الشرق- ايلاف
2011-10-26
ما السر في بقاء سلطة الزعماء على الملايين والاستمرار في السلطة لمدة نصف قرن؟
لماذا هذا التشبث بالكرسي والإصرار العجيب على القتل وإراقة الدماء!
ضرورة تجاوز الانتقام والتشفي في مرحلة ما بعد إزالة النظام الديكتاتوري
نهاية القذافي وأبنائه ونظامه بمثابة درس العمر الذي بات من الضروري أن يستفيد منه القادة والزعماء العرب الذين انقطع تواصلهم مع شعوبهم وأصبحت علاقتهم من جانب واحد، علاقة السيد بالعبد، والخادم بالمخدوم، ولا عجب أن البعض منهم لا يزال يطالب شبيحته بإرغام الناس على الإيمان بالربوبية والألوهية له ولعائلته وطائفته ويطالب بأن تسبح بحمده ونعمته الخليقة والسموات السبع وهو الذي افسد الأرض واهلك العباد! إنها عبرة قد يتعلم منها اليوم الأسد في سوريا وصالح في اليمن وبقية الدول القابلة للانفجار في العالم العربي قبل فوات الأوان.
(1)
كنا نجلس في القاعة المقابلة نستمع لخطب الزعماء والقادة العرب في قمة الدوحة (2009) ولم نتمالك أنفسنا من الضحك عندما سمعنا كلمة العقيد الليبي وهو يعلن تنصيبه ملك ملوك أفريقيا والقائد الأممى وعميد حكام العرب وإمام المسلمين وهو آخر الألقاب المركبة التي أطلقها على نفسه ولم يتفضل بها احد عليه؟! كم كنا نتمنى ألا يقتل العقيد المهرج ولا يختفي عن المشهد بهذا الشكل وبهذه السرعة ويتم القبض عليه ومحاكمته ودراسة وتحليل وتفكيك شخصيته غير السوية من قبل العلماء والمختصين في الشرق والغرب لكي يتم الكشف عن الجوانب التي لا نستطيع أن نفهمها ونهضمها ونستوعبها في علاقة القادة والزعماء العرب مع شعوبهم، وما السر الذي استطاع فيه أمثال هؤلاء البشر غريبي الأطوار أن يبسطوا سلطتهم ونفوذهم على الملايين من البشر ويبقوا في السلطة لمدة تقارب نصف قرن متفوقين على اكبر القادة الديكتاتوريين في التاريخ أمثال ستالين وفرانكو وبوكاسا وعيدي امين؟! مهما طال الزمن كان لابد أن تأتي ساعة الخلاص الأبدية، وفي ليبيا بدأت تدق بعد ثورتي تونس ومصر واستمرت إلى ما يقارب ثمانية أشهر عصيبة مريرة وكان الخوف كله يتمثل في أن يتم إجهاض الثورة الجنينية وقتلها في مهدها من قبل التحالفات الخارجية ومساعدة زعماء بعض الدول العربية الذين كان يمدون النظام القاتل بالمرتزقة على الحدود (الجزائر) ويدعمونه إعلاميا ولوجستيا (دمشق) ومن قبل الحاشية والموالين والقبائل والرموز التي نمت وترعرعت وتكسبت مع النظام في ظل القهر والقمع والفساد، ومن صحف ووسائل إعلام عربية وأجنبية كانت ترسل لها الشيكات والمبالغ الشهرية منها صحف بعض المهاجرة في العاصمة البريطانية التي تتكسب على حساب الشعوب، بالإضافة إلى الفتوى الدينية من قبل رجال الدين وعلماء السلطة في دول الخليج والدول العربية وإيران وتركيا وهو السيناريو ذاته يتكرر مع الثورة في سوريا واليمن ولكن بشكل أكثر عنجهية ووقاحة وصلف ولا نعرف بالتحديد كم من الوقت سيأخذ لكي تسقط هذه المشاهد القبيحة ورموزها كما سقطت مع نظام عميد الطغاة العرب، وملك ملوك التهريج في أفريقيا والعالم الذي خلف وراءه الاف الضحايا والأرامل واليتامى. انتهى مصير القذافي بنهاية مريرة في اصطياده في حفرة أنبوب للصرف الصحي مشابها إلى حد كبير في حفرة الرئيس العراقي السابق صدام، بينما هرب الرئيس التونسي بن علي وفر بجلده، واستسلم الرئيس المصري وانتهى الأمر به في المحاكم والمحاكمة، فما هو يا ترى المصير الذي ينتظر البقية الباقية؟!
(2)
لماذا هذا التشبث بالكرسي والإصرار العجيب على القتل وإراقة الدماء إلى آخر نفس عند القادة الزعماء العرب الفرصة كانت سانحة في الانفتاح على الداخل وقيادة التغيير والالتحام والتناغم مع مطالب الشعب الثائر، وكانت في سوء الأحوال المعقدة هو التنازل والرحيل وعدم الدخول في الصراعات والمواجهات والحروب الدموية وهو المشهد الذي نراه باستمرار في دول الشرق والغرب التي تبنت الخيار الديمقراطي والتداول على السلطة والإيمان بصناديق الاقتراع إلا في الدول العربية التي تعتقد انها استثناء في التاريخ وهو المبدأ الذي احترق مع اشتعال عربة البوعزيزي. حكاية العقيد تختلف عن كل الذين سبقوه وعن الذين سيأتون بعده، أكثر من أربعة عقود شغل فيها هذا العسكري الطائش المشهد العربي والعالمي ووصل إلى الحكم على ظهر دبابة عسكرية في انقلاب عسكري على الملكية الدستورية ليمارس كل عقده ومغامراته وفهلوته التي انتهكت كل الأعراف والقواعد والقيم ليحاول تغيير التاريخ وتبديل الجغرافيا ووضع نفسه فوق البشر واستبدل التقويم وتاريخ الدين فقرّر أن وفاة الرسول هي نقطة البداية لا هجرته ووضع أسس تعاليمه الدينية الجديدة بكتابه الأخضر البشع الذي تفوق على حكمة الأنبياء والعظماء وتجاوز أسرار الجن والإنس الذين لا يستطيعون أن يأتوا بشبيه له ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا؟! حرق الدستور واستبدل العلم وقضى على الدولة وفكك مفاصلها ومؤسساتها وحولها إلى لجان شعبية تحكمها عقلية صحراوية قبلية تسبح بحمده بكرة وعشية ونصب نفسه قائدا عليها لا يملك أي منصب وفي الوقت نفسه يشغل جميع المناصب فهو الملهم والمفتي والمفكر والطبيب والمهندس والكاتب والأديب والروائي والصحفي والمذيع والمخرج وهو الذي يحيي ويميت يرفع من قيمة الحثالة والمرتزقة والماسحين للجوخ والمؤمنين بجمهوريته ويقتل ويلاحق ويعتقل المخالفين والمعارضين من الفئران والجرذان والكلاب الضالة "بيت بيت، دار دار، زنقة زنقة". سيطر على الثروة الاقتصادية الوطنية في أغنى بلد في العالم وحولها إلى مزرعة له ولعائلته، استخدم سلاح النفط في شراء الولاءات وحياكة المؤامرات والتخطيط لتصفيات وزرع القنابل والمتفجرات في المطارات أشهرها حادثة لوكيربي، ودعم المعارضات المسلحة من عالم العربان مرورا إلى أوروبا وأمريكا اللاتينية من أبونضال الى كارلوس والألوية الحمراء الإيطالية والجيش الأحمر الياباني والجيش الجمهوري الأيرلندي وجماعة الدرب المضيء في بيرو، ودفع مليارات التعويضات ليعود مرة أخرى إلى الحظيرة الدولية ويمارس مغامراته الصبيانية.
(3)
في الجانب الآخر المضاد لثورات الشعوب كان هناك من يمنى النفس أن يطول الصراع ويتمكن القذافي من الصمود مع المرتزقة وبعض القبائل الموالية وينشر الفوضى والتخريب ويشعل الحرب الأهلية ويحول البلد إلى محرقة وجهنم صغرى ويحرق آبار النفط عن بكرة أبيها لكي يكون مثالا حيا يستشهد به لتأديب الشعوب التي تصر وتطالب بالخلاص والحرية ولكن خاب مسعاهم وتبددت أمانيهم. الأهم من كل ذلك هو ضرورة تجاوز الانتقام والتشفي في مرحلة ما بعد إزالة النظام الديكتاتوري الذي أورث الخراب والدمار والفرقة والتناحر بين أبناء الشعب والتركيز على طي صفحة المضي والقيام ببناء الدولة والتعمير وإرساء العملية السياسية ووضع الدستور وقوانين الانتخاب والأحزاب والإعلام وصولاً إلى إجراء الانتخابات التشريعية، والتعاون وقبول الجميع تحت راية الوطن الواحد بلا عزل وتهميش وإقصاء وان يتعلموا من أخطاء وعثرات المرحلة الانتقالية في كل من مصر وتونس. نهنئ اخواننا الأحرار في ليبيا بنصرهم الكبير وبنجاح ثورتهم الخالدة، ونتمنى أن يقطف الشعب الليبي الحر ثمار ثورته التاريخية من خلال بناء وطن قائم على الحرية والديمقراطية الحقيقية وعقبال العرب الآخرين؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق