الأربعاء، 20 يوليو 2011

سقوط الإعلام الكاسد والنظام الفاسد!

2011-07-20
جريدة الشرق

النظام وأدواته يديران وسائل الإعلام الحكومية في العالم العربي!
الهاتف النقال ومواقع التواصل الاجتماعي شرارة الثورة العربية
وسائل إعلام عربية لا تتخذ مواقف حازمة من الثورات الشعبية

من بركة الثورات العربية وتأثيرها الدولي هو السقوط المدوي الفاضح لأجهزة الإعلام الفاسدة سواء التي تسيطر عليها المصالح والمنافع الشخصية مثل جريدة «أخبار العالم» — News of the World البريطانية أو تلك الملحقة بالأنظمة العربية الاستبدادية، ورموزها والأجهزة التابعة لها من خلال الصحافة والإذاعة والتلفزيون، حتى المحاولة في السيطرة والتحكم والرقابة على وسائل الإعلام الجديد فشلت فشلا ذريعا، وكان الهاتف النقال ومواقع التواصل الاجتماعي هي شرارة الثورة العربية ووقودها الذي يمدها بالحياة والاستمرارية من خلال الأفلام والفيديوهات التي تخرج من عمق المدن والشوارع العربية المحاصرة بالدبابات والجيش والشبيحة تعرض للعالم ما يجري ويدور فاضحة الصمت العربي الدولي الذي لا يزال يقف متفرجا على ما يجري خصوصا في سوريا.

(1)
على غير العادة صحوت باكرا يوم الأحد لكي احصل على العدد الأخير من نسخة الأحد لجريدة الصن (نيوز أوف ذي ويرلد) البريطانية، كذكرى على طي صفحة في التاريخ شكلت ملامح مرحلة إعلامية تراجيدية، ولكن لم افلح في الحصول على العدد، (لقد سبق بها عكاشة) حيث كان الكثير من القراء ينتظر على أحر من الجمر من الصباح الباكر في طوابير للحصول على النسخة الأخيرة! صحيفة «أخبار العالم» تعد واحدة من أقدم الصحف البريطانية وأوسعها انتشاراً، وظهرت للمرة الأولى قبل 168 سنة، ويتابعها أكثر من 7،5 مليون قارئ، وتم إصدار 8674 عددا منها، ويتم توزيعها في العالم كله، وعددها الأسبوعي يصدر نهاية كل أسبوع لكن الأحد الماضي جاء مختلفا ويحمل في غلافه تحت عنوان "شكرا ووداعا" الدموع والخجل والفضيحة. وقد اكتسبت شعبية كبيرة بفضل تخصصها في نشر قصص وفضائح المشاهير والعلاقات والفضائح الجنسية والمالية والجرائم المختلفة التي تحدث في المجتمع. مالك الصحيفة "روبيرت موردوخ" (Rupert Murdoch) قرر إغلاقها نهائياً وبقرار جماعي من مجلس الإدارة بعد أن أثيرت حولها موجة من الاشمئزاز في العالم كله، وتخلت الشركات الإعلانية على نطاق واسع عن النشر في الصحيفة في أعقاب الفضيحة المدوية التي أحاطت بها.

(2)
فضيحة صحيفة التابلويد الشعبية تمثلت في تنصتها على عدد كبير من أقارب الضحايا سواء في جرائم عادية أو في عمليات إرهابية، وأنها تقوم بالاستعانة بعدد من رجال الشرطة والمخبرين والمجرمين أيضا للحصول على معلوماتها عن طريق دفع الرشاوى والأموال من تحت الطاولة في سبيل الانفراد بالاخبار الحصرية. ورغم انكشاف الفضيحة قبل سنوات فإن الصحيفة لم تتوقف عن أفعالها المشينة في اتباع عمليات التنصت على المكالمات الهاتفية لعدد من مشاهير الفن والرياضة والسياسة ونجوم المجتمع، رغم أنها خصصت ميزانية تراوحت بين 20 و30 مليون جنيه (حوالى 33 إلى 50 مليون دولار) من أجل تعويض الشخصيات المتضررة! وجاءت الضربة الكبرى حينما كشفت صحيفة «غارديان» (The Guardian) قبل مدة أن شرطة البريطانية توصلت إلى أن هاتف الفتاة ميلي داولَر (13 عاما)، التي اختطفت وعثر على جثتها في عام 2002، تعرض لمحو رسائله الصوتية على يد صحفيين عاملين في (نيوز اوف ذي ويرلد)، وأن ضمن ما مُسح أدلة جنائية كان بوسعها إلقاء الضوء على جريمة قتلها. وأعلن والدا الفتاة القتيلة أنهما بصدد رفع دعوى قضائية على الصحيفة وشركتها الأم. وأدى النبأ إلى حالة من الهياج الشعبي والإعلامي وأثار جدلا حول المضامين الأخلاقية التي ينطوي عليها وحرية الصحافة والحدود التي يجب ألا تتخطاها. وتستمر الفضائح في الخروج بعدها حين كشف أن الصحيفة نفسها تنصتت على هواتف عدد غير معروف من أقارب الضحايا في الهجوم الإرهابي على شبكة المواصلات اللندنية في عام 2005، وتنصتت أيضا على عدد كبير من أقارب الجنود الذين قتلوا في حرب أفغانستان، ويتم التحقق في الولايات المتحدة لوسائل الإعلام التي تتبع إمبراطورية مردوخ للكشف عن اتباع الاسلوب نفسه في التنصت على أقارب ضحايا مركز التجارة العالمي. كانت الإدارة التحريرية العليا للصحيفة متورطة في تشجيع المراسلين على اتباع أساليب غير قانونية لجلب الاخبار والتقارير، كما طالبت المراسلين بالحصول على أخبار خاصة لمصلحة الصحيفة "مهما كان الثمن المدفوع مقابل ذلك".

(3)
الإدارة التحريرية في العالم العربي تمثل النظام والسلطة وأدواتها الفاسدة والمضللة وهي لا تحتاج ان تتنصت على المشاهير والمعارضين فالبلد كله مراقب والشعب كله محاصر، إلا أن النتيجة مشابهة في الشرق أو الغرب فما بني على باطل مصيره الانكشاف والزوال والسقوط المروع والمدوي. الإعلام العربي القومي المناصر الصمودي يرتزق اليوم بدماء الشعب، يحرف الحقائق، وينشر الأكاذيب والافتراءات. أما الإعلام الحكومي وخصوصا الخليجي فهو يتجاهل ما يدور من حراك تغيري حقيقي للمنطقة، وقد لا ينشر ولا يتفاعل ولا يتخذ مواقف حازمة وصارمة من الثورات الشعبية والمطالب العربية التي تطالب بالديمقراطية والإصلاحات السياسية من فوقه ومن تحته وعن يمينه وشماله! يحكى انه لما قامت الثورة البلشفية في موسكو، احتارت الصحف العثمانية كيف تورد الخبر وأين تضعه على الصفحة الأولى أو في الداخل. فقائمة الممنوعات التي وضعها الرقيب للباب العالي العثماني كثيرة كما أنها تحرم استخدام كلمات مثل ثورة، إرادة شعب، شيوعية، إسقاط القيصر. فخرجت صحف السلطان عبد الحميد بالعنوان التالي: مشاجرة في موسكو، وهو حال تغطية الكثير من وسائل الإعلام العربية الحكومية لما يجري في العالم العربي.

(4)
العديد من البلدان العربية تجني اليوم ما صنعت يداها الإعلامية القذرة التي مارست التزييف والتضليل وتسترت على الكبت والاستبداد والظلم وتغييب الحريات والدفاع والمنافحة عن حالة الطوارئ والانسداد السياسي والفساد والاستغلال الاقتصادي، وتكميم الأفواه، وهاجمت كل الآراء المغايرة والحرة وصفقت وهللت وباركت بزج المعارضين والاصلاحيين في السجون والمعتقلات. ها هي تدفع الثمن من تونس ومصر إلى ليبيا وسوريا واليمن والبقية على الطريق من خلال الشعب الثائر الذي خرج من غياهب النسيان، يطالب بإسقاط النظام الفاسد والإعلام الكاسد.

فاصلة أخيرة:
أحضر سلة
ضع فيها (أربع تسعات).. ضع صحفا منحلة
ضع مذياعا.. ضع بوقا.. ضع طبلة
ضع شمعا أحمر.. ضع حبلا.. ضع سكينا
ضع قفلا.. وتذكر قفله
ضع كلبا يعقر بالجملة.. يسبق ظله
يلمح حتى اللا أشياء.. ويسمع ضحك النملة
واخلط هذا كله.. وتأكد من غلق السلة
ثم اسحب كرسيا واقعد
فلقد صارت عندك
دولة
* أحمد مطر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق