الأربعاء، 12 أكتوبر 2011

الثورات العربية و"ماتريوشكا" المواقف المناهضة الروسية والصينية!

جريدة الشرق
2011-10-12

هل تتم مقاطعة المنتجات الروسية والصينية في الأسواق العربية؟؟
الربيع العربي يعطى أفكارًا للشعبين الروسي والصيني
الصراع الدولي على النفوذ في العالم العربي تدفع ثمنه الشعوب

رد سفير روسيا الاتحادية الضعيف وتبريره في منبر جريدة "الشرق" للموقف الروسي المتخاذل نحو ثورات الشعوب العربية لم يحمل أي جديد. وبينما كان السفير الروسي جريئا في الدفاع الواهي عن موقف حكومته إلا أننا لم ولن نسمع من السفير الصيني الذي تشارك حكومة بلده الموقف نفسه الذي اختبرناه في تونس ومصر واليمن وليبيا وليس آخرا في سوريا في استخدام حق النقض الفيتو لصدور قرار من مجلس الأمن الدولي يدين النظام السوري لارتكابه جرائم يومية ضد شعبه الأعزل.
(1)
المواقف المتقلبة والتبريرات المتناقضة والمراوغات السياسية الروسية — الصينية مع بداية انفجار ثورات الشوارع العربية أشبه بالدمية المشهورة ماتريوشكا (Matryoshka Doll)، التي هي عبارة عن دمية تتضمن داخلها عدة دمى أخرى بأحجام متناقصة، بحيث ان الأكبر تحوي الأصغر منها وهكذا. تعرف اللعبة أيضا باسم بابوشكا، وهي ابتكار روسي ولكن اغلبها اليوم يحمل شعار صنع في الصين!
لقد لعبت روسيا والصين دورا ملحوظا في تأخير الحسم في سقوط أنظمة عربية على رأسها النظام الديكتاتوري في ليبيا وتسببت في إطالة أمد الحرب التي شنها الديكتاتور المهرج ضد شعبه الثائر والتي راح ضحيتها نحو‏20‏ ألف قتيل عندما وقفت الدولتان موقفا سلبيا من ثورة الشعب الليبي ولم تساندا قرار الأمم المتحدة بفرض حظر جوي فوق ليبيا لحماية شعبها من بطش النظام الاستبدادي الذي كاد أن يبيد أهلها تماما في الأمس، الفرصة نفسها اليوم تقدم إلى نظام البعث القاتل في سوريا ليقوم بالمهمة ذاتها وللأسف لقد حقق نجاحا كبير في إبادة العديد من الشعب الثائر في ظل غياب التأثير الدولي وعقوباته والصمت العربي والخليجي الفاضح. وبعد انهيار النظام عادت الدولتان تستجديان الصفح والغفران من خلال التصريحات التي تعترف بالمجلس الانتقالي ومحاولة بناء علاقات، المصادر الرسمية قدرت خسائر روسيا بسبب الثورة الليبية بنحو 14 مليار دولار تمثلت في قيمة عقود توريد الأسلحة والمعدات العسكرية إلى جانب توقف مشاريع التعاون في مجالات النفط والغاز وبناء السكك الحديدية. وتضرر النفوذ الصيني الذي يستهدف مكامن النفط ومناجم المعادن، والعقود الإنشائية المربحة، والصفقات التجارية المجزية من خلال انخراط الشركات الصينية في مشاريع لا تقل عن 18.8 مليار دولار، تتراوح ما بين إنشاء الوحدات السكنية الفاخرة، ومد خطوط السكك الحديدية، وإقامة المنشآت النفطية.
(2)
روسيا والصين تنظران على أنهما مستهدفتان من قبل الولايات المتحدة وحلف الناتو من خلال محاولة إضعاف نفوذهما بالشرق الأوسط، بما في ذلك نظام الدرع الصاروخي الذي ينشره الناتو بأوروبا والذي ترىان أنه يستهدف محاصرة حلفائهما بالمنطقة مثل إيران وسوريا، وأنه لا بد بالتالي من الوقوف في وجه المحاولات الأمريكية للسيطرة الكاملة على المنطقة واعتبارها منطقة نفوذ خالصة لها. روسيا كقوة إقليمية قديمة تفككت ومازالت تبحث عن دور اكبر مفقود تقف في الجانب الآخر الرافض للتحركات الشعبية، فهي خلال العقود الماضية ربطت سياساتها مع الأنظمة الحاكمة من خلال تزويدها بصفقات الأسلحة الخفيفة والثقيلة وتقديمها بالمقابل تسهيلات للقوات الروسية، توجد في ميناء طرطوس السوري القاعدة العسكرية الروسية الوحيدة خارج أراضي الاتحاد السوفييتي السابق كما تعتبر سوريا أكبر مشترٍ للسلاح الروسي بالمنطقة، حيث تشغل المرتبة الخامسة بين ثمانين دولة تستورد أسلحة ومعدات حربية روسية. وبينما قامت الولايات المتحدة وأوروبا باتباع السياسات نفسها إلا أنهما استوعبتا الدروس باكرا ومن ثورة تونس وبعدها مصر وغيرتا مواقفهما وظلت روسيا ومعها الصين تخسران يوما بعد الآخر سمعتهما وربما نفوذهما ومصالحهما في المنطقة إذا لم تتغير مواقفهما المساندة للأنظمة القمعية والاستبدادية في العالم العربي. المواقف الرافضة للتحركات الشعبية تثير استياء واسعا في الشارع العربي بكل قطاعاته وهو ما قد ينعكس سلبا ويتحول إلى أعمال عنف ومقاطعة وربما هجمات مسلحة أو إرهابية قد تستهدف السفارات والمصالح الاقتصادية والحيوية الروسية والصينية في الدول العربية وهناك مقولة عربية "إن النار تبدأ من مستصغر الشرر" هذه الرسالة يجب أن تستوعبها الدول المناهضة لرغبة الشعوب العربية في التغيير قبل فوات الأوان.
(2)
ديديه بيون، الباحث الفرنسي بمعهد البحوث الدولية والإستراتيجية والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط، ينظر للموقف من زاوية أخرى وهو يشير إلى أن الفيتو الصيني — الروسي ضد مشروع القرار الأممي بشأن سوريا، يعكس خشية كل من موسكو وبكين من أن يعطى الربيع العربي أفكارًا للشعبين الروسي والصيني. روسيا اليوم تعارض بشدة تدخلا عسكريا في سورية وفرض عقوبات على نظام البعث الدموي القاتل خوفا من أن تتكرر الحادثة في الأقاليم التي تطالب باستقلال ذاتي، شيشانية أو الداغستانية أو الانغوشتية وغيرها للتعبير عن تقرير المصير في مناطق الاتحاد الروسي. وهناك قلق روسي من التحركات التركية النشطة ليس في الشرق الأوسط فقط بل حتى في الدول التي انطوت تحت منظومة الاتحاد السوفييتي مثل أوزباكستان وتركمانستان وأذربيجان والتي تنتمي في عمقها وتركيبتها الثقافية والدينية والاثنية إلى أنقرة أكثر من انتمائها لموسكو. الثورات العربية تحولت بالمقابل إلى فزاعة على شكل "ماتريوشكا" ووصلت إلى عمق السياسة الداخلية الروسية في التظاهرات المستمرة والمتجددة التي تطالب بتغيير الحكومة، وإيجاد الحلول للمشاكل الاقتصادية وسوء الأحوال المعيشية التي تعيشها البلاد، حيث بلغ عدد الناس تحت خط الفقر في روسيا 19.6% وفي ازدياد منذ عام 2007. وفي الصين هناك دعوات إلى احتجاجات تحت اسم "ثورة الياسمين" تطالب بفرص عمل ومسكن وحرية وعدالة وديمقراطية. الرعب أيضا من امتداد تأثير الثورات العربية إلى تركستان الشرقية وما يطلق عليه الشيوعيون الصينيون بإقليم سيكياينج، ويعيش شعب الإيغور المسلم في هذا الإقليم أوضاعا مأساوية تنقلها تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية، منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس وواتش، عن المعاناة وسياسات التهميش والإفقار التي يعانيها المسلمون ومنعهم من الارتقاء في وظائف الدولة وإفساح المجال للقوميات العرقية الأخرى مثل الهان للسيطرة على الإقليم ومؤسساته الاقتصادية، في وقت يحرم المسلمون من الحصول على أي وظائف راقية لدرجة أنهم يكتفون بقبول وظائف الخدمة في المنازل.
(3)
الدعوات التي انطلقت من المنتديات الاجتماعية والمواقع التفاعلية دعت إلى تبني عدة مواقف نحو الموقف الروسي والصيني منها مقاطعة المنتجات الروسية والصينية في الأسواق والضغط على التجار والمستوردين لمنع استيرادها. القيام بتوجيه رسائل الإدانة للمواقف الروسية والصينية السلبية السابقة والحالية بكل الوسائل المتاحة من يقوم بها الأفراد والمؤسسات والجمعيات والأحزاب السياسية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني، ويتم توجيهها إلى الجهات المعنية المدنية والحقوقية عربيا وإقليميا ودوليا. الدعوة إلى رحيل الكوادر الروسية والصينية بكل أصنافها الفنية والعسكرية والاقتصادية والتجارية من دول المنطقة. إقامة التجمعات وتسيير التظاهرات الاحتجاجية امام سفارتي روسيا والصين في الدول العربية والإسلامية وأيضا في دول أوروبا وآسيا والأمريكتين الشمالية والجنوبية من قبل الجاليات المقيمة في الخارج. لا نريد أن يصل الوضع إلى درجة القطيعة، لذلك هي رسالة نتمنى أن تصل إلى وزارتي الخارجية الروسية والصينية في الوقت المناسب أو تتحول إلى سلة المهملات ويخسر الجميع هنا وهناك. لعبة "ماتريوشكا" اليوم لم تعد تجد لها مشترىا في عالم الثورات العربية!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق