الأربعاء، 17 أغسطس 2011

الخلافات والمشاحنات تعيدنا إلى الوراء كلما تقدمنا!

جريدة الشرق
2011-08-17

ما يجمعنا مع البحرين لا يمكن أن تكسره الخلافات والمشاحنات والأجندات السياسية
اشتعال أم المعارك الإعلامية من جديد بين العراق والكويت

كلما سنحت الفرصة للحصول على إجازة لعدة أيام من الدراسة، حملنا أغراضنا وتوجهنا من مدينتنا في فلوريدا بنسكولا (Pensacola)، إلى مدينة لوس انجلوس كاليفورنيا قاطعين مسافة تقدر بنحو (2.128) ميل عن طريق السيارة. كانت المناظر الخلابة هي التي تشدنا إلى السفر والترحال خصوصا ونحن نعبر الجسور الثابتة والمعلقة فوق المحيط والأنهار والبحيرات من الاباما، ميسيسبي، وحتى مستنقعات لويزيانا، مرورا بمدن تاكسس، ونيو مكسيكو، واريزونا. واعترف بأني إلى هذه الساعة أصاب برهبة في عبور الجسور الطويلة والمرتفعة وخصوصا إذا كنت السائق كما أنها تأتيني كوابيس بان السيارة التي اوجد فيها تتزحلق إلى الخلف ولا تستطيع أن تواصل السير على الجسر الذي يبدو انه لا نهاية له!
(1)
الأسئلة التي كانت تراودني ساعتها ونحن في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، هو لماذا لا توجد شبكات الطرق والمواصلات الحديثة التي تربط بين دول الخليج والدول العربية وخصوصا القريبة من بعضها البعض؟ فلم تكن هناك مشاكل حقيقية في التمويل الحكومي، حتى لو تم تكليف القطاع الخاص بالاستثمار في هذا الجانب من التخطيط والتنفيذ لحقق الكثير من الأرباح والرسوم التي سيفرضها تعويضا عن المصاريف التي سينفقها في المشروع. لماذا رغم المداخيل الاقتصادية العالية تغيب طرق الشوارع السريعة "الهاي واي" (Highway) والجسور المعلقة والسكك الحديدية والقطار السريع مثل الذي يربط المدن اليابانية والقطار البحري. ولماذا لم يعاد احياء مشروع سكة القطار العثماني السعودي (سكة حديد الحجاز) الذي دمر جزء كبير منه في الحرب العالمية الأولى، والذي كان يشق الجزيره العربية قادما من وسط تركيا مارا بالشام ثم الاتجاه الى المدينة المنورة، ويقدم خدمات جليلة لحجاج بيت الله الحرام، تمثلت في اختصار وقت هذه الرحلة الشاقة التي كانت تستغرق شهورًا، يتعرضون فيها لغارات قطاع الطرق ومخاطر ومشاق الصحراء، فأصبحت الرحلة بعد إنشاء هذا الخط الحديدي الذي بلغ طوله (1320) كم تستغرق أيامًا معدودة.
(2)
الحاجز المنيع الذي وقف في وجه بروز مشروعات عملاقة وطموحه تقرب المسافات بين عواصم الدول العربية هو الخلافات السياسية والصراع على المناطق الحدودية الجغرافية البرية والبحرية. النزاعات على الحدود تفجرت في كل دولة من المغرب العربي والنزاع بين الجزائر وتونس، بين الجزائر وليبيا، بين ليبيا وتونس، بين الجزائر والمغرب، بين المغرب وموريتانيا، النزاع المستمر إلى اليوم بين المغرب والصحراء الغربية، السودان ومصر، إيران والعراق، وإيران والإمارات العربية ثم العراق والكويت، وإسرائيل ودول الطوق، السعودية وقطر، السعودية واليمن، السعودية والإمارات والسعودية والكويت. بعض الدول حلت حدودها بطرق السلمية والبعض لا يزال يصارع. البحرين وقطر تجاوزوا خلافاتهم الحدودية التي استمرت قرابة خمسين عاما بقبول قرار محكمة العدل الدولية الذي استمر تداولها للقضية حوالي تسع سنوات فيما يعد أطول نزاع إقليمي ورد إليها. وتسبب النزاع في توتر العلاقات بين الدولتين بما فيها تأجيل الكثير من المشاريع الاقتصادية المشتركة. إيران مازالت ترفض التوصل إلى حل مع الإمارات حول الجزر الثلاث (طنب كبرى، طنب صغرى وابو موسى) فهي على مدى نحو 3 عقود من الزمان، مازالت تتلكأ وتراوغ، في قبول الحوار أو الحكم العادل أو التقاضي في مسألة احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث وهو الذي شبهه بيان دول مجلس التعاون الخليجي بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية. الخلاف الحدودي بين السعودية والإمارات على واحة البريمي المشهورة يطل برأسه كلما اعتقدنا أننا امسكنا به من ذيله وهو تجاوز حد البعد الجغرافي ونسحب على أبعاد اقتصادية وإستراتيجية ومن ثماره تجميد بناء الجسر بين ابوظبي والدوحة، والانسحاب من مشروع العملة الخليجية الموحدة!
(3)
اشتعلت أم المعارك من جديد بين العراق والكويت والحملات السياسية والنيابية والإعلامية مع الثورات العربية في (2011) بعد وضع حجر الأساس لبناء ميناء «مبارك الكبير» في جزيرة بوبيان التي تقع في أقصى شمال غربي الخليج العربي في الكويت، ويتوقع ان ينتهي العمل فيه خلال سنوات قليلة، بتكلفة تبلغ حوالي مليار دولار، ويرتبط الميناء الكويتي بثلاثة جسور وطرق سريعة، ومن المقرر ان يرتبط مع سكة القطار الخليجي، التي تخدم الميناء. العراق اعتبر أن هذا الميناء سيؤدي إلى «خنق» المنفذ البحري الوحيد للعراق، لأنه سيتسبب في جعل الساحل الكويتي ممتدا على مسافة 500 كيلومتر، بينما يكون الساحل العراقي محصورا في مساحة 50 كيلومترا. وثائق اجتماعات اللجنة الكويتية — العراقية المشتركة سجلت مناقشة الميناء بين الطرفين، وعدم اعتراض العراق عليه على الرغم من أن الاعتراض لا مسوغ قانونيّاً له ما دامت الكويت تبني الميناء على أرضها، وداخل مياهها الإقليمية. الأمم المتحدة دخلت على الخط الساخن، الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أشار إلى ان خلاف الكويت والعراق على "ميناء مبارك" يجب أن يحل دبلوماسيا! لكن متى وأين وكيف لا نعرف ويبدو أن الأزمة لن تجد لها حلا في القريب العاجل لنعود للمربع الأول في كسر الخلافات السياسية كل محاولات البناء والنهوض وتقريب وتعزيز العلاقات بين الأخوة والأشقاء الذين يتحولون بلمح البصر إلى أعداء!
(4)
آخر المعارك الإعلامية وليست الأخيرة كانت بين الصحف في البحرين وقطر على خلفية بث قناة الجزيرة الانجليزية برنامجا تسجيليا حول الاضطرابات الأخيرة في البحرين وقبلها كانت حكاية الصيادين والقوارب البحرينية ودخولها المياه الإقليمية القطرية. ولا عجب أن يتأخر إنشاء الجسر المقترح (جسر المحبة) والذي سيربط البحرين بقطر والذي يعد واحداً من أطول الجسور في العالم. وان كانت السياسة تحاول أن تزرع بيننا الفرقة، فالعادات والتقاليد تجمعنا على المحبة كشعوب. منذ عدة أيام اجتمعنا بعد غياب طويل مع أبناء أخي ونصفهم بحريني من جهة الأم في الاحتفال في منتصف رمضان بعادة موروثة وشعبية قديمة من آبائنا وأجدادنا حيث يتجمع الأطفال بعد الفطور على شكل مجموعات يطوفون على المنازل في الحي، ويصدحون بأغاني خاصة وبعض الأدعية لأهالي البيوت، وبالمقابل يقدم أهالي البيوت لهم بعض المكسرات والحلويات، ولا استبعد أن أخذها الأمريكان من عندنا في الاحتفال بيوم الهالوين (Halloween day)! ورغم أن العادة منتشرة في كل دول الخليج، لكنها في البحرين وقطر فقط تُعرف بليلة "القرنقعوه"! وهي دلالة رمزية تشير إلى مدى عمق الروابط وتأصلها بين الشعبين حتى في المفردات اللغوية الشعبية البسيطة. ان ما يجمعنا في قطر والبحرين لا يمكن أن تكسره الخلافات والمشاحنات والأيديولوجيات والأجندات السياسية مهما حاولت.
فاصلة أخيرة:
في القاعِة المعتادَةْ
بهائمٌ تغفو بلا إرادةْ
وهائمٌ يمشى بلا إرادةْ
وطبلةٌ تَدقُّ كلَّ ساعةٍ بمنتهى البلادةْ
تُعلِنُ عن تأييدها
.. لمجلسِ القيادة!
* احمد مطر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق