جريدة الشرق
2011-10-05
ماذا سيفقد العالم لو اختفت جميع الدول العربية والإسلامية؟!
الانهيار والتحلل والتفكك.. الوصف الأقرب إلى عالم العرب
هل سر تفوق المسلمين وبزوغ نجمهم يكمن في الانفتاح على العالم؟
هل عاد إلينا الأمل من جديد في النظر إلى المستقبل مع بزوغ فجر الثورات في السماء الحالكة في العالم العربي من مشرقه إلى مغربه بعد أن ظننا كل الظن ألا تلاقيا؟ هل انكسرت أخيرا عقدة الخوف واستيقظ الإنسان داخل كينونة الإنسان العربي بعد سبات طويل في كهوف التاريخ الموحشة. وهل بدأت الأسئلة الوجودية الكبرى تتشكل وتطرح نفسها على الجميع، من نحن، وماذا حدث، وكيف حدث، ولماذا لم يحدث من قبل، وما هو العلاج والحل الناجع بعد العيش الطويل على بقايا موائد الشعارات القومية والدينية والايديولوجية المزيفة التي تتجاوز ألف سنة ونيف!!
(1)
الانهيار والتحلل والتفكك كان الوصف الأقرب إلى العالم العربي الذي يعاني من الأمراض والعلل والأوجاع من رأسه حتى أخمص قدميه. ماذا سيفقد العالم لو اختفت جميع الدول الإسلامية مرة واحدة؟ هذا السؤال أجاب عليه حامد عبد الصمد، في كتابه "سقوط العالم الإسلامي.. نظرة في مستقبل أمة تحتضر" حين أكد انه ليس من الصعب أبدأ الإجابة عن هذا السؤال بـ: لا شيء يذكر. ولو استمر الأمر على هذا النحو فسيكون سقوط العالم الإسلامى سُنة من سنن الكون". يشير المؤلف إلى أن العالم الإسلامي يعاني من احتضار للثقافة العربية والإسلامية التي لم تعد قادرة على طرح إجابات حقيقية لأسئلة العصر الملحّة، إلى جانب انحدار ثقافي وتعليمي وتزمت ديني ووجوع جنسي وانهيار اقتصادي وحالة من الارتباك والتشنج الفكري التي أودت بالبعض منا إلى الانفصام، وبالبعض الآخر إلى اليأس، وبالآخرين إلى العنف والتطرف. يذكر أن الدول العربية بالتحديد هي أقرب دول العالم الإسلامي للسقوط.
عدد السكان ومعدلات التصحر والاستهلاك والتزمُّت الفكري في زيادة مستمرة؛ بينما الإنتاج والموارد الطبيعية ومستوى التعليم في انحدار ملحوظ.. آبار البترول تقترب من الجفاف والتغيرات البيئية تهدد مستقبل السياحة والشواطئ كما تهدد مستقبل الزراعة والمواد الغذائية.. كل ذلك ينذر بحدوث فوضى ومجاعات لن تقدر الحكومات العربية على مواجهتها. في الوقت ذاته يزداد التطرف الديني وعدم التسامح مما سيؤدي إلى صراعات أخرى.
(2)
العالم العربي والإسلامي المعاصر أشبه بالباخرة البريطانية الكبيرة "تايتانيك" التي غرقت في المحيط الاطلنطي في (1912) وهي في رحلة ما بين مدينة ساوثهامبتون في انجلترا ومدينة نيويورك في أمريكا كما يصورها الكاتب. وربما يكون معظمنا سمع القصة المشهورة للسفينة وشاهد الأفلام الوثائقية والسينمائية التي قدمت عنها. السفينة الإسلامية تقف وحيدة ومكسورة؛ وسط محيط بارد ولا تدري كيف النجاة، فالفقراء مسافرو الدرجة الثالثة ينامون في قاع السفينة ولا يعلمون شيئا عن المصيبة القادمة، والأغنياء يحاولون الفرار في قوارب النجاة القليلة، ويريدون في الوقت ذاته أن يربحوا من الكارثة، ورجال الدين يكررون نفس الطلاسم والشعارات، ويطالبون الناس بالصبر، والمصلحون يشبهون عازفي الموسيقى الذين واصلوا العزف رغم إدراكهم أن أحدا لا ينصت إليهم على الإطلاق حتى غاصت السفينة في البحر!! لقد انتهت أغلب إن لم تكن كل مساعي الإصلاح في الوطن العربي إلى خانة الصفر. وبعدما فقدت سفينة العالم الإسلامي توازنها باصطدامها بجبل ثليج اسمه "الحداثة" ثمة أمل، عملية "إشهار إفلاس وجرد" هي كل ما يحتاجه العالم الإسلامي اليوم حسب المؤلف: "يحتاج المسلمون إلى إعادة النظر في التاريخ وأفخاخه والدين وحدوده والمثل الأعلى ومفهوم العدو".
(3)
في الخروج من رحم الهزيمة يحكي لنا المؤلف حامد عبد الصمد كيف استطاع سكان ميونيخ أن يشيدوا تلاً صناعياً من حطام منازل المدينة المدمرة في الحرب العالمية الثانية، وهو التل الذي يتسلقه زوار المدينة لإلقاء نظرة ساحرة على المدينة، وهو تجسيد حقيقي لمعنى الحضارة وقدرة الشعوب على خلق شيء جميل من أنقاض شيء قبيح. فالألمان لم يتباكوا على أطلال ميونيخ ودريسدن وهامبورج وبرلين التي دمرتها الحرب، ولم يصبوا لعناتهم على الحلفاء، ولكنهم أدركوا سريعا أن البكاء لا يفيد، وفتشوا عن أسباب مأساتهم الحقيقية؛ ثم شمروا عن سواعدهم وأعادوا بناء دولتهم في غضون سنوات قليلة، حتى صار اقتصادهم أقوى من اقتصاد فرنسا وانجلترا اللتين انتصرتا على ألمانيا في الحرب!أما تايوان فلم تتلق أي دعم مادي من الغرب لإعادة بناء بلدها بعد انتهاء الحرب، بل دخلت في صراع جديد مع قوة عظمى جديدة هي الصين حول استقلالها، ومع ذلك تمكن التايوانيون من خلق مجتمع مدني ديمقراطي له اليوم مكانته الاقتصادية البارزة. وعلى الرغم من احتلال أمريكا لليابان بعد انتهاء الحرب، فلم تنشأ في اليابان روح عدائية ضد الغرب وأفكاره بل حاول اليابانيون التعلم من أخطائهم فتعاونوا مع المحتل وأعادوا بناء بلدهم حتى أصبحوا أكبر قوة اقتصادية في العالم. ويشير الكاتب إلى تجربة المسلمين الأولى مع أنظمة الدواوين الفارسية وأنظمة الروم العسكرية وغيرها من منجزات الحضارات السابقة التي استوردها المسلمون من دون حساسية، مؤكدا أن انفتاح المسلمين الأوائل على العالم وترجمتهم لفلسفاته المختلفة، واحتواءهم لمعتقداته وأديانه ومذاهبه المتنوعة هو سر تفوق المسلمين وبزوغ نجمهم في فترة قصيرة؛ استطاعوا خلالها ملء الفراغ الحضاري الذي تركته حضارات سابقة.
(4)
ربما كشفت لنا الثورات العربية في مصر وتونس وسوريا واليمن وليبيا والبقية قادمة فشل النموذج الهش الذي تتبعه كل الدول العربية بلا استثناء من المحيط إلى الخليج وهو بدأ مع ظهور مفهوم الدول الحديثة مع تجربة محمد علي، حيث لم يأخذ من فرنسا إلا مفهوم الحداثة المادية، كما يشير الكاتب، وتجاهل أهم مبادئها وهي الديمقراطية والفكر الحر، وظل يحكم بلا محاسبة ويغتال أعداءه، ويوزع الثروات والأراضي على أفراد عائلته وأزلامه، ويورث الحكم لأبنائه. الحداثة ليست "بوفيهاً مفتوحاً" نأخذ منه ما نشاء، ونترك ما نشاء، فإما أن يتوصل المشروع الحداثي إلى ديمقراطية وفكر حر أو يصبح ركاما ينمو فوق أشلائه التطرف والركود".
فاصلة أخيرة:
وهكذا ظل الستار يعمل،
يرفع كل ليلة عن موعد،
وفوق عرقوب الصباح يسدل،
وكلما غير في حواره الممثل،
مات وحل البدل،
رواية مذهلة لا يحتويها الجدل،
فالكل فيها بطل، وليس فيها بطل،
عوفيت ياجمهور يامغفل؛
لا ينظف المسرح أن لم ينظف الممثل.
* أحمد مطر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق