2010-01-14
في الأسبوع قبل الماضي وفي أشهر برنامج في أمريكا (ستون دقيقة) في شبكة "سي بي اس (CBS's "60 Minutes)، جاء أشرس هجوم على لسان الرئيس الأميركي باراك اوباما حين أطلق مصطلح "القطط السمينة" (Fat Cat) على الذين يحصلون على مكافآت مصرفية كبيرة، معربا عن غضبه من اعتزام المصارف التي أنقذتها الحكومة بأموال دافعي الضرائب منح مكافآت ضخمة لموظفيها بينما يعاني المواطنون من الديون. الإشكالية التي عانى منها الاقتصاد الأمريكي ووصل تأثيرة إلى دول العالم المختلفة والى أسواق الدوحة والبنوك القطرية، تتمثل في أن الرواتب والمكآفات المجزية التي تمنحها المؤسسات المالية كانت من الأسباب الرئيسية في التشجيع على الإقدام على مغامرات استثمارية مبالغ فيها، وهي أدت إضافة إلى أزمة الرهن العقاري إلى حدوث الأزمة المالية الدولية، ودفعت القطاع المالي الأميركي إلى حافة الانهيار قبل عام. أما اللعبة الجديدة التي يلعبها القطط السمان بعد الاستقرار شبه المعقول في الأزمة وليس احتواءها، هو في أنها أعادت بعض الأموال التي أقرضتها لها الحكومة لمنعها من الانهيار خلال الأزمة المالية، من أجل التهرب من الضوابط الحكومية التي ترعى المكافآت كما حدث في بعض البنوك وهو الأمر الذي وصفه أوباما بقوله "بعض الناس لم يستوعبوا الأمر بعد ومازالوا يتساءلون لماذا الناس غاضبة"؟؟!!
في الأسبوع نفسه أوصى تقرير مصرفي بريطاني بأن تفصح كبرى البنوك في البلاد عن المبالغ التي تدفعها لكبار موظفيها، إذا تجاوزت 1.65 مليون دولار. والتقرير عبارة عن توصيات أعدها ديفيد ووكر رئيس مجلس الإدارة السابق للوحدة الدولية لبنك مورغان ستانلي وقدمها للحكومة البريطانية، بعد موجة غضب شعبي من ارتفاع علاوات ورواتب مسؤولي البنوك الكبار. من جانبها ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز أن رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون تعهد باتخاذ "إجراءات صارمة" بشأن المكافآت المبالغ فيها في القطاع المالي في إطار مسعى دولي. وفي مقابلة نشرتها الصحيفة على صدر صفحتها الأولى قال براون إن الرواتب والمكافآت يجب ان تدفع على اساس النتائج على المدى الطويل وليس المكاسب عن طريق المضاربات وانه يجب على البنوك أن تسترد المكافآت إذا تدهور الأداء في الأعوام التالية؟!
نشرت أرقـام بزنس إنفو، وهو موقع الكتروني متخصص بتقديم المعلومات المالية والأخبار الاقتصـادية المتعلقـة بأسـواق الأسـهم في منطقة الخليج والشـركات المدرجة فيها، دراسة حول المكافآت والتعويضات التي حصل عليها كبار التنفيذيين في الشركات السعودية المساهمة، وكشفت أن مسئولين في شركات "ساب" و"الكابلات" و "صافولا" و"الأبحاث والتسويق" قد حصلوا على أعلى المكافآت. وأظهرت الدراسة أن كبار التنفيذيين في 7 بنوك سعودية و3 شركات أخرى (موبايلي، إعمار، البحر الأحمر) قد جاءوا في رأس القائمة. وكانت مجموعة سامبا الأكثر سخاء، حيث بلغت مكافآت ستة من التنفيذيين الكبار 47.6 مليون ريال من ضمنهم الرئيس التنفيذي للمجموعة؟!
في قطر أعلن وزير المالية منذ فترة أن وزارته ستنفق 900 مليون دولار على شراء حصة 5% في بعض البنوك المحلية قبل نهاية العام وهو القرار المستند إلى قرار اتخذته هيئة الاستثمار القطرية العام الماضي لشراء ما بين 10 - 20 % من أسهم البنوك المدرجة بالإضافة إلى شراء المحافظ المتعثرة وبعض المديونيات غير القادرة على الدفع، وبتاريخ 23/12/2009 ذكر تقرير لمجموعة "كريدت سويس" (Credit Suisse) المصرفية، أوردته نشرة "داو جونز"، أن المصارف القطرية قد تعاني من انكشافها على مجموعة دبي العالمية المثقلة بالديون والتي تسعى جاهدة لإعادة جدولة ديون مترتبة عليها بقيمة تلامس 22 مليار دولار، وأشار التقرير إلى أنه رغم إعلان عدد من المصارف القطرية، منها البنك التجاري القطري وبنك قطر الدولي الإسلامي وبنك الدوحة، عن عدم انكشافها لمجموعة دبي العالمية أو الشركات التابعة لها (ولا نعرف اين تقف هذه البنوك في نشاطاتها الأخرى في الدول الخليجية أو العربية أو الأجنبية)، إلا أن مصرف قطر الإسلامي، وعلى عكس البنوك المذكورة، كشف في بداية شهر ديسمبر الجاري عن تعرضه لمجموعة دبي العالمية بمبلغ يلامس ( 54 مليون ريال قطري) في شكل مساهمة في صكوك إسلامية متداولة مغطاة بأصول عينية مستحقة السداد في عام 2017.
وحسنا فعل مجلس الشورى القطري في طرح موضوع مكافآت وبدلات أعضاء مجالس إدارات البنوك والشركات المساهمة العامة، واعتقد أنها خطوة صحيحة يجب أن تتبعها خطوات في تقييم ومراجعة وضع القوانين و الضوابط و معايير الحوكمة للنظام في المؤسسات والشركات والبنوك التي تملك فيها الدولة حصصا واسهما ومحافظ، وصياغة معايير واليات واضحة ومحددة لمواجهة القطط السمان، فالرواتب والمكافآت يجب أن تقدم على أساس النتائج طويلة المدى وليس من خلال المضاربات في البورصة والعقارات وأن يتم استردادها إذا تدهور الأداء في الأعوام التالية.
بات من الواضح أن السبب الرئيسي في حدوث الأزمة المالية العالمية يعود إلى غياب الضوابط والمعايير والقوانين التي تحكم المسئولين ومديري وأعضاء وأصحاب النشاط الاقتصادي المصرفي والأذرع التابعة له من مؤسسات مالية وشركات مساهمة وأسواق نقدية ومالية، كما أشار لذلك الدكتور غسان قلعاوي، فهم لم يتعلموا الدرس وعادوا بعد تهدئة الأزمة والحصول على المساعدات و التمويل والسيولة من قبل الحكومات من الميزانيات الاحتياطية وصندوق الأجيال و دافعي الضرائب إلى معالجة الأزمة بنفس الأساليب التي أدت إليها من إصرار على تغليب هدف الربحية والأجور العالية والاستثمارات التي تغلب عليها صفة المضاربة وارتفاع مستويات الخطر والتوسع في الإقراض وطلب المزيد من الدعم والسيولة من قبل الحكومات؟؟!! وهي أساليب بعيدة عن عوامل الأمان والسلامة التي تكفل الحفاظ على الأموال باعتباره الهدف الأول للنشاط المصرفي.
النشاط الاقتصادي وخصوصا البنوك وبعض المؤسسات المساهمة بشكل عام وعندنا في الخليج وفي قطر بوجه خاص تجاور الحدود والقوانين التي صيغت لضبطه باعتباره نشاطاً أميناً على حفظ أموال الجمهور قبل العمل على تنمية أرباح ملاكه وأجور مديريه والمسئولين الكبار فيه، وكان تجاوزه مقترنا بتساهل أو بتغاضي السلطات المالية والنقدية المسؤولة، بل بتمهيد وتشجيع منها في معظم الأحيان في ظل عهد طفرة الاستثمار المنفلت.
ما الحل إذا، وكيف تتم مواجهة الإشكاليات المطروحة؟.. أعود مرة أخرى لرؤية الدكتور غسان قلعاوي الذي طالب بالعودة إلى الالتزام بالضوابط الدولية وعدم تجاوزها أو القفز عليها، أهمها كفاية رأس المال وتكوين الاحتياطيات الخاصة وأداء الاحتياطيات الإلزامية وحظر الأنشطة والأعمال غير المصرفية كممارسة التجارة أو الصناعة أو امتلاك البضائع والمتاجرة بها أو شراء العقارات أو تملك الأسهم أو المتاجرة بها، أو المساهمة في تمويل إنشاء عقارات سكنية أو تجارية إلا في حالات خاصة وضمن حدود معينة ولمدد محددة، ليعود النشاط كما كان في سابق عهده كأمين على ودائع وأموال الناس.
خــــالـــد الجــابــر
Aljaberzoon@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق