الخميس، 21 أبريل 2011

مبادرة التعليم لمرحلة جديدة تفقد بريقها يوما بعد الآخر!

جريدة الشرق
20 أبريل - 2011

المدارس العربية والأجنبية الخاصة أصبحت المفضلة عند أولياء الأمور
الطالب عندنا يمارس طقوس التلقين والحفظ البصم لا النقد والتفكير والتحليل
هل ننجح في تحسين الوضع ونستفيد من التقدم العلمي والتكنولوجيا مثل اليابان

أستطيع أن أقول بارتياح إنها تجربة ناجحة دخلتها من عدة جوانب أهمها إني تخلصت من الاعتماد الكلي على الكمبيوتر المحمول (Laptop) بعد التماهي معه لسنوات طوال كما يعرفه فرويد (sigmund freud) في التعبير المبكر عن الرابطة العاطفية! الأمر الآخر هي القدرة على الاستفادة من عامل الزمن واختزال المكان واختصار الوقت في التعلم والقراءة والاطلاع على اكبر قدر من الكتب التي يتم تحميلها في جهاز واحد أشبه بمرآة عاكسة تحمل في حقيبة صغيرة والجهاز هو اي بود ابل (iPad). لقد اخترت ما يقارب 250 كتابا وتقريرا على شاكلة الكتب الالكترونية في جهازي قبل سفري إلى اليابان. واستطعت أن أقرأ حوالي 30 % منها في خلال عدة أشهر في التاريخ والاقتصاد والسياسة والتعليم والدين والعادات والتقاليد في اليابان والصين وجنوب شرق آسيا. لقد وصلت مكتبتي الالكترونية خلال السنة إلى ما يقارب 4500 كتاب وهو ما يمثل عدد كل الكتب المقررة المطبوعة التي يتم توزيعها في المدارس من الابتدائي إلى الثانوي وفي المعاهد والجامعات في قطر والخليج والعالم العربي؟!
في اليابان شدني ذاك التلميذ - التلميذة، المتجه إلى مدرسته وهو يحمل حقيبة صغيرة على ظهره تتشابه مع بعضها البعض في الشكل واللون والحجم، قلت لمرافقي الذي عين لمساعدتي في الترجمة من اليابانية، وهو يتحدث اللغة الانجليزية بصعوبة والعربية بشكل أصعب، أكاد اعجز أن أميز الفرق بين طالب وآخر، فرد علي قائلا: "لا عليك حتى نحن نعجز أحيانا أن نفرق بينكم أيضا ولقد عشت نفس التجربة عندما زرت بعض الدول العربية"! الحقيبة الخاصة بالطالب كانت مثل الريشة ولا يوجد فيها غير كراسة واحدة، ووجبة الغداء وهي عبارة عن ساندويش وعصير برتقال هذا ما اكتشفته عندما طلبت من مرافقي أن يسأل نيابة عني عن سر الحقيبة الخفيفة. قال لي انه لم تكن الحقيبة دائما هكذا بل كانت تمتلئ بالكتب والكراسات وتوقفت حين أثبتت التقارير والدراسات التي قامت بها هيئة التعليم مدى الأضرار والخطورة التي تمثلها الحقائب الثقيلة من تقوس الظهر والعامود الفقري والنمو بشكل سليم لذا قررت هيئة التعليم أن تصدر قرارا بألا يزيد وزن الحقيبة على خمسة عشر بالمائة من وزن جسم الطالب. بالإضافة إلى مطالبة كل مدرسة أن توفر خزانة خاصة بكل طالب يضع فيها كل الأدوات المدرسية والقرطاسيات التي يحتاجها. وعندما تطورت التكنولوجيا تم نسخ الكتب والمقررات والمناهج الدراسية على الأقراص المرنة (CD)، ويجرى الآن وضعها على الشبكة العنكبوتية (الانترنت) حتى يتم الاستفادة القصوى منها من قبل الطلاب إضافة إلى توفير ميزانية الطباعة وحماية البيئة من قطع أوراق الشجر ثم إعادة تدويرها.
في عالمنا يعود الطالب وفي حقيبته الصغيرة عشرات الكتب والمقررات والواجبات المدرسية لكي يقوم بممارسة الطقوس اليومية من خلال التلقين والحفظ البصم لا النقد والتفكير والتحليل فالطالب يتلقى التعلم وبعد تخرجه يكون قد نسى ما تعلمه. ولا تكمن المعضلة في المناهج الدراسية بلا أيضاً في عقلية وطريقة تفكير المسئولين عن تأليفها وتدريسها وتقييمها وهنا يكمن الفرق الحقيقي. لذا تقدمت اليابان والصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا وظلت الدول العربية تقبع في مؤخرة قائمة الدول في الاختبارات العالمية لقياس مستوى جودة التعليم، الغريب أن الدول الخليجية الغنية لم تفلح في تحسين وضعها في القائمة أو أن تستفيد من التقدم العلمي والتكنولوجيا، وعلى الرغم من أنها استطاعت أن تنجح في تحسين نظام وتقنية الاتصالات "الاستهلاكي"، لم تفلح في تحقيق نجاح مماثل في النظام التعليمي "الإنتاجي" وجاء ترتيبها كالتالي وفقاً لمؤشر الجاهزية الشبكية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس العام الماضي حيث حازت دولة الإمارات العربية المتحدة المرتبة الثانية عالمياً في المؤشر المرتبط بأهمية تقنية المعلومات والاتصالات من حيث رؤية الحكومة للمستقبل الرقمي، وتلتها قطر (في المرتبة 5) والبحرين (20) وعمان (21) والسعودية (28) والكويت (105). وفي بعض دول الخليج، قطر على سبيل المثال، تقبع في ذيل القائمة الخاصة قي التقييمات الدولية للطالب وهي التي لديها مبادرات تعليمية مدعومة وميزانية شبه مفتوحة، وتتقدم عليها في القائمة دول عربية تعيش في أوضاع مزرية سياسية واقتصادية واجتماعية وتعليمية مثل السلطة الذاتية الفلسطينية! ولا غرابة أن تفقد مبادرة التعليم لمرحلة جديدة بريقها يوما بعد الآخر ويفضل عليها المدارس الخاصة العربية والأجنبية!.
السؤال الذي يطرح اليوم ما هو مستقبل الأبناء والطلبة في هذا البلد في ظل منظومة التعليم الحالية. ربما يكون أخطر ما فى هذه المنظومة هو تراجع مستوى التعليم بدرجة كبيرة أمام عجز واضح عن ملاحقة المنظومة التعليمية في جنوب شرق آسيا على سبيل المثال وليس أوروبا وأمريكا في أساليب الفهم والاستيعاب، الفكر والتكوين! إن مبادرة التعليم لمرحلة جديدة تعاني وتتراجع بشكل دراماتيكي، فهل تعود ولو بمعجزة. هل تعود وتطرح مبادرات تغييرية حقيقية على الساحة. هل تعود بمبادرة جديدة تتخلى فيها عن الكتب والمناهج الدراسية وتضعها على مواقع وصفحات على الانترنت. هل تقوم بعمل الدورات التدريبية وورش العمل للمدرس والمعلم على موقع اليوتيوب (YouTube)، وتحول الدروس اليومية بعد تسجيلها على الفيديو على جهاز التخزين (USB)، وتقوم بإنهاء عصر الأوراق والدفاتر والكراسات ويحل مكانها جهاز اي بود ابل (iPad). ربما تكون هذه الخطوات مجرد ترف في عالمنا الثالث ولكنها في اليابان بدأت منذ زمن ومازالت تتقدم في كل يوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق