الأربعاء، 10 أغسطس 2011

وعاظ السلاطين.. التحالف المدنس بين الطاغوت والكهنوت!

جريدة الشرق

2011-08-10

"فتاوية الشيوخ" يطوعون الدين لخدمة الأنظمة الحاكمة
الثورة تحرق كتب أحد فقهاء السلاطين العرب
الديمقراطية سلسلة متلاحقة من الثورات لا نهاية لها

صعب على الكثير ولا يزال التفريق بين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الحق، بين الضوء والنور، والظل ولا الحرور، والحرية والاستعباد، والمعرفة والجهل، وبين الديمقراطية والاستبداد. ولكن مهما اختلط الأمر وسيطر على عدد كبير من عقول الناس وأفئدتهم فهو إلى زوال واضمحلال والآية القرآنية تقول "بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون". والمعركة اليوم مع منظومة الطاغية والديكتاتور التي شكلت البيئة الفاسدة الديكتاتورية والنظام الذي خلق الاستبداد والطاغوت في العالم العربي، وأشركه بالطاعة مع الله والتسليم به قبل العيش في الوطن (الله والرئيس والوطن وبس)، مع التحالف غير المقدس والمدنس بين الطاغوت (Tyrant) والكهنوت (Priesthood‏).
(1)
كما أن هناك "فداوية الشيوخ" كما هو معروف عندنا في الخليج، نستطيع ان ننحت على شاكلتها مصطلح "فتاوية الشيوخ" وهم الذين يطوعون الدين لخدمة الحاكم، ويشرعون الفتاوى لتحويل عباد الله إلى عبيد خانعة لسلطة الملوك والأمراء والشيوخ والسلاطين؟! كانت مظاهرة حافلة بالعبر وهي تقوم بحرق كتب احد فقهاء السلاطين العرب الذين يشار لهم بالبنان احتجاجاً على فتاويه التي اعتبروها مؤيدة للنظام، لم تكن تشابه تلك الحادثة التاريخية الفاصلة بل كانت نقيضة لها، حينما أقدم القوم على حرق كتب فيلسوف قرطبة ابن رشد (1126 — 1198م)، لتنتقل منارة العلم والحضارة من ديار الشرق إلى الغرب في رحلة ألا عودة إلى هذه الساعة.! أبشع الفتاوى تلك التي أجازت السجود على صور الرئيس السوري التي جاءت من احد كبار رموز إضفاء المشروعية على النظام في سوريا وهو محمد البوطي. البوطي أجاب عن سؤال وجه إليه: "ما حكم توحيد غير الله قسراً، كما يحدث في فروع الأمن عند الاعتقال وإجبارهم على القول ان الرئيس إلهنا وربنا"، فجاء الرد: "إن ذلك يحدث بسبب خروج هذا الشخص مع المسيرات إلى الشارع والهتاف بإسقاط النظام وسبّ رئيسه والدعوة إلى رحيله". وهو لم يحرم إطلاق النار على المتظاهرين رداً على جندي يسأله عن حكم إطلاق النار على المتظاهرين، فأجاب بأنه إذا علم المجند أنه تسبب في القتل فعليه الدية للورثة؛ وأن يصوم شهرين، وإن لم يستطع فإطعام فقير لمدة شهرين! أما إن كان تسبب المجند بجروح فله أن يدعو الله أن يسامحه أصحاب العلاقة!! البوطي وصف التظاهر كأخطر أنواع المحرمات في الإسلام؟! وعندما هاجم الدكتور يوسف القرضاوي القمع الذي يمارس على الشعب السوري من طرف النظام لم يجد البوطي من وسيلة سوى الهجوم على القرضاوي، وقال إن الشيخ الذي يكبره سنا اختار الطريقة الغوغائية والغابية التي لا تصلح إلا للفساد وتفتح أبواب الفتنة على مصراعيها، ونصح القرضاوي بالتزام الصمت لأنه لا يعلم ما يحدث في سوريا وكل ما أمامه مجرد تقارير خيالية تنسجها محطة الجزيرة القطرية التي يقدم فيها برنامجه. كما شبه البوطي خروج المظاهرات الشعبية المستمرة المطالبة بالحرية بأنها مؤامرة حيكت في دهاليز المخابرات الأمريكية والصهيونية والأوروبية والرجعيات العربية النفطية في إشارة إلى دول الخليج وربما قصد بها السعودية والكويت وقطر التي تمت مهاجمة سفارتها من قبل الشبيحة والمخابرات وتم سحب سفيرها احتجاجا على ذلك.
(2)
احد ائمة المساجد المغمورين وهو حمود العنزي هاجم الثوار الليبيين واعتبرهم "خارجين على الشرعية" و"خونة"، ووصف القذافي "بولي الأمر الذي لا يجوز الخروج عليه". بل ظهر على القنوات الليبية التي تتحدث باسم نظام القذافي مشنعاً على الثوار، ومتهماً إياهم بالخيانة وعدم احترام حرمة الإسلام، وكرر دعاءه للقذافي وحاشيته. كما طالب العلماء المشايخ الآخرين وربما "كل من أفتى أن يتراجع عن فتواه"، داعيا إلى "الوقوف مع القذافي ضد الثوار". وكيل المرجعيات الشيعة في الكويت محمد باقر المهري دخل سوريا من شباك النظام وليس باب الشعب، وقال الوضع مستقر وهادئ والنظام السوري مسيطر على الأوضاع تماما وأشار إلى أن هناك مؤامرة دولية كبرى على سوريا والجماعات المتحجرة الطائفية وقعوا في شراكها والفضائيات تكذب على الناس وتصور الخيال واقعا. يقول عالم الاجتماع الراحل د. علي الوردي، في كتابه ''وعاظ السلاطين'' الواعظ يصفق للظالم ويبصق في وجه المظلوم. ولا يفتأ الواعظون يدعون لأصحاب السيف والسوط بطول العمر في الصبح والمساء. فهم يقولون للظالم أحسنت وللمظلوم أسأت. ويظهر مدى النفاق الذي يتعاطاه الواعظون حيث هم ينذروننا دوما بعذاب الله بينما هم يهشون ويبشون في وجوه الظلمة ويقومون لهم احتراما وإجلالا، فإذا اعتدى أحد المترفين على فقير وجدت الواعظين يضعون اللوم على عاتق هذا الفقير وحده، بينما إذا أخطأ الفقير مرة فاعتدى على مترف قامت قيامة الوعاظ وأخذت مواعظهم تنهمر على هذا الفقير من كل جانب، لقد نسى الواعظون بل تناسوا اللصوصية الكبرى للظالم الذي ينهب أموال الأمة ويبذرها على ملذاته وملذات أبنائه وأعوانه، إن مشكلة الوعاظ أنهم يأخذون جانب الحاكم ويحاربون المحكوم وما زال الوعاظ يعيشون على فضلات موائد الأغنياء والطغاة لذلك يتغاضون عن تعسفهم ونهبهم وترفهم ثم يدعون لهم بطول العمر فقد وجد الطغاة في الواعظين خير عون لهم في تخدير الناس وإلهائهم، فينشغلون عن ظلم الطغاة وفسادهم وطغيانهم.
(3)
يشير د. علي الوردي الى أن أحداث التاريخ العربي والإسلامي في ضوء المنطق الاجتماعي الحديث، تختزل في وجود فريقين يتنازعان البقاء: فريق السلاطين من جانب، وفريق الثوار من الجانب الآخر. وأخذت هاتان النزعتان المتضادتان تتفاعلان جيلاً بعد جيل، إلى أنه يشير الى ان ''الديمقراطية لم تنشأ في الأمم الحديثة من جراء أفكار صبيانية تحذلق بها الواعظون، إنما هي في الواقع نتيجة معارك طاحنة قامت بها الشعوب في وجوه حكامهم المستبدين، والديمقراطية لم تفتر عن الثورة حتى اليوم. فتاريخها عبارة عن سلسلة متلاحقة من الثورات لانهاية لها. إن نظام التصويت الذي تقوم عليه الديمقراطية الحديثة، ليس هو في معناه الاجتماعي إلا ثورة مقنعة، والانتخاب هو في الواقع ثورة هادئة، حيث يذهب الناس إلى صناديق الانتخاب، كما كان أسلافهم يذهبون إلى ساحات الثورة. فيخلعون حكامهم أو يستبدلون بهم حكاما آخرين. يشير المستر ليمان الكاتب الأمريكي المعروف الى ''ان ثوار الأمم الديمقراطية يستخدمون أوراق التصويت بدلا من رصاص البنادق (Baffots instead of buffets) ومن النادر أن تسمع بحدوث ثورة مسلحة في البلاد الديمقراطية، إنهم لا يثورون لان في ميسورهم، أن يجدوا للثورة طريقا آخر، هو طريق التصويت الهادئ، الذي لا يتلاعب به الحكام الأدنياء. فهم يبدلون حكامهم حينا بعد آخر، فلا تحدث فتنة ولا تسيل دماء كما ينقل عبدالوهاب الحمادي. والحكومة التي لا تدرب رعاياها على إتباع طريق الثورة السلمية الهادئة، سوف تجابه من غير شك ثورة دموية عنيفة في يوم من الأيام وهو ما نشهده هذه الأيام في العالم العربي من مشرقه إلى مغربه.
فاصلة أخيرة:
من خالف مولانا سفها فنهايته مأساوية
لو يأخذ مالك أجمعه أو يسبي كل الذرية
أو يجلد ظهرك تسلية وهوايات ترفيهية
أو يصلبنا ويقدمنا قربانا للماسونية
فله ما أبقى أو أعطى لا يسأل عن أي قضية
ذات السلطان مقدسة فيها نفحات علوية
* احمد مطر

هناك تعليق واحد:

  1. أحسنت في طرحك .. نعم ان مأساة زماننا تكمن في تطويع الدين لصالح الطواغيت .. بل انها مأساة كل العصور. ولكني اقول اننا جزء من المشكلة .. لأننا ادمنا على استفتاء العلماء في كل صغيرة وكبيرة .. بالله عليك من يحتاج الى فتوى عالم دين ليحدد موقفه من قتل الابرياء من الشعوب الثائرة في مصر وتونس واليمن والبحرين وسوريا والقائمة ستطول بإذن الله؟؟

    بو محمد

    ردحذف