الأربعاء، 7 يوليو 2010

انتهاء عصر الصحافة الورقية.. يوم يرونه بعيدا ونراه قريب

2010-07-07
الصحف العربية تعيش أزمة متفاقمة وسيخرج بعضها من الساحة قريبا
إما أن تتغير الصحف الورقية أو تواجه خطر الفناء
الوضع في الخليج هو الاسوأ في التعامل مع وسائل الإعلام وتحدياتها
نفوذ الصحفي "كحارس بوابة" حول ما يعرفه أو لا يعرفه الناس أخذ في التقلص

ربما كانت مفارقة لكنها درس بليغ الأثر في النظر إلى المستقبل والتعامل مع تحدياته بدل الازدراء والتهكم والتقليل من تداعياته، من ابرز الذين انتقدوا الصحافة الالكترونية في الخليج هو رئيس تحرير صحيفة "أوان" الكويتية والتي وصفها بقوله إن صحافة الانترنت ما هي الا وجبات سريعة، لا طعم فيها، ولا نكهة، وان الصحافة الورقية هي صاحبة الوجبات الدسمة. وبعد اقل من 3 سنوات يعلن توقف الصحيفة. لتسجل الآن المرتبة الثانية في الانسحاب من ساحة التنافس الإعلامية الكويتية بعدما سبقتها إلى ذلك صحيفة الصوت التي لم تستمر في صدورها إلا أقل من أربعة أشهر بعد أزمة مالية عصفت بشركة دار الاستثمار مالكة امتيازها. ومن الكويت إلى البحرين التي أعلنت صحيفة الوقت البحرينية توقفها عن الصدور لأسباب عديدة أهمها السيولة و"الحصار الإعلاني والإعلامي"، وقد نشرت الصحيفة إعلانا في صفحتها الأولى يقول: "لسنا أول صحيفة ولسنا آخر صحيفة أيضا تتوقف عن الصدور. حاولنا أن لا نكون صحيفة حزب ما.. أو صحيفة تكتل مصالح.. أو صحيفة حكومية.. أو صحيفة طوائف أو مذاهب أو إثنيات. حاولنا أن تكون لدينا استقلاليتنا وتحملنا عبء غضب العيون الحمراء، وتحملنا عبء أولئك الذين فرضوا علينا حصارا إعلانيا وإعلاميا."، أما آخر الأخبار، إعلان مؤسسة دبي للإعلام تحويل النسخة الورقية من صحيفة (ايمرتس بزنس) اليومية التي تصدر باللغة الإنكليزية إلى صحيفة الكترونية شاملة.
الصحف العربية الورقية تعيش أزمة متفاقمة والبعض منها سيخرج من الساحة قريبا نتيجة التحديات التي تطرحها الوسائل الالكترونية وهي ليست بعيدة عما حدث لأكبر المؤسسات الصحفية في العالم. فصحيفة "نيويورك تايمز" أجرت الكثير من التضحيات والاستقالات منذ الأزمة الاقتصادية إلى اليوم. وتراجع المحررون فيها من 1330 إلى 1250 شخصا. وخفضت الصحيفة أيضا رواتب معظم موظفيها هذه السنة بنسبة 5 %. وأعلنت أنها قررت في نهاية المطاف ألا تبيع يومية بوسطن غلوب لعدم توافر العروض الكافية على ما يبدو لشراء هذه المنشورة التي تواجه عجزا، وأبرمت إيجارا تمويليا لجزء من مقرها في مانهاتن بنيويورك لتعويم ديونها، واستفادت الصحيفة أيضا من قرض قيمته 250 مليون دولار من الملياردير المكسيكي كارلوس سليم. كما أعلنت صحيفة "واشنطن بوست" من جانبها إلغاء وظائف 100 صحفي قبل نهاية السنة، أي 8 % من عناصرها في التحرير.
المرحلة التي نشهدها تعتبر انتقالية من الحديث والتساؤل حول مدى خطورة التهديد الذي تواجهه الصحافة الورقية في ظل العولمة والانفتاح الفضائي، إلى التعامل بجدية لمواجهة التحديات التي أثارتها الصحافة الالكترونية وعلى جميع الأصعدة. وتفاقم التحديات لتتحول إلى أزمة يصل صداها قاعة الشيوخ والنواب في واشنطن بالولايات المتحدة، الأمر الذي دفعهما إلى تخصيص جلسات للاستماع إلى مسببات الأزمة وطرق معالجتها ومنها أسباب تقليص هيئات التحرير، وغلق مكاتب المراسلين، وتوقف عشرات الصحف المحلية عن الإصدار. كما عقدت لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية اجتماعات لدراسة الأوضاع الصعبة التي تعيشها الصحافة الورقية وحاولت بدورها تقديم افكار ومقترحات تهدف إلى مساعدة مهنة الصحافة كي تتمكن من تحقيق أرباح مجددا. ومن الأفكار المطروحة، تخفيف القيود في لوائح مكافحة الاحتكار بهدف السماح للمؤسسات الإخبارية بفرض رسوم على المحتوى الإلكتروني، فرض ضريبة على أجهزة "آي باد" وغيرها من الأجهزة الإلكترونية لدعم تكلفة التقارير الصحافية، تأسيس صندوق عام على غرار "أميريكوبربس" لدفع رواتب للصحافيين الصغار. وقد أثارت المقترحات تهكم وسائل الإعلام المختلفة حيث انتقدت صفحة التحرير في "واشنطن تايمز" المقترحات التي ذكرت في التقرير، وجاء في مقال افتتاحي نشرته صحيفة "الشرق الاوسط": "عندما يتعلق الأمر بوسائل الإعلام، سيخسر المستهلكون بدرجة كبيرة عندما تقمع الحكومة الإبداع تحت مسمى (إنقاذ) قوالب العمل التجاري القديم". وسخِرت الصحيفة من مقترح يسمح للمؤسسات الإخبارية بفرض رسوم على مواقع تجميع الأخبار على شبكة الإنترنت مقابل استخدام المحتوى الموجود. وركز انتقاد آخر على ما يعتبره الكثير من الصحافيين مخالفة صارخة، وهو السماح للحكومة بلعب دور في العمل الصحافي الحر؟! كما كتب جيف جارفيس، الأستاذ المشارك في كلية الدراسات العليا في الصحافة لجامعة مدينة نيويورك، مقالا في "نيويورك بوست" وصف فيه تدخل الحكومة بأنه غير مناسب وغير ضروري للحفاظ على مستقبل الصحافة. وأضاف: "أعتقد أن المستقبل يرتبط بالجانب التجاري لا الجانب المؤسسي، ولا يحتاج رجال الأعمال إلى مساعدة حكومية، بل يحتاجون إلى تركهم وحدهم مع طمأنتهم بأن لجنة التجارة الفيدرالية لن تتدخل".
التقارير الدولية المختلفة التي نشرت في الصحافة العالمية تشير إلى التراجع الحاد للصحافة الورقية بعد انتشار الانترنت حيث شرعت المؤسسات الصحفية في التخلي عن محرريها واغلاق مكاتبها والاقتصار على عدد صغير بالاعتماد على تكنولوجيا الاتصالات السريعة. ووفرت محركات الأبحاث مثل "ياهو" و"غوغل" الجهد على الصحفيين بشكل خيالي، وقلص الاعتماد على المراسلين والمندوبين بشكل أضحى "مجزرة وظائف. لقد قام الإنترنت بكسر النموذج التجاري للصحافة، وبات الناس لا يدفعون مالاً مقابل شراء الصحيفة الورقية، بينما في وسعهم الحصول على ما يريدون مجانا عبر المواقع الالكترونية. بدأ العصر الرقمي لوسائل الإعلام بانطلاقة هائلة لا رجعة فيها. وباتت القيّم التجارية لم تعد تسير لتوفر للمستهلك ما يكفي من الجودة مع الصحافة الورقية. وبدت كأنها مضيعة للوقت في طبخ الأخبار بشكل متأخر وتوزيعها بصحف ورقية؟! وكشف تقرير عن حالة وسائل الإعلام الإخبارية في الولايات المتحدة، إعلان شهادة وفاة للصحف الورقية. ونقل التقرير عن توم جولدستين العميد السابق لكلية الصحافة بجامعة كولومبيا قوله "إذا لم تتفاعل وتتغير الصحف حسب الأجواء المتبدلة فأنها سوف تواجه خطر الفناء.
وضعنا في الخليج هو الاسوأ مقارنه بالآخرين، من رقابة على التعبير والنشر، والتضييق على التغيير والحراك والحصول على المعلومات وتداولها، محاربة الكتاب والمثقفين والمدونين (محمد عبدالقادر الجاسم، خالد الفضالة) وزجهم في السجون والمعتقلات، إصدار القوانين والتشريعات المعرقلة للحريات الصحافية والإعلامية في عصر الانفتاح الفضائي والمعلوماتي والانترنت، ومن تكميم وتكبيل ونفي ومصادرة المؤسسات والجمعيات المدنية الوطنية ومنعها من ممارسها أدورها التي من المفروض أن تقوم بها في كل مجمع حتى يتقدم ويتطور؟!
أهم المطالبات في علاج الأزمة التي تعيشها الصحافة الورقية تمثلت في مطالبة المتابعين والخبراء لجنة الاتصالات الفيدرالية والكونغرس بالتوقف عن إلقاء اللوم على الإنترنت وحده، والبدء في التفكير بكيفية دعم مستنير يمكنه أن يعيد تنشيط الصحافة التي تخدم الصالح العام في ظل تغيير الأدوار في الحصول على المعلومات ونشرها وإرسالها، إن دور أو نفوذ الصحفي "كحارس بوابة" حول ما يعرفه أو لا يعرفه الناس أخذ في التقلص. كما أن القارئ للمادة الإعلامية يريد أن يلعب دوراً أكثر فاعلية في تجميع وتحرير واختيار وأحيانا خلق تلك الأخبار، والأهم أن الجمهور يبتعد عما يمكن تسميته بالميديا القديمة مثل التلفزيون والصحف متوجها إلى الميديا الجديدة أي الانترنيت، ومن هنا تأتي ضرورة وأهمية أن يقوم الصحفي بتطوير وتحديث أدواته وتحديد تلك المبادئ والقيّم التي يريد أن يدافع عنها ويحميها في المستقبل. والسؤال هل سيكون عامل الزمن هو الفيصل في انتهاء عصر الصحافة الورقية أو توقفها عن الصدور، بعدما حصلت على نسختي من جهاز ابل الآيباد 2010 (iPad)، آمنت انه يوم يرونه بعيدا ونراه قريبا؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق