جريدة الشرق-ايلاف
2011-12-21
الديكتاتوريات بدأت تنهار والعرب يقفزون من الفرح!
الهوية العربية ظلت تقتصر على الهزيمة والظلم والفاقة والعجز
الديمقراطية في حد ذاتها لن تحل وحدها المشكلة العربية
بدأ العد التنازلي لنهاية عام العجائب والغرائب عام (2011) في العالم العربي، الذي تشكلت بداية ملامحه من خلال حريق اشتعل في جسد شاب منع من بيع بضاعة في السوق الشعبي ليطعم جوعه ويسد به رمق عائلته، لتنطلق الشرارة بعدها وتسقط زعماء وأنظمة ديكتاتورية شمولية عسكرية امتدت لعقود تحكم بالحديد والنار في تونس ومصر وليبيا واليمن، وربما سوريا وغيرها من الدول العربية المترنحة على الطريق وهذا ما سنتعرف عليه في العام الجديد (2012).
كيف ينظر العالم إلى الثورات التي انفجرت في المنطقة العربية على غير موعد مسبق وفي لحظة لم يستطع أن يتوقعها او يتنبأ بها أحد لا الدول العظمى ولا أجهزة المخابرات الدولية والعربية ولا حتى مراكز البحوث والدراسات الداخلية والخارجية؟! تقرير مميز نشرته صحيفة الشرق الأوسط وعرضت فيه آراء لعدد من المثقفين في الولايات المتحدة من مختلف المشارب في التعليق على الثورات العربية وهي آراء جديرة أن يهتم بها ويبنى عليها ويتم التواصل مع أصحابها ودعوتهم ليقوموا بدراسات وأبحاث متعددة ومتعمقة عن الحالة العربية الراهنة ومستقبلها. من هؤلاء كاي بيرد، مؤلف كتاب «بوابة ماندلبوم » وهو يقول في تعليقه "انه لسنوات، ظلت الهوية العربية تقتصر على الهزيمة والظلم والفاقة والعجز. وظلت مصابة بعقدة نقص وبدا وكأنها لن تنتهي ولكن هذا العام شهد قطيعة مع الماضي في الصحوة الثورية في العالم العربي".
أستاذ في جامعة كاليفورنيا، هنري واكوسيان، أشار إلى أن الديكتاتوريات العربية بدأت تنهار بعد عقود من القمع، وصار العرب، والعاطفون عليهم يقفزون من الفرح وكأنهم لا يصدقون. نتائج هذه الصحوة لن نراها في المنطقة فقط، ولكن في الغرب أيضا. لهذا، يجب على الغربيين أن يلقوا ظلالا من الشك على التحالفات السياسية الراسخة والهشة مع حكام عرب لا لشيء إلا لأن الغربيين يركزون على منافع اقتصادية يحميها هؤلاء الحكام». الكاتبة جولييت جاودكانيس من مجلة «نيشين»، أشارات انه «مهما كانت الأحداث تشبه أحداث سنة 1968 في باريس، وسقوط جدار برلين سنة 1989، سيكون من السابق لأوانه إعلان أن الحرية قد سادت، وأنها في طريقها لتنتشر في بقية الدول العربية. لأن كل شيء يتوقف على الكيفية التي يستجيب بها الغرب لهذه الصحوة العربية. وعلاوة على ذلك، بالمقارنة مع أوروبا الشرقية في سنة 1989، فإن الشرق الأوسط سنة 2011 يفتقر إلى استقرار في الهياكل الخارجية مثل منظمة حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. استغرق التحول في أوروبا الشرقية بعد سنة 1989 وقتا أطول وأكثر تكلفة بكثير مما كان متوقعا. وهناك تجربة أوكرانيا البرتقالية سنة 2004، التي فشلت بعد سنوات قليلة لعدم وجود الكفاءة، وبسبب العداء الداخلي، وفساد الحكام الجدد».
ستيفين بوريدانوفيوم من موقع «بوريدانوفيوم» اعتبر أنه «إذا فشلت هذه الصحوة العربية، فإن النتيجة ستكون التطرف في جميع أنحاء المنطقة، لأنه لا يمكن أن تكون هناك عودة إلى الوضع السابق. لقد خرج الجني من القمقم. هذه هي الصحوة العربية الثانية في التاريخ الحديث. كانت الأولى هي الثورة العربية ضد الإمبراطورية العثمانية. صحيح أن الصحوة الأولى كانت ضد استعمار أجنبي، والثانية ضد حكام داخليين، لكن، بالنظر إلى السنوات الطويلة التي قضاها هؤلاء الحكام في الحكم، يمكن أن تكون مثل (الاستعمار). ويليام فاف صاحب كتاب «كارثة السياسة الخارجية الأميركية»، في رأيه أن «معظم الأميركيين يقبلون الالتزامات التاريخية الدولية التي فرضت عليهم، مثل ما حدث عام 1941، عندما دخلوا الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا النازية والإمبراطورية اليابانية. ثم جاء الانتصار في الحرب الباردة بداية من عام 1989. وبدا كأن النظام العالمي الأميركي قد خلق عالما حرا ومستقرا، لأول مرة. ثم جاءت هجمات 11 سبتمبر (أيلول) العربية على الولايات المتحدة، ومنذ ذلك الحين، بدأت الفوضى العالمية التي نواجهها. يقول عدد من الناس الذين يؤمنون بأن الصحوة العربية الديمقراطية ستكون سبب توطيد النظام الديمقراطي في العالم، إن الولايات المتحدة، سيدة الديمقراطية، بمقدورها أن تساهم في تحقيق ذلك».
لورنس بوب، الدبلوماسي والخبير في دراسة العالم العربي، كتب أنه «في عام 1938، أصدر جورج أنطونيوس، وهو كاتب ودبلوماسي لبناني مصري، كتابا أسماه (الصحوة العربية) وقال إن سببها في ذلك الوقت، كان انتشار الأفكار الغربية، ومؤسسات مثل الجامعة الأميركية في بيروت، وكلية روبرت في اسطنبول. لكن، في سنوات لاحقة، استبدلت بهذه الرؤيا المتفائلة ايديولوجيا القومية العربية. وهي مزيج متناقض من الماركسية والعروبة، تمثلت في شعار حزب البعث: (أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة). لكن هزيمة مدوية للعرب عام 1967 كشفت أن القومية العربية فكرة مزورة. وبعد سنوات، ملأت الفراغ أنواع من الإسلام السياسي لمواجهة تغلغل اليسار في السياسية والقوات المسلحة، مثلما حدث في مصر والأردن. لكن عندما اغتال الإسلاميون الرئيس السادات 1981، حظرت الأحزاب السياسية الإسلامية في كل العالم العربي. الآن بعد نصف قرن من حكام استبدادي، وافتراض بأن الشعوب العربية نامت أو ماتت، صار واضحا أنها لم تمت، وكانت نائمة، لكنها استيقظت». في حين يلفت موانغي كيميني، مدير القسم الأفريقي في معهد بروكنغز بواشنطن، النظر إلى مقدار التغير الذي أحرزته الدول العربية الأفريقية نسبة إلى الدول الأخرى في القارة نفسها التي كانت في حالة مشابهة لها منذ أربعين عاما، ويشرح: «عام 1970، كان متوسط العمر في تونس أقل من الكونغو. وكان عدد الأطفال في المدارس أقل من مالاوي. لكن، على مدى العقود الأربعة الماضية، أصبحت دول شمال أفريقيا أكثر تطورا من بقية أفريقيا. لهذا، فإن الحركة الديمقراطية الجديدة في العالم العربي هي نتيجة لتقدم التنمية وليس العكس كما قالت تقارير التنمية البشرية للأمم المتحدة».
جورج بيرنبوم، خبير أميركي، يعتقد أن «الشباب في الشرق الأوسط كان دون أمل. الآن صار لهم سبب ليتطلعوا نحو المستقبل، غير أن التحديات هائلة. الدول العربية في حاجة إلى خلق 100 مليون فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة، لهذا، يمكن القول إن الديمقراطية في حد ذاتها لن تحل وحدها المشكلة. يحتاج هؤلاء الشباب إلى وظائف لائقة، ونهضة عامة، وتحسن مستويات المعيشة». جول هيرست، من مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، ينتقد سياسة بلاده التي تتفانى في الدفاع عن الحرية والديمقراطية، وتغض الطرف عن الأنظمة القمعية لحلفائها العرب تحت حجة الحفاظ على الاستقرار وتوفير الغطاء لإسرائيل في منطقة معادية. ويضيف: «إننا نشهد أهم لحظة في التاريخ السياسي العربي في حياتنا، لكن لسوء الحظ، تأتي هذه الأنباء بمثابة نعمة ونقمة بالنسبة للولايات المتحدة. وذلك لأن سياستنا لوقت طويل في العالم العربي كانت محفوفة بالتناقضات، وسببت مشكلة مصداقية كبيرة مع الشارع العربي».
فرانسين كيفر، من صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» يعتبر أنه «حتى لو لم تنتشر الصحوة العربية أبعد من دول شمال أفريقيا، فهي لن تتوقف عن التمدد، لذلك لا بد من تأييد الديمقراطية في تونس، ومصر، وليبيا، من جانب الدول الديمقراطية الغربية بالدعم الإنساني والخبرات، وحتى في بث الحياة في اقتصادات هذه الدول لاستيعاب زيادة أعداد الشباب العربي».
مرحبا بالعام القادم بكل ما يحمله من توقعات ومفاجآت، فلقد تعبنا، بل هرمنا من انتظار التغيير الذي غيب عن عالمنا لعقود تتجاوز الخمسة وحان الوقت أن يجتاح التغيير كل شارع وبيت وزنقة من المحيط إلى الخليج.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق