جريدة الشرق- ايلاف
2011-09-14
ماهية الصراع بين جماعة الدستور أولا أو الانتخابات أولا؟
هتلر وأنظمة ديكتاتورية وصلت إلى السلطة في انتخابات حرة ونزيهة!
هل هناك تلازم ما بين الديمقراطية والحرية؟
لم توجد ديمقراطية حقيقية في أي دولة عربية، لا تلك المحكومة بالنظام الجمهوري ولا الملكي ولا العائلي ولا القبلي كما هو حاصل في دول الخليج. ومن عصر الاستقلال عن الاستعمار وبداية تكوين الدول وحدودها طرحت الديمقراطية وإشكالاتها نظريا وليس عمليا شعارا فضفاضا وليس خيارا شعبيا، وتحول إلى رداء بال كل نظام يفصله على مقاسها لكي يكسب الدعم والمناورة والتحرك الخارجي وممارسه الخداع والاستمرار في التحكم في مفاصل السلطة والسيطرة على مقادير الحكم والشأن الداخلي!
(1)
عاد الجدل حول الديمقراطية وممارساتها والإيمان بها وشروطها وكيفية تطبيقها إلى الساحة السياسية العربية بعد الثورات الشعبية التي اجتاحت العالم العربي. الصراع في ليبيا بعد نهاية نظام الديكتاتور المهرج، والتجاذب في مصر بعد إسقاط الفرعون المريض كان واضحا بين الفرق والجماعات التي تدعي حق التحدث باسم الثورة من جماعة الدستور أولا إلى الانتخابات أولا، والشريعة أولا! في مصر جماعة الدستور أولا تؤمن أن إجراء الانتخابات أولا هو محاولة للسيطرة على غالبية المقاعد البرلمانية من قبل فصيل معين من الفصائل السياسية في إشارة إلى الجماعات الإسلامية والاخوان المسلمين، أو السلف لأنهم الأكثر تنظيما وقدرة على خوض الانتخابات في ظل الظروف الحالية. جماعة الانتخابات أولا تصر على أن تجرى انتخابات البرلمان أولاً حتى يتاح للشعب التعبير بحرية — بعيدًا عن القيود — عن رأيه، وحتى يخرج البرلمان في كامل شكله قادرًا على صياغة الدستور بكل جوانبه وبدقة. العبرة في خواتيمها ولو نجحت مصر اليوم في الاختبارات التي تواجهها عليها في الداخل والخارج لتغيرت الخارطة السياسية في العالم العربي إلى وضع أفضل في مستويات الحرية والديمقراطية في اقل من 10 سنوات. فريد زكريا (fareed zakaria) الخبير في العلاقات الدولية أشار في كتابه "مستقبل الحرية" (The Future of Freedom) قبل وقوع زلزال الثورات العربية بسنوات الى أن مصر هي الروح الثقافية للعالم العربي، ولو أمكن أن تتقدم سياسيا واقتصاديا، فمن الممكن أن تبين بصورة أقوى أن الإسلام يمكنه التواءم مع الديمقراطية والحداثة وأن العرب يمكنهم النجاح في عالم اليوم، وسيكون نجاح مصر كما كان نجاح اليابان نموذجا قويا تبعته الدول الأخرى حولها في المنطقة. يشير زكريا الى أن معظم الكتاب العرب مشغولون بالدفاع عن الكرامة القومية أكثر من محاولة فهم المأزق الذي يعيشه العالم العربي، فبعد الحرب العالمية الأولى انتشرت في العالم العربي أفكار ليبرالية في المجتمع والسياسة، ولكن المفكرين الليبراليين النقديين تم كنسهم مع الملوك والأرستقراطية، وحلت محلهم أيديولوجيات الجمهورية العسكرية واشتراكية الدولة والعروبة ليختار العالم العربي أفكارا رديئة ويطبقها بطرق أكثر رداءة، فتكون النتيجة الفشل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وليكون الاحتجاج من خلال الشعارات القومية والأصولية الدينية والإرهاب. ويصل المأزق ذروته لدرجة تثير الفزع بأن تكون الجماعات غير الليبرالية في العالم العربي هي المجتمع المدني، مثل جماعات المثقفين المبشرين بالبديل الايدولوجي والحكم الديني والداعين إلى الجهاد ضد الغرب والمرجفين من العولمة والثقافة الغربية والخائفين على الهوية والخصوصية.
(2)
الديمقراطية والليبرالية، كانتا محور كتاب «مستقبل الحرية»، لفريد زكريا. وهو يشير إلى أن هناك نوعين من الديمقراطية أحدهما ليبرالي والآخر غير ليبرالي، لافتا إلى أن ثمة خلطا كبيرا في الأذهان بينهما، وأنهما قد نشآ منفصلين عن بعضهما، عبر قرون من التاريخ حيث أتت الحرية أولا ثم تلتها الديمقراطية. على عكس ما يعتقد الكثير من نشأة الحرية في رحم الحضارة اليونانية، فإن المؤلف يعتقد بأن الشرارة الأولى، انطلقت من وهج الصراع الذي دار بين الكنيسة (في روما) والدولة (في القسطنطينية)، في أعقاب تحرك قسطنطين شرقا لينقل عاصمة إمبراطوريته من روما، إلى بيزنطة (القسطنطينية)، عام 324 ميلاديا، وهو صراع دام نحو 1500 عام. الديمقراطية كما يعرفها زكريا نوعان ليبرالية وغير ليبرالية، الأولى هي نظام سياسي لا يتميز فقط بانتخابات حرة نزيهة وإنما بسيادة القانون وفصل السلطات وحماية الحريات الأساسية وهي: حرية الكلام والتجمع والدين. أما الأخرى فهي تعطي الأسبقية للانتخابات قبل الأفكار وقيم الحرية وقد تؤدي الى حكم التسلطية والشعبوية حيث يصل إلى السلطة نظام غير ديمقراطي باسم الديمقراطية، ان هتلر مثلا أصبح مستشارا لألمانيا من خلال انتخابات حرة وبعض الأنظمة الديكتاتورية في آسيا الوسطى وصلت إلى السلطة بنفس الطريق وأدت الانتخابات في يوغسلافيا واندونيسيا إلى تفاقم النزاعات بين الجماعات والتوترات الاثنية. وقد أدت في العالم العربي إلى صعود أنظمة رجعية. وفي البلدان الحديثة العهد بالديمقراطية تتحول فيها إلى عملية زائفة تفرز الفوضى والعنف وأشكال جديدة من الاستبداد مثل إيران، العراق. إن التاريخ الحديث لأوروبا وأمريكا الشمالية سادت فيه الليبرالية الدستورية وليس الديمقراطية ولعب القاضي النزيه دوراً أساسياً فيه وليس الاستفتاء العام.
(3)
من الأمثلة التي يستشهد بها فريد زكريا على رؤيته في عدم التلازم بين الديمقراطية والحرية هو ما حدث بعد تأسيس الجمهورية الأمريكية على أيدي الآباء المؤسسين، حيث كان التنوير والثورة نحو الحرية وتحقيق العدل والمساواة حاضرا في كتابة الدستور وتأسيس بنيان الدولة، وكانت الإشكالية هو غياب هذه المفاهيم والمصطلحات عن أغلبية سكان الولايات الجنوبية الذين كانوا يعيشون على الأفكار البالية في تطبيق سياسة الأسياد والعبيد والمالك والخادم والأجير وعدم تنازلهم عن نظام الرق والتفرقة والعنصرية، ولو حدث أن قامت انتخابات حرة نزيهة في الولايات الجنوبية فإن سكانها سوف ينتخبون أغلبية عنصرية تؤيد بقاء نظام الرق واستخدام العبيد وجلبهم من دول العالم خصوصا أفريقيا. فكان لابد أن يتم الاعتراف بالحرية والعدل في تلك الولايات ولو أدى ذلك إلى الدخول في حرب أهلية وهو ما كان بعدها تمكنت الديمقراطية من أن تجد لها أرضية خصبة تنمو فيها بعيدا عن العنصرية. زكريا يشير أيضا الى أن الديمقراطيات الغربية تشهد تجاهلاً حقيقياً من قبل الشعب بها، إلا أنها تظل مع ذلك النموذج الذي يحتذي به سائر أنحاء العالم. الديمقراطية ليست مطلقة وإلا ستؤدي إلى الفوضى، ولذلك كان للنظام الذي تشكله جوانب متعددة لا تخضع كلها للانتخاب وتلك المؤسسات والمجموعات غير الديمقراطية كان الغرض منها تلطيف الانفعالات الجماهيرية وتثقيف المواطنين، وتوجيه الديمقراطية وتأمين الحرية.
فاصلة أخيرة:
أنا لا أدعو
إلى غير الصراط المستقيم…
أنا لا أهجو
سوى كل عُتلٍ وزنيم…
و أنا أرفض أن
تصبح أرض الله غابة
وأرى فيها العصابة
تتمطى وسط جنات النعيم
وضعاف الخلق في قعر الجحيم…
احمد مطر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق