الأحد، 26 يونيو 2011

الوصفة التركية.. نموذج ما بعد الثورات العربية

2011-06-26
الشرق- ايلاف

لماذا لا يوجد تعارض بين الإسلام والديمقراطية في تركيا؟
ليبراليون ويساريون وأكراد صوتوا لأردوغان وحزبه!
هل تقتفي الحركات والجماعات الإسلامية العربية نهج حزب العدالة التركي؟

ستكون هذه آخر المعارك الانتخابية.. هكذا أعلن اردوغان الذي فاز في الانتخابات البرلمانية التركية للمرة الثالثة على التوالي، الرجل الذي غيّر وجه تركيا أكثر من أي رئيس وزراء آخر خلال الثلاثين عاماً الأخيرة، والذي يقارنه أتباعه بمصطفى كمال أتاتورك، المؤسس الأسطوري للجمهورية التركية. التجربة التركية خلال السنوات العشر الماضية أثارت الكثير من الجدل ولفتت الأنظار في العالم الغربي القريب منها على الضفة الأخرى، وفي عالمنا العربي والإسلامي الذي يشترك معها في التاريخ والجغرافيا والتراث الديني. تجربة الوصفة التركية الأخيرة جاءت مع انطلاقة حزب العدالة والتنمية الذي حقق فوزه الثالث ليطرح العديد من التساؤلات خصوصا ما بعد ثورات الشعوب العربية في الدول التي تحررت من ديكتاتورية الرئيس الواحد والحزب الواحد والرأي الواحد، في مدى تحقيق الديمقراطية وتكريس التعددية الحزبية، وحكم الشعب للشعب، وتحقيق الحريات العامة والفردية مع بروز الأحزاب والجماعات السياسية ذات المرجعية الدينية.. وهل يمكن تكرار التجربة التركية في العالم العربي؟!
التيار الإسلامي في تركيا بدأ مسيرته بالبدايات الكلاسيكية لخطاب الجماعات الإسلامية في التأكيد على الحاكمية والتفرد والانكفاء على الذات والموقف من الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات وحرية الرأي والتعبير إلى أن جاءت نقطة التحول مع تقدم الصفوف الأمامية قيادة تعلمت من التجربة ومسيرتها واخفاقاتها وتقدمها وتراجعها، وانفتحت على الآخرين وقدمت خطابا جديدا مغايرا وهو ما تبناه حزب العدالة والتنمية وزعيمه رجب طيب أردوغان، الذي حصل في انتخابات 2011 على أكثر من (50) في المائة من أصوات الناخبين وليس كالعربية (99 %)، وهو فوز كبير يعكس تصاعد شعبيته، بالمقارنة مع فوزه بنسبة (47) في المائة من المقاعد البرلمانية في الانتخابات السابقة التي أجريت عام (2007)، أو عام (2002) عندما فاز بنسبة (34) في المائة من المقاعد. لقد شهدت تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية نموا اقتصاديا واستقرار سياسيا، وهو في طريقه لكي يحقق الشعار الذي وعد به في سنة (2023)، (بعد سنة من استضافة دولة عربية هي قطر بطولة كأس العالم لكرة القدم)، وهو جعل تركيا قوة عالمية في خلال عقد اجتماعي ابتداء من إغلاق جميع الملفات السياسية العالقة، وتحولها إلى واحد من الاقتصاديات العشرة الأقوى في العالم، مرورا ببناء بنى تحتية جديدة متطورة والمشاريع الاستثمارية في قطاع الخدمات والطرق والإنشاءات والصحة، وانتهاء بجعل المدن التركية واحدا من أهداف السياحة الخمسة الكبرى في العالم.
لقد خرج رجب طيب أردوغان من رحم المؤسسة الدينية في تركيا، تخرج من مدرسة دينية، ودخل السياسة من بوابة التيار الإسلامي الذي قاده نجم الدين أربكان، لكنه منذ انطلاقته في عام (2002) يشير الى أنه لا يمثل حزبا دينيا، ويريد بناء دولة ديمقراطية تفصل بين الدين والدولة كما في أوروبا ولا تسيطر فيها الدولة على الدين كما هو حال العلمانية التركية. مجلة الشروق طرحت عدة أسئلة على أردوغان بعد فوزه، أهمها من انتم (نفس سؤال القذافي عن الثورة وثوارها)، إسلاميون أم علمانيون أم ماذا؟ هل انشقاقكم عن حزب الفضيلة، انسلاخ كامل عن الجسم والروح، لتتماشوا بصدق مع شرط العسكر، أم انها ضرورة تكتيكية لحزب إسلامي بعباءة علمانية، يريد أن يتجنب سيناريو الحل كما حدث من قبل؟ ليرد بهدوء مؤكدا بعد الفوز الثالث أن حزب العدالة والتنمية ليس حزباً إسلاميا ولا أيديولوجيا، بل حزب ديمقراطي لكل تركيا، بأعراقها وأطيافها وتياراتها المتعددة في سقف القيم المشتركة، قيم العدالة والحرية والأخلاق والعمل، ثم يعود لتقديم الرسائل التطمينية "ليس في نيتنا أبدا لا اليوم ولا غدا أن نقيد من حريات الناس، أو نجبرهم على اتخاذ نمط حياة بعينه، هذه قناعتنا الأبدية" وهو لا يقصد بذلك العلمانيين، بل أيضا الأعراق الأخرى التي يتشكل منها العنصر التركي "لن تكون تركيا قوية وديموقراطية ما لم تعترف بالمطالب المشروعة لشعبنا من الأكراد، كنا سبّاقين لطرح مشروع قوي يفتح نقاشا وطنيا شاملا حول الموضوع، وجرى سن قوانين تعترف وتدعم التنوع الثقافي في البلاد"، من المفاجآت اللافتة بقوة في الانتخابات الأخيرة تصويت الأعداء السابقين من الليبراليين واليساريين والأكراد لاردوغان وحزبه. لكن الطريق ليس كله مفروشا بالورد، فالمعركة القادمة قد تكون حاسمة في تركيا وتحمل اختبارات حقيقية: من صياغة دستور جديد، والمسألة الكردية والخلافات المزمنة بين تركيا وجيرانها في قبرص، والصراع في سورية، والموقف من الربيع العربي وثوراته خصوصا ان موقف اردوغان مع ليبيا كان مخيبا للآمال لكنه تعلم الدرس عندما اندلعت شرارة الثورة في دمشق، بالإضافة إلى الدور التركي الإقليمي والعلاقة مع إسرائيل وإيران، والعلاقات مع الولايات المتحدة ومستقبل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
لقد أثبتت التجربة التركية في الانتخابات الأخيرة في سنة ولادة الربيع العربي وثوراته، انه لا يوجد تعارض بين الإسلام والديمقراطية، فقد أكد حزب العدالة والتنمية على مدى السنوات العشر الماضية في السلطة سقوط هذا المفهوم وزيفه، وعمل على ترسيخ قيم العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان والفصل الكامل بين السلطات، والاحتكام دائما إلى صناديق الاقتراع. كان أردوغان واضحا في قوله "لسنا حزبا إسلاميا ولا ايديولوجيا، بل حزب ديمقراطي لكل تركيا، بأعراقها وأطيافها وتياراتها المتعددة". فهل تجرؤ التيارات والحركات والجمعيات الدينية في الخليج، مثل الحركة الدستورية الإسلامية "حدس" والتجمع السلفي الإسلامي في الكويت، وجمعية المنبر الوطني الإسلامي، جمعية الوفاق الوطني الإسلامية في البحرين، وحزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن، وحزب الله في لبنان، والجماعات الإسلامية في العراق والجزائر وتونس وسوريا السودان والإخوان والسلف والأقباط في مصر، أن يدلوا بتصريحات مشابهة أو حتى قريبة منها؟ّ!

فاصلة أخيرة:
إدعُ إلى دينِـكَ بالحُسـنى
وَدَعِ الباقـي للديَّـان
أمّـا الحُكْـمُ.. فأمـرٌ ثـانْ
أمـرٌ بالعَـدْلِ تُعـادِلُـهُ
لا بالعِـمّةِ والقُفطـانْ
توقِـنُ أم لا توقِـنُ.. لا يَعنـيني
مَـن يُدريـني
أنَّ لِسـانَكَ يلهَـجُ باسـمِ اللهِ
وقلبَكَ يرقُـصُ للشيطـانْ!
احمد مطر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق