جريدة الشرق
2011-11-03
انتخابات لاختيار أعضاء المجلس التشريعي الخطوة الأهم في مسيرة الإصلاح السياسي
التحدي يكمن في المزاوجة بين الديمقراطية والتنمية الاقتصادية.
الديمقراطية غير قابلة للتقليد والتوريد والزراعة في تربتنا الصحراوية!
الدخول في العد التنازلي نحو إجراء انتخابات لاختيار أعضاء المجلس التشريعي مجلس الشورى القطري تعتبر الخطوة الأهم في مسيرة الإصلاح السياسي بعد النجاح في تحقيق الاصلاحات الاقتصادية والتعليمية والتنموية. التقارير الدولية تشير إلى أن الاقتصاد حقق معدل نمو سنوي بلغ 15.7 % كمعدل متوسط خلال الفترة من 2006 إلى 2010. وهي مؤشرات تدل على أن قطر لو نجحت في تحقيق المعادلة والتوفيق بين تطبيق منهجية الديمقراطية والمسيرة والاقتصادية ستتحول إلى نموذج عالمي متفرد وليس إقليمي وعربي وخليجي حصرا.
(1)
مسألة الديمقراطية والتنمية في العالم النامي شغلت المفكر الفرنسي وعالم الاجتماع "آلان تورين" في التعامل مع الإشكاليات والتحديات التي تطرحها. وهل صحيح أن النمو الاقتصادي في البلدان المتخلفة يفرض وضع الديمقراطية جانبا وإعطاء الدولة والسلطة كل الصلاحيات لقيادة المسيرة؟ يرى تورين انه استنادا إلى التجربة التاريخية "ان الديمقراطية والتنمية لا يسعهما العيش إلا باقتران أحدهما بالآخر. فإذا حددنا التنمية في وصفها تدبيرا سياسيا للتوترات التي تنشأ بين الاستثمار والنمو الاقتصادي وبين المشاركة المجتمعية، تصبح الديمقراطية شرطا لهذا التدبر ولا تعود مجرد نتيجة له". وتجربة الأنظمة التي نالت الاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية دليل على ذلك، عندما فصلت بين التنمية والديمقراطية، فغلبت الأولى على حساب الثانية، فانتهت إلى فشل التنمية "والى تعبئة قوموية قضت على القوى الديمقراطية". والإشكالية التي تعيشها معظم الدول العربية وخصوصا دول الخليج التي تعتمد على مصدر ريعي رئيسي وهو النفط هو فرض الثقافة الاقتصادية السوقية التجارية وتقديم القيم الاستهلاكية على القيم الديمقراطية والحريات، والإصلاحات السياسية والدستورية، والمشاركة الشعبية وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني مما يجعلها تدخل في صراع سياسي لا نهاية له قد يؤدي إلى الصدام والقضاء على الاقتصاد والتنمية والدولة بكاملها وهي المؤشرات التي نشهد بوادرها اليوم في البحرين والكويت وعشناها في ليبيا بكل تجلياتها مع نهاية العقيد في نفق الصرف الصحي على يد ما كان يعتبرهم "جرذان".
(2)
الديمقراطية غير قابلة للتقليد وليست شيئا يمكن توريده من الخارج وزرعه في تربتنا الصحراوية بل هو عبارة عن واقع بكل إفرازاته وتجلياته وخصوصياتها. إنها ثقافة من الضروري أن تتماهى مع المجتمع وأفراده وتنمو عبر تفاعل جدلي وديناميكي بين العام والخاص، والمحلي والإقليمي والعالمي. طريق المسار الديمقراطي ليس معبدا بالورود والنيات الطيبة الطاهرة التي تقودنا إلى الجنة، إن عملية بناء الدولة على الأسس والمبادئ الديمقراطية والمشاركة والتفاعل والتدافع واختلاف الآراء والتوجهات عملية بطيئة وتدريجية ومليئة بالخطوات المتعثرة والمترددة والتراجعات وحلول الوسط، وهي تستغرق وقتاً قد يطول لكي تحقق ثمارها المرجوة على الأرض. يبين الان تورين أن الديمقراطية نسق مركب من عدة عناصر اجتماعية وحقوقية واقتصادية وفردية ومعرفية مترابطة ومتفاعلة قائمة على الفصل بين المجتمع السياسي والمجتمع الأهلي حيث لا قيمة للعملية الانتخابية إذا لم ترافقها حريات واسعة للتجمع والتعبير وخطط التنمية البشرية المستدامة وإصلاح سياسي حقيقي. تورين في كتابه (ما هي الديمقراطية) شدد على المضمون المجتمعي والثقافي للديمقراطية، والمتمثلة في الحد من سلطة الدولة، وحرية الذات وكيفية ممارستها، والدفاع عن التنوع ضمن الثقافة البشرية، واحترام المشاريع والتطلعات الخاصة بالفرد والجماعة، مما يجعل الثقافة الديمقراطية تستند إلى مبدأ رئيسي هو "الجمع بين الوحدة والتنوع وبين الحرية والتوحيد، وتوفير الشروط المؤسسية التي تسمح للذات الشخصية أن تفعل في المجتمع" وهذا يعني: مقاومة السيطرة وحب الذات، والاعتراف بذوات الآخرين. أهم التحديات التي يواجهها المجتمع القطري تكمن في مشكلة الافتقار إلى الحضور والفعل الجماهيري في ساحة السياسة المحلية بشكل خاص والإقليمية والدولية بشكل عام عموما، وهو لم يتعلم أن المحاورات والمناظرات والنقاش في الفضاء المفتوح والمختلف عن محيطه الذي يعيش فيه برغم انه متابع سياسي من الطراز الأول وتنطلق من أرضه القناة الفضائية الإخبارية السياسية العربية الأولى. الجمهور غائب "كلاعب سياسي" وغير مشارك في العملية السياسية ويعود ذلك لغياب المظلة والحضن خصوصا الجمعيات والمؤسسات التي تبني وتؤسس المجتمع المدني مما يعني أن الحاجة باتت ملحة وفرض عين وليس فرض كفاية بالسماح لقيام وإنشاء المؤسسات والجمعيات الأهلية والمدنية لكي يتم تلافي الإخفاقات والفشل في العملية الديمقراطية والدخول في الصراعات والمصالح الشخصية الذاتية من خلال فرض واقع مغاير للتنمية المنشودة والتغيير والإصلاح المطلوب.
(3)
العد التنازلي للوصول إلى انتخابات تشريعية في قطر عام (2013)، يتطلب بناء تنمية سياسية مغايرة وتغيير الثقافة السياسية الحالية السائدة في المجتمع، واعتماد ثقافة مجتمعية جديدة مبنية على العمل على الواجهة الدستورية والسياسية والتنموية والممارسة الديمقراطية، وتعزيز قيم الحوار والتسامح والعدالة واحترام قواعد المشاركة وتكافؤ الفرص والمساواة، واحترام اللعبة السياسية وحق الاختلاف والتناوب على السلطة والكرسي من خلال صناديق الاقتراع وقبول الرأي المخالف، وتكرس الثقة في دور المؤسسات والمجتمع المدني والشعور بالقدرة والكفاءة السياسية، وإقرار قيم الشفافية والمحاسبة وترسيخ ثقافة القيم والمبادئ الديمقراطية مقابل ثقافة الموروث السلطوي وعلاقة الهرم والقاعدة. لقد دقت ساعة التغيير في مجلس الشورى الذي تشكل أول مرة عام اثنين وسبعين (1972). لكي يتحول بعد كل هذه العقود من معين إلى منتخب وهو تحد يتطلب أن يكون المجتمع وأفراده على أهبة الاستعداد لتحمل المسئولية الكبيرة الملقاة على عاتقهم. فهل الجميع مستعد للمرحلة القادمة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق