معبر عن حالة البؤس في العالم العربي، فهو يشير إلى طبيعة الحياة التي تعيشها المخلوقات في المزرعة العربية. (لنواجه الحقيقة، بصراحة، ان حياتنا تعيسة نكد فيها ونكدح، وهي حياة قصيرة.. نأتي إلى الحياة ولا نحصل على طعام سوى ما يسد رمقنا لحفظ النفس في أبداننا ونقهر على العمل حتى آخر ذرة من قوتنا وحين تنتهي الحاجة إلينا نذبح فورا بقسوة بشعة، ولا يوجد من يعرف معنى السعادة أو الراحة بعد أن يجتاز السنة الأولى من عمره ولا يوجد من هو حر عندنا.. إن الحياة بائسة وهذه هي الحقيقة... لكن هل هذا ببساطة هو جزء من نظام الطبيعة؟ هل هذا لان أرضنا فقيرة؟ ولا تستطيع منح الحياة المقبولة للذين يسكنون عليها؟! كلا أيها الرفاق وألف كلا.. إن أرضنا خصبة ومناخها طيب وبمقدورها توفير الطعام الوفير لعدد اكبر بكثير من الذين يقطنونها حاليا، نستطيع إن تعيش جميعا حياة مريحة ومحترمة تفوق خيالنا. لماذا إذن نستمر في هذه الحالة المزرية؟ ببساطة لأن نتاج عملنا كله تقريبا يسرق منا من قبل "السيد".. فهو لا يدر الحليب ولا يضع البيض ولضعفه لا يستطيع جر المحراث ولا يمكنه أن يركض بسرعة تمكنه من الامساك بالأرانب. ومع ذلك فهو السيد علينا جميعا. يجبرنا على العمل وفي المقابل يمنحنا الحد الأدنى لسد رمقنا حتى لا نموت جوعا ويحتفظ بالباقي لنفسه".
لا مجال لتحقيق الوحدة الوطنية الحقيقية والأمن والأمان الفعليين إلا بالتخلص من النظام الديكتاتوري الذي يقوم بتحويل الاختلافات بين أفراد الشعب وفئاته إلى خلافات وانقسامات تكون أشبه بقنابل موقوتة يهدد النظام بتفجرها، حين يتم طرح فكرة استبداله أو حتى إصلاحه أو قيام أي معارضة له أو ضده كما يشير الكاتب حسام الدين درويش. ويضيف درويش انه لا معنى حقيقيا لربط فكرتي الوحدة الوطنية والأمان ببقاء نظام اتُفق على ديكتاتوريته، ولا يمكن منطقياً وواقعياً اللجوء إلى منطق الثالث المرفوع في الحديث عن العلاقة بين الوحدة الوطنية والأمان من جهة، والحرية والديمقراطية، من جهة أخرى. فوفقاً لهذا المنطق، إما أن نقبل بالنظام الديكتاتوري، إذا أردنا الوحدة الوطنية والأمان، وإما أن نضحي بهما، في سعينا للحرية والديمقراطية. وعلى الرغم من كل الدعايات الوطنية الايديولوجية التي يسوّقها النظام من خلال إعلامه ومؤسساته المختلفة، فان هذه الوطنيات هي غالباً زائفة لأنه يتم اختزال الوطن بشخص أو نظام يتم التأكيد على ضرورة وجوده واستمراره حماية وخدمة للوطن والشعب ووحدته المزعومة. يجب التأكيد على التلازم والترابط المنطقي والواقعي بين الأمان والوحدة الوطنية، من جهة مع نظام الديمقراطية والحريات، وليس مع نظام الديكتاتورية والاستبداد.
آخر كلمة:
''سألوا القذافي عن الثـورة، فرجع برأسه إلى الوراء مفكرا بعمق، ثـم قال ببطء: الثـورة هي.. أنثـى الثـور''.

الخميس، 21 أبريل 2011

مبادرة التعليم لمرحلة جديدة تفقد بريقها يوما بعد الآخر!

جريدة الشرق
20 أبريل - 2011

المدارس العربية والأجنبية الخاصة أصبحت المفضلة عند أولياء الأمور
الطالب عندنا يمارس طقوس التلقين والحفظ البصم لا النقد والتفكير والتحليل
هل ننجح في تحسين الوضع ونستفيد من التقدم العلمي والتكنولوجيا مثل اليابان

أستطيع أن أقول بارتياح إنها تجربة ناجحة دخلتها من عدة جوانب أهمها إني تخلصت من الاعتماد الكلي على الكمبيوتر المحمول (Laptop) بعد التماهي معه لسنوات طوال كما يعرفه فرويد (sigmund freud) في التعبير المبكر عن الرابطة العاطفية! الأمر الآخر هي القدرة على الاستفادة من عامل الزمن واختزال المكان واختصار الوقت في التعلم والقراءة والاطلاع على اكبر قدر من الكتب التي يتم تحميلها في جهاز واحد أشبه بمرآة عاكسة تحمل في حقيبة صغيرة والجهاز هو اي بود ابل (iPad). لقد اخترت ما يقارب 250 كتابا وتقريرا على شاكلة الكتب الالكترونية في جهازي قبل سفري إلى اليابان. واستطعت أن أقرأ حوالي 30 % منها في خلال عدة أشهر في التاريخ والاقتصاد والسياسة والتعليم والدين والعادات والتقاليد في اليابان والصين وجنوب شرق آسيا. لقد وصلت مكتبتي الالكترونية خلال السنة إلى ما يقارب 4500 كتاب وهو ما يمثل عدد كل الكتب المقررة المطبوعة التي يتم توزيعها في المدارس من الابتدائي إلى الثانوي وفي المعاهد والجامعات في قطر والخليج والعالم العربي؟!
في اليابان شدني ذاك التلميذ - التلميذة، المتجه إلى مدرسته وهو يحمل حقيبة صغيرة على ظهره تتشابه مع بعضها البعض في الشكل واللون والحجم، قلت لمرافقي الذي عين لمساعدتي في الترجمة من اليابانية، وهو يتحدث اللغة الانجليزية بصعوبة والعربية بشكل أصعب، أكاد اعجز أن أميز الفرق بين طالب وآخر، فرد علي قائلا: "لا عليك حتى نحن نعجز أحيانا أن نفرق بينكم أيضا ولقد عشت نفس التجربة عندما زرت بعض الدول العربية"! الحقيبة الخاصة بالطالب كانت مثل الريشة ولا يوجد فيها غير كراسة واحدة، ووجبة الغداء وهي عبارة عن ساندويش وعصير برتقال هذا ما اكتشفته عندما طلبت من مرافقي أن يسأل نيابة عني عن سر الحقيبة الخفيفة. قال لي انه لم تكن الحقيبة دائما هكذا بل كانت تمتلئ بالكتب والكراسات وتوقفت حين أثبتت التقارير والدراسات التي قامت بها هيئة التعليم مدى الأضرار والخطورة التي تمثلها الحقائب الثقيلة من تقوس الظهر والعامود الفقري والنمو بشكل سليم لذا قررت هيئة التعليم أن تصدر قرارا بألا يزيد وزن الحقيبة على خمسة عشر بالمائة من وزن جسم الطالب. بالإضافة إلى مطالبة كل مدرسة أن توفر خزانة خاصة بكل طالب يضع فيها كل الأدوات المدرسية والقرطاسيات التي يحتاجها. وعندما تطورت التكنولوجيا تم نسخ الكتب والمقررات والمناهج الدراسية على الأقراص المرنة (CD)، ويجرى الآن وضعها على الشبكة العنكبوتية (الانترنت) حتى يتم الاستفادة القصوى منها من قبل الطلاب إضافة إلى توفير ميزانية الطباعة وحماية البيئة من قطع أوراق الشجر ثم إعادة تدويرها.
في عالمنا يعود الطالب وفي حقيبته الصغيرة عشرات الكتب والمقررات والواجبات المدرسية لكي يقوم بممارسة الطقوس اليومية من خلال التلقين والحفظ البصم لا النقد والتفكير والتحليل فالطالب يتلقى التعلم وبعد تخرجه يكون قد نسى ما تعلمه. ولا تكمن المعضلة في المناهج الدراسية بلا أيضاً في عقلية وطريقة تفكير المسئولين عن تأليفها وتدريسها وتقييمها وهنا يكمن الفرق الحقيقي. لذا تقدمت اليابان والصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا وظلت الدول العربية تقبع في مؤخرة قائمة الدول في الاختبارات العالمية لقياس مستوى جودة التعليم، الغريب أن الدول الخليجية الغنية لم تفلح في تحسين وضعها في القائمة أو أن تستفيد من التقدم العلمي والتكنولوجيا، وعلى الرغم من أنها استطاعت أن تنجح في تحسين نظام وتقنية الاتصالات "الاستهلاكي"، لم تفلح في تحقيق نجاح مماثل في النظام التعليمي "الإنتاجي" وجاء ترتيبها كالتالي وفقاً لمؤشر الجاهزية الشبكية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس العام الماضي حيث حازت دولة الإمارات العربية المتحدة المرتبة الثانية عالمياً في المؤشر المرتبط بأهمية تقنية المعلومات والاتصالات من حيث رؤية الحكومة للمستقبل الرقمي، وتلتها قطر (في المرتبة 5) والبحرين (20) وعمان (21) والسعودية (28) والكويت (105). وفي بعض دول الخليج، قطر على سبيل المثال، تقبع في ذيل القائمة الخاصة قي التقييمات الدولية للطالب وهي التي لديها مبادرات تعليمية مدعومة وميزانية شبه مفتوحة، وتتقدم عليها في القائمة دول عربية تعيش في أوضاع مزرية سياسية واقتصادية واجتماعية وتعليمية مثل السلطة الذاتية الفلسطينية! ولا غرابة أن تفقد مبادرة التعليم لمرحلة جديدة بريقها يوما بعد الآخر ويفضل عليها المدارس الخاصة العربية والأجنبية!.
السؤال الذي يطرح اليوم ما هو مستقبل الأبناء والطلبة في هذا البلد في ظل منظومة التعليم الحالية. ربما يكون أخطر ما فى هذه المنظومة هو تراجع مستوى التعليم بدرجة كبيرة أمام عجز واضح عن ملاحقة المنظومة التعليمية في جنوب شرق آسيا على سبيل المثال وليس أوروبا وأمريكا في أساليب الفهم والاستيعاب، الفكر والتكوين! إن مبادرة التعليم لمرحلة جديدة تعاني وتتراجع بشكل دراماتيكي، فهل تعود ولو بمعجزة. هل تعود وتطرح مبادرات تغييرية حقيقية على الساحة. هل تعود بمبادرة جديدة تتخلى فيها عن الكتب والمناهج الدراسية وتضعها على مواقع وصفحات على الانترنت. هل تقوم بعمل الدورات التدريبية وورش العمل للمدرس والمعلم على موقع اليوتيوب (YouTube)، وتحول الدروس اليومية بعد تسجيلها على الفيديو على جهاز التخزين (USB)، وتقوم بإنهاء عصر الأوراق والدفاتر والكراسات ويحل مكانها جهاز اي بود ابل (iPad). ربما تكون هذه الخطوات مجرد ترف في عالمنا الثالث ولكنها في اليابان بدأت منذ زمن ومازالت تتقدم في كل يوم.

الأحد، 17 أبريل 2011

التاريخ السياسي.. الأحزاب وتطور الحياة السياسية اليابانية

اليابان بعيون عربية (8)
جريدة الشرق
16 أبريل , 2011

تخلصت اليابان من قيود الاتفاقيات القديمة منذ عام 1894، وبدأت مرحلة جديدة في تاريخها الحديث، حيث تحولت فيها إلى الدولة الإمبريالية الوحيدة في جنوب وشرق آسيا. وتبنت شعار المرحلة الجديدة "التكنيك غربي، أما الروح فيابانية" بأولوية مطلقة في التطبيق العملي، وكانت أبرز تجلياته: دولة مركزية حديثة، وجيش عصري مزود بأحدث الأسلحة، واقتصاد قوي قام على قاعدة ثابتة من الاحتكارات الضخمة، وسلطة استبدادية مطلقة حصرت كل الصلاحيات بيد الإمبراطور الذي جمع إلى جانبه عددا كبيرا من المصلحين المتنورين. وتبع الشعب الياباني قادته الجديدة بطاعة تامة استنادا إلى المباديء الكونفوشيوسية. لكن ذلك حول اليابان من دولة ضعيفة عاشت حالة عزلة حقيقية غير تامة لأكثر من قرنين من الزمن إلى دولة قوية مارست كل أشكال القمع والسيطرة على دول الجوار في النصف الأول من القرن العشرين، إلى دولة محرومة من التسلح بعد الحرب العالمية الثانية وتعتمد في حمايتها على المظلة الأميركية طوال النصف الثاني من القرن العشرين كما يشير الدكتور مسعود ظاهر.
واعتمد النظام السياسي الياباني في فترة ما بعد الحرب الثانية على دستور 1946م ، وهذا الدستور هو عبارة عن تعديل لدستور السابق ( دستور ميجي 1889م ) ، ومن أهم الفروقات بين هذين الدستورين هو انتقال السلطة المطلقة من الإمبراطور إلى الشعب الياباني ، وجعل النظام السياسي الياباني يقوم على المبادئ الديمقراطية. ويقوم دستور اليابان على ثلاثة مبادئ أساسية هي: سيادة الشعب، واحترام حقوق الإنسان الرئيسية، والتخلص من الحروب. وينص الدستور أيضاَ على استقلالية السلطات الحكومية الثلاث: التشريعية (المجلس التشريعي)، التنفيذية (مجلس الوزراء)، والقضائية (المحاكم) ، ويُعد المجلس التشريعي، البرلمان القومي لليابان، أعلى عضو في سلطة الدولة والجهة الوحيدة المسؤولة عن إعداد التشريعات والقوانين في الدولة. ويتألف المجلس التشريعي من مجلس النواب الذي يضم 480 مقعدا (House of Representatives ) ومجلس المستشارين والذي يضم نحو242 مقعداً (House of Councillors). ويتمتع كل مواطن ياباني بمجرد أن يبلغ من العمر عشرين عاماً بالحق في الإدلاء بصوته في الانتخابات. تتمتع اليابان بنظام برلماني للحكم يشبه ذلك النظام البرلماني في دولتي بريطانيا وكندا. وبخلاف الولايات المتحدة وفرنسا لا يقوم اليابانيون بانتخاب رئيس دولة بصورة مباشرة. فأعضاء المجلس التشريعي يقومون بانتخاب رئيس مجلس الوزراء فيما بينهم. وعليه يقوم رئيس الوزراء بتشكيل مجلس الوزراء وبقيادة مجلس وزراء الحكومة. يخضع مجلس الوزراء أثناء تأديته للسلطة التنفيذية للمسائلة من قبل المجلس التشريعي. أما السلطة القضائية فتختص بها كل من محكمة العدل العليا (الدستورية) والمحاكم الأقل مثل المحاكم العليا والمحاكم المحلية والمحاكم الجزئية، وتتكون المحكمة الدستورية من رئيس المحكمة و14 قاضياً آخر، الذين يتم تعيينهم من قبل مجلس الوزراء. وتتم معالجة معظم القضايا أمام المحاكم المحلية. وتوجد أيضاً المحاكم الجزئية والتي تتعامل مع مشاكل مثل المخالفات المرورية كما يشير الباحث وليم أشعيا.
توجد 47 حكومة محلية وأكثر من 3000 مجلس بلدي في اليابان، تشمل مسؤولياتهم توفير التعليم والرعاية والخدمات الأخرى، وكذلك إنشاء وتحسين البنية التحتية بما في ذلك المرافق العامة. ممارسة تلك الهيئات لأنشطتها الإدارية تجعل هناك اتصالاً وثيقاً بينها وبين السكان المحليين. يتم اختيار رؤساء الحكومات الإقليمية وأعضاء المجالس المحلية عن طريق الانتخابات ، ومن أشهر مواد الدستور هي المادة التاسعة التي تنص على أن (الشعب الياباني المتطلع بصدق إلى سلام عالمي يقوم على العدالة والنظام يتخلى الى الأبد عن الحرب كحق من حقوق سيادة الأمة ، كما يتخلى عن التهديد باستخدام القوة كوسيلة لحل المنازعات الدولية ) كما يشير الباحث وليم أشعيا.
الملاحظ لتاريخ اليابان السياسي، وخصوصا ذلك المتعلق بحكوماتها المتعاقبة، سيكتشف أنه قد مرّ على هذا منصب رئيس الوزراء منذ عام 1947 حوالي 30 شخصية سياسية، اغلبها من «الحزب الليبرالي الحر» وقد نجح الحزب الديمقراطي الياباني في عام 2009 في كسر احتكار الحزب الليبرالي المتواصل للسلطة والذي لم ينقطع تقريباً منذ عام 1955. وهو ما اعتبر كمثل انتخاب أول رئيس أسود للولايات المتحدة، جياشاً بالتوقعات الشعبية، وواعداً بتحول جذري عن الماضي. و أهم ما لفت نظر المراقبين هو أن الحزب الأول استفاد كثيرا من أخطاء الحزب الثاني، بمعنى أنه لئن لم يسع إلى تبني سياسات مختلفة جذريا عن سياسات خصمه، ولا سيما فيما يتعلق بالروابط التاريخية مع الحليف الأميركي، فانه على الأقل حاول تجديد الدماء في الحياة السياسية اليابانية. ذلك التجديد الذي لطالما وعد به الليبراليون الأحرار ناخبيهم، لكن دون أن يطبقوه على أرض الواقع. أستاذ الشؤون اليابانية في جامعة كولومبيا الأميركية جيرالد كورتيس – أشار بان الحدث مقدمة لظهور الثنائية الحزبية في الحياة السياسية اليابانية. بمعنى وجود حزبين كبيرين يتناوبان على السلطة، وانتهاء احتكار الحزب الليبرالي الحر للحكم. من الأمور الطريفة التي حدثت لي عند زيارة احد مقار الحزب الديمقراطي أن تم إهدائي قميص رسمت عليه شعار حملة اوباما الشهير عام 2008، " نعم نستطيع " لكن بتغير حرف الأس بالكاف على الشكل التالي (Yes we Kan) ليصبح اسم رئيس الوزراء الياباني الحالي ناوتو كان. الحزب الديمقراطي الياباني يعتبر أن نتائج الانتخابات أدت إلى رفض تام للنهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي كان سائدا، من هنا أتى تركيزهم على اتباع نهج معاكس بدءا من توسيع نطاق الدولة كراعية اجتماعية من الاهتمام بالإنفاق العائلي مع تقديم منح لمن ينجبون أطفالا وتوفير تعليم مجاني جزئيا واعتماد نظام تقاعدي مضمون إلى إصلاحات التأمين الاجتماعي واعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة ومنع ازدواجية القرار الإداري وحصر القرار السياسي برئيس الحكومة، ودعم الشركات والمؤسسات الخاصة الصغيرة واقتصاديات الإدارات المحلية كما يشير عفيف رزق.
في الشق الخارجي الدولي، يعتبر التحالف الأميركي الياباني المفصل الرئيسي للسياسة الخارجية والأمنية لليابان، وقد عملت حكومات المحافظين المتتالية على تعزيزه باعتباره سمح لليابان أن تعيش في سلام وأمان؛ لكن هذا التحالف، بنظر الحزب الديمقراطي كما يذكر رزق، بدت فيها اليابان كتابع لواشنطن، وحان الوقت، استنادا إلى التطورات التي حصلت على الساحة الدولية، وخصوصا في السنوات الأخيرة، ان يعاد النظر بهذه العلاقة للتعامل بين الطرفين على أساس المساواة والندية، ويطالب برنامج الحزب "مراجعة جذرية للاتفاق حول وضعية القوات الأميركية المنتشرة في اليابان" ومتابعة هذه المراجعة سنويا أن لجهة مراكز الانتشار، وان لجهة التكلفة المالية؛ وإجراء نقاش هادئ ومسؤول حول السلاح النووي والأسس الثلاثة التي تمنع اليابان من امتلاك وصنع واستيراد السلاح النووي بهدف جعل المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. كما يطالب البرنامج تعزيز العلاقات مع المجموعة الدولية وخصوصا الآسيوية منها بدلا من علاقات تخيم عليها ذكريات الحروب السابقة. ويرى المراقبون أن الفرصة التي أتيحت للحزب الديمقراطي الياباني لتولي السلطة وقيادة ثالث اقتصاد دولي هي فرصة مهمة وشاقة وستكون مدار مراقبة من المواطن الياباني ليحكم على هذه القيادة الشابة التي تفتقر إلى التجربة السياسية في الحكم.
على مستوى السياسة الخارجية والتعامل مع العالم العربي، فاغلب التصريحات الرسمية اليابانية تؤكد على شراكتها الإستراتيجية واعتمادها على منطقة الشرق الأوسط في الحصول على كل احتياجاتها النفطية تقريبا. وقامت اليابان في السنوات الأخيرة بتعزيز انخراطها السياسي في المنطقة المضطربة بعد تنامي الطلب على الطاقة من جانب الصين والهند. وتشعر اليابان منذ وقت طويل أن لديها دورا خاصا تقوم به في المنطقة لأنها على خلاف الولايات المتحدة غير متورطة في قضايا سياسية مثيرة للجدل مما يسمح لها بإقامة علاقات أكثر دفئا مع الدول العربية. الواقع أن اليابان تتمتع بعلاقات صداقة تاريخية مع العديد من الدول العربية، وتتميز بجهودها النشطة لتحقيق سلام عادل ودائم وشامل في الشرق الأوسط استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية وصولا لإقامة دولة فلسطينية ، بالإضافة لدورها الفاعل في جهود إعادة الاعمار في العراق.

الثلاثاء، 12 أبريل 2011

رحيل الرئيس والمستقبل الجديد في اليمن السعيد

جريدة الشرق
2011-04-13

الأطفال يتقدمون الاحتجاجات والمظاهرات في صنعاء
التحرك الخليجي جاء متأخراً ولكن كان جريئاً
سياسة القبول بمبادرات ثم رفضها بعد أيام لم تعد تجدي

الأمر الأكثر غرابة في المشهد اليمني هو الضحايا الأطفال الذين يتقدمون الاحتجاجات والمظاهرات في مختلف المناطق في اليمن، فهؤلاء الأبرياء يتم استخدامهم من قبل الأطراف من الجانبين الحكومي والمعارض على حد سواء كدروع مع قوات الأمن أو بين المتظاهرين المؤيدين والمعارضين للنظام، بهدف كسب تعاطف المجتمع المحلي والخارجي، مما يعد محاولة رخيصة واستخدام بشع للطفولة البريئة وهو عبث أشارات له منظمة يونيسيف التابعة للأمم المتحدة، التي ذكرت أن ما يتجاوز 73 طفلا يمنيا قتلوا خلال الأحداث الجارية هناك، والهدف من ذلك كما يؤمن هؤلاء أن استغلال الأطفال كدروع بشرية (تتراوح أعمارهم بين 12 - 18 عاماً في صفوف تلك المواجهات) أفضل وسيلة لجذب مناصرين، وأسهل في الإقناع، وأصعب عند المواجهة، سواء لرجال الأمن، أو لمتظاهرين من الطرف الآخر؟!
صحيفة "واشنطن بوست" أشارات إلى برقيات مسربة أرسلت عامي 2009 و2010 من اليمن بأنه بلد على وشك أن يصبح دولة فاشلة حتى قبل التظاهرات الأخيرة، وأن رئيسها يستغل تهديد القاعدة للحصول على مساعدة خارجية لمكافحة الإرهاب يستخدمها أحياناً ضد أعدائه الداخليين وأن القاعدة تزدهر فيه، خصوصاً في المناطق القبلية.
كما ذكر موقع (ويكيليكس) أن الرئيس اليمني علي عبد الله يصبح أكثر عزلة يوماً بعد يوم وأقل استماعاً للنصائح التي تسديها له بعض الشخصيات العملية والتقدمية في الحكومة اليمنية. إن الرئيس صالح مهتم فقط بإثراء عائلته، وهو لا يستمع إلا إلى نفسه ويتمتع بثقة غير واقعية بأنه يتخذ القرار الصائب على الدوام.
بعد العمر الطويل من الاستئثار بالحكم والقرار وقمع الحريات وانعدام الديمقراطية والمشاركة السياسية والمساواة وتحجيم المجتمع المدني، أصبح غالبية الشعب اليمني يعيش تحت خط الفقر، وعالمياً احتل اليمن المرتبة الأولى في نسبة فقر الدخل، حيث بلغت النسبة 59.95 % من إجمالي السكان، بينما بلغت نسبة الفقر البشري 36.6 % على مستوى الدول العربية وكان ترتيبه (82) في مؤشر الفقر العالمي، ويبلغ عدد الذين يعيشون على أقل من دولارين في اليوم ما يقارب 80 %، ويعدّ اليمن الأول من بين البلاد العربية في انتشار الجوع على مستوى الوطن العربي، حيث يشير تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2009م. كما يعد من أكثر البلدان العربية في انتشار نقص التغذية بين الأطفال على مستوى الوطن العربي، حيث يشير تقرير التنمية الإنسانية العربي لعام 2009، إلى أن نسبة انتشار الجوع ونقص التغذية بين أطفال اليمن من أكثر النسب بين أطفال العرب، بالإضافة إلى البطالة في أوساط الشباب، وتقدر بحوالي أكثر من 40 %. تقرير مجلة "الإيكونوميست" البريطانية الأخير توقع أن اليمن هو المرشح الأول لكي يسقط نظام الحكم فيه عقب تونس ومصر، ومن ثم تليه ليبيا والجزائر، وذلك استناداً إلى أرقام وتصنيفات تلك الدول من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.. وترتيبه عالميا في مجال الفساد والديمقراطية وحرية الصحافة ومؤشر عدم الاستقرار ونسبة الشباب من إجمالي عدد السكان، في مؤشر عدم الاستقرار، جاء اليمن في الترتيب الأول بقرب التقييم 100 الذي يمثل عدم الاستقرار المطلق، حيث بلغت 86.6، ثم ليبيا في الترتيب الثاني عند 71، ثم مصر، والجزائر وتونس، ثم المغرب والأردن والبحرين. وحول الترتيب العالمي في مجال الفساد، فتأتي ليبيا في المقدمة متربعة على الترتيب الـ 158 من إجمالي 167، يليها اليمن، ثم تونس، ومصر، وبعد ذلك البحرين في الترتيب 137، والجزائر 125، والأردن، والمغرب 116. وفي ما يتعلق بمتوسط نصيب الفرد من الناتج الإجمالي للدولة على أساس تعادل القوة الشرائية، فيأتي اليمن في قاع الترتيب ببلوغ نصيب الفرد 2900 دولار، تليه المغرب بـ 4700 دولار، والأردن ثم مصر، والجزائر،وتونس، وليبيا، وأخيراً البحرين.
التحرك الخليجي وان كان متأخرا فقد جاء جريئاً وواضحاً ولأول مرة، في دعوة رئيس عربي إلى التنحي ونقل صلاحياته إلى نائبه والسماح بتشكيل حكومة من المعارضة تتكفل بإعداد دستور وتنظيم انتخابات. المواقف الحازمة مطلوبة في هذا المرحلة ويجب أن تشكل نوعا من الضغط لصالح الخيار الشعبي اليمني ولا تهتم في التركيز على إنقاذ النظام ورموزه من خلال تغيب أشخاص وإبراز آخرين من نفس المنظومة الحاكمة، لقد عرف عن النظام مراوغته ولعبه على التناقضات وانقلابه على رفاقه والتضحية بهم واحداً بعد الآخر ليستمر في السلطة، وهو لم يلتفت إلى الإصلاحات والتغييرات المشروعة التي تمت المطالبة بها من قبل الملايين من شعبه، الذي ينام اليوم في شوارع المدن اليمنية مطالبا برحيله بعد أن تم خنقه بلا رحمة لعقود طويلة، إن اللعبة انتهت في بزوغ الثورة الأخيرة وانكشفت جميع الأوراق (The Game is Over baby). من ابرز المواقف الشائنة للرئيس هو انقلابه على حلفائه بعد أن يحصل على ما يريد منهم في الولايات المتحدة والدول الأوروبية والدول العربية وآخرها قطر التي اتهمها بأنها تعمل على تنحيته عن السلطة وهي التي وقفت معه وساندنه في الكثير من الأحداث والأزمات التي تعرض لها خلال السنوات الماضية، حين كانت اغلب الدول الخليجية والعربية الأخرى تقف في موقف الفرجة. كان الدعم السياسي في حرب الشمال والجنوب والمساعدات الاقتصادية والمبادرات الدبلوماسية مع المعارضة الحوثية والإعلامية، بلا حدود ولم تتوقف أو تعتذر يوما عن تلبية الرغبة في تحقيق الاستقرار والسلام في اليمن إلا أن كل ذلك ذهب مع الريح في سبيل شهوة المنصب، البقاء على كرسي الحكم ولو تم حرق كل الجميع بلا استثناء في الداخل والخارج؟!
التحايل والتذاكي والفهلوة السياسية والمواقف المتقلبة والقبول بمبادرات ثم رفضها بعد أيام لم تعد تجدي وهي تزيد من سكب الزيت على النار المشتعلة التي ستكون بوادر الدخول في الحرب الأهلية بين القبائل، وأشبه بمحرقة جماعية للبلاد والشعب بطلها السيد الرئيس؟! ما يحصل في اليمن اليوم ليس شأنا خاصا داخليا فقط بلا هو خليجي عربي أيضا، فاليمن جزء منا ومصيره مرتبط بمصيرنا وهو عمقنا الاستراتيجي الجنوبي وهو جزء من تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا، والأحداث والصراعات التي تجري فوق أرضه تصل تداعياتها إلى شوارعنا وتعصف بأمن واستقرار منطقتنا، لذا من الواجب الوقوف مع اليمن في هذه الأوقات الحرجة بكل قواتنا وندعم بلا تحفظ رغبات الشعب اليمني الذي جل مطالباته اليوم رحيل النظام وبناء مستقبل جديد في اليمن السعيد (الحزين حاليا).

الأحد، 10 أبريل 2011

اليابان بعيون عربية (7)

جريدة الشرق
2011-04-10

اليابانيون ..الهوس بالعمل و الإبداع والإصرار على التفرد والتفوق

استغربت بشدة من السعر الموز العالي الذي وجدته يباع في احدي المحلات في العاصمة طوكيو الذي بدا لي غريب الشكل منذ الوهلة الأول! ولكن زال استغرابي عندما علمت أن السعر لا يتمثل بشكل الخارجي بلا بطعم الداخلي؟! هذا النوع من الموز الذي تجده في محلات معينة يتميز بطعم أكثر حلاوة نتيجة تعريضه طوال فترة تخميره لأنغام المؤلف الموسيقي النمساوي موزارت (Mozart). والموز غير الناضج يتم إحضاره من الفلبين ليوضع في مخامر تشغل طوال أسبوع كامل موسيقى موزارت، وقد قامت اليابان بعدة تجارب في محاولات مستمرة لاستخدام الموسيقى لإنتاج أنواع أفضل من الخضار والفواكه. إن هذه الرغبة في التفوق والإبداع ومحاولة إضافة الجديد في سوق العمل هو هوسا دائما عند اليابانيين. وهو ما جعل اليابان تحتل المركز الثاني عالميا بعد الولايات المتحدة لسنوات طويلة ( قبل أن تزيحها الصين العام الماضي) من ناحية حجم الناتج المحلي الإجمالي الذي هو الفارق بين ما تصدره الدولة و ما تستورده من سلع و خدمات حيث تشكل التجارة اليابانية 7% من التجارة العالمية، فيما تحتل اليابان المركز الثالث عالميا من ناحية القدرة الشرائية للأفراد بعد أمريكا والصين. اليابان تمكنت من تحقيق طفرة اقتصادية سريعة نتيجة شراكة قوية بين الدولة و المؤسسات، واعتمادا على آداب و أخلاقيات متينة أثناء العمل، والتحكم في التكنولوجيا الحديثة، و خفض الإنفاق العسكري للبلاد (1% من الناتج المحلي الإجمالي) وهو عكس ما تفعله جميع دول الخليج بلا استثناء والذي يتوقع أن يصل الإنفاق العسكري الخليجي على الدفاع والتسليح إلى (83) مليار دولار بحلول (2015)؟!
تعلمت اليابان الدرس الذهبي بعد الحرب العالمية الثانية من خلال الهزيمة (لماذا لم يتعلم العراق الدرس) التي لحقت بها نتيجة طموحاتها العسكرية، وقامت بفتح البلاد للشركات الأجنبية العالمية لإنشاء المصانع ومنحتها ميزات غير معهودة في مكافآت مالية، وقامت بتحويل جميع المصانع التي كانت تصنع المعدات والآليات الحربية إلى مصانع للسيارات والتقنيات الحديثة اتجهت الإدارة اليابانية إلى تخصيص ما لا يقل عن ثلاثة يابانيين للعمل مع كل خبير أجنبي يعملون معه حتى يتولوا العمل من بعده. ويعمل اليابانيون طبقا لتقرير بنك اليابان بمعدل 37.3 ساعة أسبوعيا مقارنة بالأمريكيين الذين يعملون 14.7 ساعة في نفس الفترة. يعتبر معدل البطالة في اليابان حتى بعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة الأقل من بين نظرائها في مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى وهي بريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وايطاليا والولايات المتحدة. كما يقوم الشعب الياباني بادخار حوالي 35% من دخله، مقارنة مع الأوربي بحوالي 7% ، والشعب الأمريكي حوالي 3%. إلا أن الأرق يعتبر احد المشاكل الرئيسية في اليابان فهي "دولة لا تنام" حيث تعمل شركات عديدة على مدار الساعة. واليابان هي الدولة الوحيدة في العالم التي ابتكرت كلمتها الخاصة بها عن الموت نتيجة العمل الزائد وهي "كاروشي". ونشأت نتيجة لذلك صناعة بمليارات الدولارات في مشروبات الفيتامينات والأعشاب التي تمد الناس بالطاقة كما يشير تقرير نيويورك تايمز.
الدراسة التي قام بها (بيتر دراكر) في مجلة (Harward Business Review) أشارت إلى أربعة خصائص ساهمت في إحداث التقدم الذي أحرزه اليابانيون في مجال الإدارة والأعمال. (1) اتخاذ القرار بصورة جماعية: فخلافاً لما هو موجود في الغرب حيث أن القرار يتخذ في المستويات العليا ويتم أيضا بمشورة مجموعة صغيرة من المنفذين، فإن جميع الأفراد في اليابان يشتركون في مناقشة المشاريع واتخاذ القرارات اللازمة بشأنها، فقبل أن تشرع الشركة على تنفيذ مشاريعها يقدم العاملون بدراسة المشروع بصورة كاملة، حتى بدون أن يعرفوا رأي الإدارة فيه، فهم يبحثون في المشاكل التي قد تعيق تنفيذ المشروع وطرق معالجتها, ولا يبدأون بالعمل إلا بعد أن يحيطوا بالمشروع إحاطة تامة وكاملة فعند التنفيذ سيجدون سهولة في إنجاز المشروع، ويجدون القدرة على حل أية معضلة قد تعترض سبيلهم لأنهم قد درسوا كل الاحتمالات ووضعوا الحلول اللازمة لها. وبناءً على ذلك فإنّ أي تعثر في العمل لا يحدث نتيجة لهذا العامل المهم الذي يعطي العاملين فكرة مفصلة عن عملهم، وعن مشكلات العمل المختلفة.
(2) التوظيف مدى الحياة: أغلب الموظفين والعاملين في اليابان يعيّنون في وظائفهم مدى العمر، كما وأنّ مرتباتهم الشهرية تعطى لهم على أساس سنين الخبرة. فمرتباتهم تتضاعف كل (15) عاماً، كما وإنهم يصلون سنّ التقاعد عندما يبلغون الخامسة والخمسين من العمر، وعندما تكون المؤسسة في حاجة إلى خدماتهم فإنهم يبقون في الخدمة فيمنحون حينذاك ثلثي راتبهم الشهري فالوصول إلى درجة المدير لا يحصل إلا لمن بلغ سن 45 سنة. وعندما يدخل الوظيفة يشعر بأنه باق فيها إلى آخر حياته العملية، ولهذه الحالة الإدارية تأثير كبير على عمله وحياته في داخل المؤسسة، فهي تزيل عنه مخاوف البطالة، كما وأنّ جل تفكيره وعبقريته سيصب في عمله الذي سيستمر معه فينجم عن ذلك تفاعل العامل مع عمله وإبداعه فيه وتخزين تجربته في الميدان الذي يعمل فيه.فلا يحدث مثلاً انتقال المدير إلى مكان آخر إلا في النادر لأنّ ما يحصل عليه في المؤسسة من مكافآت يبرر عدم انتقاله إلى مكان آخر.
(3) التعليم والتدريب المستمران: يتلقى العاملون اليابانيون سواء كانوا موظفين أو عمالاً أو مدراء التعليم المتواصل والتدريب اللازم للعمل الذي ينجزونه طيلة بقائهم في المؤسسة. فالتعليم والتدريب المتواصلان يرفعان من مستوى أداء العامل الياباني والذي ينجم عنه زيادة في الإنتاج وتقدم في نوعية المنتج. والملاحظ أن الدول الأوربية تستعين بالتعليم والتدريب في المؤسسة لكن حين انتقال الموظف من درجة إلى درجة أعلى، أو عندما يريد الانتقال من وظيفة لأخرى. الموظفون اليابانيون أيضا يتعلمون مهارات فن التعامل مع الآخرين ويتعلمون الأفكار اليابانية التقليدية مثل مكانة الفرد في المجتمع، فنجد أن صاحب العمل والموظف المستجد يستثمران في التدريب بغية تعزيز قيمة علاقة الفرد بالعمل.
(4) الإدارة الأبّوية: إحدى وظائف المدراء في اليابان تربية و إعداد مدراء المستقبل، فكل المدراء يجب أن يشرعوا في المستويات الدنيا ثم يتسلقوا السلالم الإدارية حتى يصلوا القمة ليصبحوا مدراء للمؤسسة لهذا فإن الشهادات الجامعية العالية لا معنى لها في اليابان، فالفرد يتعلّم في الجامعة، ولا عجب أن يكون رئيس وزراء اليابان السابق (تاناكا) حاصلاً على الشهادة القانونية العامة فقط؟! في السنين العشرة الأولى من العمل يقوم الموظف بانجاز الأعمال الإدارية غير الرسمية فيصبح مديراً غير رسمي، أي أنه يقوم بأعمال الإدارة تحت إشراف المدير، فيسمع شكاوى الموظفين، وله صلاحية نقل الموظف من مكان لآخر، كما وأنه يقوم بإعطاء الموظف درجة أعلى ليصبح بالمستوى الذي يناسبه. ومن ابرز سمات (الإدارة الأبوية) التعامل الأبوي للمدير مع عماله وموظفيه، فهو يتعامل معهم كما يتعامل الأب مع أبنائه فيشملهم بعطفه، حتى أنه يساهم في حل مشكلاتهم العائلية كالزواج وما شابه ذلك، ومشاركتهم حتى في اختيار الزوجة المناسبة. وهناك مثال مميز يدل على مدى الروح العائلية التي تتمتع بها الإدارة اليابانية ففي بداية السبعينيات تعرضت شركة (مازدا) إلى خسائر كبيرة وتراجع في الأرباح مما قد أدى إلى عجز في الموازنة وهددت في تعرض الشركة إلى الإفلاس فمكان من الموظفون والمدراء في شركة إلا أن يقفوا مع شركتهم ويتحملوا قسط من هذه الخسارة ويتنازل عن 50% من رواتبهم ومكافئاتهم. وفي شركة أخرى وهي برانيف للطيران تعرضت لنفس الموقف بعدها بعشر سنوات و قام موظفو الشركة على اقتطاع 90% من رواتبهم لسد العجز في الشركة!
نظرية زي (Theory Z) التي ابتكرها العالم الياباني وليم أوشي، تتوافق مع ما طرحه ( دراكر) وهي تشير إلى أن المشاركة في الإدارة تساعد على تحقيق الترابط الوثيق بين جميع الأعضاء. وبالتالي تكون عملية الاتصالات واتخاذ القرارات داخل المنظمة أكثر سهولة وفاعلية. بالمقارنة مع عالمنا من الواضح أن مفهوم الإدارة في الدول العربية ابعد ما يكون عن نموذج الإدارة اليابانية من بداية إدارة الدولة إلى اصغر مدرسة وحتى إدارة بيت؟!

الخميس، 7 أبريل 2011

زمن الغوص.. ليس كل ما يلمع "لؤلؤا"

جريدة الشرق
2011-04-06

ما الحكاية التى يجب أن تروى فى مهرجان الغوص البحري؟
فى البداية يتجاهلونك ثم يسخرون منك ثم يحاربونك وفى النهاية تنتصر
لقد تم القضاء على حقبة الغوص وجاء الدور على النفط!

هل نصب اللعنات على اليابانيين أم نطلب لهم الرحمة (الرحمة بالتأكيد خاصة فى هذه الظروف العصيبة التى يواجهونها مع اثار الزلزال وتسونامى وانتشار المواد المشعة من محطة فوكوشيما النووية)! رغم أنهم كانوا السبب فى نهاية حقبة زمنية ميزت دول الخليج عن الدول العربية الأخرى! كانت هذه المعضلة أشبه بلعنة تطارد المنطقة منذ خمسينيات القرن الماضي، عندما كان الخليج قبلة العالم لمن أراد أن يقتنى اللؤلؤ الطبيعى قبل أن ينجح صياد يابانى بسيط وهو "كويتشي" (MikimotoKōkichi)، فى انجاح تقنية زراعة اللؤلؤ بعد محاولات وتجارب مريرة وفاشلة، ومن العيش على السلف والقروض، استمرت الى أكثر من 15 عاما حتى عام (1920)، وقد اتهمه الناس بالجنون لأنه كان مثل ذاك الذى يتخبطه الشيطان من المس، لكن ما هى تعريف العبقرية ان لم تكن مسا من الجنون، لقد امتنعوا حتى من شراء الأرز منه وهو دخله الوحيد. لكن فى وسط المعمعة والجنون كان ايمان زوجته وامه دافعا له ان يستمر ولا يتوقف. وفى ذاك اليوم المشهود ذهبت زوجته سرا الى الشاطئ ويقول انها سمعت صوتا فى منامها يناديها من هناك، ولما فتحت القوقعة صرخت (يالهى انه اللؤلؤ)، كما صرخ امبراطور اليابان قبلها، عندما فعلها مواطن يابانى آخر ونجح فى صناعة أول محرك ماكينة يابانية، قائلا (هذا اجمل لحن موسيقى سمعته فى حياتي).
فى اليابان نهاية عام (2010)، أتيحت لى الفرصة ان ازور مزرعة لؤلؤ وأشاهد صورة (ميكيموتو) يمسك حبات اللؤلؤ ويفركها بيديه كمصباح علاء الدين، وساعتها احسست براحة داخلية فلم يعد ذاك الشعور بالهزيمة يستحوذ على تفكيري؟! وطلبت الرحمة لروح صاحبه ذوى العيون اليابانية الصغيرة. وايقنت بعظمة الافكار عندما تتحول الى وقائع تمشى على الارض مرحا، تخرق الارض، وتبلغ الجبال طولا، بعد ان تبدى بحلم، الكل ينظر اليه انه غير قابل للتحقيق ويسخرون من صاحبه؟! وكما قال غاندى فى كلماته المشهورة (فى البداية يتجاهلونك ثم يسخرون منك ثم يحاربونك وفى النهاية تنتصر).
على ضفاف الخليج فى اوطاننا لم ينهار اقتصاد أقدم المهن المعروفة فى المنطقة فقط (كان يجلب ما تقدر قيمته بـ40 مليون دولار سنويا لدول الخليج فى أوائل القرن العشرين)، بل النظام بأكمله (وهو من المأمول أن تقوم الثورات العربية الجديدة فى العالم العربي) وحل محله نظام اخر بعد حقبة اكتشاف النفط والمتغيرات التى صاحبته التى بدورها جلبت مئات المليارات من الدولارات (الحاضرة الغائبة بدورها). واليوم تدور قصص وحكايات ذاك الماضى على السنة الاباء والاجداد ونراها فى المناسبات الوطنية والاحتفالية وقد شهدنا بعضا منها فى احتفالية مهرجان الغوص البحرى فى قطر، والبحرين والكويت وعمان والسعودية والامارات، وفى دبى هناك مشروع لاحياء تجارة اللؤلؤ من خلال تأسيس بورصة للاتجار به ومشروع «لآلىء دبي» الذى سيكون بمثابة مجمع متكامل يضم مزرعة لؤلؤ وأكاديمية تعليمية وسوقا لبيع اللؤلؤ. ويضم المركز أيضا متحفا حول الأساطير والحكايات التى تتعلق باللؤلؤ وبالرحلات البحرية بالمنطقة. لكن المعضلة الأخرى التى تواجهنا فى منطقة الخليج اليوم فى استمرار التوتر والصراعات والحروب (حرب الخليج الأولى مع ايران والثانية مع العراق وربما الثالثة فى الطريق) وهى تركت بصماتها البشعة على ضفاف الخليج، وتسببت آثارها السلبية على البيئية البرية وبالأخص البحرية عن توقف مياه الخليج عن ولادة أى لؤلؤ منذ فترة، ونتيجة ذلك أصبح أهم منتجى اللؤلؤ والأصداف فى العالم هى: اليابان واستراليا واندونيسيا والهند وسيريلانكا وماليزيا وتايلاند والمكسيك والفلبين والصين وتايوان وغدونا خارج القائمة؟!
ولكن شهادة للتاريخ الذى يبدو أنه مغمور ومتجاهل عمدا، فحقبة الغوص للبحث عن اللؤلؤ لم تكن جلها زمنا جميلا كما يحاول ان يوهمنا البعض بذلك، فالبحوث والتقارير والكتابات التى تناولت هذه الحقبة تدل على تحديات ومصاعب حقيقية واجهتها وعصفت بها. (ريتشارد لو بارون) الذى زار منطقة الخليج فى النصف الأول من القرن الماضي، قدم أوصافا دقيقة لنوعية الحياة الموجودة فى تلك الفترة والمعاناة التى عاشها أصحاب الأرض فهو يقول «بعد نهاية موسم الغوص يكون الغطاس قد تحمّل المستحيل، فهو على الأرجح أكمل أكثر من 3000 غطسة فى عمق يتراوح ما بين 30 و50 قدما تحت الماء، مما يعنى أنه مكث تحت مياه الخليج من دون هواء مدة تتجاوز الأربعين ساعة فى الأسبوع الواحد. ليس من المستغرب أن يكون هناك مكان شاغر فى كل سفينة، فهذا المكان الشاغر تم حجزه لجثة غواص أعياه التعب قبل أن يفارق الحياة».
لقد بلغ شح استخراج اللؤلؤ الطبيعى أشده منتصف القرن الماضي، وصل الحد الى اخراج 300 ألف صدفة للحصول على لؤلؤة واحدة. ولقد أشار (آلانفيليير) فى كتاب"أبناء السندباد"، ان «مهنة الغوص واستخراج اللؤلؤ لم تكن سوى تجارة قائمة على الديون». ويشير الباحث فهد المطيرى الى انه كانت هناك محكمة تعقد جلساتها سنويا للنظر فى المنازعات المتعلقة بشؤون الغوص، وكانت أغلب تلك المنازعات تتعلق بمشكلات الدائن والمدين فى ذلك «الزمن الجميل»! أعضاء المحكمة معينون من قبل الأمير، وهم عبارة عن أشخاص يمثلون شريحتى التجار و"النواخذة"، أما شريحة البحّارة البسطاء فلم يكن لهم تمثيل ضمن طاقم أعضاء المحكمة. وفى تاريخ الغوص يذكر الباحث على لسان سيف مرزوق الشملان، اذا مات البحّار وهو لا يملك غير بيت سكناه وله أولاد صغار وثبت أن البيت داخل عليه من دراهم الغوص فعلى "النوخذة" أن يصبر حتى يبلغ الأولاد رشدهم وحينئذ يخيرون بين دفع الطلب للنوخذة أو اذا ثبت أن البيت داخل عليهم من غير دراهم الغوص فبعد بلوغ الأولاد سن الرشد يخيرون بين بيع البيت ودفع قيمته لجميع الدائنين أو يبقى البيت لهم وهم يتعهدون بدفع جميع ما على والدهم من الدين. ويلاحظ الباحث أن مهنة الغوص أسفرت عن نظام تمويلى يمسك بزمامه ويحدد قوانينه طبقة واحدة فقط، وهى طبقة التجار، فالنواخذة لم يكونوا فى الأغلب قادرين على تمويل بناء سفنهم، فضلا عن تمويل الرحلة بأكملها. ولقد أدّى هذا النظام التمويلى الى تراكم الثروة فى أيدى مجموعة قليلة من أبناء البلد، وتراكم الثروة يعنى تراكما فى السلطة السياسية والاجتماعية وحتى الدينية. الغوص حكاية من حكايات كثيرة من الضرورى أن تروى عن تلك الحقبة الزمنية التى لا يزال البعض يتمنى عودتها حتى يتعلم الجيل الجديد أن الحياة لم تكن وردية خيالية كقصص ألف ليلة وليلة العربية؟!
كما فعل اليابانيون مع اللؤلؤ الابيض ما زالوا يحاولون انجاح التجارب مع اللؤلؤ الاسود؟. وهم على مسافة قريبة من تحقيق ذلك؟. فهل سنحكى قصص زمن النفط اليوم لأولادنا كماض جميل ام ماض حمل الكثير من الهموم والقضايا مشابهة لحقبة الغوص مع بعض التعديلات الحديثة تناسب القرن الحادى والعشرين؟!.
اخر الكلمات
ايه يا بحر، حكايانا كثيرة
مَلَّها الليل ومجَّتها الظهيره
كدّنى الغوص، وما زلت أسيره
ها همُ قد خلفوني...
كالبقايا... من نفايات حقيرة.
(على عبدالله خليفة)