الأربعاء، 28 ديسمبر 2011

الخليج وتحديات الانتقال من التعاون إلى الاندماج

الشرق- ايلاف
2011-12-28

هل تكون نقطة تحول في مسيرة دول مجلس التعاون الخليجي؟
ضرورة تسريع مسيرة التطوير والإصلاح الشامل داخل دول الخليج
العديد من المخاطر الخارجية تحيط بالدول الخليجية


هناك استشعار بخطورة الأوضاع والمخاطر الإقليمية واتساعها، وامتداد وانتشار الثورات في الدول العربية وتداعياتها وآثارها على دول الخليج، إلا أن الاختلاف لا يكمن في العناوين والتسميات التي تتحدث عن ضرورة التغيير بل في الرغبة الحقيقية لكل دولة في تبنيه وتنفيذه.. وخصوصا على مستوى قمة الهرم في السلطة والحكم والخلافة، وصناعة القرارات المصيرية وتطوير التجربة الديمقراطية من خلال منح الصلاحيات للمجالس التشريعية المنتخبة، وإفساح المجال لتحول المجتمعات الخليجية التقليدية القبلية المذهبية إلى مجتمعات مدنية مؤسساتية.
(1)
هل سنشهد في سنة 2012 نقطة تحول في مسيرة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، من مجرد سياسة قائمة على التعاون إلى الانتقال لمرحلة الاتحاد في كيان واحد، لمواجهة «التحديات» بعد مضي ما يقارب من 30 سنة من عمر المجلس الذي تأسس في 25 مايو 1981 وهو الذي ذكر في ديباجته انه عبارة عن (صيغة تعاونية تضم الدول الست، تهدف إلى تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دولهم في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها، وفق ما نص عليه النظام الأساسي للمجلس في مادته الرابعة)، إن الحديث حول الوحدة انتقل من السجال والحوار في المجالس والمنتديات والصحف ووسائل الإعلام الخليجية إلى دائرة صنع القرار السياسي، لكن الحديث حول الاندماج في اطار الفيدرالية كما تناولها البعض بشكل مبالغ فيه لا يزال بعيد المنال وربما أن الصيغة الأفضل تكمن في الاندماج تحت الصيغة الكونفدرالية، وهو ما سيمثل التحدي الأكبر لكل دولة وطموحاتها سواء على المستوي داخلي أو الإقليمي أو الدولي ومدى الجدية والرغبة الحقيقية في تنفيذ التوجهات واستيعاب المتغيرات والدخول في إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية متزامنة مع التخلي عن الصلاحيات السيادية مجالات الدفاع والاقتصاد والنفط والسياسات الخارجية. للتذكير فقط ان الاتحاد الكونفدرالي ينشأ نتيجة معاهدة تبرم بين دول كاملة السيادة تتفق على تنظيم علاقتها الاقتصادية والثقافية والعسكرية مع بعضها البعض، فتنشأ علاقة اتحادية تحتفظ بموجبها كل دولة بسيادتها واستقلالها وحكامها وحكومتها وبنظامها السياسي وتحافظ على جنسية مواطنيها، وتمتلك حق الانسحاب من الاتحاد، ويعد دخولها في نزاع مع احدى الدول نزاعا دوليا وينتهي الاتحاد الكونفدرالي إما بانفصال الدول الأعضاء أو انحلال الاتحاد أو زيادة تماسكها وترابطها ودخولها في اتحاد فدرالي عوضا عن الاتحاد الكونفدرالي. وبشكل عام تبدو الفكرة جميلة لكن استحقاقاتها تحمل مسئولية كبيرة والتزاما واحتراما وتكافؤا بين الدول وان اختلف حجمها بين الشقيقة الكبرى أو الصغرى، وهي عوامل لم ترسخ في بنية العقلية السياسية الخليجية عميقا.. والدليل انه لو حصل اختلاف بسيط على المسائل الحدودية والسيادية لاشتعلت أم المعارك السياسية والإعلامية الخليجية بين الاطراف المتشابكة والكل يريد الانتصار لوجهة نظرة وتغليبها على الآخر، وربما كانت مسألة إصدار العملة الموحدة خير شاهد على ذلك.. يذكر التاريخ أن آخر محاولة للوحدة كانت تحت صيغة “الاتحاد التساعي” الذي كان سيضم تسع إمارات خليجية: قطر والبحرين مع الإمارات السبع.. ولكن المشروع فشل نتيجة التنازع على الصلاحيات والسياسات.
(2)
الضمان لنجاح صيغ الاندماج وقيام الاتحادات هو المشاركة الشعبية والإيمان بأهمية التعاقد الذي يسن عن طريق المؤسسات الدستورية ويطرح في استفتاء ليسبغ عليه الشرعية، وهو الغائب الأكبر في مسيرة دول الخليج على مستوى داخلي وخارجي، هناك دول لا تؤمن بدستور وأخرى لديها دستور مجمد معدل مغير مبدل كلما تطلب الأمر، والأخرى تملك دستورا مزينا بنصوص براقة ولكن غير مطبق ومفعل ولا يتم الأخذ به والرجوع إليه، وهناك مواد دستورية لكن مجمل القوانين تخالف ماجاء بها جملة وتفصيلا، حتى الدولة الأقدم في صياغة العقد الاجتماعي وهي الكويت يدور فيها الصراع اليوم حول تغيير الدستور، ورغم انه يتضمن مادة تجيز إمكانية تعديله بعد مرور خمس سنوات من صدوره، الا أنه بعد مرور أكثر من خمسة وأربعين عاما لم يمس أو تطرأ عليه أية تعديلاتن لأنها مرتبطة بمخاوف وريبة من خطورة التعديل والتغيير!! الأمر الذي لفت انتباهي في بيان مجلس التعاون للدعوة إلى "تسريع مسيرة التطوير والإصلاح الشامل داخل دول الخليج، بما يحقق المزيد من المشاركة لجميع المواطنين والمواطنات، ويفتح آفاق المستقبل الرحب مع الحفاظ على الأمن والاستقرار وتماسك النسيج الوطني والرفاه الاجتماعي"، وهي الدعوة الأهم التي لم تبرز بالشكل الكافي وتاخذ حقها في الطرح والمداولة والنقاش، فهناك ثلاث دول خليجية على الأقل تعاني من صراعات وتجاذبات واحتقانات سياسية واقتصادية واجتماعية أدت إلى خروج الناس في الشوارع تغيرت على اثارها حكومة ورئيسها وتمت الدعوة إلى انتخابات برلمانية في الكويت، وعزل بعض الشخصيات الحكومية التي ارتبطت بالفساد والحديث حول صلاحيات توسيع مجلس الشورى في سلطنة عمان، وانفجار الشارع في البحرين الذي مازال ينزف حتى بعد تقرير لجنة بسيوني لتقصي الحقائق، بالإضافة إلى بقية الدول الخليجية والحديث عن الإصلاحات السياسية الموعودة في السعودية وقطر والإمارات.
(3)
في التحدي الخارجي يشكل النفوذ الإيراني في الخليج والعراق وسوريا أهم التحديات، والمجلس لا يملك الكثير من الخيارات في مواجهة هذا النفوذ المتفاقم، ووسائل التهدئة ومد الجسور لم تأت ثمارها على المستوى البعيد ناهيك عن القريب، وهناك تهديدات حقيقية لضرب أهداف إيرانية خصوصا بعد صدور تقرير الوكالة الدولية للطاقة النووية واتهام طهران باستخدام برنامج نووي سلمي كغطاء لإنتاج أسلحة نووية. الطريف انه بعيد انتهاء اجتماع دول مجلس التعاون الخليجي، ومطالبتها إيران بالكف عن إثارة الفتنة، لفتت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية إلى أن إسرائيل طالبت بعض دول الخليج بزيادة إنتاج النفط لتفادي ارتفاع أسعاره في حال مهاجمة إيران!!
الزميل عبدالله بن بجاد يشير إلى ثلاثة مخاطر تحيط بدول الخليج: الانسحاب الأمريكي من العراق وتسليمه كطبقٍ من ذهبٍ لإيران وحلفائها العراقيين، ويتمثّل في تحويل العراق لقاعدة لمناكفة دول الخليج وللعمليات القذرة ضدّها للتعويض عن اضطراب سوريا والاحتمالات القوية لسقوط النظام. الخطر الثاني هو احتمال قيام محورٍ أصوليٍ في الدول العربية المحتجّة معادٍ لدول الخليج وهو احتمال قائم — باستثناء قطر بالطبع وإنْ إلى حين — فتاريخ وخطاب الجماعات الأصولية كان على الدوام معادياً للخليج في خطّه العام، وهو تاريخ وخطاب لم يتغيّر منه شيء وإنْ حاول البعض إلقاء بعض المساحيق عليه حالياً لتشتيت الصورة. أمّا الخطر الثالث، فهو أن تكون دول الخليج محاطةً بدولٍ فاشلةٍ أو دولٍ مهدّدةٍ بالفشل في استقرارها السياسي وفي عافيتها الاقتصادية وفي سلمها الاجتماعي، فإن ذلك يعني تهديداً مباشراً لبناء التنمية وتطويرها في دول المجلس، وتهديداً لاستقرارها السياسي والاجتماعي وسلمها الأهلي، وعبئاً كبيراً على اقتصادياتها.
(4)
لقد نجحت منظومة مجلس التعاون الخليجي في الاستمرار بينما تلاشت عن الساحة منظمات عربية أخرى مثل مجلس التعاون العربي وقبله حلف بغداد والاتحاد الهاشمي والاتحاد المغاربي، ولكن اليوم مطلوب منه الكثير خصوصا في الانفتاح على الداخل والقيام بالإصلاحات السياسية وتفعيل المشاركة الشعبية.. فلقد ولت أيام الاحتفاء والمجاملات و"بوس الخشوم" وجاءت أيام التحديات الكبيرة وسط عواصف التغيير في العالم العربي التي تجتاح المنطقة وأنظمتها.

فاصلة أخيرة
كل عام وانتم بخير بمناسبة العام الجديد 2012.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق