جريدة الشرق
2011-11-30
الحلوى البحرينية تلطخت بسموم الطائفية والمذهبية!
الوضع الراهن في البحرين ينجر نحو الاصطفاف الطائفي؟
بعد التقرير صياغة مشروع وطني يتم إبرامه والتوافق عليه
البحرين على أعتاب مرحلة جديدة بعدما وصلت الأحداث في المشهد السياسي إلى ذروتها وباتت الصورة أكثر وضوحا مع صدور تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق التي تشكلت للتحقيق في أحداث فبراير ومارس وما تلاها من اشتباكات وأعمال عنف. تقرير اللجنة اتسم بالموضوعية ويجب عدم اعتباره انتصارا لطرف معين على حساب الآخر. المصالحة الوطنية والإصلاحات السياسية في مقدمة الأوليات التي يجب أن تستحوذ على قلوب وعقول البحرينيين السنة منهم والشيعة.
(1)
هناك مثل عالمي يقول سامح أو أنسى (Forgive or Forget)، وهو يصلح أن نستشهد به بعد كل التداعيات والاحتقانات التي مرت بها الأزمة السياسية في البحرين قبل وبعد الانفجار واحتلال الدوار ومازالت تداعياتها تكبل الجميع وتضع العراقيل أمامهم وتفوت عليهم الفرص السانحة لتخطيها وتجاوزها والسير إلى الأمام. تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق هو أشبه بالضوء الذي يشيع من نهاية النفق المظلم ويرسم الطريق للخروج منه من خلال التقيد والتنفيذ والالتزام بالتوصيات التي خرج بها التقرير. نموذج التعايش والتسامح في البحرين والذي كان يميز هذه الدول الخليجية عن أقرانها أصيب برصاصة في القلب وان كانت لم تقتله فهي طرحته على الفراش مريضا ويائسا وخائفا من صوت الهواء يدخل من النافذة؟! شكلت البحرين نموذجا مميزا وبحسب التقارير الدولية اعتبر الاقتصاد البحريني واحداً من أكثر اقتصادات الخليج تطوراً بنظام سياسي واجتماعي منفتح على العالم. أضف إلى امتلاكها لبنية تحتية حديثة من شبكة الاتصالات والمواصلات وهيكل تنظيمي يعتمد عليه، ما جعلها موطئ قدم حيوي للعديد من الشركات العالمية الراغبة بتوسعة رقعة عملياتها الإقليمية. ولكونها واحدة من أقل الدول اتكالية على النفط، فقد استفادت البحرين من نظام ضريبي تنافسي وقطاع مالي متطور يسهل التدفق الحر لرؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية. ناهيك عن مساعي الحكومة صوب تحديث نظامها التشريعي والتركيز المستمر على تنويع قاعدتها الإنتاجية. وعلى الرغم من فقدان البحرين لركب السبق مع دول خليجية في عدد من المجالات الاقتصادية، إلا أن البحرين كانت تؤكد قوتها مقارنة بدول مجلس التعاون كما جاء بمؤشر مؤسسة ''هيريتيج فاونديشين'' Heritage Foundation الأمريكية، وبفارق كبير عن أقرب منافسيها وفي مقدمتهم قطر التي تحتل المركز 27 عالمياً، تليها سلطنة عمان 34 عالمياً، ومن ثم الإمارات العربية المتحدة بالمرتبة 47 عالمياً، والمملكة العربية السعودية 54 عالمياً، وأخيراً تقبع دولة الكويت بالتصنيف 61 عالمياً والسادس خليجياً التي فقدت 19 مركزاً دفعة واحدة في سنة واحدة. إلا أن الأزمة البحرينية الأخيرة أثرت على الجميع وغيرت الكثير من الحسابات وجمدت الكثير من الحراك والنشاط والحيوية التي طالما تمتعت بها البحرين وتباهت بها في المنطقة.
(2)
الأزمة البحرينية الأخيرة رحلت ولم يتم طرحها والحديث حولها والوصول إلى حلول وتسويات سياسية مرضية يطلق على أثرها العملية السياسية المتجمدة وربما ان تقرير لجنة تقصي الحقائق يفتح الباب من جديد ويدفع الأطراف والأطياف المتصارعة نحو الالتزام بمسئوليتها الوطنية والدخول في حوار وطني لا يستبعد أحد ويخرج بمشروع وطني يتم إبرامه والتواثق عليه. تميز تاريخ البحرين عن بقية الدول الخليجية بقدم المطالبة بالاستقلال والإصلاح السياسي والمشاركة في صناعة القرار والحصول على نصيب من الثروات. وقد بدأت هذه المطالبات منذ العام 1919. وقد عرفت البحرين في نهاية الستينيات والسبعينيات (قبل عام 1975) انفتاحا سياسيا، وتأسست مجموعة من الأحزاب والجمعيات السياسية اليسارية والإسلامية الشيعية والسنية، وكانت جمعية الرشاد الإسلامية التي تأسست سنة 1969 من أقدم الجمعيات الإسلامية، وربما تكون هي الامتداد الأيديولوجي والسياسي لجمعية (الوفاق) القائمة اليوم. لقد كان استقلال دولة البحرين والذي دشن في عام 1971 نتيجة كفاح وطني وتضحيات كبيرة قدمها الشعب البحريني للتخلص من الاستعمار البريطاني. وكانت أبرز المواقف الوطنية التاريخية تمثلت في الانتفاضة والانتفاضة الشعبية الوطنية الواسعة في عام 1956 تحت راية “هيئة الاتحاد الوطني”. وبعدها جاء الاستفتاء الذي أشرفت عليه الأمم المتحدة في العام 1970 للتعرّف على إرادة شعب البحرين بعد انتهاء الحماية البريطانية، وذلك لحسم أمر ادعاءات نظام الشاه بتبعية البحرين لإيران، وقد اختار البحرانيون جميعا أن تكون البحرين دولة مستقلة وسيادية وانطلق بعد استقلال البحرين مسار ديمقراطي تمثّل في انتخاب مجلس تأسيسي وإصدار دستور تعاقدي في العام 1973 وجرت انتخابات المجلس الوطني الأول، ولكن المسار سرعان ما توقف في عام 1975. وعاشت البحرين أوضاعا غير مستقرة ومضطربة تمثلت في الاحتجاجات والمطالبات الشعبية اتسمت بأعمال عنف للمطالبة بعودة العمل بدستور 1973، وأستمر الحال إلى وصول للانفراج السياسي بعد صراع استمر طوال 26 عاما (1975 — 2001) بدأت بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعودة مئات المنفيين في الخارج، والدعوة إلى تنظيم استفتاء شعبي عام حول ميثاق وطني يؤسس لقيام نظام ملكي دستوري وعودة المجلس الوطني المنتخب مع مجلس معيّن ينحصر عمله في الجانب الاستشاري. وقد انخرطت الأطياف والرموز السياسية في تلك المبادرة الإصلاحية وصوتت الغالبية الشعبية على الوثيقة المعبرة عن المشروع الإصلاحي وهي ((ميثاق العمل الوطني)) في استفتاء عام في 2001 بأغليبة (98.4 %). إلا أن المشروع لم يحقق أهدافه وغاياته بإصدار دستور تعاقدي شعبي بل تضمن قيام نظام ملكي واسع الصلاحيات، وإنشاء مجلس شورى ذا صلاحيات تشريعية يضم أربعين عضوا معينا ينازع مجلس النواب المنتخب صلاحياته وسلطاته وقراراته. وتمّت صياغة قانون انتخابي يفتت الدوائر الانتخابية إلى أربعين دائرة صغيرة وفق تقسيمات فئوية وطائفية ومذهبية. تبعه التضييق على المجتمع المدني والمؤسسات الأهلية والجمعيات السياسية ووضع القيود الإعلامية على حرية الصحافة والنشر الأمر الذي أدى إلى تراجع العديد من المكتسبات الديمقراطية التي ميزت البحرين وتجربتها عن دول الخليج المجاورة.
(3)
الوضع الراهن في البحرين ينجر نحو الاصطفاف الطائفي والتشنج والكراهية والخوف والرهبة من الآخر. لقد أتيحت لي الفرصة لزيارة المنامة قبل مدة قصيرة وقضيت فيها مدة ثلاثة أيام في الحديث مع الإخوة والزملاء وخلال تلك المدة كنت أموت من الجوع والعطش بل وافترش الشارع واتخذه مسكنا بسبب قائمة المطاعم والمحلات التجارية والشقق الفنادق التي وضعت عند السنة والشيعة على حد سواء ليتم مقاطعتها وعدم التعامل معها أما لان أصحابها كان لهم موقف من الأزمة أو بسبب انه لم يكن لهم موقف إطلاقا؟! وطبعا وراء ذلك الخلافات المذهبية فهذا المكان محسوب على السنة والآخر محسوب على الشيعة. حتى أجمل ما في البحرين الحلوى البحرينية تلطخت بسموم الطائفية والمذهبية. لقد عدت من البحرين لأول مرة لا أحمل في يدي هدايا من السوق الشعبي القديم في المنامة ناهيك عن الإحباط والحزن على أن ما آل إليه الوضع البحريني. ليست هذه البحرين (درة الخليج) التي نعرفها. الفرصة سانحة لكي يستشعر الجميع حجم المسئولية الكبيرة التي تواجههم في بلدهم الصغير بحجمه والكبير بشعبة. عليهم يصحوا من سكرتهم ويوحدوا صفوفهم ويتخلصوا من عقد عزل الآخر وتهميشه. الوضع يحتاج إلى وقفة جادة لا تقبل أنصاف الحلول، أو سوق المبررات، وتوجيه سهام النقد إلى طرف ضد آخر، يجب أن يستوعب الجميع الدرس بعد تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق ويعملوا على إعادة البحرين إلى سابق عهدها دولة واحدة وطنية لا طائفية لا سنية ولا شيعية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق