الأربعاء، 23 ديسمبر 2009

نداء إلى وزير التعليم.. اتجه شرقا

التعليم لا يزال يراوح مكانه ولا ينتج مخرجات تعليمية عالية الكفاءة
الانفتاح على التجربة الآسيوية يتمثل في افتتاح مدارس علمية مشتركة في قطر
نقترح عقد شراكة قطرية ـ آسيوية مع الهند واليابان فى مجال التعليم
المجتمعات تُهزَم بنوعين من الأفكار: (القاتلة) و(الميتة)
نشر بتاريخ 23-12-2009

هل هناك صراع في المجتمع يحتل فيه التعليم الزاوية الأساسية؟ بالتأكيد.. نعم! فها نحن على أعتاب دخول العام القادم الذي نكمل فيه عشر سنوات عجاف من عمر الألفية في ظل الإشكاليات والتحديات التي تطرح نفسها في كل يوم، وفي ظل عدم حسمنا لكثير من الأمور المرتبطة بالماضي والحاضر والمستقبل، التي تحدد مصير مجتمعنا!، كما يكمل نظامنا التعليمي الذي بدأت حركة التغيير فيه (أو التجريب فيه، فلن نختلف كثيرا على التسمية)، عامه الثامن بعد أن انطلق في بداية 2002 بإنشاء المجلس الأعلى للتعليم وتعيين اختصاصاته كجهة مستقلة، وانتهى بعودته إلى وزارة التعليم ودمجه فيها 2009م. فهل نستطيع أن نؤكد اليوم أن التعليم لا يزال يراوح مكانه ولا ينتج مخرجات تعليمية عالية الكفاءة، لا على المستوى العلمي والأكاديمي، ولا حتى في الوفاء بمتطلبات القبول في أي جامعة بالداخل قبل الخارج، ولا يسهم حتى في النجاح بسوق العمل، لا على المستوى المحلي ولا الدولي؟!

أين يكمن الخلل، وأين هي العلة، وما الذي ينقصنا؟ فالنسبة السكانية المحدودة والإمكانات والموارد المادية الكبيرة لدينا مقارنة بعدد السكان تعد أفضل من أمريكا واليابان وكل أوروبا، والاستقطاب والاستعانة بالخبراء والأجانب هي الأعلى في العالم، وبناء المدارس والمعاهد التعليمية وضخ الميزانيات الحكومية فيها بالمليارات لا تقارن بها غيرها، الأمر الذي يجب أن يجعل تجربتنا في قطر هي الأفضل، ويحولها إلى النموذج الأمثل في التقدم والنجاح والتطور، خصوصا في مستويات الانجازات والنتائج، إلا أن الأمر عكس ذلك تماما، فنتائج الاختبارات المحلية والإقليمية والدولية ومنها النتائج الأخيرة التي أعلن عنها خلال السنة، والسنة الماضية وما قبلها وربما بعدها بسنوات قادمة، تبين أننا نقبع في مؤخرة الركب وبالتحديد في المرتبة قبل الأخيرة عند مقارنتنا مع كل الدول العربية الشقيقة من المحيط الخاثر إلى الخليج العاثر؟!
هل استنفدت الرؤية التي قدمت لإصلاح منظومة التعليم في قطر خياراتها الأخيرة ولم تعد قادرة على تقديم المزيد؟ فالخيارت التي قُدمت تراوحت بين قبول ورفض النموذج المركزي المعدل، و كان هو الخيار الأول الذي طرح على الطاولة، ومن الملاحظ أننا نعود رويدا رويدا إلى هذا الخيار المرفوض بعد التطورات الأخيرة في منظومة التعليم لمرحلة جديدة وفقدان مبدأ الاستقلالية!. أما نظام العقد المدرسي فحدث ولا حرج عن الأنظمة واللوائح والآليات وسياسة التجريب والخطأ في المبادرة ابتداءً من المسؤولين في المجلس الأعلى للتعليم إلى المسؤولين في المدارس المستقلة، مرورا بالمناهج وتدريسها والقائمين عليها وليس انتهاء بمجلس الأمناء ودوره في محاسبة ومتابعة أداء المدرسة وتقييم نتائجها ونتائج الطلبة ليقارنها بنتائج الأعوام السابقة، ويحاسب المدرسة بناء على ذلك ويحاسب نفسه أيضا، ويوما بعد يوم نكتشف أن (الخرق اكبر من الرقعة)؟! أما الخيار الثالث المتمثل في نظام الكوبونات التعليمية فهو أشبه بنادي امتياز خاص، لا نعرف الكثير عنه ولا عن أعضائه ولا عن مدى نجاحه ولا كيف نقيمه؟!
هل هناك خيارات أخرى لم تطرح بعد، وهل المشكلة تكمن في طرح الأفكارفقط دون تنفيذها وتحويلها الى واقع ملموس ومعاش وناجح على الأرض؟. فالأفكار مرمية على قارعة الطريق كما يقول الجاحظ، ما هو الخيار الرابع أريد أن أعترف بداية أنني لم أجد لوصف الفكرة التي أتحدث عنها ـ وأتمنى من الآخرين أن يشاركوا فيها ـ عبارة أفضل من مصطلح الخيار الرابع. والخيار الرابع هو خيار عمليٌ وليس نظرياً، تطبيقيٌ وليس تلقينياً، واقعيٌ وليس متخيلاً، الخيار الرابع هو أن نتجه شرقا وننفتح على التجارب العملية الناجحة في المنظومة التعليمية الآسيوية وننقل المبادرة التي ولدت في أجواء البرودة الغربية على ايدي راند إلى أحضان الشمس الدافئة الشرقية في الهند وكوريا الجنوبية واليابان، وأن نتبنى النموذج الآسيوي التعليمي الناجح في هذه الدول وغيرها، وهو النموذج الذي يهتم بصورة فعّالة بإكساب المهارات وتعزيز القدرات الأساسية، ويقوم على التطوير النوعي للتربية العلمية، ويضع الثقافة الحديثة المتطورة نصب عينيه، ويشارك بدور كبير في عمليات التنمية من خلال بناء الإنسان الواعي المبدع والملتزم بالعمل والأخلاق.
هذا نداء أوجهه لوزير التعليم والتعليم العالي، أدعوه فيه اليوم إلى أن يترك بصمة مميزة يذكرها له المجتمع بالخير، وأن يكون هو السباق في تبني مبادرة الانفتاح على المنظومة التعليمية الشرقية من أوسع أبوابها، عله يدرس تجربة المنظومة التعليمية الهندية من الداخل، التي أخذ سحر نجاحها المميز ينتشر ويعم في العالم، الأمر الذي جعل اليابان تحسد الهند، وقد تطرقت إلى ذلك في مقالاتي السابقة، وأن يطلع على تجربة تدريس المناهج في كوريا الجنوبية وآثارها الايجابية بعيدة المدى، التي لا تقيم وزناً كبيراً للاختبارات، بل تجعل اهتمامها مُنصباً على امتلاك طلابها للمعلومات والمهارات والمفاهيم الأساسية، ولو تَطَلَّب الأمر أن يستمر المدرسون مع الطلاب إلى ساعات متأخرة من الليل حتى تتأكد المفاهيم، وترسخ المهارات، وتنمو المعارف، يمكن أن نستفيد من تايوان التي بدأت مشاريع تعليمية رائدة، أهمها إنشاء ما سمي بكليات المجتمع تحت شعار "تعليم مدى الحياة" وهدفها تقديم برامج تعليمية مرنة من ناحيتي المكان والزمان، كما أنها توفر تلقي الكورسات المقررة من خلال الراديو والتلفزيون والانترنت، ويتجاوز عددها اليوم 87 فرعا منتشرا في كل أقاليم البلاد، وتتولى إدارتها مؤسسات لا تسعى إلى الربحية، علما بأن أولها افتتح في عام 1998 وبعدد من الطلاب والطالبات لا يتجاوز الثلاثة الآلاف، ليرتفع العدد اليوم إلى أكثر من 250 ألف طالب وطالبة (وهو عدد سكان قطر من المواطنين)، بالإضافة إلى التجارب العديدة المميزة في هونغ كونغ وماليزيا وسنغافورة وخصوصا في مجال البرامج الداعمة الهادفة لإنشاء بنية أساسية متينة للبحث العلمي من مختبرات علمية وتجهيزات لوجستية وتنمية بشرية.
إن الانفتاح على التجربة الآسيوية يتمثل في افتتاح مدارس علمية مشتركة في قطر، ولتكن لدينا قناعة بتحقيق خطوة أولى، مرحلية، ونقوم بعقد شراكة قطرية ـ آسيوية مع الهند، واليابان، وتايوان على سبيل المثال، من خلالها نقوم بإنشاء 3 مدارس تستلهم أبرز 3 نماذج متميزة ناجحة ورائدة في المدارس الآسيوية في البلاد المذكورة، وتقوم عليها قيادات حصلت على دورات تدريبية، واستفادت من تجارب المسؤولين والمختصين في هذه المدارس في بلادها الأصلية، لكي يتم تطبيقها في المدارس التي أنشئت في قطر، بالإضافة إلى إرسال المؤهلين من القيادات التعليمية والتربوية وأعضاء هيئة التدريس للحصول على الدورات التدريبية، والمشاركة في ورش العمل والندوات والمؤتمرات في الدول الآسيوية، عوضا عن الدول العربية والأوروبية التي لا تقدم أي جديد، كما يتم تشجيع الطلبة وأولياء أمورهم على الإقبال على الابتعاث والدراسة في بعض الدول الآسيوية الرائدة من خلال تقديم المنح والامتيازات والحوافز..
هذه مجرد أفكار يؤخذ منها ويرد، والأفكار كما بيّنا على قارعة الطريق، ومن المهم أن نعلم جميعا أن مبادرتنا "تعليم لمرحلة جديدة" بحاجة إلى أن تغربل وتنعش وتجدد ويعاد إحياء الأمل فيها من جديد، وتفتح النوافذ بها والأبواب لدخول الشمس والهواء ولا أرى خيارات في خفض حالة الانبعاث المسببة للاحتباس الحراري والأجواء التعليمية المتردية في مجتمعنا خيرا من الانفتاح على التجربة الشرقية، يرى المفكر الجزائري الراحل، مالك بن نبي، أن المجتمعات تهزم بنوعين من الأفكار: (القاتلة) و(الميتة). فأما (القاتلة) فهي المستوردة من الخارج، وليس العيب في استيرادها من الخارج ولكن الإشكالية أنها لا تناسب البيئة المستوردة التي تتحرك فيها، فهي فكرة فقدت شخصيتها وقيمتها الثقافية بعد أن فقدت جذورها التي ظلت في مكانها في عالمها الثقافي الأصلي، أما الأفكار (الميتة) فهي تلك الأفكار التي انتهت صلاحيتها ولم تعد قادرة على الحركة والعطاء، فهي فكرة خذلت أصولها وانحرفت عن نموذجها المثالي ولم يعد لها جذور في محيط ثقافتها الأصلي، فإذا عددنا المدارس الحكومية جزءاً من الأفكار الميتة، هل تصبح المدارس المستقلة جزء من الأفكار القاتلة؟؟!! الحوار يبدأ هنا ولا ينتهي؟!
Aljaberzoon@gmail.com

نداء إلى وزير التعليم.. اتجه شرقا



التعليم لا يزال يراوح مكانه ولا ينتج مخرجات تعليمية عالية الكفاءة
الانفتاح على التجربة الآسيوية يتمثل في افتتاح مدارس علمية مشتركة في قطر
نقترح عقد شراكة قطرية ـ آسيوية مع الهند واليابان فى مجال التعليم
المجتمعات تُهزَم بنوعين من الأفكار: (القاتلة) و(الميتة)
نشر بتاريخ 23-12-2009

هل هناك صراع في المجتمع يحتل فيه التعليم الزاوية الأساسية؟ بالتأكيد.. نعم! فها نحن على أعتاب دخول العام القادم الذي نكمل فيه عشر سنوات عجاف من عمر الألفية في ظل الإشكاليات والتحديات التي تطرح نفسها في كل يوم، وفي ظل عدم حسمنا لكثير من الأمور المرتبطة بالماضي والحاضر والمستقبل، التي تحدد مصير مجتمعنا!، كما يكمل نظامنا التعليمي الذي بدأت حركة التغيير فيه (أو التجريب فيه، فلن نختلف كثيرا على التسمية)، عامه الثامن بعد أن انطلق في بداية 2002 بإنشاء المجلس الأعلى للتعليم وتعيين اختصاصاته كجهة مستقلة، وانتهى بعودته إلى وزارة التعليم ودمجه فيها 2009م. فهل نستطيع أن نؤكد اليوم أن التعليم لا يزال يراوح مكانه ولا ينتج مخرجات تعليمية عالية الكفاءة، لا على المستوى العلمي والأكاديمي، ولا حتى في الوفاء بمتطلبات القبول في أي جامعة بالداخل قبل الخارج، ولا يسهم حتى في النجاح بسوق العمل، لا على المستوى المحلي ولا الدولي؟!

أين يكمن الخلل، وأين هي العلة، وما الذي ينقصنا؟ فالنسبة السكانية المحدودة والإمكانات والموارد المادية الكبيرة لدينا مقارنة بعدد السكان تعد أفضل من أمريكا واليابان وكل أوروبا، والاستقطاب والاستعانة بالخبراء والأجانب هي الأعلى في العالم، وبناء المدارس والمعاهد التعليمية وضخ الميزانيات الحكومية فيها بالمليارات لا تقارن بها غيرها، الأمر الذي يجب أن يجعل تجربتنا في قطر هي الأفضل، ويحولها إلى النموذج الأمثل في التقدم والنجاح والتطور، خصوصا في مستويات الانجازات والنتائج، إلا أن الأمر عكس ذلك تماما، فنتائج الاختبارات المحلية والإقليمية والدولية ومنها النتائج الأخيرة التي أعلن عنها خلال السنة، والسنة الماضية وما قبلها وربما بعدها بسنوات قادمة، تبين أننا نقبع في مؤخرة الركب وبالتحديد في المرتبة قبل الأخيرة عند مقارنتنا مع كل الدول العربية الشقيقة من المحيط الخاثر إلى الخليج العاثر؟!
هل استنفدت الرؤية التي قدمت لإصلاح منظومة التعليم في قطر خياراتها الأخيرة ولم تعد قادرة على تقديم المزيد؟ فالخيارت التي قُدمت تراوحت بين قبول ورفض النموذج المركزي المعدل، و كان هو الخيار الأول الذي طرح على الطاولة، ومن الملاحظ أننا نعود رويدا رويدا إلى هذا الخيار المرفوض بعد التطورات الأخيرة في منظومة التعليم لمرحلة جديدة وفقدان مبدأ الاستقلالية!. أما نظام العقد المدرسي فحدث ولا حرج عن الأنظمة واللوائح والآليات وسياسة التجريب والخطأ في المبادرة ابتداءً من المسؤولين في المجلس الأعلى للتعليم إلى المسؤولين في المدارس المستقلة، مرورا بالمناهج وتدريسها والقائمين عليها وليس انتهاء بمجلس الأمناء ودوره في محاسبة ومتابعة أداء المدرسة وتقييم نتائجها ونتائج الطلبة ليقارنها بنتائج الأعوام السابقة، ويحاسب المدرسة بناء على ذلك ويحاسب نفسه أيضا، ويوما بعد يوم نكتشف أن (الخرق اكبر من الرقعة)؟! أما الخيار الثالث المتمثل في نظام الكوبونات التعليمية فهو أشبه بنادي امتياز خاص، لا نعرف الكثير عنه ولا عن أعضائه ولا عن مدى نجاحه ولا كيف نقيمه؟!
هل هناك خيارات أخرى لم تطرح بعد، وهل المشكلة تكمن في طرح الأفكارفقط دون تنفيذها وتحويلها الى واقع ملموس ومعاش وناجح على الأرض؟. فالأفكار مرمية على قارعة الطريق كما يقول الجاحظ، ما هو الخيار الرابع أريد أن أعترف بداية أنني لم أجد لوصف الفكرة التي أتحدث عنها ـ وأتمنى من الآخرين أن يشاركوا فيها ـ عبارة أفضل من مصطلح الخيار الرابع. والخيار الرابع هو خيار عمليٌ وليس نظرياً، تطبيقيٌ وليس تلقينياً، واقعيٌ وليس متخيلاً، الخيار الرابع هو أن نتجه شرقا وننفتح على التجارب العملية الناجحة في المنظومة التعليمية الآسيوية وننقل المبادرة التي ولدت في أجواء البرودة الغربية على ايدي راند إلى أحضان الشمس الدافئة الشرقية في الهند وكوريا الجنوبية واليابان، وأن نتبنى النموذج الآسيوي التعليمي الناجح في هذه الدول وغيرها، وهو النموذج الذي يهتم بصورة فعّالة بإكساب المهارات وتعزيز القدرات الأساسية، ويقوم على التطوير النوعي للتربية العلمية، ويضع الثقافة الحديثة المتطورة نصب عينيه، ويشارك بدور كبير في عمليات التنمية من خلال بناء الإنسان الواعي المبدع والملتزم بالعمل والأخلاق.
هذا نداء أوجهه لوزير التعليم والتعليم العالي، أدعوه فيه اليوم إلى أن يترك بصمة مميزة يذكرها له المجتمع بالخير، وأن يكون هو السباق في تبني مبادرة الانفتاح على المنظومة التعليمية الشرقية من أوسع أبوابها، عله يدرس تجربة المنظومة التعليمية الهندية من الداخل، التي أخذ سحر نجاحها المميز ينتشر ويعم في العالم، الأمر الذي جعل اليابان تحسد الهند، وقد تطرقت إلى ذلك في مقالاتي السابقة، وأن يطلع على تجربة تدريس المناهج في كوريا الجنوبية وآثارها الايجابية بعيدة المدى، التي لا تقيم وزناً كبيراً للاختبارات، بل تجعل اهتمامها مُنصباً على امتلاك طلابها للمعلومات والمهارات والمفاهيم الأساسية، ولو تَطَلَّب الأمر أن يستمر المدرسون مع الطلاب إلى ساعات متأخرة من الليل حتى تتأكد المفاهيم، وترسخ المهارات، وتنمو المعارف، يمكن أن نستفيد من تايوان التي بدأت مشاريع تعليمية رائدة، أهمها إنشاء ما سمي بكليات المجتمع تحت شعار "تعليم مدى الحياة" وهدفها تقديم برامج تعليمية مرنة من ناحيتي المكان والزمان، كما أنها توفر تلقي الكورسات المقررة من خلال الراديو والتلفزيون والانترنت، ويتجاوز عددها اليوم 87 فرعا منتشرا في كل أقاليم البلاد، وتتولى إدارتها مؤسسات لا تسعى إلى الربحية، علما بأن أولها افتتح في عام 1998 وبعدد من الطلاب والطالبات لا يتجاوز الثلاثة الآلاف، ليرتفع العدد اليوم إلى أكثر من 250 ألف طالب وطالبة (وهو عدد سكان قطر من المواطنين)، بالإضافة إلى التجارب العديدة المميزة في هونغ كونغ وماليزيا وسنغافورة وخصوصا في مجال البرامج الداعمة الهادفة لإنشاء بنية أساسية متينة للبحث العلمي من مختبرات علمية وتجهيزات لوجستية وتنمية بشرية.
إن الانفتاح على التجربة الآسيوية يتمثل في افتتاح مدارس علمية مشتركة في قطر، ولتكن لدينا قناعة بتحقيق خطوة أولى، مرحلية، ونقوم بعقد شراكة قطرية ـ آسيوية مع الهند، واليابان، وتايوان على سبيل المثال، من خلالها نقوم بإنشاء 3 مدارس تستلهم أبرز 3 نماذج متميزة ناجحة ورائدة في المدارس الآسيوية في البلاد المذكورة، وتقوم عليها قيادات حصلت على دورات تدريبية، واستفادت من تجارب المسؤولين والمختصين في هذه المدارس في بلادها الأصلية، لكي يتم تطبيقها في المدارس التي أنشئت في قطر، بالإضافة إلى إرسال المؤهلين من القيادات التعليمية والتربوية وأعضاء هيئة التدريس للحصول على الدورات التدريبية، والمشاركة في ورش العمل والندوات والمؤتمرات في الدول الآسيوية، عوضا عن الدول العربية والأوروبية التي لا تقدم أي جديد، كما يتم تشجيع الطلبة وأولياء أمورهم على الإقبال على الابتعاث والدراسة في بعض الدول الآسيوية الرائدة من خلال تقديم المنح والامتيازات والحوافز..
هذه مجرد أفكار يؤخذ منها ويرد، والأفكار كما بيّنا على قارعة الطريق، ومن المهم أن نعلم جميعا أن مبادرتنا "تعليم لمرحلة جديدة" بحاجة إلى أن تغربل وتنعش وتجدد ويعاد إحياء الأمل فيها من جديد، وتفتح النوافذ بها والأبواب لدخول الشمس والهواء ولا أرى خيارات في خفض حالة الانبعاث المسببة للاحتباس الحراري والأجواء التعليمية المتردية في مجتمعنا خيرا من الانفتاح على التجربة الشرقية، يرى المفكر الجزائري الراحل، مالك بن نبي، أن المجتمعات تهزم بنوعين من الأفكار: (القاتلة) و(الميتة). فأما (القاتلة) فهي المستوردة من الخارج، وليس العيب في استيرادها من الخارج ولكن الإشكالية أنها لا تناسب البيئة المستوردة التي تتحرك فيها، فهي فكرة فقدت شخصيتها وقيمتها الثقافية بعد أن فقدت جذورها التي ظلت في مكانها في عالمها الثقافي الأصلي، أما الأفكار (الميتة) فهي تلك الأفكار التي انتهت صلاحيتها ولم تعد قادرة على الحركة والعطاء، فهي فكرة خذلت أصولها وانحرفت عن نموذجها المثالي ولم يعد لها جذور في محيط ثقافتها الأصلي، فإذا عددنا المدارس الحكومية جزءاً من الأفكار الميتة، هل تصبح المدارس المستقلة جزء من الأفكار القاتلة؟؟!! الحوار يبدأ هنا ولا ينتهي؟!
Aljaberzoon@gmail.com

الأربعاء، 16 ديسمبر 2009

لا توجد لا رؤية استراتيجية ولا خطط تنفيذية

ملف الصحة واستراتيجية الوزير
2009-12-16

استبشرت خيرا باختيار وزير الصحة الحالي رغم أن تخصصه لا يربطه بالصحة لا من قريب ولا من بعيد، حتى لو كانت المسألة مرتبطة بالقدرة الشخصية والتمكن من القيادة، فمسألة وجود وزير أو مسؤول من خلفية تكنوقراطية (Technocracy) يعين في الوزارات أو الهيئات المتخصصة والتي يغلب عليها الطابع العلمي الفني التخصصي هي الخيار الامثل.. أقول: إنني استبشرت بقدوم وزير الصحة كشخصية ناجحة تمثل جيل العقد الثالث في مجتمعنا، وهو الجيل الذي ينتمي إليه الكثير من القيادات الشابة الواعدة التي أتيحت لها فرصة الاطلاع والاستفادة من تجربة الدراسة والعمل (في ومع) الخارج وفي الغرب بشكل عام والولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص، كما استفادوا من التجربة العالمية في الإدارة والقيادة والعمل والممارسة، وهو الأمر الذي يعزز من القدرات ويوسع الإدراك المعرفي ويسهم في التلاقي والتفاعل مع الأفكار الجديدة والسياسات التنفيذية الجريئة، ويبقي استثمار هذه القدرات وتحقيق النجاح والتقدم وفرض التغيير مرتبطاً بالشخصية نفسها، لذا أعتقد أن الوقت حان لوضع هذا الجيل والشخصيات المحسوبة عليه تحت مجهر الاختبار!.. وأنا أدعو الله من كل قلبي أن يكون النجاح حليف وزير الصحة، بالإضافة إلى وزير التعليم أيضا (المحسوب على الجيل نفسه) في حمل المهمة الجسيمة والثقيلة المنوطة بهما، فعلى عاتقهما تقع مسؤولية حمل أهم ملفين في كل دول العالم وفي مجتمعنا خصوصا!، وأريد أن أرفع لهما راية التحذير من الآن، فأغلب الذين حملوا جمرة هذين الملفين اكتووا بنارها؟؟!!
يعتبر ملف الصحة من أعقد الملفات وأصعبها في التعامل على الإطلاق، فرغم الجهود التي تبذلها الدولة في الصرف المالي الباهظ وغير المحدود على الصحة، والضخ في الميزانيات السنوية للقطاع الطبي، إلى جانب تعزيز بنوده بتخصيص ميزانيات إضافية من الفائض، فإن واقع الوضع الصحي غير مرضٍ، ومتأخر، ويقبع في مؤخرة الركب، إذا ما قارناه حتى بالدول الخليجية الشقيقة وعلى رأسها السعودية والإمارات والبحرين، فمسلسل الأخطاء الطبية والإهمال الإداري ونقص الأدوية وغياب معايير الجودة والكفاءة في التعامل الطبي وتكاليف ومبالغ العلاج الخيالية أصبحت سمة يومية في المستشفيات، والمراكز الصحية الحكومية، والخاصة على حد سواء!، وربما تكون أهم معركة يدخلها وزير الصحة هي معركة البناء وإعادة الثقة، فالأوضاع الصحية في قطر تشهد تراجعا كبيرا وخطيرا فى الآونة الأخيرة، وأمام الوزير قائمة من التحديات يجب عليه التغلب عليها لإعادة الثقة بالخدمات الصحية التي تقدم إلى المواطن والمقيم، فالخدمات تتسم بصورة سلبية ومشوهة لدى الرأي العام، بسبب الأحداث الكثيرة التي تداخلت، ورسمت صورة قاتمة لها، وباتت تمثل عقداً كثيرة من الصعب تفكيكها والتعامل معها بسهولة، وهي أيضا أشبه بكرة ثلج تكبر يوماً بعد الآخر إذا تم تأجيلها والاكتفاء بالتفرج عليها؟! وقد تكون حادثة 60 حالة تزوير شهادات لممارسين في القطاع الطبي الخاص، قد أثارت ضجة كبيرة على مستوى الرأي العام، كما ان تصريح مدير ادارة التراخيص الطبية بالمجلس الاعلى للصحة انه كل اسبوع يتم اكتشاف ما بين شهادتين الى ثلاث شهادات مزورة لاشخاص يزاولون مهنة الطب او التمريض او المهن الفنية الطبية الاخرى قدموا من جميع انحاء العالم، يدعو الى الخيفة والحذر من طبيعة الاوضاع الصحية في قطر، ورغم انه تم تعاقد مع شركة عالمية لتقوم بعملية تدقيق في المستندات والشهادات العلمية، فإن من الواجب على الوزير ان يقوم بتشكيل لجنة متخصصة من كافة الجهات المعنية في الدولة لوضع ضوابط وآليات محددة وعقوبات رادعة على المستوى الطبي للحد من وصول حاملي الشهادات الطبية المزورة الى العمل وممارسة المهنة.
هل هناك استراتيجية خاصة بالوزير خلال السنوات الـ 5 القادمة في التعاطي والتعامل والارتقاء بالوضع الصحي في قطر، والذي يربط بين وزارته ومؤسسات الدولة المعنية والمجتمع بما فيه من مواطنين ومقيمين؟؟، وما هذه الاستراتيجية، ومتى سيتم الإعلان عنها؟! فنحن الى اليوم لم نشهد أي دراسة حقيقية تضع الوضع الصحي أمام مشرط الجراحة وتفتح الجروح الصدئة في الإشكاليات التي تعاني منها الاوضاع الصحية في قطر، فنحن لا نعرف ما أخطر الأزمات والمشاكل الصحية التي يواجهها الانسان في المجتمع، وما حجمها، وما السبب في وقوعها، وما مدى انتشارها، ومن الفئة التي تعاني منها، وكيف يمكن احتواؤها ووقفها وعلاجها والقضاء عليها، وما الخطة التنفذية الموضوعة، ومن هم القائمون عليها؟، وكم من الوقت تحتاج الى تنفيذها؟؟!! باختصار، وكما يعلم الوزير ـ ونعلم جميعا ـ لا توجد حاليا لا رؤية استراتيجية ولا خطط تنفيذية لا مرحلية ولا تكتيكية ولا حتى تلك التي تتعامل مع الازمات والطوارئ (لا قدر الله)، وعلى سبيل المثال، ففي حالة الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات التي سببتها كارثة تسونامي في الكثير من الدول الآسيوية أو السيول الجارفة التي تعرضت لها مدينة جدة في السعودية قبل أسابيع، أو حتى وقوع هزة أرضية أو زلازل أو كارثة نووية أو انتشار مواد إشعاعية من مفاعل (بوشهر) على الضفة الأخرى من المياه الاقليمية القطرية (لا قدر الله)، فإننا نعلم جميعا أنه ليس هناك أماكن مجهزة يوضع فيها الضحايا والمنكوبون، ناهيك عن معالجتهم، ولا أعتقد أن إمكانيات مستشفى حمد العام والمباني التابعة له قادرة على التعامل مع هذه الحالات أو غيرها؟!
إننا نتساءل بصراحة: ما أجندة الوزير في التعامل مع الملفات الصحية المفتوحة، هل يمكن استخدام تكنولوجيا المعلومات لتحسين فعالية النظام الصحي في قطر من خلال الاقتداء بتجارب دول أخرى كالدنمارك مثلا، ومتى ستتم إقامة قاعدة بيانات بشأن الوضع الصحي للسكان في قطر، ويتم ربط التحليل الذكي بالسجلات الطبية الالكترونية من أجل خدمة أفضل من حيث الجودة والتكلفة، ومتى سيكون لدى قطر ما يكفي من الكوادر الطبية الماهرة من أطباء وممرضين وفنيي مختبرات يمكنهم تقديم الرعاية الصحية الأولية الفاعلة كالوقاية ومعالجة الأمراض المزمنة والرعاية الاختصاصية، داخل البلاد في معظم الأحيان، ويصلون بالخدمات الصحية في البلاد الى المعايير العالمية فلا تكون هناك حاجة للعلاج في الخارج إلا في حالات استثنائية فحسب، وهل بات من الضروري تفعيل دور المراكز الصحية بشكل أكبر لتقوم بتخفيف الضغط على المستشفيات التي يجب أن تعنى بالحالات الصعبة فقط، ليتسنى للاختصاصيين فيها تكريس جهودهم للحالات المستعصية، وماذا عن الرقابة على القطاع الخاص في الخدمات التي يقدمها وفي الأسعار المرتفعة التي يفرضها على خدماته العلاجية، وما نوعية هذه الرقابة وكيف يتم تفعيلها، وأين هي التقارير السنوية التي تتناول الوضع الصحي بالمعدلات والإحصائيات والأرقام في مستشفيات ومراكز الدولة أو في مستوصفات القطاع الخاص، وماذا عن أولئك الذين يتم إرسالهم الى العلاج في مستشفيات الخارج بعيدا عن الوطن؟، وماذا عن حالة التذمر والاحتجاج والشكوى بين صفوف الأطباء على أوضاعهم وضعف رواتبهم مقارنة بنظرائهم في دول الخليج على سبيل المثال، وماذا عن الفنيين والمختصين في المختبرات والأقسام التخصصية الأخرى؟؟.
هناك مؤشرات قوية تشير إلى أن هناك أكثر من توجه لدى مجموعة من الأطباء والوافدين للسفر إلى بعض الدول الخليجية في ظل الامتيازات الكبيرة التي تعرض عليهم، خاصة في السعودية والإمارات. كما أن هناك هجرة للأطباء من الوزارة للعمل في أماكن اخرى، واستقالات أطباء وافدين، بعضهم انتقل إلى دول أخرى، والبعض الآخر عاد إلى بلاده. وإضافة إلى ذلك تبدو البنية التحتية الصحية ايضا ضعيفة، فالقطاع يعاني ندرة الاختصاصيين والممرضات حسنات التدريب، وتقنيي المختبرات المهرة، كم معدل طبيب لكل ألف مواطن، هب أنه يقارب 1 % او اكثر، كم نسبة الاطباء القطريين ربما 2 %، ثم ما نسبة الممرضات والممرضين المواطنين ربما 4 في المائة؟! ماذا عن النقص في الطاقم الإداري، فقد لا تكون المشكلة الرئيسة في نوعية الأطباء والممرضات، بل في إدارة مرافق الصحة.. فهل ستتم شراكة بين القطاعين العام والخاص، كما فعلت كل من أبوظبي والبحرين في تدريب المديرين والمسؤولين والعاملين وتأهليهم للمناصب القيادية الصحية؟! وماذا عن أسعار الأدوية التي أصبحت مرتفعة بشكل مبالغ فيه، ولماذا لا تتوحد الأسعار، ولماذا لا تكون هناك رقابة على الأسعار وليس على الدواء فقط،؟!
من المصائب التي ابتلينا بها في هذا المجتمع ـ ولا يكاد يخلو منها بيت في قطر ـ انتشار مرض السرطان، فمعدلات الوفاة الناجمة عن مختلف أنواع السرطان قد تتجاوز نظيراتها في الدول الأخرى الخليجية والعربية والأجنبية ذات المعدلات السكانية الأعلى، فهل ستكون من أولويات الوزير إعادة النظر في هذا الميدان، بحيث يتم إيلاء تركيز أكبر، لتطوير المراكز الصحية وتزويدها بالمعدات المتقدمة للتشخيص والعلاج للمرض الخبيث، ويتم تزويدها بالكوادر الطبية الكفوءة؟! أخيرا هل يقوم الوزير في مبادرته الأولى بإعادة صياغة وهيكلة قطاعات الصحة وتشجيع أنماط الحياة الصحية بتنظيم حملات جيدة للتمويل تستهدف المشكلات الصحية والسلوكيات المؤثرة في الصحة العامة، وتنظيم توافر وأسعار المواد الغذائية غير الصحية والتبغ كفرض ضرائب عليها، وإجبار المؤسسات التي لها حقوق استيراد وبيع التبغ قي قطر على تخصيص جزء من أرباحها لدعم البرامج الصحية.
القائمة طويلة ونصحيتي لوزير الصحة أن يبدأ خطوة الألف ميل بوضع أهداف استراتيجية واضحة من أجل تحقيق نتائج صحية معينة، والتعاون مع شركاء ملتزمين وقادرين على تحقيق تغيير حقيقي في هذا القطاع، ربما يستمر الوزير في منصبه خمس سنوات وربما يرحل إلى مكان آخر.. لكن أمامه فرصة لكي يسطر له التاريخ أنه بدأ الخطوة الأولى وأمسك (الجمرة) بشجاعة بينما بقي الآخرون يتفرجون عليها لسنوات؟؟!!.
خــــالـــد الجــابــر
Aljaberzoon@gmail.com

الخميس، 10 ديسمبر 2009

التعلم من التجربة الهندية

تعليم لمرحلة جديدة... التعلم من التجربة الهندية
2009-12-10
الشرق

هل يأتي اليوم الذي يضطرنا الواقع ومتغيراته إلى أن نرسل أولادنا وطلابنا إلى المدارس الهندية؟! أوالعكس أن نحول مدارسنا ومعاهدنا إلى نموذج يحاكي تجربة النموذج التعليمي الهندي الذي بدأ ينتشر في العالم، ولكن لماذا نموذج من الهند؟ وماالذي يستطيع أن يقدمه إلى التعليم في قطر أو الخليج أو العالم العربي؟! بالإضافة إلى العمالة التي تدير الاقتصاد والاستثمارات في بعض الدول الخليجية وتبني العمارات والناطحات، وتعتني بالبيوت والمنازل وتقوم بدور أولياء الأمور والآباء والأمهات في الدول الأخرى؟؟!!
اتخذت الهند في بداية العام الحالي 2009م قرارات استراتيجية على مستويات مختلفة لكن أهمها تمثل في مراجعة وتقييم المنظومة التعليمية الرسمية، حيث أنشأت مجلساً حكومياً لإدارة المدارس (التي يبلغ عددها حوالي 30.000 مدرسة في كافة أرجاء الهند). ومن صلاحية المجلس صياغة الإطار العام للمناهج كوسيلة من وسائل تحديث وعصرنة مؤسسات التعليم من خلال حقن المناهج بجرعات أكبر وأحدث من علوم العصر كالرياضيات والفيزياء وعلوم الحاسوب والاقتصاد واللغات الأجنبية، ولاقى القرار معارضة من قبل الحرس القديم الذين شمل القرار مدارسهم "خصوصا من التيارات الهندوسية والجماعات الإسلامية" والذين شككوا في القرار واتهموه بأنه محاولة تهدف إلى سلخ الهوية الدينية "كما حدث في الصراع مع بعض التيارات الدينية في الخليج والعالم العربي بعد أحداث سبتمبر 11". وقد سمح النمط الجديد بإعطاء الطالب فكرة عامة عن مختلف الأديان الأخرى كي يتمكن من فهم أفضل لشركائه في الوطن بعدما كانت المناهج تعلي من عقيدة أو بعض من العقائد والأديان وتطعن في العقائد والأديان الأخرى، كما اتخذ موقفاً محايداً من جميع المذاهب والفرق الدينية بعدما كانت المناهج السابقة ترفع من مكانة مذهب أو فرقة أو تيار إيديولوجي وتهمش الأخرى، كما ركز النمط التعليمي الجديد على تخريج طلاب في معظم التخصصات الحديثة "طب، هندسة، قانون، تكنولوجيا، اتصالات، كمبيوتر، اقتصاد"، بعدما كان التركيز على التخصصات التي تعتمد على "البصم"، التلقين والحفظ؟؟!!.. أما المناهج التي تركز على تعلم اللغات فهي تعتمد على تفعيل وسائل الإعلام من خلال إنشاء إذاعة داخلية خاصة في كل مدرسة وإصدار نشرات ومجلات باللغة الأجنبية بالإضافة إلى مشاركة الطلبة في عمل وتقديم وتمثيل مسرحيات درامية وأغان وموسيقى وألعاب لغوية ويتم التنافس في ذلك داخل المدارس وبين بعضها البعض، وأيضا من خلال توفير تدريب خاص ومستمر للمدرسين حتى يتمكنوا من تدريس المناهج والأساليب العلمية الجديدة بصورة مناسبة ومن لا يصلح منهم بعد التقييم لا يستمر ويبحث عن مكان آخر؟؟!!
قبل مدة جمعتنا الصدفة مع مجموعة من الزملاء المحسوبين على القطاع التعليمي عندنا وسألتهم عن مدى اطلاعهم على التجربة التعليمية الهندية ولكنهم تجاهلوا مناقشة الأمر تماما وشرعوا يعطونني دروساً عامة عن التجربة اليابانية والأمريكية والأوروبية، فأخبرتهم أن لدي اطلاعاً لا بأس به على تلك التجارب بحكم المهنة والدراسة في الخارج، وكررت سؤالي عما إذا كانوا مطلعين على التجربة التعليمية في الهند أو بعض الدول الآسيوية الأخرى، فقالوا (لا)، نحن غير مهتمين بتلك التجارب وهي لا تعنينا في شئ ؟؟!! وهي إجابة تدل على جهل كبير وتصورات نمطية مسبقة عن الدول الآسيوية التي تسبقنا بمراحل ولديها تجارب ناضجة وعلمية وتخدمنا بطريقة أفضل من التجارب الغربية التي تقدم الدراسات والتقارير العامة ولا تركز على دراسة وتشريح كل حالة منفردة بخصوصيتها من خلال بيان نقاط القوة أو الضعف أو إبراز الجوانب الإيجابية وإبعاد السلبية وتغيرها من الداخل وليس من الخارج وهو ما يمثل التحدي الحقيقي كما حدث من مؤسسة "راند" التي قامت بدراسة المنظومة التعليمية في قطر على سبيل المثال؟؟!!
الرد العلمي الذي أريد أن أكمل به حجتي على زملائي التربويين يكمن في التقرير الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز (New York Times) في بداية 2008، تحت عنوان "اليابانيون يحسدون المدارس الهندية" (Losing an Edge، Japanese Envy India’s Schools) ويمكن الحصول عليه في موقع الصحيفة على الانترنت، وجاء فيه أن اليابان تعاني من أزمة ثقة بخصوص قدرتها على التنافس مع جيرانها الآسيويين كالصين والهند في عدة مجالات، آخرها الجانب التعليمي، فالعديد من اليابانيين يشعرون بشيء من عدم الأمن بخصوص مدارس البلاد، التي كانت تخرج طلابا يحتلون دائما قمة المنافسات الدولية. وهوالأمر الذي لم يعد واقعاً، وهذا ما دفع بالكثيرين إلى أن يتلقوا الدروس من الهند، البلد الذي يراه اليابانيون القوة العظمى الصاعدة في مجال التعليم، وقد شهدت المدارس الهندية في اليابان والتي تعد محدودة إقبالاً كبيراً من الطلاب اليابانيين للالتحاق بها، فلقد واجهت اليابان تحديا كبيرا عندما تراجع تصنيف اليابان في إعلان منظمة دول التعاون الاقتصادي والتنمية، ففي الرياضيات تراجعت اليابان عن المركز الأول عام 2000 إلى المركز العاشر حاليا بعد تايوان وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية. ومن المرتبة الثانية في العلوم عام 2000 إلى المرتبة السادسة في الوقت الحاضر؟؟!!. وتعليقا على ذلك أشار أستاذ الثقافة الآسيوية في جامعة صوفيا (يوشينوري موراي) إلى أن اليابان كانت تنظر إلى الصين والهند باعتبارهما دولتين متخلفتين. إلا أن نظرتها اليوم إلى جيرانها بدأت تتغير، وأصبحت تنظر الآن للصين والهند باعتبار أن لديهما ما يقدمان، أما العبارة الأصدق فقد جاءت على لسان (كارواوكاموتو) أستاذ سياسات التعليم في المعهد الوطني للدراسات السياسية بطوكيو والذي قال إن اهتمام اليابان بالتعلم من الهند، هو مثل اهتمام أمريكا بالتعلم من نظام التعليم الياباني.
وأشار التقرير إلى أن مستوى نظام التعليم الهندي المتفوق يتضح في مدرسة "ليتل انجيلز" الهندية في اليابان والخاصة بطلاب المرحلة الأولى (Little Angels)، فالأطفال الذين لا تزيد أعمارهم عن عامين، يتعلمون العد حتى رقم 20، أما الأطفال الذين تصل أعمارهم إلى ثلاث سنوات فيتعلمون استخدام الكومبيوتر، بينما يتعلم الأطفال الذين تصل أعمارهم خمس سنوات، الضرب وحل المسائل الرياضية وكتابة موضوعات بالإنجليزية بينما أقرانهم في المدارس اليابانية الأخرى لا يصلون إلى هذا المستوى إلا متأخرين ويعانون صعوبات كثيرة حتى يتجاوزوها، والذي يدخل المكتبات اليابانية خصوصا في القسم الخاص بالتعليم سيكتشف أن الكتب الأكثر مبيعا هي تلك التي تحمل عناوين مثل (تدريبات الرياضيات الهندية المتطرفة) و«الأسرار غير المعروفة للهنود». كما أن الصحف اليابانية تحمل العديد من التقارير عن الأطفال الهنود الذين يحفظون جداول الضرب، حتى بعد جدول ضرب تسعة، وهوالمقياس التقليدي لطلاب المدارس الابتدائية في اليابان؟؟!!
الإشكالية التي نعيشها حاليا هي أن لدينا نظاماً تعليمياً مقدماً على التبلور والتشكل وستتضح معالمه خلال السنوات القادمة بشكل أفضل، ومن الضروري العمل على إنجاح هذا النظام والمساهمة في خدمة هذه التجربة من خلال إشراك الجميع فيها وتقييمها بشكل مستمر من قبل رجل الشارع قبل المسئول في وزارة التعليم، ومع ذلك هناك هوة بين النظرية والتطبيق، بين الفهم والممارسة، بين الأهداف الموضوعة والسياسات المطبقة، والسبب في ذلك يشترك فيه الجميع (وزارة التعليم أصحاب التراخيص، المدارس، المناهج، المدرسون، مجالس الأمناء، وأولياء الأمور)، إلا أن الذنب الأكبر يتحمله المسئولون عن مبادرة (التعليم لمرحلة جديدة) وأصحاب القرار في المبادرة الذين يبدو أنهم يتجهون إلى سياسة الانزواء والانعزال السلبي، والمشي جنب الحائط، وممارسه دور العلاقات العامة، وتجنب الإقدام والمواجهة ولعب دور القائد الذي يتحمل التبعات والمواقف ويقف في مواجهة الجميع ليدافع عن قراراته ويوضح سياساته، وهوأشبه بما تقوم به الحكومة البريطانية بشكل دوري في البرلمان البريطاني في مواجهة المعارضة والإعلام والنخبة.
لقد طالبت مع غيري وزير التعليم والتعليم العالي بأن يدعو إلى حوار وطني يتناول مراجعة المنظومة التعليمية خلال السنوات الماضية من عمر التجربة، وقد سمع صدى صوتي إخواني القائمون على التعليم في المملكة العربية السعودية الذين بدأوا بالإعداد لمؤتمر مشابه بينما مازلنا نحن ننتظر الدور؟؟!! إن الخيارات أمامنا محددة، فإما أن نظل نتفرج على التجربة التعليمية دون مساهمة حقيقية فيها من قبل أصحابها المعنيين بها، أو ندخلها بقوة ونطرح الأسئلة الصعبة كما فعلت اليابان ونتعلم من التجارب الأخرى لكي يكون لدينا الخيار في حالة (الفشل) في إرسال أولادنا وطلابنا إلى المدارس الهندية في الدوحة لكي يتعلموا لمرحلة أفضل من الموجودة حاليا؟؟!!
خــــالـــد الجــابــر
Aljaberzoon@gmail.com
Aljaberzoon.blogspot.com

الثلاثاء، 1 ديسمبر 2009

حرب الأسعار و جمعية حماية المستهلك

3/12/2009

هل ستنجح التجربة الجديدة في توزيع الصحف والمجلات الورقية بشكل مجاني على القراء، تلك الظاهرة التي بدات تنتشر في العالم تحت مسمى صيغة التوزيع المجاني ودفعت كبريات المؤسسات المسئولة عن اصدار المطبوعات والصحف الى التفكير فيها بجدية خصوصا بعد التاثير الكبير الذي اصابها نتيجة الأزمة المالية وما صاحبها من عجز في السيولة المادية ونقص في الإيرادات الإعلانية وتدهور في التوزيع بالإضافة إلى الديون والالتزامات.
قبل مدة قريبة اعلنت "لندن إيفننغ ستاندرد" (London Evening Standard) التي يعود صدورها الى 182 عاماً ، قرارها التاريخي بتوزيع نسختها الورقية بالمجان، وقد دهشت العام الماضي وأنا أتجول في مدينة الضباب بعد غياب طويل، بمدى ماتتمتع هذه الصحيفة من أهمية وانتشار عبر شبكة واسعة قادرة على التوزيع فوق الأرض وتحتها، بل ويقال إنه حتى عندما دخل عصر الانترنت والتحديات التي فرضها على الصحافة ووسائل الاعلام التقليدية ظلت هذه الصحيفة اللندنية الأقدر على الصمود تتلقفها الأيدي في الشوارع والممرات والإشارات ومحطات القطارات والاكشاك واماكن التسوق. وهي توزع مايقارب 850 الف نسخة في اليوم وهو عدد كل قراء الصحف في الخليج العربي؟؟!!. والتحدي الذي يشغل الصحيفة هو الوصول الى عدد قريب من مليون و300 ألف نسخة يوميًا وهو ما توزعه صحيفة "مترو" (Metro) والتي يعود صدورها الى عام 1999 كأول صحيفة يومية توزع بالمجان على شكل تابلويد (Tabloid).
ماقامت به الصحيفة فجر بركان خامد وجعل الصحف الاخرى تغيير سياساتها التسوقية وان كان معظمعا لم يجرأ على التوزيع بشكل مجاني رداً على التحدي الذي اثارته الصحيفة الا انها قامت بتخفيض ثمن النسخة وذلك لكي تحافظ على فرصتها في البقاء في السوق، وتحافظ على الدخل الاعلاني من قبل الشركات والمؤسسات والقراء.
الجدير بالملاحظة ان الخدمات المجانية غدت رأس الحربة في الاعلام التقليدي والاعلام الجديد على حد سواء وبينما نرى و نسمع عن الخسائر الفادحة التي تواجهها البنوك والشركات والمؤسسات الدولية الكبرى، نفاجأ بحصول الشركات والمؤسسات التي تقدم خدمات مجانية على ارباح بالمليارات مثل شركة جوجل، وياهو، ويوتيوب، ولينوكس. وقد نشر الصحفي الأمريكي، كريس أندرسون (Chris Anderson) كتاباً جديداً بعنوان "المجانية هي مستقبل السعر الجذري" (Free: The Future of a Radical Price) عرضه الاستاذ خليل حسن (وقد قام مشكورا بتخصيص جزء مهم من وقته للترجمة) في مقالة تحت عنوان (اقتصاد الصفر والإبداع التكنولوجي)، وقد تعرض الكتاب الى دراسة كيف يمكن لإبداعات تجارة الألفية الثالثة أن تسجل أرباحاً هائلة، بتوفير منتجاتها وخدماتها عن طريق توفيرها مجانا للمستخدمين، بدل بيعها بالطرق التقليدية. ويعتقد الكاتب بأن صعود اقتصاد المجانية هو نتيجة لتكنولوجية عصر الرقمية، المرتبطة بقانون "موور" الذي يلزم بخفض سعر وحدة التشغيل الآلي للكومبيوتر للنصف مع مرور الوقت كل سنتين، وتنخفض معه أسعار سعة الموجات وقوة التخزين بسرعة أكبر، ويقوم الانترنت بجمع الثلاثة معا. لذلك ينكمش سعر تكنولوجية الانترنت سنويا، لتقترب كلفة التجارة على الانترنت مع الوقت من الصفر، وليس من الغريب أن تتجه أسعار منتجات المستقبل في نفس الاتجاه.
الغريب انه على الرغم من الاحداث و التغيرات والتجارب التي نراها في الخارج نعود مرة اخرى الى ديارنا لنفاجأ بأن السلعة التي توزع بالمجان او ذات الاسعار المنخفضة هي الاغلى عندنا من اي مكان في العالم، على الرغم انه لاتوجد ضرائب مبيعات ولا رسوم كبيرة على دخول السلعة البلد بل هي الاقل رمزية في جميع انحاء العالم و لاتوجد لدينا حتى ضرائب سنوية على الدخل والارباح ومع ذلك نرى العجب ولانستطيع ان نفسر اسباب ذلك، ولاغرابة عندما نرى الكثير من الاهل و الزملاء والاصدقاء يتجهون الى الدول المجاورة الشقيقية وبالذات السعودية والامارات ليحصلوا على حاجاتهم ومستلزماتهم والتي عادة ماتكون بنصف الثمن الموجود في مجتمعنا من اثاث المنازل الى شراء مختلف انواع السيارات الخفيفة منها والثقيلة، وقطع الغيار، والمواد الغذائية والمنتوجات الزراعية والتمور بانواعها والسلع الحيوية.
احد الاصدقاء يقول لي انه (ما يمير البيت الا من الحساء) وفي كل عطلة أو اجازة رسمية يدعوني لمرافقته في سيارته العائلية ذات الدفع الرباعي والتي "تروح خماصا وتعود بطاناً"، وأذكر انه في بداية رمضان الماضي نشرت صحيفة الرياض السعودية تحقيقا بعنوان (القطريون في الأحساء لشراء مستلزمات رمضان)، جاء في تفاصيله: تدفقت آلاف الأسر القطرية صوب محافظة الاحساء بهدف شراء مستلزمات شهر رمضان المبارك وهي الظاهرة التي تتكرر في مثل هذا الموسم من كل عام، لكن هذا العام شهدت جميع محلات ومجمعات بيع مستلزمات شهر رمضان حضوراً لافتاً ومتزايداً للأسر القطرية التي وجدت في نوعية وجودة معروضات تلك المجمعات عنصراً جاذباً دفعها لقطع مسافة 250 كم من العاصمة القطرية الدوحة وحتى مدينة الهفوف، وأشارت تقديرات لعدد من الباعة إلى أن إجمالي حجم مشتريات القطريين لمستلزمات شهر رمضان من محافظة الأحساء يزيد عن 6 ملايين ريال؟؟!!.
هل يعود استمرار هذه الظاهرة الى احتكار بعض التجار للسلع الاستراتيجية، أوعدم وجود رقابة فاعلة تمنع استغلال وتلاعب بعض التجار في تحديد الاسعار حسب أهوائهم الشخصية لتحقيق أعلى معدلات في الأرباح، أوعدم التطبيق الصارم للقانون لتحقيق الردع العام والخاص، أوغياب جمعية اهلية للمستهلك، او تهميش دور المجلس البلدي (المنتخب) او كل ذلك مجتمعا؟؟!!، وحتى التوصيات في اجتماع البحرين الذي ناقش العام الماضي ظاهرة ارتفاع الأسعار بدول مجلس التعاون الخليجي ودعا للتوسع في انشاء الجمعيات التعاونية وجمعيات حماية المستهلك وتفعيل دورها في الرقابة على الأسواق لم تفعل ولا نعرف لماذا تم تجاهله وتغيبها في قطر بالذات؟؟!! متى سيحين الوقت المناسب لسماح بإنشاء جمعية لحماية حقوق المستهلك وهي التي تمت المطالبه بانشائها منذ اكثر من تلاثة عقود مضت من تاريخ الرزنامة القطرية؟!
أن عدم الترخيص لانشاء جمعية أدى بلاشك في عدم وجود وعي للمستهلك بحقوقه في الحصول على السلع والخدمات بأفضل الأثمان وجودة أعلى في الخدمات والمنتجات، ومواجهة عمليات الغش والتلاعب بالاسعار وتوفير الحماية القانونية للمستهلكين. الغريب ان مدير إدارة حماية المستهلك في وزارة التجارة والأعمال، دعا مشكورا في اكثر من مناسبة الى اشهار جمعية حماية المستهلك وتحقيق نوع من الشراكة معها، للقيام بدورها في توعية المستهلك بحقوقه والاسهام في ترشيد الاستهلاك والانفاق الأسري والتعبير عن وجهة نظر المستهلك لدى الجهات الرسمية ذات العلاقة، وتبليغها بالممارسات الضارة بمصالح المستهلك وطلب تدخلها لوقف تلك الممارسات عند الاقتضاء، والمساهمة في خلق علاقات ثقة وتعاون بين المستهلك والمزود والمشاركة في الحوار والتشاور مع الجهات المعنية، والدفاع عن مصالح المستهلك، وإجراء الدراسات المرتبطة بحماية المستهلك ونشرها. فاذا كانت هناك مطالبات شعبية وحكومية فلماذا التأخير والمماطلة والتأجيل في الموافقة على اشهار الجمعية والتي تقدم بها عدد من الشخصيات القيادية القطرية البارزة في العمل الوطني و الاجتماعي؟؟!! ومن المستفيد من ذلك؟؟!!
الامر الذي نعرفه ونشاهده يوما بعد الاخر هو ان الاسعار والسلع في الخارج تنخفض حتى تصل الى صفر بينما تواصل الصعود عندنا الى ان تعانق السماء؟؟!!

خــــالـــد الجــابــر
Aljaberzoon@gmail.com