الأربعاء، 7 يوليو 2010

لتأثير التركي من المسلسلات إلى الثقافة والسياسة العربية

2010-06-30

المسلسلات والأفلام والأغاني التركية المدبلجة تقتحم البيوت وتسيطر على المشهد العام
التغيير في بنية المجتمع غالباً ما يكون طويلاً ومعقداً وله آثار جانبية
أنقرة نجحت في تحقيق ما أخفقت فيه أمريكا مع العرب على مدى 7 عقود
القناة العربية تسعى إلى ترسيخ التغلغل التركي في المنطقة

هشة أنا مثل نتفة ثلج، مكسورة مثل جناح طير، حرام ان يمس الغريب جلد حبيبي، في الارض دفنت قلبي، اشجار الزيزفون ذرفت دمعها من اجلي دما، آلامي ستطاردك في الدنيا والآخرة. هذه بعض مقتطفات اغنية تركية من مسلسل (سنوات الضياع) ارسلها لي صديق عن طريق رسالة الكترونية مترجمة باللغة العربية وشاهدها على اليوتيوب ما يتجاوز (مليون وستمائة الف)؟!
الثقافة في المجتمع تختلف من مكان الى آخر، وهي في العالم العربي والخليجي بشكل خاص لها طابع خصوصية مغلفة بعادات وتقاليد وارث تاريخي يسيطر على الفكر والعقل وله احترام وقدسية وان خالف الاعراف والقوانين وربما بعض تعاليم الدين المرتبطة بالعدل والمساواة والقبول والتعايش والمواطنة والشراكة؟! والتغيير في بنية المجتمع غالبا ما يكون طويلا ومعقداً وله آثار جانبية لا يمكن التعرف عليها والحكم السليم على آثارها الى بعد تعاقب اجيال. وفي السنوات الاخيرة برزت ثقافة مغايرة قادمة من الشمال وبالتحديد من تركيا ولاقت قبولا وانتشارا في بنية المجتمع العربي بطريقة ليس لها مثيل مقارنة مع الثقافات العالمية الاخرى، وجاءت المسلسلات والافلام والاغاني التركية المدبلجة لتقتحم البيوت دون استئذان وتسيطر على المشهد العام، ويتابعها ملايين المشاهدين من المحيط الى الخليج، والمغتربون العرب في الدول الاوروبية والولايات المتحدة الامريكية، لتنتقل الى الانترنت والمنتديات والمواقع التفاعلية وتسجل اعلى النسب في المتابعة والمشاهدة والتعليق وتتفوق حتى على الانتاج الذي يأتي من الدول العربية والغربية؟!
صحيفة حرييت التركية اشارت في تقرير نشرته عن الدراما التركية خلال السنوات الماضية إلى أن عدد الدول المستوردة للمسلسلات التركية بلغ 22 دولة منذ أن بدأت تركيا تصدير مسلسلاتها في عام 2006، مشيرة إلى أن هذه المسلسلات تحطم الأرقام القياسية في نسبة المشاهدة في العالم العربي واليونان والبرازيل، وان حصيلة بيع المسلسلات التركية بلغت 3 ملايين دولار سنويا، وأشار التقرير إلى أن هناك 18 مسلسلا يعرض حاليا في شمال إفريقيا واليونان وإيران، ومعظمها يلقى رواجا كبيرا في مصر والإمارات وسوريا والعراق والأردن ولبنان وإيران. واشارت احصائيات عربية إلى أن عدد مشاهدي مسلسل (نور) بلغ 85 مليون مشاهد عربي ممن تجاوزت أعمارهم 15 عاماً بينهم نحو 50 مليوناً من الإناث أي ما يعادل أكثر من نصف عدد النساء العربيات البالغات محققاً نسبة مشاهدة تفوق أي عمل درامي عرض على شاشات التلفزيون في العالم العربي خلال السنوات الماضية. وفيما يتعلق بنسب مشاهدة مسلسل (سنوات الضياع) فبلغت ما مجموعه 67 مليون مشاهد منهم نحو 39 مليوناً من الإناث وبذلك ينال المسلسل ثاني أعلى نسبة مشاهدة بعد (نور).
ولا نبالغ اذا قلنا ان هناك تأثيرا كبيرا احدثته الثقافة القادمة بادواتها في بنية المجتمعات العربية، والتأثير الاجتماعي كان له صدى واسع في الاعلام العربي، وربما لعبت الصلة الكبيرة بين الأتراك والعرب والظروف التاريخية والديانة الإسلامية دورا في جعل هذه الثقافة أقرب إلى قلوب العرب من غيرها وجعلت تأثيرها أقوى. لقد اشارت التقارير الاعلامية إلى ان حالات الغيرة من أبطال المسلسلات التركية المدبلجة تسببت في وقوع حوادث الطلاق في العالم العربي، بعد أن طلبت نساء عربيات من أزواجهن أن تتم معاملتهن برومانسية على غرار ما يفعل ابطال مسلسل "نور"، أو أن يبدوا عواطف جياشة كالتي يطلقها يحيى في مسلسل "سنوات الضياع". ومن طريف الاخبار ان أسرة بحرينية كانت قد تقدمت لطلب يد فتاة للزواج تدعى (نور) لابنها الشاب (محمد)، قد فوجئت بأن سبب التأخير في الرد هو رغبة عروس المستقبل تغيير اسم الزوج من محمد إلى (مهند)؟!، ودخلت الفتاوى الدينية على الخط فقد نشر بعض مشايخ السنة والشيعة فتاوى تفيد بتحريم مشاهدة المسلسلات التركية، لما فيها من الشر والبلاء وهدم الأخلاق، ووصفوها بالهادمة للأخلاق والداعية إلى الرذيلة. كما أفتى داعية وإمام مسجد في مدينة (حلب) بعدم جواز الصلاة بلباس قمصان طبعت عليها صور أبطال الأعمال التركية المدبلجة - مثل (لميس ويحيى) (سنوات الضياع) ونور ومهند (نور) - قائلا: إنها صور تطرد الملائكة من مكان العبادة.
في النصف الآخر في النظر الى الكأس، سنلاحظ ان مسلسلا واحدا استطاع أن يفعل ما لا تستطيع أن تفعله الحكومات من تقريب بين الشعوب ونشر للثقافات وانعاش للاقتصاد والسفر وللسياحة، نقلت صحيفة اليوم السابع المصرية عن صحيفة تركية قولها "المصريون الأكثر تسوقا فى أسطنبول"، وأشارت "أصبحت اسطنبول المقصد الأول لإقامة حفلات الزفاف لبعض العرب، وذلك بفضل المسلسلات التركية التى حققت شعبية كبيرة فى العالم العربى، حيث يتوافد لاسطنبول أسبوعيا حوالى 400 - 450 عربيا لإقامة حفلات الزفاف على ضفاف نهر البوسفور، كما شهدت السياحة إلى تركيا خلال عام 2009 زيادة غير مسبوقة، منها 21 % من الإمارات العربية المتحدة، و50 % قدموا من المغرب.. حتى ان بعض مشايخ الدين دعوا لزيارة تركيا في هذا الصيف لدعمها القضايا العربية؟!.
كما اثارت نجاحاتها غيرة الآخرين الذين يريدون كسب قلوب وعقول من يعيش في العالم العربي والإسلامي، ولقد نشرت منذ مدة مجلة فورين بوليسي المرموقة (Foreign Policy)، تقريرا اشارت فيه الى أن أنقرة نجحت في تحقيق ما أخفقت الولايات المتحدة في إنجازه على مدى نحو 7 عقود من بدء علاقتها رسمياً مع العرب. وقالت المجلة ان الدراما التركية قد نجحت في التعامل مع العديد من المواضيع التي تخشى الدراما العربية التعامل معها، مثل المساواة بين الجنسين، والتعامل مع الخيانة، وكذلك إقامة علاقة حب مع شخص معين، والتعامل مع موضوع الأطفال الذين يولدون خارج علاقة الزواج الشرعية. وهي دراما جاءت في النهاية من بلد مسلم هو تركيا، وهو "ما جعل من السهل اختراق جدران سميكة وضعها المحافظون في العالم العربي، تمثلت في التعصب وكراهية النساء ومحاولة إخفاء أو التنكر لفكرة وجود القضايا الأخلاقية داخل المجتمع". وقالت المجلة ان تمتع المسلسلات التركية برصيد كبير داخل المجتمع العربي، دعا تركيا إلى، أمر لم تكن أنقرة تفكر فيه لو تركت الأمور دون عرض المسلسل التركي. المجلة أضافت في تعليقها على الظاهرة "لقد ثبت أن إنتاجا تلفزيونيا بسيطا يمكن أن يستخدم كأداة اجتماعية فعالة لإحداث تغييرات في التفكير والتأثير، والفوز بملايين العقول والقلوب في المنطقة".
لم تتح لي الفرصة للتعرف على الثقافة التركية عن قرب ولم اتابع اي مسلسل تركي منذ انطلاقته في العالم العربي، والحقيقة انها ظاهرة بحاجة الى دراسة اوسع من مقال في صحيفة، خصوصا في التركيز على آثار التغييرات، سواء الايجابية او السلبية، ومدى استمرارية نجاحها وانتشارها عند المواطن العربي، سواء الذي يعيش في الداخل او المهاجر الى الخارج؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق