الأربعاء، 6 يوليو 2011

الأمل القادم.. مع طيور السنونو العربية الثائرة!

الشرق~ ايلاف
2011-07-06

الجدران العربية الحديدية تتهاوى مع ضربات المعاول الثورية
ممارسة الأنظمة تتفوق على تصرفات "حمارة القايلة"
الأطفال يتصدرون قائمة شهداء الثورات العربية

"طائر سنونو واحد لا يجلب الصيف" (One swallow does not make a summer)، مثل انجليزى ينطبق على انتفاضات الشوارع العربية التى قد لا تأتى بالديمقراطية المثالية كما نتصورها، لكنها أمل فى أن التغيير قادم مع قدوم طائر السنونو العربى الثائر وان تأخر الصيف.
لقد دخلت المنطقة العربية فى سبات طويل وليل مظلم حالك، لتستيقظ على موجات انتشار الثورات وسقوط بعض الأنظمة الديكتاتورية البالية وترقب البعض الآخر الذى لا يزال يحاول الكثير من رموزها منع وصول المد ومحاربته وذبح كل من يتجرأ على الخروج فى الشارع من الأطفال قبل النساء والرجال ودفنهم فى مقابر جماعية، لقد وصل عدد الأطفال السوريين الذين سقطوا قتلى فى الاحتجاجات التى تشهدها البلاد منذ اندلاعها الى نحو 100 طفل أبرزهم حمزة الخطيب.
(1)
الحكاية مرعبة ومريرة تتفوق على القصص التى كانت تحكى لنا ونحن أطفال عن الجن الأزرق والأشباح والعفاريت (حمارة القايلة)، (ابو رجل مسلوخة)، (وامنا الغولة)، التى تخطف الصغار حتى لا نخرج من المنازل عند حلول الظلام. وعندما كبرنا عرفنا زيف هذه القصص المقيتة لكن لم نتوقع ان تتحول هذا القصص الى حقيقية واقعية وتستبدل شخوص الحكاية (بالشبيحة) وكلاب الأنظمة الديكتاتورية المسعورة! الحكاية تدور حول طفلين قرابة الثالثة عشرة من العمر، مازالت معانى الحياة جميلة فى اعينيهما حتى ذلك اليوم الذى خرجا فيه من بلدة الجيزة تجاه درعا السورية، فى محاولة لفك الحصار عن المدينة وادخال الطعام الى المحاصرين، فاعتقلتهما قوات النظام، واختفيا مدة شهر قبل أن يظهرا فى فيديو اليوتيوب ووسائل الاعلام وهما جثتان هامدتان عليهما آثار تعذيب وحشي، تظهر مدى الألم الذى عاناه هذان الطفلان قبل موتهما؟!
(2)
تصادف ان شاهدت قبل مدة فلكا وثائقيا فى محطة البى بى سى القناة الثالثة البريطانية عن سقوط جدار برلين (The Berlin Wall) الذى انهار قبل (20) سنة، وهو لم يكن فقط مجرد جدار طويل يفصل شطرى برلين الشرقى والغربى والمناطق المحيطة فى ألمانيا الشرقية، بل أشبه بستار حديدى ايديولوجى قسّم العالم لأكثر من أربعين سنة، وكان الافظع هو ان كل من يفكر أن يجتاز الجدار يطلق عليه النار. طول الجدار 155 كيلومترا، ويحيط بالجزء الغربى من برلين بشكل كامل، وقد أقيم عليه 300 برج مراقبة، كما أنشئ تحته نظام من الأنفاق تحت الأرض يتكون من 43 نفقا. كان المشهد الدراماتيكى فى دول شرق أوروبا قبل سقوط الجدار يذكرنا بالمشهد ذاته بعد عشرين سنة فى تونس ومصر واليمن وفى سوريا اليوم، حيث كان يخرج الآلاف من مواطنى ألمانيا الشرقية فى مظاهرات الى الشوارع مطالبين باجراء اصلاحات سياسية. وكان من أهم هذه المظاهرات على الاطلاق تلك التى عرفت بـ"مظاهرات يوم الاثنين" فى مقابل "مظاهرات يوم الجمعة" العربية. كان المتظاهرون يرددون هتاف "نحن الشعب" ويطالبون بالتغيير والاصلاحات والديمقراطية ولا مجيب. الاصلاحات لم تحدث بسبب عدم رغبة النظام فى الدخول فى تغييرات حقيقية وجذرية ربما لأنها تهدد وجوده وسلطته، وظل يمارس التحايل والفهلوة وتقديم الوعود الزائفة وخنق المعارضة وضرب المظاهرات بقوة واستخدام الأسلحة والتصفية الجسدية وزج كل من ينادى بالاصلاحات فى المعتقلات والسجون التى أصبحت تنافس المدارس والمستشفيات وهو ما عجل فى سقوط النظام والأنظمة الشيوعية الديكتاتورية واحداث زلزال سياسى فى أوروبا الشرقية ودول البلطيق ونقلها من جحيم الأنظمة الشمولية الى حضن الممارسة الديمقراطية.
(3)
فى رومانيا كانت المحطة الأخيرة فى سقوط آخر الأنظمة الاستبدادية القمعية فى أوروبا الشرقية حين ظهر الزعيم الرومانى نيكولاى تشاوشيسكو (Nicolae Ceausescu)، الذى بدأ حياته صانع أحذية، محاولا تهدئة الجماهير الغاضبة فى الشوارع عبر التليفزيون رافضاً أن يعترف بأخطاء نظامه، مشيراً الى وجود "قوى محركة خارجية"، كما فعل بن على فى تونس ومبارك فى مصر وصالح فى اليمن والقذافى فى ليبيا والبقية على الطريق. لقد استخدم نظام الدكتاتور العجوز (كان يطلق على نفسه القائد العظيم والملهم ودانوب الفكر والمنار المضىء للانسانية والعبقرى الذى يعرف كل شىء وهو ما يذكرنا بملك ملوك أفريقيا) الشرطة السرية (الشبيحة) ونصف مليون ضابط (الجيش) وملايين المرشدين (المخابرات غير النظامية) لخلق مناخ من الخوف المستمر فى بلاده التى يحكمها بالحديد والنار. لكن الانفجار جاء على غير موعد فى شوارع بوخارست وفى مدن أخرى التى حاول أن تصدها قوات الأمن وقامت الشرطة السرية فى اطلاق النار على المحتجين بلا رحمة بالأسلحة المحرمة دوليا، وشارك الجيش فى قتل المواطنين المحتجين، بالاضافة الى طائرات الهليكوبتر التى تطلق الرصاص على المواطنين، ولكن كل ذلك لم يزدهم الا اصراراً وتصميماً على المطالبة بالتغيير والخلاص من الطاغية لقد دقت ساعة التغيير والزمن لا يعود للوراء.
كل هذا العنف أدى الى اثارة التمرد فى صفوف الجيش بعد رؤية المجازر الدموية التى استباحت دماء الشعب فى الشوارع ورفض بعض كبار الضباط فى الجيش اطاعة الأوامر فى المشاركة فى اعدام الأبرياء.
انتشر التمرد فى معظم الوحدات العسكرية وتحولت القضية الانسانية لكى تصبح عالمية وليست محلية أوروبية حصرا. المثير للسخرية أن تشاوشيسكو كان يخطط ويعد ابنه نيكو ليخلفه وهو ما أدى الى استمرار المظاهرات ودخلت البلاد فى اضرابات شلت الحياة اليومية وتطورت الى احتلال الموظفين للدوائر والمقار الحكومية. وأشار المحللون الى أن الدكتاتور العجوز لم يكن بالامكان خلعه بأسلوب سلمى وانه لولا تلك الثورة الشعبية العارمة لما تم التخلّص منه وأن الفوضى والتخريب الغوغائى المصاحبين لتلك الثورة كانا عرضين جانبيين لم يكن هناك مفر منهما.
(4)
فى الجانب الآخر رضخ النظام الشيوعى فى ألمانيا الشرقية فى 9 نوفمبر 1989 لضغوط مئات الآلاف المتظاهرين المطالبين بالحرية. وعلى الأثر تجمع على نقاط التفتيش الحدودية بين برلين الشرقية وبرلين الغربية الآلاف من أبناء الألمانيتين، وما هى الا ساعات قليلة حتى تسلق المتظاهرون الجدار وتنقلوا، لأول مرة فى حياة الكثيرين من بينهم، بين شطرى العاصمة، بينما كان الجدار يتلقى أولى ضربات المطرقات والمعاول التى ما لبثت أن أسقطته. وفى مقابل جدار برلين الغربى ها هى الجدران العربية الحديدية تتهاوى مع أول ضربة جاءت من المطرقات والمعاول فى تونس. تنهار "كأحجار الدومينو" الحوائط والجدران الفولاذية الديكتاتورية القائمة فى الفكر والعقل قبل القابعة على الأرض، ويشهد على سقوطها كل العرب بلا استثناء فى حيرة وخوف ومشاعر مختلطة ومتضاربة. هذه الجدران فصلت بين الانسان العربى والحرية وشيدت مدعومة بالجيش والعسكر والحرس الوطنى والمخابرات والأجهزة القمعية وأبواق النظام ومؤسساته الأمنية ووسائل الاعلام القبيحة الفاسدة ومشايخ الدين وعلماء السلطان وسدنه المعبد والفساد والاقطاع والمحسوبية. وكلنا أمل اليوم أن يأتى الدفء مع طيور السنونو العربية الثائرة بعد العيش الطويل فى الشتاء والبرد الاستبدادى القارص؟!
فاصلة أخيرة:
أيقظُونى عندما يمتلكُ الشعبُ زِمامَهْ.
عندما ينبسِطُ العدلُ بلا حَدٍّ أمامهْ.
عندما ينطقُ بالحقِ ولا يَخشى المَلامَةْ.
عندما لا يستحى منْ لُبْسِ ثوبِ الاستقامةْ
ويرى كلَ كُنوزِ الأرضِ
لا تَعْدِلُ فى الميزانِ مثقالَ كَرامة.
سوفَ تستيقظُ.. لكنْ
ما الذى يَدعوكَ للنَّومِ الى يومِ القِيامَةْ؟
احمد مطر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق