جريدة الشرق
2011-08-03
فرسان الهيكل وترهيب الناس من نشر وقبول ثقافة التسامح!
جريمة بريفيك هي الأكبر في النرويج منذ الحرب العالمية الثانية!
الاسلاموفوبيا ساهمت في عدم القبول بالآخر في الغرب!
ربما يهاجم التطرف مسجدا أو مركزا إسلاميا سنيا أو شيعيا إذا كان أتباعه يكرهون المسلمين. أو يفجر قنبلة في كنيسة إذا كان يبغض المسيحية. أو يفتح النار على مصلين يخرجون من معبد يهودي أو سيخي أو هندوسي! لكن الإرهابي الذي يحمل الجنسية النرويجية أندريس بريفيك (Anders Breivik) اختار أن يقتل بدم بارد الأمل في التعايش والتسامح والقبول للآخر الديني والعرقي. حمل بندقيته واطلق النار داخل مخيم شبابي للحزب الحاكم. واستهدف برصاصاته التي انهمرت كالمطر على الرؤوس والأجساد البريئة أبناء الوطن من الأطفال والشباب والصبايا وصغار السن في عمر الورود والذين يحملون في دمائهم خلفيات ثقافية مختلفة بيضاء وسمراء وسوداء!
(1)
الحادثة مثلت صدمة عالمية كبيرة خاصة أنها جاءت من بلد الأطراف وليس بلاد المحور التي اشتهرت بتاريخها الاستعماري مثل فرنسا وبريطانيا وهولندا واسبانيا وألمانيا. كما أنها لم تكن في أفغانستان وباكستان والعالم العربي والإسلامي وهو أمر متوقع! لقد حدثت في النرويج، الدولة التي تقع في محور المجموعة الاسكندنافية التي ارتبطت دوما في أذهان العالم حتى عند العرب والمسلمين بالسلام والتسامح والقدرة على الحوار وحتى قبول العديد من اللاجئين والأجانب والغرباء للعيش بأمان في ربوع هذه البلدان الهادئة المسالمة. تتألف النرويج من 160 ألف جزيرة صغيرة وكبيرة، يعيش فوقها أربعة ملايين نسمة ونصف المليون. وهي غنية بالمعادن كالالومنيوم وخلافه، إضافة إلى إنتاج الغاز. أعلنت النرويج في بداية الحرب العالمية الثانية عن حيادها التام بين المتنازعين، ولكن هتلر أمر بغزوها من دون النظر إلى التقيد بشروط السلام! الصدمة أصابت والد القاتل الذي قال انه لا يريد التحدث عن ابنه الذي وصفه بأنه "إرهابي"، وقال إنه ينوي البقاء في فرنسا لأنه يشعر بالخجل مما حدث. عكس التصريحات التي شهدناها من الآباء العرب والمسلمين في مصر وباكستان والخليج الذين عرفوا بإقدام أبنائهم على تفجير أنفسهم وقتل الأبرياء. ولا يزال منهم من يقدم التبريرات والأعذار ويلقى اللوم على الأعداء والجهات الخارجية بأنها وراء العملية إلى اليوم. في النرويج كان الحزب العمالي الحاكم يمسك بزمام المبادرة في حمل مشعل الانفتاح الحضاري والتعايش والتسامح وحمايته واستمراره كلما عصفت في البلاد موجة رياح يمينية متطرفة معادية. وجاءت الهجمات لإطفاء الشعلة المضيئة وترهيب الناس من مبدأ القبول بالاخر وخصوصا المسلم الغريب المرعب والمخيف. لقد كشفت التقارير انه وسط شيخوخة المجتمعات الأوروبية المهددة بمخاطر انخفاض معدلات الخصوبة وانعكاساتها الكارثية على وجود هذه المجتمعات سعى تيار الكراهية ورفض الآخر لاستثمار هذا الواقع لتحويل قضية المهاجرين خاصة من العالم العربي — الإسلامي إلى قنبلة ثقافية — سياسية — اجتماعية في أوروبا العجوز.
(2)
الوثيقة التي نشرها المتهم بارتكاب مجزرة على الانترنت تحت عنوان "إعلان استقلال أوروبا" شملت حوالي (1500) صفحة وهو بدأ بكتابتها قبل تسع سنوات، لكنه بدأ التحضير لعمليته الكبيرة منذ خريف 2009. ويبرر فعلته باستخدام الإرهاب وسيلة لإيقاظ الجماهير النائمة عن الخطر الذي يحدق بها. تشير الوثيقة إلى ان المتهم تم تجنيده على يد اثنين من المتطرفين البريطانيين أثناء اجتماع في لندن في عام 2002، وكان اجتماعا شبه مغلق حيث لم يشارك فيه أكثر من ثمانية أشخاص. وكان الهدف من الاجتماع هو إنشاء رابطة من "فرسان الهيكل" تكون مكرسة للتبشير بقيام "ثورة محافظة" في أوروبا. كما تشير الى أنه في عام 2083 ستشهد أوروبا حربا أهلية شاملة سيباد فيها الماركسيون ودعاة التعددية الثقافية وسيتم طرد المسلمين من القارة الأوروبية. وحسب نظريته، فإن الحرب ستجري على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى ستستمر حتى عام 2030، وهي عبارة عن حرب تشنها خلايا عسكرية سرية وتعزيز القوى المحافظة، وفي المرحلة الثانية المستمرة من عام 2030 حتى 2070 ستشهد مقاومة مسلحة تمهيدية لانقلابات أوروبية، وفي المرحلة الثالثة والأخيرة ستتم الإطاحة بجميع القادة الأوروبيين لتسيطر على أوروبا أجندة سياسية محافظة. كما اشتملت على عدد من الإعلاميين في الصحف الكبرى أغلبهم كتاب في صفحات الرأي، باعتبارهم أعداء يجب التخلص منهم. واعتبرت أن هناك 100 حزب سياسي في أوروبا تساند على نحو مباشر أو غير مباشر، ما يسمى «أسلمة أوروبا» بما فيها أحزاب المحافظين والعمال والديمقراطيين الأحرار.
(3)
يرى الكاتب النرويجي اسلاك سيرا ميهري، في مقال في 'الغارديان' أن جريمة بريفيك هي الأكبر في النرويج منذ الحرب العالمية الثانية. ويشير إلى أن الإرهاب في النرويج لم يأت من المتطرفين الإسلاميين ولا من اليسار المتطرف، على الرغم من أن كلتا الجماعتين عادة ما تتهمان بأنهما خطر على 'طريقة حياتنا'. والعنف في النرويج ولعقود طويلة كان تخصصا من تخصصات النازيين الجدد، ففي سبعينيات القرن الماضي مكتبات وتظاهرات عيد العمال العالمي، وفي الثمانينيات من القرن الماضي أعدمت الجماعة اثنين منها لشكها في ولائهما. وفي العقد الماضي تم قتل صبيين من أصول غير نرويجية في هجمات عنصرية. وقال ان العالم الإسلامي أصبح 'الآخر' لدرجة أن النرويجيين باتوا يفكرون أن ما يفرق 'بيننا' و'بينهم' هو أن تقتل بدم بارد. وعندما تم التعرف على القاتل فان العنف نسب إليه وحده 'إرهابي' ولم ينسب للجميع 'إرهابيون' ويتساءل إن كان الوضع مقلوبا وان الفاعل 'مجنون جاء من خلفية إسلامية'. فماذا سيكون رد الفعل. ووصف الكاتب الجو الخانق من الاسلاموفوبيا التي تنتشر في الإعلام وعلى صفحات الانترنت التي تسهم في الجنون الذي قام به اندريس بريفيك، فهو كان عضوا في اكبر الأحزاب السياسية النرويجية وهو الحزب اليميني الشعبي، وترك الحزب واخذ يكون أيديولوجيته المعادية للإسلام. وينوه انه عندما اعتقد البعض أن فاعل التفجير هو إرهاب دولي إسلامي سارع كل من باراك اوباما وديفيد كاميرون للقول انهما سيقفان الى جانب النرويج في كفاحها ضد الإرهاب الإسلامي والآن ما هو الكفاح الذي سيقفان ضده؟ من الضرورة انه ما بعد الجريمة يجب ألا تهز النرويج فقط بل أوروبا بكاملها، يجب أن يكون هذا الحادث فرصة لان نتخلص من اللا تسامح والعنصرية والكراهية التي تتزايد، ليس في النرويج أو اسكندنافيا بل في كل أوروبا.
(4)
من بين الضحايا ذاك الشاب النرويجي الأشقر ذو العيون الزرقاء الذي لم يبلغ العشرين سنة وكان يتوقع له أن يكون سياسيا وقياديا بارزا وهو اظهر موهبة في الحوارات والمناقشات والندوات السياسية. وتلك الفتاة الكردية العراقية الأصل التي تبلغ "18 سنة" والتي فرت في 1996 مع عائلتها من العراق، وهي كانت تحلم أن تصبح محامية ونائبة في البرلمان، وكانت عضوا نشيطا في الشباب العمالي وكتبت عدة مقالات تنتقد بشدة العنصرية والتمييز وعدم التسامح وقبول الآخر سواء كان في الشرق في العراق والخليج والعالم العربي والإسلامي أو في العالم الغربي الليبرالي العلماني المسيحي.
فاصلة أخيرة:
أنعى لكم، يا أصدقائي، اللغة القديمة
والكتب القديمة
أنعى لكم..
كلامنا المثقوب، كالأحذية القديمة..
ومفردات العهر، والهجاء، والشتيمة
أنعى لكم.. أنعى لكم
نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة
* نزار قباني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق