الأربعاء، 31 أغسطس 2011

مرحلة ما بعد الثورة.. التسامح والبناء والتعمير

جريدة الشرق
2011-08-31


عدم الدخول في معارك جانبية من خلال الانتقام والتصفية والتشفي
حالة شقاق تسود الساحة وثقافة العمل المشترك تراجعت إلى الخلف
تأجيج الخلاف بين التيارات السياسية خاصة الإسلامية والليبرالية

البناء والتعمير والتنمية تعد أهم الأولويات التي من الضروري التركيز عليها بعد نجاح الثورة وعدم الانشغال في المسائل الفرعية وإثارة النزاعات والخلافات والمشاحنات والسعي إلى الدخول في معارك جانبية من خلال الانتقام والتصفية والتشفي. القطيعة مع الماضي وأفكاره تبدأ بالتفكير في المستقبل وبنائه من خلال الحاضر وتحدياته.
(1)
تقرير تغطية الإعلام المصري أشار إلى أنه قبل الثورة كانت الصور وأخبار الرئيس المخلوع حسني مبارك تحتل المساحات الأولى في الصحف ووسائل الإعلام، وبعد نجاح الثورة لم يتغير الوضع، فهي مازالت في المقدمة من خلال تغطية محاكمته (شبر شبر وزنجة زنجة) والتحديات الكبيرة تبدو غائبة أو مغيبة عن المشهد اليومي وتداعياته. سيرغي سيرغيتشيف، الخبير الاقتصادي في معهد الشرق الأوسط، يدق أجراس الخطر محذرا من كارثة قد تشل الاقتصاد المصري الذي يعتمد على قناة السويس، والأموال التي يحولها المصريون العاملون في الخارج، والسياحة، والزراعة، وتصدير كميات قليلة من النفط والغاز. حيث لم يبق اليوم سوى القناة وتحويلات الخارج، ما أدى إلى إفلاس الميزانية. وإضافة إلى ذلك فرض الثوار الحجز على حسابات 264 رجل أعمال مصريا، منهم وزراء وطواغيت مال. والمجلس العسكري الانتقالي عاجز عن إصلاح الوضع في الاقتصاد المصري وتدهوره المتفاقم. وإذا استمر التصعيد والاحتجاجات فالخطوة التالية هي الحرب الأهلية، وظهور حركات سياسية غريبة، كحركة انفصال دلتا نهر النيل، وحركة استقلال شبه جزيرة سيناء. وهناك استنزاف متواصل ومستمر في الوقت والجهد والموارد والغلو في الأطروحات النظرية والفكرية والصراع حول الأيدلوجيات الدينية والمدنية، والخلافات والانشقاقات السياسية بين النخب والجماعات والأحزاب السياسية وبين متطلبات الشارع ورغباته وهمومه اليومية.
(2)
حددت نخبة من أساتذة العلوم السياسية في مركز النهضة للتدريب والتنمية واقع الخريطة السياسية المصرية بعد ثورة 25 يناير في عدة مخاوف أهمها أن الخريطة السياسية مازالت تتشكل من جديد وفي مراحلها الأولى ومن الصعب بل ليس من المطلوب التسرع في الانتهاء منها. هناك مشاعر من الخوف والقلق بسبب حالة الاستقطاب الحاد والمزعج بين كافة الأطياف والألوان والتيارات الفكرية والكيانات السياسية القديمة والجديدة سواء بسواء. حالة الشقاق التي تسود الساحة السياسية ما يؤكد أن ثقافة العمل المشترك التي كانت نموذجاً نوعياً ومميزاً خلال فعاليات الثورة قد تراجعت إلى الخلف. غلبة مصطلحات وكلمات وعبارات الفرقاء لا الشركاء، على غرار نحن وهم! ومن الصواب ومن الخطأ؟ ومن كان الفعل ومن كان رد الفعل؟ والسطو الإعلامي غير البريء على الساحة وتأجيج الخلاف بين التيارات السياسية خاصة الإسلامية والليبرالية لاعتبارات شخصية أو تسويقية أو ربما تصفية حسابات تاريخية. وتراجعت منظومة القيم، فتراجع الوفاق وتقدم الشقاق، ونزلت راية الوحدة وعلم البلاد ورفعت رايات الاتهامات والتخوين وفقدان الثقة. بالإضافة إلى الغرق في بحور الخلافات الداخلية وعدم الالتفات إلى مخاطر التهديدات الخارجية. وهو مشهد مشابه لما يحصل في البلدان العربية التي توحدت شعوبها بنخبها وتخلصت من الأنظمة الديكتاتورية ولكنها لا تستطيع بعد تحقيق النصر الدخول في مرحلة البناء والتعمير ومازالت تحمل يدها معول الهدم ومطرقة التحطيم والتهميش في تونس وليبيا، واليمن وسوريا ليست بعيدة عن المشهد!
(3)
من الذين زاروا ميدان التحرير مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق وهو قدم عدة نصائح يمكن الاستفادة منها خصوصا أنها تأتي من احد قادة النمور الآسيوية واحد الذين واجهوا المعضلات الاقتصادية وأزماتها في ماليزيا وتمكن من الانتقال بها من مجرد دولة زراعية تعتمد على تصدير السلع البسيطة إلى دولة صناعية متقدمة. مهاتير أشار الى أن هناك تشابهات بين مصر وماليزيا، فماليزيا كانت بلدا زراعىا، ولم تكن هناك فرصة لتوفير عمل للناس فقررت التحول إلى بلد صناعي، كما حاولت تحديث أسلوبها في الزراعة من أجل زيادة الإنتاجية. واتجهت لدعوة المستثمرين الأجانب لإقامة مشروعاتهم على أرض ماليزيا، وتذليل العقبات لهم وحدث ذلك، وتوافرت الكثير من فرص العمل، حتى فاق عدد العمال الاجانب المليون. مهاتير لم يعتمد على تقارير الموظفين البيروقراطيين، وكان يطلب أرقاما دقيقة عن أوضاع العاطلين والأميين والمهمشين ولا يسمح بالتلاعب أو تجميل الموقف، وكان الانفتاح على الغير مسألة حياة أو موت لأن بناء الإنسان الماليزي الجديد يحتاج إلى خبرات الآخرين، فقرر الاعتماد على الخبرة اليابانية واستفاد من التجربة السنغافورية ولم يشده تقليد النموذج الأمريكي أو الأوروبي بل تجارب الدول التي تقع في محيطه الجغرافي وكان لديها تخلف مماثل لماليزيا، وقام بإرسال آلاف الطلاب والباحثين إلى الجامعات اليابانية أولاً ثم إلى أوروبا بعد ذلك وأسسوا عاصمة إدارية جديدة وتكنولوجية. أن الإستراتيجية التي انتهجتها اليابان كما كان يؤمن بها مهاتير تكمن في إنتاج سلع جيدة بأسعار زهيدة ساهمت بشكل كبير في تحقيق تفوقها على المنتجات الأوروبية والأمريكية ذات الأسعار المرتفعة، وبالتالي نجحت في السيطرة على أسواق آسيا وإفريقيا، إضافة إلى اتباع سياسة منهجية في التصنيع، وإيجاد قيادات تتمتع بمستوى علمي فائق، وتتميز بالتطور والإبداع، وعلى المستوى المعنوي في اليابان هناك الالتزام الأخلاقي والمهني بقيم العمل الآسيوية، مما يستتبعه التفاني والجدية في الأداء المهني.
كما قامت الحكومة الماليزية في عهده بدراسة توجهات السوق ومتطلباته، وبناء عليه وجدت الطلب على العلماء فاتجهت لزيادة القاعدة العلمية بالتدريب فى مجالات العلوم والتكنولوجيا والرياضيات، مع مراعاة تطوير نوعية العلم المقدم في هذه المجالات لإعداد الكوادر للعمل المعرفى، وتم إنشاء أكثر من 400 معهد وكلية جامعية خاصة، تقدم دراسات وبرامج توأمة مع جامعات في الخارج، وتمت تقوية العلاقة بين مراكز البحوث والجامعات وبين القطاع الخاص، وكان هناك إصرار على تعلم اللغة الإنجليزية حتى لا ينعزل الشعب الماليزى عن العالم، وعن الشعوب الأخرى. هذه المعرفة وأدواتها صنعت فارقا كبيرا واستطاعت المنافسة حتى في صناعة السيارات المحلية وقطع غيار الطائرات.
(4)
رغم العتمة التي تعتري المشهد العربي بعد الثورات اليوم إلا أن المستقبل قد يكون مغايرا فالدراسات الاقتصادية الدولية المختلفة تشير إلى أن تونس ومصر بالذات ستكونان من أقوى 10 اقتصادات في العالم بحلول عام 2050 لو قامتا بعملية تحديث اقتصادي شامل.
فاصلة أخيرة:
يا رقاص الساعة،
دعنا نقلب تاريخ الأوقات بهذي القاعة،
وندجن عصر التدجين،
ونؤكد إفلاس الباعة،
قف وتأمل وضعك ساعة،
لا ترقص، قتلتك الطاعة.
• أحمد مطر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق