الثلاثاء، 30 نوفمبر 2010

قضايا حقوق الإنسان في قطر.. حوار من الداخل

2010-12-01

حقوق الإنسان أصبحت هاجسا عالميا كبيرا ولم تعد ترفا
ضرورة السماح بإنشاء مؤسسات مدنية أهلية تهتم بالمجتمع

حوار مميز أجرته الشرق مع رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، وصف بأنه الأكثر جرأة وصراحة على المستوى الداخلي، وهو كذلك، لأنه أعاد لنا الذكريات عن الزمن الجميل الذي كانت تلعب فيه الصحافة دورا مهما في تنوير الرأي العام بالقضايا المصيرية التي تجرى في مجتمع، زمن اللقاءات والتحقيقات التي تستضيف الوزراء وكبار المسئولين في الدولة وتناقش وتحاكم برامجهم وخططهم وسياساتهم، زمن المقالات والأعمدة والكتابات الجريئة الناقدة من كبار الأقلام الصحفية، وكانت تلعب فيها الأقلام النسائية الدور الأكبر، والتي حيرت الكثير في دول الخليج والدول العربية عن مدى هامش الحرية المتاح في الصحف ووسائل الإعلام في مجتمعنا. زمن البرامج الإذاعية الصباحية والمذيعين الذين ماتزال الذاكرة تحتفظ لهم بذكرى عطرة كانت تدعونا إلى أن نصحو باكرا لنستمع لهموم الوطن وغيومه وأوجاعه وأفراحه وأتراحه لتتحول في الوقت الراهن إلى برامج (وطني الحبيب الله بالخير)، زمن الحوارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الفارقة التي تجبرنا على متابعة التلفزيون وضيوفه على المائدة المستديرة وتكون مدار أحاديثنا وأسمارنا في مجالسنا لأسابيع وشهور (مَن يصدق أن التلفزيون الخاص الذي ينطلق من الكويت ودبي والرياض ويتناول المواضيع المصيرية المشابهة لمجتمعنا يستأثر باهتماماتنا أكثر من تلفزيون قطر المحسوب علينا)؟، اليوم نستشعر أن جميع قضايا العالم بتفاصيلها المملة في الصحف والإذاعة والتلفزيون والإعلام الداخلي والخارجي القطري، لكن القضايا المصيرية للوطن تظل بعيدة عن التناول والخوض فيها. ودعونا نقولها بصراحة إننا نحصد ما نزرع، لقد تغير الحال فتغيرت الأحوال، لقد استطعنا أن نسبق غيرنا في دول الخليج والدول العربية منذ 20 سنة مضت، ونعجز اليوم عن اللحاق بهم، بل ونتراجع في التقييمات والتقارير الدولية المرتبطة بحرية الرأي والتعبير والصحافة ووسائل الإعلام سنة بعد الأخرى!.
التوقيت الذي نشرت فيه (الشرق) الحوار يستحق الإشادة أيضا فهو متزامن مع صدور التقارير الدولية ومنظمات حقوق الإنسان العالمية والإقليمية مثل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، منظمة العفو الدولية، منظمة هيومن رايتس ووتش، وتقارير وزارة الخارجية الأمريكية، المنظمة العربية لحقوق الإنسان، التي تتناول نشر التقارير والتصنيفات العالمية لوضع الدول المختلفة فيما يتعلق بأوضاع حقوق الإنسان فيها من ناحية العدالة والمساواة وعدم التمييز ونبذ الكراهية ومدى احترام الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية في تشريعاتها الوطنية وممارساتها القانونية، بالإضافة إلى وضعية المؤسسات والمنظمات الخاصة بالمجتمع المدني. لقد أشار رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان إلى عدد من الإشكاليات والملفات المطروحة ولنستخدم مصطلح أدق (مفتوحة) متعلقة بالمواطنين من قانون التجنيس، مرورا بقضايا الإسكان والتعليم والصحة والتوظيف وصولا إلى السجون والمؤسسات العقابية وانتهاء بقضية أبناء القطريات. لقد تحدث عن أوضاع سجن المتابعة والإبعاد، وقانون حماية المجتمع الذي يتيح الإبقاء على أي متهم قيد الحجز من 6 أشهر إلى سنة رغم تبرئته من قبل النيابة العامة، وعن الأخطاء الطبية والإهمال، وعدم الاهتمام بمدمني المخدرات، واستغرابه من تقديم الجمعيات الخيرية مساعدات تعليمية تقدر بحوالي 30 مليونا في ظل مجانية التعليم. وعن قضية تجنيس أبناء القطريات، وعن مطالبات الدول في العديد من القرارات بإنشاء مؤسسات وطنية شبيهة باللجنة لتكون منطقة وسط بين الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني.
رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان من جانبه لم يخبرنا عن الأرقام والإحصائيات وهي الملاحظة ذاتها التي طالبته بتوفيرها في عدة مقالات نشرتها في الشرق في العام الماضي. لماذا تغيب الإحصائيات والأرقام ولدينا إحدى أكبر المؤسسات الحكومية المختصة بهذا المجال وهو جهاز قطر الإحصائي، لماذا لا يوجد هناك تنسيق بين الجهاز واللجنة في إحصاء ودراسة المشكلات والقضايا والحالات المتأزمة في المجتمع؟ فإذا كان مهما معرفة انخفاض ظاهرة تعدد الزوجات في قطر والخليج بشكل عام وهو من التقارير الأخيرة التي نشرها الجهاز في وسائل الإعلام، فالأجدى معرفة ودراسة وتقييم وتناول الملفات التي تؤخذ علينا في تقارير المؤسسات والمنظمات الإنسانية والحقوقية والمحافل الدولية؟! غياب الإحصائيات الدقيقة من الداخل يجعل الأرقام والمؤشرات التي تنشر في التقارير الخارجية صحيحة وان كانت غير ذلك، ويتم اعتمادها والتعامل معها على أنها حقائق موجودة على الأرض والمحاولات المتأخرة لتعديلها والتعامل معها تُفسَّر على أن هناك مَن يحاول أن يخفيها ويقلل من قيمتها أو يتلاعب بها.
إذا كانت كل هذه الملفات موجودة ومطروحة ومفتوحة، لماذا لا يتم التعامل معها بكل وضوح وشفافية وتقام لأجلها الندوات والمؤتمرات والمحاضرات التثقيفية والتوعوية والإرشادية، ولماذا تتعمد بعض الصحف ووسائل الإعلام تجاهلها وعدم الإشارة إليها بل تهاجمها وتسفهها وتقلل من قيمتها وخطورتها وانعكاسها السلبي على المجتمع وصورته في الداخل والخارج. أريد أن أكرر ما قلته في السابق من أن التعامل مع ملفات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني والتقارير الدولية المتعلقة بهذه الجوانب غدا يمثل هاجسا كبيرا ويحظى باهتمام متزايد، فهي لم تعد ترفا في زمن العولمة، الذي أصبحت فيه القضايا التي تتناول حقوق الإنسان المشروعة من أهم أولويات المنظمات والمؤسسات الحقوقية والإنسانية على المستوى الدولي، والحكمة العالمية التي يتم التعارف عليها تقول (قل لي عن وضع حقوق الإنسان في بلدك، أقل لك مَن أنت). إن سياسة النكران، والتحايل، وتزييف الحقائق، والادعاءات الباطلة، والتذرع بالتدخل الخارجي، وخصوصية الداخل، والتحدث عن نظرية المؤامرة، ومهاجمة المؤسسات والمنظمات الحقوقية والانتقاص من قدرها لا يزيد الطين إلا بله، ولا يردم الحفرة بل يزيدها عمقا، ولا يحل المشكلة بل يزيدها تعقيدا. ومن الأفضل العمل بكل شفافية ومصداقية واتباع أسلوب المواجهة بالأدلة والحقائق والأرقام في الرد والتعليق، ونشر التقارير الدورية عن الأوضاع التي تتناول انتهاكات حقوق الإنسان في الداخل وعدم الانتظار أن تأتي مباغتة من الخارج؟!.
نتقدم بالشكر على الجهود التي تقوم بها اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان ونرجو التوفيق في المهمة الإنسانية لترسيخ مبادئ حقوق الإنسان في العقول والقلوب، لتصبح الثقافة السائدة، ونطالبهم بالمزيد أيضا فنحن مانزال في بداية الطريق ولم نبدأ الاختبارات الحقيقية بعد، كما ندعو إلى أن يتم السماح بإنشاء مؤسسات حقوقية مدنية أهلية تهتم بالمجتمع وحقوق الإنسان فيه.

الأربعاء، 24 نوفمبر 2010

الاتجاه نحو مفهوم مغاير في العمل الخيري

2010-11-24

34 مليارديرا في السعودية والكويت والإمارات وقطر ومصر ولبنان
رجل أعمال قطري يطلق مبادرة تهتم بالإقراض الأصغر
الدولة مطالبة بإنشاء "بنوك تمويل خاصة" تساعد الأسر والعائلات المحتاجة

نشرت منذ مدة مقالا بعنوان (اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء في العالم العربي) يتناول مقارنة بين رجال الأعمال في العالم العربي وبقية العالم، وقد أشار المقال إلى أن عدد الأثرياء العرب يقدر بحوالي 34 مليارديرا، بمجموع ثروات تقدّر بنحو (115.8) مليار دولار، يعيش اغلبهم في السعودية والكويت والإمارات وقطر ومصر ولبنان. وعرجت على إعلان بيل غيتس (Bill Gates) الأخير فيما يقارب عدد 40 من أغنى أثرياء الولايات المتحدة قد قرروا تحويل نصف ثرواتهم لصالح المحتاجين والفقراء" منهم الملياردير المشهور وارن بافيت (Warren Buffett)، وقد طالبت الدول الغنية الخليجية والأثرياء العرب القيام بخطوة مقاربة على الأقل ولا أقول مشابهة، من خلال توظيف أموالهم واستثمارها في المشاريع الإنتاجية في الدول العربية أو في دولهم والمناطق الهامشية والفقيرة فيها، حتى يمكن أن يتم ردم فجوة نقص الاحتياجات والمتطلبات الأساسية للحياة.
لقد انفرجت أساريري بعدها بأيام معدودة عندما علمت بخبر قيام رجل أعمال قطري بتخصيص مبلغ يقدر بحوالي (100 مليون ريال) لإنشاء مؤسسة تهتم بالإقراض الأصغر من أجل مساعدة الفقراء ومحدودي الدخل في دولة قطر والدول العربية والإسلامية على إقامة مشاريع صغيرة مدرة للدخل تمكّنهم من الاعتماد على أنفسهم معيشيا وتحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية. وهي المبادرة التي وصفت بأنها الأولى من نوعها على مستوى دولة قطر، وأكبر مشروع فردي في تاريخ جمعية قطر الخيرية التي تقوم على المبادرة. والمبادرة تؤسس مفهوما مغايرا عن العمل الخيري والإنساني الذي اعتدنا عليه في ديارنا والذي يدور في رؤية محددة وضيقة لا تغني ولا تسمن من جوع، محصورة غالبا في جمعيات وأفراد يقومون على جمع التبرعات والصدقات والمعونات والمساعدات وتوزيعها على المستحقين، وهي تزيد من عدد الفقراء والمحتاجين ولا تنقص من عددهم، لأنها تطعمهم سمكا، ولا تعلمهم كيف يصطادونه؟! المبادرة التي بدأها رجل أعمال قطري تعيدنا إلى التجربة الملهمة التي قام بها الحائز على جائزة نوبل البروفيسور محمد يونس (Muhammad Yunus) في عام 2006، من خلال نظامه البنكي المعروف باسم جرامين (Grameen Bank)، في تقديم القروض لأكثر من 7 ملايين من فقراء العالم، وأغلبهم في بنجلاديش التي تعد واحدة من أفقر دول العالم. ونجاحه فاق التوقعات وصار مصدر إلهام للدول النامية في أنحاء العالم. وكان أول قرض قد قدمه من جيبه الخاص لمجموعة من النساء.
الفكرة يجب أن يتسع مداها وتشمل القطاع العام بدخول الراعي الأكبر وهو الدولة ممثلة بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، فعلى دول الخليج أن تقوم بدورها بإنشاء (بنوك تمويل خاصة) تستهدف الأسر والعائلات الفقيرة والمحتاجة بقروض صغيرة (ميكروبية) لمساعداتهم للانخراط بنشاطات منتجة أو لتنمية مشاريعهم متناهية الصغر، على غرار البحرين التي قامت بتأسيس بنك "الإبداع" العام الماضي برأس مال يبلغ نحو 5 ملايين دولار تحت رعاية قرينة ملك البحرين ورئيسة المجلس الأعلى للمرأة. ويهدف بنك "الإبداع" إلى تقديم القروض الصغيرة للمواطنين الفقراء الراغبين في تحسين ظروفهم المعيشية، ويتوقع المؤسسون أن يستفيد ألف مواطن في السنة الأولى من عمل البنك، ويرتفع إلى خمسة آلاف مستفيد بنهاية السنة التشغيلية الثانية في نهاية العام الحالي 2010. وأيضا في اليمن الذي قام بإنشاء “بنك الأمل للإقراض الأصغر“ واستطاع البنك تقديم الخدمات المالية “إقراض صغير، ادخار، تأمين“ كأول بنك في الشرق الأوسط يقدم هذه الخدمات المتكاملة. وقد بلغت نسبة النساء المقترضات 90%. ولا يخفى الدور الذي تقوم به منظمة «أجفند» الخليجية الخاصة والتي عملت على تأسيس مصارف للفقراء في الكثير من الدول العربية والنامية، منها المبادرتيان المذكورتان في الأعلى، إضافة إلى البنك الوطني لتمويل المشروعات الصغيرة في الأردن، مصرف سورية للمشروعات الصغيرة، بنك الرجاء في لبنان، بنك الفقراء في المغرب وموريتانيا وجيبوتي إلى جانب صندوق لتمويل مشروعات الفقر في السودان.
وصلتني قصة معبرة على البريد الكتروني من احد الزملاء، قام بنشرها الكاتب الصحفي احمد الصراف في مقال له بالتصرف من خلال النقل والترجمة من الإنترنت، وهي حقا تستحق التفكير والتأمل وإعادة النشر واستخلاص العبر منها، والمقالة تحكي قصة السيدة هيلدي باك (Heldi Back) وهي امرأة سويدية تبلغ الثمانين، قتل والداها في أحد معسكرات الاعتقال النازية، وتمكن شخص مجهول من إنقاذ حياتها ونقلها إلى السويد. وفي يوم ما، واستجابة لإعلان تلفزيوني، قررت هيلدي وهي كانت تعمل معلمة مدرسة بالتبرع بمبلغ من المال لدعم تعليم طفل كيني لا تعرف عنه شيئا. وعلى الرغم من أنها تبادلت معه على مدى سنوات بضع رسائل، إلا أن الاتصال بينهما انقطع بعدها. وبعد 15 سنة تقريبا طلبت منها الجهة المعنية بمساعدة الطلبة الفقراء التوقف عن الدفع لانتفاء الحاجة، بعد أن تخرج من كانت تصرف على تعليمه في الجامعة وبدأ يعمل.
الطفل الكيني، الذي تلقى مساعدة هيلدي على مدى سنوات لم يكن غير كريس أمبورو(Chris Mburo) المحامي الكيني المعروف في منظمة العفو الدولية، ورئيس قسم مناهضة التمييز العنصري التابع للأمم المتحدة، والذي لم يكن ليحقق شيئا من أحلامه من دون الدفعات المنتظمة التي كانت ترد من هيلدي سنة وراء أخرى، والتي مكنته في نهاية الأمر من إنهاء تعليمه الجامعي والحصول على إجازة في الحقوق من جامعة هارفارد الأميركية العريقة. في عام 2003 عاد كريس إلى قريته، وعرفانا بجميل هيلدي عليه وعلى أسرته والمجتمع الدولي، قام بتأسيس صندوق خيري للصرف على التعليم، أطلق عليه اسم «هيلدي باك للتعليم» (The Hilde Back Education Fund)، الذي يستفيد منه آلاف الطلبة الفقراء، ويعتبر برنامجه الأكثر نجاحا في أفريقيا. وخلال الفترة ذاتها وحتى قبل شهر لم يتوقف كريس عن البحث عن هيلدي، وبعد جهود مضنية توصل إلى عنوانها وقام بالاتصال بها ودعوتها إلى زيارة كينيا لترى نتيجة عملها الخيري، وكان لقاء ذا شجون. وعند سؤالها عما دفعها، وهي اليهودية التي لم يعرف عنها الثراء، لأن تتبرع بالصرف على طفل مسيحي لا تعرف عنه شيئا، قالت إن عمل الخير يشبه رمي حصاة على سطح الماء، حيث تتشكل من ذلك دائرة صغيرة ثم دائرة أكبر فأكبر، وإنها مدينة بحياتها لإنسان لا تعرفه قام قبل سبعين عاما بإنقاذ حياتها، ولا تتذكر حتى ملامحه، ولم يحاول أن يعرف نفسه لها، فلم يهتم، مثلها، بصغائر الأمور، فقد قامت بتقديم خدمة لطفل محتاج بصرف النظر عن لونه، جنسه أو دينه، وما يفعله الآن كريس من خلال صندوق التعليم يصب في الاتجاه نفسه، وسيأتي مستقبلا من سبق أن استفاد من معونة الصندوق ليقوم بعمل مماثل وهكذا تتكاثر وتكبر دوائر الخير.. شكرا مرة أخرى إلى رجل الأعمال القطري وأتمنى من كل قلبي أن تكبر دائرة الخير وتشمل 34 مليارديرا ومئات المليونيرات في السعودية والكويت والإمارات وقطر ومصر ولبنان.

الخميس، 18 نوفمبر 2010

الاكتشافات العلمية تغير نظرتنا إلى أنفسنا والعالم من حولنا

2010-11-18
جريدة الشرق
من حكايات الجني ابن الجنية إلى استنساخ الخلايا البشرية
جينات أوروبية تعود جذورها إلى أصول خليجية عربية وشرق أوسطية
المستقبل يعلن موت الفلسفة كعلم ويدشن عصر الفيزياء

المجالس والمنتديات الخليجية شغلت في الأيام الماضية بحكاية تربط بين الإنسان والعالم الآخر، وهي تتحدث عن الجني الذي حرض قاضي محكمة على سرقة واختلاس ما يقارب 200 مليون دولار؟ وطالب محامي الدفاع من جانبه إحضار (الجني ابن الجنية) إلى المحكمة لسماع أقواله، أو مقاضاته إن لم يثبت الحقيقة! والغريب أن هناك الكثير ممن يصدق هذه القصص والحكايات في ديارنا ويروج لها ويكفر من يطعن فيها، وينكر في الوقت نفسه أي اكتشافات أو حقائق علمية قديمة أو جديدة؟!
ومن العالم الآخر السفلي في ديارنا، إلى الأرضي والفضائي في بقية العالم، والاكتشافات العلمية الأخيرة التي ستغير مفاهيمنا التي عرفناها بشكل يشلنا حتى عن التدبير والتفكير، فهل نحن على استعداد للتعاطي والتعامل معها أم كالعادة نصحو على المفاجآت والصدمات المروعة؟! حسب المنهج العلمي المتعارف عليه هناك ثلاث ثورات هزت العالم وهي الثورة الكوبرنيكية والداروينيه والفرويدية. ولكن اليوم لا نستطيع حتى أن نقارنها بالحقائق والمعلومات التي توصل لها العلم الحديث وأدواته المعرفية، مما يدل على تجدد المعرفة العلمية نفسها ونموها وتطورها باستمرار.
مجلة "سالون ماغازين" وتصدر في سان فرانسيسكو، اعتبرت أن نصف العيادات الأمريكية بمقدورها في الوقت الراهن استنساخ كائنات بشرية، ولم يعد يحول دون قيامها بذلك سوى العوائق الخلقية. ولم تمنع سوى أربع ولايات أمريكية هي ولايات ميتشيغان وميسوري وكاليفورنيا ورود اسلاند تجارب الاستنساخ البشري، بينما بدأت بعض المؤسسات الخاصة في ولايات أخرى عرض خدمات التدخل في الموروث الجيني، كما أن العلماء في كوريا الجنوبية أعلنوا أنهم نجحوا في استنساخ خلية بشرية، بيد أنهم أوقفوا التجربة مؤقتاً واحتمال انهم يقومون بها سرا خوفا من إثارة الجدل من حولها، على أن يتم إعلان نجاحها واستمراريتها بعد سنوات بشكل رسمي حتى يحصلوا على السبق العلمي.
من ناحيتها احتفلت جامعتنا البريطانية التي درسنا فيها وهي جامعة ليستر (University of Leicester)، بسبق علمي جديد في يناير (2010)، يشير إلى أن تحليل الجينات لمجموعة عديدة من الأوروبيين أثبتت أن جذورهم تعود إلى منطقة الهلال الخصيب، وأظهرت النتائج أن 4 من كل خمسة من الأوروبيين من الجنس الأبيض لديهم أصول وراثية تعود إلى الشرق الأدنى، بينما يعود الحامض النووي الذي ينتقل من الأم للبنت، إلى أمهات من جنوب أوروبا، وتذكر الدراسة ان الهجرة لرجال منطقة الهلال الخصيب الذين اشتهر عنهم الفلاحة والزراعة جاءت في العصر الحجري او بعد العصر الجليدي حوالي (10.000) سنة مضت، واستوطنوا في أوروبا التي عرف عن اهلها حينها انهم كانوا يعتمدون في حياتهم على الصيد والتقاط الثمار، ومنطقة الهلال الخصيب المعنية عبارة عن منطقة على شكل الهلال في جنوب غربي آسيا. وتبدأ هذه المنطقة التاريخية من البحر الأبيض المتوسط، وتمتد ما بين نهري دجلة والفرات، وتنتهي عند الخليج العربي. وفي هذه المنطقة أنشأ السومريون أولى حضارات العالم منذ حوالي 5،500 سنة، أطلق عالم الآثار الأمريكي جيمس برستد على المنطقة اسم الهلال الخصيب لأن السومريين ومن جاء بعدهم من الشعوب، جعلوا من المنطقة أرضا زراعية مروية وخصبة، بعدها ربما بعدة شهور نشرت وسائل الإعلام العالمية تقريرا منقولا عن صحيفة الدايلي ميل تشير فيه الى ان بعد مرور ما يقارب 65 عاما على وفاة الزعيم النازي أدولف هتلر، كشفت نتائج اختبارات خاصة بالحمض النووي أنه ينحدر من أصول يهوديّة وافريقية. وقد أظهرت تقارير عينات الحمض النووي التي تم الحصول عليها من أقرباء الزعيم الألماني أنه يرتبط بيولوجيا بالأجناس التي سعى إلى إبادتها. وتشير التقارير الى أن هتلر ينحدر من سلالة يهودية مغربية أصلها من شبه الجزيرة العربية وله أقرباؤه في المغرب وتونس والجزائر وليبيا والنمسا والدانمارك وحتى إسرائيل!
قبل عدة شهور اكتشف باحثون في المملكة العربية السعودية مع فريق بحثي تابع لجامعة ميتشيغان الأمريكية أن أشلاء جمجمة عمرها 29 مليون سنة قد تكون لكائن انحدرت منه كل القردة والقردة العليا (الرئيسيات) ومن بينها الإنسان. ويبين الاكتشاف أن قردة العالم القديم افترقت واتخذت مجاري وراثية مختلفة في فترة متأخرة جاءت بعد ملايين السنين مما كان يعتقد العلماء من قبل. واشتق العلماء اسم هذا القرد القديم من كلمة "سعدان الحجاز"، فأطلقوا عليه باللاتينية «Saadanius hijazensis» في البحث الذي نشر في مجلة «نيتشر». وقال الدكتور ويليام ساندرز الذي قاد الأبحاث انه «اكتشاف رائع لان لهذه الجمجمة خاصيات مشتركة بين كل قردة العالم القديم، ولأنها قريبة من مجموعة تطورت وأدت إلى نشوئنا نحن". ويقول انه لو تم إيجاد معلومات كافية عن هذا الكائن، ربما تمكن العلم من كشف بعض أسباب التطورات التي أدت إلى نشوء القردة والإنسان فيما بعد. هذا الكائن يشبه الى حد كبير "قرد العالم الجديد" إلا انه اكبر حجما، وربما استخدم أطرافه الأربعة للتنقل بين الأشجار، بدل الجلوس على الأرض رافعا رأسه. ويستخلص من الدراسة ان الرئيسيات انحدرت من "قردة العالم" القديم قبل 29 مليون سنة، بدل 30 إلى 35 مليونا كما كان يعتقد.
أما الصدمة الكبرى ففجرها العالم البريطاني العالم الفيزيائي الانجليزي الشهير ستيفن هوكينغ، ففي كتابه القادم المتوقع صدوره قريبا قبل نهاية (2010)، الذي احتكرت صحيفة "تايمز" البريطانية نشر مقتطفات مهمة منه، يعلن هوكينغ موت الفلسفة كعلم، ويشير الى ان الفيزياء توشك الآن على كتابة "نظرية كل شيء" أو "النظرية الشاملة" القادرة على شرح خاصيات الطبيعة كافة، ولطالما بقيت نظرية كهذه حلما يراود الفيزيائيين منذ زمن آينشتاين، لكن المشكلة ظلت هي المصالحة بين نظرية الكم (quantum theory)، التي تشرح عالم ما تحت الذرة، مع الجاذبية التي تشرح الكيفية التي تتداخل بها الأشياء على المستوى الكوني. ويقول هوكينغ إن "نظرية إم" (M — theory) وهي تقع بين ما يعرف بـ"نظريات الأوتار" — هي التي ستحقق هذا الهدف. ويكتب قائلا: "نظرية إم هي النظرية الموحدة التي كان اينشتاين يأمل العثور عليها. وثمة انتصار عظيم يتمثل في حقيقة أننا نحن البشر — وكوننا مجرد مجموعات من الجزئيات الأساسية للطبيعة — قادرون على أن نصبح بكل هذا القرب من فهم القوانين التي تحكمنا وتحكم الكون المحيط بنا". ويذكر هوكينغ: "لأن ثمة قانونًا مثل الجاذبية، صار بمقدور الكون أن يخلق نفسه من عدم، وإن ما يعرف باسم "الانفجار الكبير" لم يكن سوى عواقب حتمية لقوانين الفيزياء، ويضيف ان الأرجح هو وجود أكوان أخرى تسمى "الكون المتعدد" خارج مجموعتنا الشمسية.
أين يقف العالم العربي من كل هذه الثورات التغيرية، الأرقام تشير إلى أن نصيب العرب من النشر العلمي لا يزيد على "0.7%" من الإنتاج العالمي، وهذا المعدل أقل من سبع نسبة العرب إلى سكان العالم، في حين يرتفع نصيب إسرائيل من النشر العلمي إلى عشرة أضعاف نصيبها من سكان العالم، وهو السبب الرئيسي لخلو قائمة أفضل 500 جامعة على مستوى العالم من اسم أي جامعات عربية، أما بالنسبة لمستوى الطباعة والنشر، فإن نسبة المطبوعات العربية من مطبوعات العالم لا تتجاوز (1 %)، وتدخل في هذه النسبة جميع أنواع المطبوعات، بما في ذلك المطبوعات الدينية التي تشكل وحدها وعلى غير المألوف والمتوقع 50 % من مجمل المطبوعات العالمية في هذا المجال، ان نسبة المطبوعات العربية من المطبوعات العالمية أقل من (0.5 %)، وبالتالي فهي أقل بعشر مرات من نسبة العرب إلى سكان العالم، بالإضافة إلى أن الحكايات والقصص والأساطير التي تخالف المنهج العلمي وتتناقض مع مفاهيم المنطق والعقل تحكم عقل الإنسان الذي يعيش في هذا العالم!
مع كل هذه التحديات والصدمات والمعلومات والحقائق المستجدة، هل من الممكن ان يستوعب عالمنا العربي كل الحراك والتغيير الذي يحدثه العلم وأدواته من حولنا؟
المصيبة أن هناك من يقوم بمواجهتها بسلاح التكفير قبل أن تنتشر في العالم.
كلمة أخيرة: مبارك علينا وعليكم عيد الأضحى، كل عام وانتم بخير.

الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

الرسائل والطرود المرسلة من أراضينا؟

2010-11-10

مشاهد الخوف والترويع تعود كلما اعتقدنا أنها الماضي؟!
الحوادث المفجعة تضطرنا إلى الدخول في معركة الدفاع عن ديننا وقيمنا
شمعات مضيئة وإن كانت قليلة تنير الطريق

تعود مشاهد الخوف والترويع كلما اعتقدنا أننا تجاوزناها، وأصبحت من الماضي؟ وهي في كل مرة يتم تغيير شكلها وطريقتها لكي تصل إلى هدفها من قتل وتفجير الضحايا والأبرياء، وللأسف أنها تدمغ منتجاتها وبضاعتها بختم الإسلام؟! الساحة لم تهدأ أبدا، وكلما انخفضت وتيرة الأصوات المعادية للعرب والمسلمين في الغرب، أعادها الخطاب المتطرف المتشدد الإرهابي من جديد. فالندوات والمؤتمرات وحوارات الأديان والتسامح وقبول الآخر كلها تتراجع إلى الخلف وتفقد تأثيرها وفعاليتها في رسالة واحدها تبثها محطة الجزيرة لأحد المحسوبين على تنظيم القاعدة. الرسائل جميعها تشير إلى التهديد والوعيد والويل والثبور وعظائم الأمور، والتكفير والعداء والقتل والدماء والتدمير ولا يكاد يقابلها في الجانب الآخر مواجهة مماثلة ومفتوحة وشاملة من الأراضي التي تنطلق منها وبالتحديد الأراضي الخليجية والعربية قبل الإسلامية. ولكن رغم المشهد الكئيب هناك بصيص أمل لا يتوقف أيضا وهناك شمعات مضيئة، وان كانت قليلة تنير الطريق وتقف في وجه التطرف والغلو ولا تخاف لومة لائم في الحق، نراها في بعض الصحف ووسائل الإعلام متمثلة في صحفيين ومثقفين وكتاب رأي وفكر أتابعهم بشغف خصوصا في السعودية والكويت وقطر والبحرين ولبنان ومصر والمغرب العربي.
معظم الرسائل التي تم توجيهها في الأيام الماضية احتوت على أفكار هدامة وعبوات ناسفة تبعتها الطرود المفخخة وانطلقت من دول خليجية وكادت أن تصل إلى أهدافها، وسلطت وسائل الإعلام العالمية أخبارها على المنطقة الملتهبة وخصوصا الوضع في اليمن، وعن المسئول الجديد في تنظيم القاعدة الذي كان وراء صنع عبوة الأحذية في صنعاء، والمتفجرات التي حملها النيجيري عمر فاروق عبد المطلب، والقنبلة التي حملها في طريقه إلى أمريكا. ودرب الانتحاري خلال محاولة اغتيال مساعد وزير الداخلية السعودي للشؤون الأمنية في الرياض. انه درس الكيمياء في جامعات خليجية وتنقل في أكثر من عاصمة عربية لكي يروج للفكر المتطرف ويدخل مناظرات على الانترنت ليجند الشباب ومن بينهم شقيقه الذي فجر نفسه، إلى أن اشتد عوده وتحول إلى إرهابي يشار إليه بالبنان ويدخل قائمة المطلوبين دوليا؟! رسائل وطرود فشلت في استهداف معبد يهودي في شيكاغو، ونجحت في الهجوم على كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك في بغداد وقتل 53 شخصا بينهم 44 مصليا مسيحيا غالبيتهم من النساء والأطفال والتهديد باستهداف الكنائس المصرية بعد العراقية. بالإضافة إلى تفجير مسجدين في باكستان خلال صلاة الجمعة مما أسفر عن مقتل 65 شخصا على الأقل.
ومع هذه الحوادث المفجعة نضطر في كل مرة إلى الدخول في معركة جديدة نحاول أن ندافع فيها عن ديننا وقيمنا باستماتة ونحاول أن نبين أن دين الإسلام لا يمثله هؤلاء ولا غيرهم من المتطرفين، وبقدر المستطاع نحاول مد جسور السلام والتواصل والحوار مع الآخرين في أراضينا وبقية العالم. لقد وجدت في بريدي الالكتروني عددا من الرسائل بعثها أخوة وزملاء أكثر من مرة تدعو إلى التفاؤل ومنها واحدة سطرها شيخ دين والآخر طالب علم؟! الشيخ هو عائض القرني ومقالته تتناول التطرق إلى تجربة عاشها في أمريكا والطالب هو هاني باحويرث وقصته تتناول الحديث عن تجربة الابتعاث في بريطانيا. الشيخ القرني يقول لقد طفت مع بعض زملائي إحدى وعشرين ولاية أمريكية، فكلما رأينا الدقة والحسن في نظام السير والمرور وحماية البيئة والذوق العام وترتيب شؤون الحياة، تذكرنا النصوص التي قرأناها في الكتاب والسنة. وقد جاء ذلك في مقال مميز تحت عنوان: «أمريكا تنصر امرأة سعودية» في صحيفة الشرق الأوسط قبل بضعة أشهر وقد تمنى في مقاله لو أنه كان امرأة أمريكية؟! الطالب المبتعث باحويرث، تناول المحطات التي شهدها في بريطانيا وجاء فيها قوله " شكرا بريطانيا لأني بدأت أتمتع بشعور الإنسان...لا أحمل معي سوى وجعي إذا زرت المركز الصحي فهم لا يعرفون ديني ولا جنسيتي ولا مذهبي ولا لوني ولا كفيلي ولكن يعرفوا أهم من هذا كله أني إنسان وإنسان فقط. شكرا لجاري العزيز ذو الاخلاق الرائعة والذي يأخذ البريد من باب العمارة ليضعه أمام باب شقتي يومياً وبل يعرض علي أن اترك ابني عنده ان أردت أن أتعشى أنا وزوجتي في الخارج. شكرا لأني تعلمت ديني الذي فقدته وأنا طفل وأنا شاب، وكتب الله لي أن أتعلمه ليس من بطون الكتب ولا الدورات الشرعية ولا الجلسات العلمية ولا برامج التلفاز، بل من واقع يفرضه المجتمع والجميع بداية من مدرس الروضة لسائق الباص وعامل الشارع لرئيس الوزراء، هذا ما شهدته شخصيا...قد تتفق معي يا أخي أو تختلف فأنا أعرف أن أصابع يديك ليست سواء ولكن هذه الحقيقة رأيتها بأم عيني، شكرا بريطانيا، لا تخافوا علي، فمازلت مسلما وعربيا أكثر ومن أمة محمد وسأكون كذلك أبد الآبدين إن شاء الله".
مع الرسائل المتشددة المتطرفة والمفخخة هناك رسائل محبة وسلام تحاول أن توصل القيم التي زرعها الإسلام في نفوس أتباعه من تسامح وتعايش وقبول الآخر فهل تنتصر رسائل السلام على رسائل التطرف "آمين"؟!.

الرسائل والطرود المرسلة من أراضينا؟

2010-11-10

مشاهد الخوف والترويع تعود كلما اعتقدنا أنها الماضي؟!
الحوادث المفجعة تضطرنا إلى الدخول في معركة الدفاع عن ديننا وقيمنا
شمعات مضيئة وإن كانت قليلة تنير الطريق

تعود مشاهد الخوف والترويع كلما اعتقدنا أننا تجاوزناها، وأصبحت من الماضي؟ وهي في كل مرة يتم تغيير شكلها وطريقتها لكي تصل إلى هدفها من قتل وتفجير الضحايا والأبرياء، وللأسف أنها تدمغ منتجاتها وبضاعتها بختم الإسلام؟! الساحة لم تهدأ أبدا، وكلما انخفضت وتيرة الأصوات المعادية للعرب والمسلمين في الغرب، أعادها الخطاب المتطرف المتشدد الإرهابي من جديد. فالندوات والمؤتمرات وحوارات الأديان والتسامح وقبول الآخر كلها تتراجع إلى الخلف وتفقد تأثيرها وفعاليتها في رسالة واحدها تبثها محطة الجزيرة لأحد المحسوبين على تنظيم القاعدة. الرسائل جميعها تشير إلى التهديد والوعيد والويل والثبور وعظائم الأمور، والتكفير والعداء والقتل والدماء والتدمير ولا يكاد يقابلها في الجانب الآخر مواجهة مماثلة ومفتوحة وشاملة من الأراضي التي تنطلق منها وبالتحديد الأراضي الخليجية والعربية قبل الإسلامية. ولكن رغم المشهد الكئيب هناك بصيص أمل لا يتوقف أيضا وهناك شمعات مضيئة، وان كانت قليلة تنير الطريق وتقف في وجه التطرف والغلو ولا تخاف لومة لائم في الحق، نراها في بعض الصحف ووسائل الإعلام متمثلة في صحفيين ومثقفين وكتاب رأي وفكر أتابعهم بشغف خصوصا في السعودية والكويت وقطر والبحرين ولبنان ومصر والمغرب العربي.
معظم الرسائل التي تم توجيهها في الأيام الماضية احتوت على أفكار هدامة وعبوات ناسفة تبعتها الطرود المفخخة وانطلقت من دول خليجية وكادت أن تصل إلى أهدافها، وسلطت وسائل الإعلام العالمية أخبارها على المنطقة الملتهبة وخصوصا الوضع في اليمن، وعن المسئول الجديد في تنظيم القاعدة الذي كان وراء صنع عبوة الأحذية في صنعاء، والمتفجرات التي حملها النيجيري عمر فاروق عبد المطلب، والقنبلة التي حملها في طريقه إلى أمريكا. ودرب الانتحاري خلال محاولة اغتيال مساعد وزير الداخلية السعودي للشؤون الأمنية في الرياض. انه درس الكيمياء في جامعات خليجية وتنقل في أكثر من عاصمة عربية لكي يروج للفكر المتطرف ويدخل مناظرات على الانترنت ليجند الشباب ومن بينهم شقيقه الذي فجر نفسه، إلى أن اشتد عوده وتحول إلى إرهابي يشار إليه بالبنان ويدخل قائمة المطلوبين دوليا؟! رسائل وطرود فشلت في استهداف معبد يهودي في شيكاغو، ونجحت في الهجوم على كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك في بغداد وقتل 53 شخصا بينهم 44 مصليا مسيحيا غالبيتهم من النساء والأطفال والتهديد باستهداف الكنائس المصرية بعد العراقية. بالإضافة إلى تفجير مسجدين في باكستان خلال صلاة الجمعة مما أسفر عن مقتل 65 شخصا على الأقل.
ومع هذه الحوادث المفجعة نضطر في كل مرة إلى الدخول في معركة جديدة نحاول أن ندافع فيها عن ديننا وقيمنا باستماتة ونحاول أن نبين أن دين الإسلام لا يمثله هؤلاء ولا غيرهم من المتطرفين، وبقدر المستطاع نحاول مد جسور السلام والتواصل والحوار مع الآخرين في أراضينا وبقية العالم. لقد وجدت في بريدي الالكتروني عددا من الرسائل بعثها أخوة وزملاء أكثر من مرة تدعو إلى التفاؤل ومنها واحدة سطرها شيخ دين والآخر طالب علم؟! الشيخ هو عائض القرني ومقالته تتناول التطرق إلى تجربة عاشها في أمريكا والطالب هو هاني باحويرث وقصته تتناول الحديث عن تجربة الابتعاث في بريطانيا. الشيخ القرني يقول لقد طفت مع بعض زملائي إحدى وعشرين ولاية أمريكية، فكلما رأينا الدقة والحسن في نظام السير والمرور وحماية البيئة والذوق العام وترتيب شؤون الحياة، تذكرنا النصوص التي قرأناها في الكتاب والسنة. وقد جاء ذلك في مقال مميز تحت عنوان: «أمريكا تنصر امرأة سعودية» في صحيفة الشرق الأوسط قبل بضعة أشهر وقد تمنى في مقاله لو أنه كان امرأة أمريكية؟! الطالب المبتعث باحويرث، تناول المحطات التي شهدها في بريطانيا وجاء فيها قوله " شكرا بريطانيا لأني بدأت أتمتع بشعور الإنسان...لا أحمل معي سوى وجعي إذا زرت المركز الصحي فهم لا يعرفون ديني ولا جنسيتي ولا مذهبي ولا لوني ولا كفيلي ولكن يعرفوا أهم من هذا كله أني إنسان وإنسان فقط. شكرا لجاري العزيز ذو الاخلاق الرائعة والذي يأخذ البريد من باب العمارة ليضعه أمام باب شقتي يومياً وبل يعرض علي أن اترك ابني عنده ان أردت أن أتعشى أنا وزوجتي في الخارج. شكرا لأني تعلمت ديني الذي فقدته وأنا طفل وأنا شاب، وكتب الله لي أن أتعلمه ليس من بطون الكتب ولا الدورات الشرعية ولا الجلسات العلمية ولا برامج التلفاز، بل من واقع يفرضه المجتمع والجميع بداية من مدرس الروضة لسائق الباص وعامل الشارع لرئيس الوزراء، هذا ما شهدته شخصيا...قد تتفق معي يا أخي أو تختلف فأنا أعرف أن أصابع يديك ليست سواء ولكن هذه الحقيقة رأيتها بأم عيني، شكرا بريطانيا، لا تخافوا علي، فمازلت مسلما وعربيا أكثر ومن أمة محمد وسأكون كذلك أبد الآبدين إن شاء الله".
مع الرسائل المتشددة المتطرفة والمفخخة هناك رسائل محبة وسلام تحاول أن توصل القيم التي زرعها الإسلام في نفوس أتباعه من تسامح وتعايش وقبول الآخر فهل تنتصر رسائل السلام على رسائل التطرف "آمين"؟!.

الأربعاء، 3 نوفمبر 2010

أوضاع حرية الصحافة من سيئ إلى أسوأ؟!

2010-11-03
جريدة الشرق

تراجع الحريات الصحفية في معظم الدول العربية
الصحافة الوطنية تشهد درجة عالية من الرقابة الذاتية
رغم إشارات التحذير الكثيرة لم تظهر الخطوات التغييرية

الانتقال من الحالة السيئة إلى الأسوأ كان المشهد الذي عكس أوضاع حرية الصحافة العربية في تقرير "مراسلون بلا حدود" في عام 2010، فالتقرير يشير إلى الانتكاسة التي تعرضت لها الصحافة حتى في الدول التي كانت تتقدم القائمة العربية في المؤشر العالمي لحرية الصحافة؟!
وحسب التصنيف فقد احتلت لبنان المرتبة الأولى على الصعيد العربي بترتيب 78 ثم الإمارات في المرتبة 87، كما حلت موريتانيا وجيبوتي قبل الأردن في المرتبتين 95 و،110 على التوالي. لكن الوضع ليس كما يبدو فهو في لبنان تقهقر في تقرير المنظمة من المركز الـ61 في عام 2009، إلى المركز الـ78 في 2010. كما تراجع تصنيف الكويت التي كانت تتصدر القائمة في السنوات الأخيرة إلى الوراء بحوالي 27 مرتبة، حيث هبطت من المركز الـ 60 إلى المرتبة 87؟! وتراجعت أيضا قطر في المرتبة، 121، أما البحرين فقد خسرت في التصنيف 25 مرتبة، وذلك بعد أن كانت في العام الماضي 2009 تحتل المرتبة 119 عالميّاً، ليصبح ترتيب البحرين في العام الحالي 144 على الصعيد العالمي، كما تراجع المغرب ثماني مراتب عن قائمة العام الماضي ليحتل المركز 135 وتراجعت تونس من المرتبة 154 الى المرتبة 164. وجاءت ثلاث دول عربية هي اليمن وسوريا والسودان ضمن قائمة أسوأ 10 دول في مجال حرية الصحافة في العالم، إضافة إلى كوريا الشمالية وتركمنستان وإيران وبورما والصين ورواندا، فيما احتلت اريتريا المركز الأخير للمرة الرابعة على التوالي.
وعن أهم المعضلات التي تواجهها الصحافة في الدول العربية ذكر التقرير أنه ـ وبسبب ما تعرض له العديد من الصحفيين من المنع او التضيق ـ يضطر معظم الصحافيين المستقلين إلى اللجوء إلى الرقابة الذاتية تفادياً لتعرّضهم للملاحقة الحكومية والأمنية والقضائية وغيرها من المشاكل. أما الصحافيون الأجانب، فلا يحق لهم التنقّل في البلاد من دون دليل تعيّنه وزارة الإعلام. ويكون مصير كل من يخالف هذا التوجيه الطرد فيما يبقى الاحتجاز لمعاونيه. كما تحدث التقرير عن تقلص متواصل في حرية الصحافة، مشيرا إلى أن الاحتجاز التعسفي والتعذيب لا يزالان أمرا روتينيا. أما الوضع في دول الخليج، فقد أشار التقرير إلى أن الممارسة الصحافية لا تزال ضرباً من ضروب ألعاب التوازن، مما يحوّل أي تحليل انتقادي للقرارات الصادرة عن السلطات أو المتخذة بشأن البلاد بوجه عام إلى مهمة محفوفة بالمخاطر.. وبهذا، تلقي الضغوط السياسية — والاقتصادية — بثقلها على حرية تعبير قطاع الصحافة، وتشهد الصحافة الوطنية درجة عالية من الرقابة الذاتية. ومعظم العاملين في أسر التحرير المنتشرة في البلاد هم من الأجانب. وبما أن إقامتهم مرتبطة إلى حد بعيد باحترام الخطوط الحمراء التي تفرضها السلطة، فإنهم يضطرون لمضاعفة درجة الرقابة الذاتية الممارسة لتفادي طردهم من البلاد. وغالباً ما تعترض الصحافيين المكلّفين بالبحث في المسائل الاقتصادية عوائق مهمة تحول دون تغطيتهم السليمة للوقائع الاقتصادية. فيخشون أن يتهموا بالإساءة إلى صورة البلد الساعية إلى استقطاب الاستثمارات الأجنبية. ونظراً إلى صعوبة النفاذ إلى المعلومات في هذا المجال، يكتفون باستعادة ما ورد في البيانات الرسمية.. وفي تعليقه على الوضع في بعض الدول العربية وخصوصا الخليجية منها قال الأمين العام لمنظمة "مراسلون بلا حدود" نرى أكثر من أي وقت مضى أن التطور الاقتصادي لا يترافق بالضرورة مع إصلاح المؤسسات واحترام الحقوق الأساسية. وعن قطر عرج التقرير على غياب القانون الذي يرعى شؤون الصحافة المكتوبة، وأشار إلى قانون المطبوعات الذي يعود إلى عام 1979 ولم يخضع لأي تعديل منذ ذلك التاريخ بالرغم من التحوّل الجذري الطارئ على المشهد الإعلامي. الذي يكثّف المواضيع الممنوع التداول فيها في حين أن صياغته نفسها تفسح المجال لشتى التفسيرات مانحاً السلطات صلاحيات مهمة قد تؤدي إلى حظر المؤسسة الصحافية من دون إمكانية اللجوء إلى القضاء واحتجاز صحافي على خلفية "الافتراء" و"التشهير". في خضم هذه الصعوبات، ولا يزال الصحافيون عزلاً لا سيما أنه ما من جمعية في قطر تدافع عنهم أمام أرباب عملهم والسلطات في غياب تام للحرية النقابية؟! والتقرير كرَّرَ ما نقوله في كل محفل صحفي محلي، أوعربي، أو دولي عن الأوضاع المتردية التي تعيشها الساحة الصحافية في مجتمعنا، ورغم إشارات التحذير الكثيرة التي طرحناها خلال السنوات الماضية لم تظهر أي خطوات تغيرية وإصلاحية ولا حياة لمن تنادي؟!
تقرير شبكة سي إن إن (CNN) الإخبارية برز كشاهد آخر يشير إلى أن الصحافة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تواجه اليوم مرحلة عصيبة، بدءاً من مواجهة الاعتقالات التعسفية وغلق المطبوعات، وتوجيه الاتهامات لمعدي البرامج بالتليفزيون والمدونين، وذكر التقرير أن المشاكل تنبع من سيطرة الحكومات على وسائل الإعلام، الأمر الذي يبدو وكأنه هو القاعدة العامة وليس الاستثناء فى منطقة الشرق الأوسط، موضحاً أن المنطقة يبدو، وكأنها كلما تقدمت خطوة نحو الاتجاه الصحيح، تتدهور معها خطوتين للخلف. وإن أغلب دول المنطقة لا تحد فقط من الحريات السياسية، ولكن تتحكم بقوة فى الآراء ولا تترك مساحة للمجتمع المدني، كما أنهم يحكمون رقابتهم على الإنترنت. وتكمن المشكلة الرئيسية في أن نظم الحكم غير قادرة تماما على الانفتاح وتحرير الإعلام، لأنهم غير شعبيين بالمرة.
رغم الانتكاسة الكبيرة فإن هناك وضعا أسوأ من آخر، ونسبة الحرية في دولة أفضل منها في الأخرى، والحالة الأكثر وضوحا في مشهد الصحافة العربي تمثل في صدور مجلة "فوربس" الأمريكية (Forbes) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عن قائمة "فوربس — الشرق الأوسط" لأقوى 50 صحيفة مطبوعة حضوراً على الإنترنت لعام 2010 في العالم العربي"، وقد اعتمدت المجلة على أفضل 200 موقع في كل دولة عربية من موقع وخدمة (اليكسا) وهو تابع لموقع (امازون) وتأسس سنة 1996 ومقره الولايات المتحدة. وجاءت مصر والكويت والجزائر والسعودية والإمارات على رأس القائمة، ثم الجزائر والسودان ولبنان تونس وليبيا والبحرين الأردن واليمن وسوريا، وحازت مؤسسة صحفية واحدة في قطر التي تنطلق من أرضها المحطة الإخبارية العربية الأولى (الجزيرة) على المراتب الأخيرة وهو مؤشر آخر على مدى الانتكاسة التي ابتليت بها الصحافة في قطر؟! لقد أشرت في مقال نشرته العام الماضي في هذه الزاوية تعليقا على التقارير التي تتناول الوضع الصحافي، أنها مسألة وقت ربما قد تستغرق عدة سنوات، وسنصبح في مؤخرة الدول العربية، ولكن الوقت لا ينتظر كما يشير إعلان محطة الجزيرة القطرية، لقد كانت قطر تتصدر المرتبة الثانية في تقارير قائمة العالم العربي في المساحة المتاحة لحرية الصحافة والتعبير والانفتاح الإعلامي، وهي اليوم تحصد المراتب الأخيرة عاماً بعد الآخر؟!