الأحد، 17 أبريل 2011

التاريخ السياسي.. الأحزاب وتطور الحياة السياسية اليابانية

اليابان بعيون عربية (8)
جريدة الشرق
16 أبريل , 2011

تخلصت اليابان من قيود الاتفاقيات القديمة منذ عام 1894، وبدأت مرحلة جديدة في تاريخها الحديث، حيث تحولت فيها إلى الدولة الإمبريالية الوحيدة في جنوب وشرق آسيا. وتبنت شعار المرحلة الجديدة "التكنيك غربي، أما الروح فيابانية" بأولوية مطلقة في التطبيق العملي، وكانت أبرز تجلياته: دولة مركزية حديثة، وجيش عصري مزود بأحدث الأسلحة، واقتصاد قوي قام على قاعدة ثابتة من الاحتكارات الضخمة، وسلطة استبدادية مطلقة حصرت كل الصلاحيات بيد الإمبراطور الذي جمع إلى جانبه عددا كبيرا من المصلحين المتنورين. وتبع الشعب الياباني قادته الجديدة بطاعة تامة استنادا إلى المباديء الكونفوشيوسية. لكن ذلك حول اليابان من دولة ضعيفة عاشت حالة عزلة حقيقية غير تامة لأكثر من قرنين من الزمن إلى دولة قوية مارست كل أشكال القمع والسيطرة على دول الجوار في النصف الأول من القرن العشرين، إلى دولة محرومة من التسلح بعد الحرب العالمية الثانية وتعتمد في حمايتها على المظلة الأميركية طوال النصف الثاني من القرن العشرين كما يشير الدكتور مسعود ظاهر.
واعتمد النظام السياسي الياباني في فترة ما بعد الحرب الثانية على دستور 1946م ، وهذا الدستور هو عبارة عن تعديل لدستور السابق ( دستور ميجي 1889م ) ، ومن أهم الفروقات بين هذين الدستورين هو انتقال السلطة المطلقة من الإمبراطور إلى الشعب الياباني ، وجعل النظام السياسي الياباني يقوم على المبادئ الديمقراطية. ويقوم دستور اليابان على ثلاثة مبادئ أساسية هي: سيادة الشعب، واحترام حقوق الإنسان الرئيسية، والتخلص من الحروب. وينص الدستور أيضاَ على استقلالية السلطات الحكومية الثلاث: التشريعية (المجلس التشريعي)، التنفيذية (مجلس الوزراء)، والقضائية (المحاكم) ، ويُعد المجلس التشريعي، البرلمان القومي لليابان، أعلى عضو في سلطة الدولة والجهة الوحيدة المسؤولة عن إعداد التشريعات والقوانين في الدولة. ويتألف المجلس التشريعي من مجلس النواب الذي يضم 480 مقعدا (House of Representatives ) ومجلس المستشارين والذي يضم نحو242 مقعداً (House of Councillors). ويتمتع كل مواطن ياباني بمجرد أن يبلغ من العمر عشرين عاماً بالحق في الإدلاء بصوته في الانتخابات. تتمتع اليابان بنظام برلماني للحكم يشبه ذلك النظام البرلماني في دولتي بريطانيا وكندا. وبخلاف الولايات المتحدة وفرنسا لا يقوم اليابانيون بانتخاب رئيس دولة بصورة مباشرة. فأعضاء المجلس التشريعي يقومون بانتخاب رئيس مجلس الوزراء فيما بينهم. وعليه يقوم رئيس الوزراء بتشكيل مجلس الوزراء وبقيادة مجلس وزراء الحكومة. يخضع مجلس الوزراء أثناء تأديته للسلطة التنفيذية للمسائلة من قبل المجلس التشريعي. أما السلطة القضائية فتختص بها كل من محكمة العدل العليا (الدستورية) والمحاكم الأقل مثل المحاكم العليا والمحاكم المحلية والمحاكم الجزئية، وتتكون المحكمة الدستورية من رئيس المحكمة و14 قاضياً آخر، الذين يتم تعيينهم من قبل مجلس الوزراء. وتتم معالجة معظم القضايا أمام المحاكم المحلية. وتوجد أيضاً المحاكم الجزئية والتي تتعامل مع مشاكل مثل المخالفات المرورية كما يشير الباحث وليم أشعيا.
توجد 47 حكومة محلية وأكثر من 3000 مجلس بلدي في اليابان، تشمل مسؤولياتهم توفير التعليم والرعاية والخدمات الأخرى، وكذلك إنشاء وتحسين البنية التحتية بما في ذلك المرافق العامة. ممارسة تلك الهيئات لأنشطتها الإدارية تجعل هناك اتصالاً وثيقاً بينها وبين السكان المحليين. يتم اختيار رؤساء الحكومات الإقليمية وأعضاء المجالس المحلية عن طريق الانتخابات ، ومن أشهر مواد الدستور هي المادة التاسعة التي تنص على أن (الشعب الياباني المتطلع بصدق إلى سلام عالمي يقوم على العدالة والنظام يتخلى الى الأبد عن الحرب كحق من حقوق سيادة الأمة ، كما يتخلى عن التهديد باستخدام القوة كوسيلة لحل المنازعات الدولية ) كما يشير الباحث وليم أشعيا.
الملاحظ لتاريخ اليابان السياسي، وخصوصا ذلك المتعلق بحكوماتها المتعاقبة، سيكتشف أنه قد مرّ على هذا منصب رئيس الوزراء منذ عام 1947 حوالي 30 شخصية سياسية، اغلبها من «الحزب الليبرالي الحر» وقد نجح الحزب الديمقراطي الياباني في عام 2009 في كسر احتكار الحزب الليبرالي المتواصل للسلطة والذي لم ينقطع تقريباً منذ عام 1955. وهو ما اعتبر كمثل انتخاب أول رئيس أسود للولايات المتحدة، جياشاً بالتوقعات الشعبية، وواعداً بتحول جذري عن الماضي. و أهم ما لفت نظر المراقبين هو أن الحزب الأول استفاد كثيرا من أخطاء الحزب الثاني، بمعنى أنه لئن لم يسع إلى تبني سياسات مختلفة جذريا عن سياسات خصمه، ولا سيما فيما يتعلق بالروابط التاريخية مع الحليف الأميركي، فانه على الأقل حاول تجديد الدماء في الحياة السياسية اليابانية. ذلك التجديد الذي لطالما وعد به الليبراليون الأحرار ناخبيهم، لكن دون أن يطبقوه على أرض الواقع. أستاذ الشؤون اليابانية في جامعة كولومبيا الأميركية جيرالد كورتيس – أشار بان الحدث مقدمة لظهور الثنائية الحزبية في الحياة السياسية اليابانية. بمعنى وجود حزبين كبيرين يتناوبان على السلطة، وانتهاء احتكار الحزب الليبرالي الحر للحكم. من الأمور الطريفة التي حدثت لي عند زيارة احد مقار الحزب الديمقراطي أن تم إهدائي قميص رسمت عليه شعار حملة اوباما الشهير عام 2008، " نعم نستطيع " لكن بتغير حرف الأس بالكاف على الشكل التالي (Yes we Kan) ليصبح اسم رئيس الوزراء الياباني الحالي ناوتو كان. الحزب الديمقراطي الياباني يعتبر أن نتائج الانتخابات أدت إلى رفض تام للنهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي كان سائدا، من هنا أتى تركيزهم على اتباع نهج معاكس بدءا من توسيع نطاق الدولة كراعية اجتماعية من الاهتمام بالإنفاق العائلي مع تقديم منح لمن ينجبون أطفالا وتوفير تعليم مجاني جزئيا واعتماد نظام تقاعدي مضمون إلى إصلاحات التأمين الاجتماعي واعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة ومنع ازدواجية القرار الإداري وحصر القرار السياسي برئيس الحكومة، ودعم الشركات والمؤسسات الخاصة الصغيرة واقتصاديات الإدارات المحلية كما يشير عفيف رزق.
في الشق الخارجي الدولي، يعتبر التحالف الأميركي الياباني المفصل الرئيسي للسياسة الخارجية والأمنية لليابان، وقد عملت حكومات المحافظين المتتالية على تعزيزه باعتباره سمح لليابان أن تعيش في سلام وأمان؛ لكن هذا التحالف، بنظر الحزب الديمقراطي كما يذكر رزق، بدت فيها اليابان كتابع لواشنطن، وحان الوقت، استنادا إلى التطورات التي حصلت على الساحة الدولية، وخصوصا في السنوات الأخيرة، ان يعاد النظر بهذه العلاقة للتعامل بين الطرفين على أساس المساواة والندية، ويطالب برنامج الحزب "مراجعة جذرية للاتفاق حول وضعية القوات الأميركية المنتشرة في اليابان" ومتابعة هذه المراجعة سنويا أن لجهة مراكز الانتشار، وان لجهة التكلفة المالية؛ وإجراء نقاش هادئ ومسؤول حول السلاح النووي والأسس الثلاثة التي تمنع اليابان من امتلاك وصنع واستيراد السلاح النووي بهدف جعل المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. كما يطالب البرنامج تعزيز العلاقات مع المجموعة الدولية وخصوصا الآسيوية منها بدلا من علاقات تخيم عليها ذكريات الحروب السابقة. ويرى المراقبون أن الفرصة التي أتيحت للحزب الديمقراطي الياباني لتولي السلطة وقيادة ثالث اقتصاد دولي هي فرصة مهمة وشاقة وستكون مدار مراقبة من المواطن الياباني ليحكم على هذه القيادة الشابة التي تفتقر إلى التجربة السياسية في الحكم.
على مستوى السياسة الخارجية والتعامل مع العالم العربي، فاغلب التصريحات الرسمية اليابانية تؤكد على شراكتها الإستراتيجية واعتمادها على منطقة الشرق الأوسط في الحصول على كل احتياجاتها النفطية تقريبا. وقامت اليابان في السنوات الأخيرة بتعزيز انخراطها السياسي في المنطقة المضطربة بعد تنامي الطلب على الطاقة من جانب الصين والهند. وتشعر اليابان منذ وقت طويل أن لديها دورا خاصا تقوم به في المنطقة لأنها على خلاف الولايات المتحدة غير متورطة في قضايا سياسية مثيرة للجدل مما يسمح لها بإقامة علاقات أكثر دفئا مع الدول العربية. الواقع أن اليابان تتمتع بعلاقات صداقة تاريخية مع العديد من الدول العربية، وتتميز بجهودها النشطة لتحقيق سلام عادل ودائم وشامل في الشرق الأوسط استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية وصولا لإقامة دولة فلسطينية ، بالإضافة لدورها الفاعل في جهود إعادة الاعمار في العراق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق