الأربعاء، 24 أغسطس 2011
العبر والدروس من أزمة الشغب البريطانية
2011-08-24
جريدة الشرق- ايلاف
مشاهد العنف قد تنتقل إلى أوروبا وبقية العالم
الأزمة الاقتصادية مازالت تستهدف الطبقتين المتوسطة والفقيرة وتستثني الغنية!
هناك فارق في التعامل بين الأنظمة العربية وغيرها من الأنظمة الغربية!
هل ينتقل مشهد الشغب البريطاني من بريطانيا إلى أوروبا فرنسا وألمانيا بالتحديد؟ وهل نشهد أحداثا مشابهة في أستراليا والولايات المتحدة ودول نمور شرق آسيا في المستقبل القريب مع استمرار السياسات الفاشلة في التعامل مع آثار الأزمة الاقتصادية العالمية وتبعاتها من 2008 م التي خسّرت العالم 40% من ثرائه؟!
(1)
انطلقت شرارة الاحتجاجات الحالية من مدينة توتنهام، حيث بدأ الأمر باحتجاج سلمي في المدينة على خلفية مقتل الشاب الأسود مارك دوغان، البالغ من العمر 29 عاما. وسرعان ما انتقلت موجة الاحتجاجات إلى أجزاء أخرى من العاصمة، ومن ثم إلى مدن في جميع أنحاء انجلترا بما فيها المدينة التي نعيش فيها "ليستر" وان الشغب والتخريب لا يقارنان بالمدن الاخرى! حجم وكثافة أعمال الشغب، وسرعة انتشارها، صدم الكثير في بريطانيا والعالم. لكن السلوك التصادمي للمجتمع بين الشباب في بريطانيا لا يعتبر شيئا جديدا. فقد شهد عام 2010 مقتل 19 شابا في عمليات عنف متصلة. وخلص تقرير الحكومة حينها إلى أن الهجمات وأعمال التخريب جرت على أيدي عصابات من الشبان، الذين يعتبرون "عالة على حياة الملايين". بعض الأسباب التي أدت إلى هذه الحوادث المريعة يكمن في التدهور العام في مسألة احترام "شباب وسط المدينة" للقانون وتطبيقه. وزيادة استخدام إجراءات الإيقاف والتفتيش ضد الشباب السود في المملكة المتحدة، ولا سيما في لندن. وتخفيض أكثر من 15% من ميزانية جهاز الشرطة البريطانية، كجزء من سياسة التقشف التي تتبعها الحكومة، بسبب الديون الثقيلة التي تعاني منها الميزانية. وإلى تخفيض مماثل في البرامج الاجتماعية، خاصة تلك التي كانت تستهدف الشباب الذين لديهم ميول إجرامية. والكثير من هؤلاء الشباب هم الذين ملأوا شوارع بريطانيا بحالات النهب والسرقة خلال الأيام الأخيرة كما يذكر البروفيسور بول بيغولي، من جامعة ليدز.
(2)
الحوار الذي يطرح بعد الأزمة في الصحف ووسائل الإعلام كما شاهدناها، يبدوا انها بداية حقيقية نحو وضع الأصابع على موضع الألم التي يعاني منه المجتمع البريطاني وقد بدت بريطانيا التي بدت متخبطة بعد الأزمة العالمية الاقتصادية واثارها التي لازالت تستهدف الطبقتين المتوسطة والفقيرة بينما تبقى طبقة المال والأعمال محمية ومدعومة من أموال دافعي الضرائب! هناك شبه إجماع على الكثير من القضايا المثارة في الوقت الراهن بين الائتلاف الحاكم والمعارضة. صحيفة "الإندبندنت"أشارت إلى أن الحكومة والمعارضة خلعتا القفازات التي كان كل منهما يستخدمها في توجيه الضربات للاخرى تحت الحزام في غالبية الأحيان. وترى الصحيفة أن ذلك يمثل بداية ما يمكن وصفه "حوار سياسي حقيقي داخل البرلمان البريطاني"؛ نقاش يتجنب الفرعيات والهوامش، ويبتعد عن تسقط الأخطاء، ويركز على الموضوعات التي تهم المجتمع في المقام الأول ومنها على سبيل المثال عدم المساواة في الثروة، وضغوط الوقت التي يتعرض لها الآباء في بريطانيا في محاولتهم التوفيق بين متطلبات العمل وتربية الأبناء، والحاجة إلى مسؤولية أخلاقية جديدة من قمة المجتمع إلى قاعدته، وتجنب المناورات السياسية الرخيصة. مؤسسة الأمير تشارلز الخيرية أصدرت تحذيرا حول مشكلة البطالة في أوساط الشباب، حيث ان الهوة بين الشباب الأغنياء والشباب الفقراء تزداد في أوساط المجتمع البريطاني، الأمر الذي أدى إلى خلق طبقة دنيا من الشباب الذين يعيشون وضعا مأساويا ويشعرون بأنهم لا مستقبل لهم. كما أظهر مسح ميداني قامت به مؤسسة تشارلز، شمل أكثر من 2300 من الشباب، أن الشبان الفقراء هم أكثر استعدادا من الأغنياء ليقضوا حياتهم إما في وظيفة بسيطة خالية من الترقيات أو يعيشوا على مساعدات برامج الرعاية الاجتماعية.
(3)
الأبرز في الأزمة كان في إشادة وسائل الإعلام البريطانية بدور المسلمين في تقديم المساعدة للتصدي لأعمال السلب والنهب، والمحافظة على السلم المجتمعي، وصورة المسلم غالبا ما ارتبطت بالأخبار السلبية في الصحف ووسائل الإعلام البريطانية. قام المسلمون في لندن وغيرها من المدن البريطانية، بتشكيل اللجان الشعبية التي قامت بحماية الشركات الصغيرة، والمجتمعات الضعيفة من أعمال السلب والنهب. وقامت المراكز الإسلامية بدور رائد في تغذية مشاعر المسلمين بشكل ايجابي. وكان فريق المتطوعين من ذوي السترات الخضراء المكتوب عليها "مسجد شرق لندن"، يجوبون شوارع تاور هامليتس للمساعدة في حماية السكان، والمحال التجارية، من عصابات اللصوص، وقد برعوا في تنظيم أنفسهم لمواجهة اللصوص. كما فقد ثلاثة شباب مسلمين أرواحهم أثناء حراستهم للمحال التجارية في برمنجهام، حيث دهستهم سيارة، ووصف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الحادث بأنه "مروع"، متقدما بتعازيه إلى عائلات الضحايا الثلاث.
(4)
الغريب أن الأنظمة العربية الاستبدادية الملطخة أياديها بالدماء والقتل والمجازر والقمع حاولت أن تستغل الأزمة وصارت ترفع بيرق الدفاع عن الحريات والديمقراطية في العالم والغرب بالتحديد. حتى الرئيس الإيراني أشار إلى انه صدر قرار بفتح أبواب السفارة الإيرانية في لندن لتستوعب المعترضين البريطانيين الذين قد يتعرضون للقمع والإرهاب. كما أشار بيان اخر الى أن الأوضاع في بريطانيا متأزمة، وهناك احتمال اندلاع حرب أهلية هناك! ما يعلمه هؤلاء جيدا انه على الرغم من أن هناك فقرا وبطالة في بريطانيا إلا ان الفرق بينها وبين بلاد العرب والعجم يكمن في أنها ذات نظام ديمقراطي وبرلماني واجتماعي عريق يعطى الحريات والعدالة ويقدم الإعانات والخدمات المجانية الطبية والتعليمية، وفيها صحافة حرة ومعارضة حقيقية ونقابات وجمعيات ومجتمع مدني. إن الأنظمة السياسية الديمقراطية في الدول الغربية والولايات المتحدة رغم العيوب التي تحملها فهي مصممة لتصريف الاستياء الشعبي نحو المؤسسات السياسية التي تعمل على امتصاصه والتعامل معه، وكما يشير ديفيد مييرالى، أن مثل هذا النظام يحتضن المعارضة ويمنح المستاءين والناقمين الأمل في تحقيق مطالبهم من خلال العمل من داخل النظام واستغلال مؤسساته المختلفة، لذا يتوقع المحتجون في الشارع أن تجد مطالبهم طريقها إلى ردهات السلطة. حيث يعمل النظام على تصريف الغضب وإتاحة فرصة التغيير للمحتجين من داخل المؤسسات. ومثال على ذلك في الولايات المتحدة على سبيل المثال عندما بدأ حاكم ولاية ويسكونسن، ولايته الأولى تقدم بمقترح موازنة مثير للجدل، يحرم فيه اتحادات القطاع العام من امتيازاتهم والعمال من الأموال الضرورية، فجاء رد فعل المواطنين سريعاً، حيث نظم المدرسون والإطفائيون وضباط الشرطة مسيرات واعتصامات ومظاهرات للتعبير عن معارضتهم للتقشف، وبمساعدة النواب "الديمقراطيين" في الولاية الذين خرجوا منها وقت التصويت على الموازنة حرموا كونجرس الولاية من النصاب القانوني اللازم لإقرارها، لكن عندما فشل النشطاء في ثني الحاكم عن موقفه حولوا جهدهم إلى المؤسسات، حيث طالبوا بموجب القانون الأميركي بسحب الثقة من مجموعة من المسؤولين في الولاية، مجبرين الولاية على تنظيم انتخابات جديدة لإعادة شغل المناصب الشاغرة، وبدلاً من المسيرات نظم "الديمقراطيون" حملات انتخابية يتحدون فيها النواب "الجمهوريين" من خلال جمع الأموال وإعداد المنشورات والإعلانات وتعبئة الناس للتصويت، فكانت النتيجة أن "الديمقراطيين" حصلوا على اثنين من المقاعد الستة التي طالبوا بإعادة التصويت لها، وأجبروا "الجمهوريين" على تقديم تنازلات بشأن الموازنة. ربما هنا يكمن الفارق في التعامل بين الأنظمة العربية وغيرها من الأنظمة الغربية وطبيعة انفجار الثورات ومخرجاتها في عالم العرب مقارنة مع بقية العالم!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق