الاثنين، 7 سبتمبر 2009

قافلة الصحافة القطرية إلى أين؟!....

هل مازلنا نذكر المقولات الجميلة التي كنا نرددها عن الصحافة في مناسبات مختلفة على شاكلة (من قال حرية قال تعددية، هذا هو التعبير الصحفي العام)، (الصحافة حرية وأخلاق وفن، وصوت الحياة الذي يصل إلى أذن الحياة)، (الصحافة هي السلطة الأولى وليست الرابعة ) ، (كلمات الصحافة فتات يتساقط من مائدة الفكر)، و (مات الجهل بميلاد الصحافة) وكلمة توماس جيفرسون "Thomas Jefferson " الشهيرة: (لو أنني خُيرت بين أن تكون لدينا حكومة بدون صحافة أو صحافة بدون حكومة، لما ترددت لحظة في تفضيل الخيار الثاني). وهل ما زالت القناعة حاضرة بأن الصحافة في العالم العربي اليوم لا تزال تتمتع بنفس المكانة التي كانت تحظى بها في الزمن الماضي الجميل، الحقيقي منه أو المزيف؟؟!!.
اليوم لم يعد العالم كما كان قبل 20 سنه. فهناك أحداث كثيرة وقعت وأمور كثيرة تبدلت ودخلنا عصر العولمة، واجتاحتنا ثورة المعلومات، وغزت سمانا القنوات الفضائية، وجرفتنا سيول ‏الانترنت معها ولا نعرف متى وأين وكيف نقف؟!. وفي خضم تلك الأحداث الجسيمة لم يصل التغيير الجوهري إلى قلب وعقل الصحافة العربية، حتى حين تغيير شكلها وتبدل لونها، فهي لم تتمكن من الارتقاء إلى مستوى التحدي و المنافسة وفشلت في تقديم محتوى ومضمون متقدم وفاعل قادر على الإقناع والتأثير لا على المستوى القُطري ولا العالمي !!
واقع الصحافة في العالم العربي يدعو إلى الحزن، لذا أُطلق عليه البعض "زمن أحزان صاحبة الجلالة"، فقد أكد تقرير التنمية البشرية الذي يصدر عن الأمم المتحدة أن الصحافة والإعلام العربي، ووسائط النفاذ إليه وبنيته التحتية ومضمونه، "تعاني الكثير بشكل عام، مما يجعلها دون مستوى تحدي بناء مجتمع المعرفة. إذ ينخفض عدد الصحف في البلدان العربية إلى اقل من 53 لكل 1000 شخص مقارنة بـ 285 صحيفة لكل 1000 شخص في الدول المتقدمة. فالصحافة في أغلب البلدان العربية تحكمها بيئة تتسم بالتقييد الشديد لحرية الصحافة والتعبير عن الرأي، وتكشف الممارسات الفعلية في كثير من البلدان العربية عن انتهاكات مستمرة للحريات الصحفية والتضييق والعقوبات والتهديد، بالإضافة إلى الخطوط الحمراء، التي لا يجب حتى التفكير بالاقتراب منها. لقد تحولت بعض المؤسسات الصحفية في العالم العربي إلى جهاز إعلامي ليست له علاقة بتنمية الفرد وتنوير الرأي العام والكشف عن الفضائح والفساد والتجاوزات بل إلى وسيلة لإخفاء الحقائق والتبرير والتلاعب بالعقول وفبركة واقع مزيف لا علاقة له بالواقع في المجتمع.
ورغم ذلك، فقد ظلت هناك استثناءات في بعض الدول العربية تحاول في الصحف أن تكسر الدائرة المغلقة التي تطوقها لتنطلق وتلحق بركب التغيير والتجديد والتطوير، وهذا يدعونا إلى أن نلتفت لوضع الصحافة في مجتمعنا القطري بعد أكثر من ثلاثة عقود لنراجع تجربتنا ونتفحص الأرضية التي نقف عليها ونقوم بإصلاح الخلل وتقويم الاعوجاج والانطلاق بخطوات ثابتة و مدروسة نحو المستقبل، متسلحين بقناعة أن مجتمعنا الصغير يستطيع أن يكون نموذجاً يحتذى به في المنطقة. والحديث عن المراجعة يأخذنا بالضرورة لمعرفة أين نقف، وكيف نسير, والى أين نتجه، ولكي تتضح الصورة بشكل أفضل دعونا نطبق المنهج العلمي لنحدد موضع الخلل.
بيت الحرية (Freedom House) وهي منظمة مقرها مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية تم إنشاؤها عام 1941 ، مختصة بإصدار تقارير سنوية ومعلومات وإحصائيات حول واقع الحريات وخصوصا الصحافة على المستوى الدولي، وعلى المستوى الإقليمي، وتقارير تفصيلية عن كل بلد من بلدان العالم وهي تتمتع بثقة ومصداقية كبيرة. والمتابع للتقارير التي تصدرها المنظمة سيلاحظ أن الصحافة في مجتمعنا حققت مستويات متقدمة في التقارير التي تناولت تقييم الصحافة في العالم العربي من عام 1995 إلى عام 2002، وقد حصلنا على المرتبة الثالثة في 2003 على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويعود ذلك إلى عدة متغيرات أهمها رفع الرقابة الحكومية المباشرة عن الصحف اليومية، وإلغاء وزارة الإعلام، وارتفاع سقف الحرية والتعبير والانفتاح على القضايا المصيرية على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي وطبعاً إنشاء محطة الجزيرة.
إلا أن المفاجأة تأتي بعد ذلك بسنوات معدودات ليتراجع التقييم سنة بعد الأخرى وصولا إلى اليوم، ففي تقرير عام 2005 تراجع التصنيف إلى المرتبة الخامسة وبعدها بـ 3 سنوات عجاف تحول التصنيف من المرتبة الخامسة إلى السابعة في عام 2008 ، وإذا استمر الحال على ما هو عليه فمن ألمتوقع أن يتراجع التصنيف في 2009 والذي ستظهر نتيجته في نهاية السنة إلى مرتبة متأخرة، خصوصا في ظل بروز تحسن كبير في المحتوى والمضمون وسقف الحريات الذي تقدمة الصحافة في بعض الدول العربية بشكل عام، والدول الخليجية بشكل خاص، وأهمها الصحافة في مملكة البحرين والإمارات العربية المتحدة. (انظر الجدول الذي يصنف الصحافة في الدول العربية حسب المنطقة الجغرافية والنسبة التي حصلت عليها كل دولة)

أشار تقرير المنظمة إلى أنه على الرغم من انتشار وسائل الإعلام وشبكة الإنترنت بصورة واسعة في دول هذه المنطقة التي منها دولتنا، إلا أن الإعلام فيها لا زال مقيداً ومستوى الحرية تراجع فيها بشكل كبير. لكن هذا ليس كل ما عرض، فالصحافة في مجتمعنا تعاني، إذ لا يوجد قانون عصري يرفع من سقف الحريات ويرسي تعددية لإصدار صحف جديدة تنافسية وينظم العمل الصحفي، فلا زال قانون المطبوعات والنشر هو المعمول به منذ أكثر من 30 سنة، و هو متمركز على العقوبات والغرامات والحبس، كما لا يوجد ميثاق للصحافة و لا دليل للعمل الصحفي يسترشد به العاملون فيها، ولا توجد مظلة للصحافيين تجمعهم تحت جمعية أو نقابة، بل أصبحت الرقابة الداخلية للمسئولين في بعض الصحف والخطوط الحمراء لا عدّ لها ولا حصر، وباتت الاستقلالية والتبعية والمصداقية تثير العديد من الأسئلة منذ حل وزارة الإعلام قبل 11 سنة.

الأمر بات يقتضي مراجعة جذرية لوضع الصحافة ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، ومن هذا المنبر فإنني أدق الأجراس و أدعو إلى حوار وطني يتناول التحديات ويطرح العلل والمشاكل ويقدم حلولاً حقيقية للتغيير قابلة للتنفيذ اليوم قبل الغد، وأرى أن من الضروري طرح إستراتيجية مستقبلية وخطة عمل سنوية ترسم الدور الذي يجب أن تلعبه الصحافة في البناء والتنمية والاستقرار خلال الخمس سنوات القادمة وإلى عام 2015. وما نحتاج إليه لتحقيق ذلك هو رفع سقف حرية الإعلام بشكل عام والصحافة بشكل خاص لتكون أداة للنهوض برسالة الوطن والمواطن، ولتكون أداة في خدمة الاقتصاد الوطني، وتستخدم في الرقابة الشعبية وترفع من حرية التعبير والحوار والنقاش وتقديم المعلومات والحقائق، وتطرح الآراء والأفكار الجريئة والقضايا المصيرية بشفافية ووضوح ومسئولية، وتساهم في التنمية والتطوير والتحضر والتحديث والتقدم ومواكبة النهوض الاجتماعي والتغير الثقافي بكافة أشكاله وأنواعه... اللهم قد بلغت اللهم فاشهد....

جدول تقييم وضع الصحافة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2008
Rank (التصنيف)
Country (الدولة)
Rating (النسبة)
1
Kuwait
54
2
Lebanon
55
3
Egypt
59
4
Algeria
62
5
Jordan
63
6
Morocco
64
7
Qatar
64
8
United Arab Emirates
68
9
Iraq
69
10
Bahrain
71
11
Oman
71
12
Yemen
78
13
Saudi Arabia
81
14
Tunisia
81
15
Syria
83
16
Palestinian Authority
84
17
Iran
85
15
Libya
94

خــــالـــد الجــابــر
Aljaberzoon@gmail.com
=================================================================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق